خطبة : ( رمضان أقبل ... فيا باغي الخير أقبل )

عبدالله البصري
1438/08/29 - 2017/05/25 15:30PM
رمضان أقبل ... فيا باغي الخير أقبل 29 / 8 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، سَوَاءٌ استَيقَظَت قُلُوبُنَا مِن رَقَدَاتِ الغَفلَةِ وَانتَبَهَت ، فَتَيَقَّنَّا أَنَّ أَنَفسَ مَا صُرِفَت لَهُ الأَوقَاتُ وَأُمضِيَت فِيهِ السَّاعَاتُ ، هُوَ عِبَادَةُ رَبِّ الأَرضِ وَالسَّماوَاتِ ، أَمِ استَولى عَلَينَا ضَعفُ النُّفُوسِ وَخَوَرُ العَزَائِمِ ، وَأَخَذَت بِنَا الدُّنيَا في مَسَارِبِهَا وَتِهنَا في دُرُوبِهَا ، وَشَغَلَتنَا زَخَارِفُهَا وَصَرَفَنَا مَتَاعُهَا عَمَّا خُلِقنَا لَهُ ، فَإِنَّنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ في طَرِيقِ الآخِرَةِ مَاضُونَ ، وَإِلى اللهِ عَلَى الدَّوَامِ سَائِرُونَ ، وَإِلَيهِ عَن قَرِيبٍ صَائِرُونَ ، وَعَلَى مَا أَعَدَّهُ لَنَا قَادِمُونَ ، وَهُوَ - تَعَالَى - قَد خَلَقنَا لأَمرٍ عَظِيمٍ وَغَايَةٍ جَلِيلَةٍ ، وَجَعَلَ جَزَاءَ الطَّاعَةِ الجَنَّةَ بِفَضلِهِ ، وَنَتِيجَةَ المَعصِيَةِ النَّارَ بِعَدلِهِ " فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم في جَهَنَّمَ خَالِدُونَ "
" فَأَمَّا مَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ . فَهُوَ في عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . وَأَمَّا مَن خَفَّت مَوَازِينُهُ . فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ "
وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الأَزمِنَةُ الفَاضِلَةُ مِن أَنسَبِ أَوقَاتِ الجِدِّ في الطَّاعَةِ ، وَأَحرَاهَا بِالتَّوبَةِ وَالإِنَابَةِ ، وَكَانَ شَهرُ رَمَضَانَ مِن مَوَاسِمِ الجُودِ الإلَهِيِّ العَمِيمِ ، حَيثُ تُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ وَتُغلَقُ أَبوَابُ النِّيرَانِ ، وَيُنَادِي مُنَادِي الخَيرِ وَتُفتَحُ أَبوَابُ الجِنَانِ ، وَتُقَالُ العَثرَاتُ وَتُمحَى السَّيِّئَاتُ ، وَتُوَزَّعُ الجَوَائِزُ الرَّبَّانِيَّةُ عَلَى الأَصفِيَاءِ وَالمُجتَهِدِينَ ، كَانَ لِزَامًا عَلَينَا أَن نَنتَبِهَ مِن غَفَلاتِنَا ، وَأَن نَستَيقِظَ مِن رَقَدَاتِنَا ، وَأَن نَتَوَاصَى عَلَى تَحصِيلِ مَرضَاةِ الرَّبِّ العَظِيمِ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ ، قَبلَ أَن يَجتَذِبَنَا دُعَاةُ البَاطِلِ ، الَّذِينَ يَتَعَاظَمُ كَيدُهُم في أَعظَمِ الشُّهُورِ ، وَيُسرِفُونَ في إِغوَاءِ الخَلقِ بِاللَّهوِ وَالفُجُورِ ، وَيَسرِقُونَ الأَوقَاتَ بِمَا يَعرِضُونَهُ وَيُذِيعُونَهُ ، وَيُفسِدُونَ القُلُوبَ بِمَا يَنشُرُونَهُ وَيُشِيعُونَهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد صَامَتِ الأُمَّةُ فِيمَا مَضَى دُهُورًا ، وَمَرَّ رَمَضَانُ بِكَثِيرٍ مِنَّا شُهُورًا ، فَهَل ازدَدْنَا مِنَ اللهِ قُربًا ؟!
هَلِ امتَلأَت قُلُوبُنَا إِيمَانًا وَتَقوًى ؟!
هَل نَحنُ بَعدَ كُلِّ رَمَضَانَ أَحسنُ مِنَّا قَبلَهُ ؟
إِنَّ في الوَاقِعِ خَيرًا كَثِيرًا وَللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ ، وَثَمَّةَ نَمَاذِجُ صَالِحَةٌ يُقتَدَى بِهَا ، في التَّعَبُّدِ وَالتَّأَلُّهِ ، وَفي المُنَافَسَةِ في الطَّاعَاتِ وَاستِبَاقِ الخَيرَاتِ ، وَفي حِفظِ الصِّيَامِ وَطُولِ القِيَامِ ، وَفي الجُودِ وَالإِنفَاقِ وَتَفطِيرِ الصَّائِمِينَ وَالإِحسَانِ إِلى المُحتَاجِينَ ، لَكِنَّ فِيهِ أيضًا مَا يُؤلِمُ القَلبَ وَيَكسِرُ الخَاطِرَ ، وَيَستَوجِبُ النُّصحَ لِلنَّفسِ وَلِلآخَرِينَ ، بِوُجُوبِ بِذلِ الجُهدِ في إِصلاحِ القُلُوبِ ، وَمُحَاوَلَةِ تَغيِيرِ الأَحوَالِ لِلأَحسَنِ ، إِذْ إِنَّ رَمَضَانَ يَدخَلُ وَيَخرُجُ ، وَفِينَا مَن لم يُحِسَّ بِأَنَّهُ قَد مَرَّ بِهِ مَوسِمُ تِجَارَةٍ أُخرَوِيَّةٍ ، فَهُوَ لِهَذَا بَاقٍ عَلَى خُمُولِهِ وَكَسَلِهِ ، لم يُتَاجِرْ وَلم يُرَابِحْ ، وَلم يُسَابِقْ وَلَم يُنَافِسْ ، لم تَشهَدْ لَهُ المَسَاجِدُ بِعِمَارَتِهَا في طَاعَةٍ ، وَلا الجَمَاعَاتُ بِحُضُورِهِ في فَرِيضَةٍ أَو نَافِلَةٍ ، وَلا المَصَاحِفُ بِطُولِ نَظَرٍ فِيهَا وَتِلاوَةٍ لها آنَاءَ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ ، وَلا مَشرُوعَاتُ البِرِّ بِمُسَاهَمَةٍ فِيهَا وَلَو بِقَلِيلٍ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ الأُمَّةَ لَو تَجَهَّزت لِهَذَا الشَّهرِ وَأَعَدَّت لَهُ عُدَّتَهُ ، وَشَمَّرَ النَّاسُ جَمِيعًا عَن سَوَاعِدِ الجِدِّ ، وَشَدُّوا مَآزِرَهُم في الطَّاعَةِ ، وَأَكثَرُوا مِمَّا يُقَرِّبُهُم إِلى اللهِ وَالدَّارِ الآخِرَةَ ، لَرَأَينَا بَعدَ رَمَضَانَ أُمَّةً جَدِيدَةً ، تُولَدُ وَتَحيَا حَيَاةً مُغَايِرَةً لِمَا كَانَ قَبلَهُ .
فَرقُ كَبِيرُ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - بَينَ مَن يَقدُمُ عَلَى رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ لاكتِسَابِ الحَسَنَاتِ بِتَكثِيرِ الطَّاعَاتِ ، وَعَزِيمَةٍ قَوِيَّةٍ عَلَى فِعلِ الخَيرِ وَتَنوِيعِ القُرُبَاتِ ، وَنَفسٍ مَشحُونَةٍ بِالصَّبرِ وَالمُصابَرَةِ وَالمُجَاهَدَةِ ، وَكَفٍّ سَخِيَّةٍ وَيَدٍ نَدِيَّةٍ ، وَبَينَ مَن يَعِيشُ أَيَّامَهُ في الأَمَانِيِّ وَالأَحلامِ ، أَو يَقضِيهَا مَشغُولاً بِتَحصِيلِ مَصلَحَةٍ دُنيَوِيَّةٍ بِبِيَعٍ أَو شِرَاءٍ ، أَو تَكَثُّرٍ بِسُؤَالٍ وَاستِعطَاءٍ ، أَوِ استِغرَاقٍ في النَّومِ وَاللَّعِبِ وَمُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ ، أَو تَفَنُّنٍ في تَنَاوُلِ أَصنَافِ المَأكُولاتِ وَالمَشرُوبَاتِ .
إِنَّ مَعُونَةَ اللهِ لِعِبَادِهِ في شَهرِهِم ، بَل وَفي كُلِّ زَمَانِهِم وَدَهرِهِم ، مَقرُونَةٌ بِمُرابَطَتِهِم وَصَبرِهِم ، وَمُنَافَسَتِهِم في الصَّالِحَاتِ ، وَاستِبَاقِهِم الخَيرَاتِ ، وَمُسَارَعَتِهِم إِلى أَسَبَابِ المَغفِرَةِ ، وَفي الحَديثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَّاهُ الشَّيخَانِ ، يَقُولُ اللهُ – تَبَارَكَ وَتَعَالى - : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِنْ ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِنْ ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبرٍ تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً "
أَلا فَلْيَعُدْ كُلٌّ مِنَّا إِلى نَفسِهِ ، وَلْيُثِرْ فِيهَا كَوَامِنَ الشَّوقِ إِلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – وَلْيَستَحضِرْ أَنَّ الجَنَّةَ دَارُ المُتَّقِينَ ، وَأَنَّ فِيهَا النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ ، وَقَد كَانَ كُلُّ أُولَئِكَ مُشَمِّرِينَ ، وَإِلى مَا يُرضِي اللهَ سَبَّاقِينَ ، وَقَد قَالَ مُوسَى – عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرضَى " وَكَانَ مِن دُعَاءِ الحَبِيبِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في صَلاتِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " وَأَسأَلُكَ الرِّضَا بِالقَضَاءِ ، وَبَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجهِكَ ، وَالشَّوقَ إِلى لِقَائِكَ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فَأَينَ مَن يُرِيدُ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ ؟
أَينَ مَن يُرِيدُ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجهِ اللهِ الكَرِيمِ ؟
هَلِ اشتَقتُم إِلى لِقَاءِ اللهِ - عِبَادَ اللهِ - ؟!
لا بُدَّ أَنَّ كُلاًّ مِنَّا كَذَلِكَ ، وَإِلاَّ فَمَا قِيمَةُ حَيَاتِنَا وَأَيُّ ثَمَرَةٍ لَهَا ؟!
أَفَتَرَونَهُ يَنَالُ بَردَ العَيشِ في القَبرِ وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجهِ اللهِ في الجَنَّةِ عَبدٌ استَولَت عَلَى قَلبِهِ الشُّبُهَاتُ وَامتَلَكَتهُ الشَّهَوَاتُ ، وَأَهلَكَتهُ جَوَائِحُ المَعَاصِي وَرَانَت عَلَيهِ السَّيِّئَاتُ ، أَو عَجَزَ عَنِ استِيعَابِ عَظِيمِ الأَجرِ في الصَّبرِ وَتَقدِيمِ الصَّالِحَاتِ البَاقِيَاتِ ؟!
تَأَمَّلُوا – عِبَادَ اللهِ – قَولَ رَبِّكُم – جَلَّ وَعَلا - : " مَن ذَا الَّذِي يُقرِضُ اللهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أضعافًا كَثِيرَةً " لِتَعلَمُوا أَنَّ اللهَ – تَعَالَى – قَدِ استَقرَضَكُم أَموَالَكُم وَأَعمَارَكُم وَأَعمَالَكُم ، لِيُوَفِّيَكُم أَجَورَكُم وَيُضَاعِفَ حَسَنَاتِكُم ، وَقَد حَدَاكُم – سُبحَانَهُ - إِلى المُسَابَقَةِ وَالمُسَارَعَةِ وَالمُنَافَسَةِ ، فَقَالَ – تَعَالى - : " فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ " وَقَالَ : " وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ "
وَقَالَ : " سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
وَقَالَ : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ . في جَنَّاتِ النَّعِيمِ "
وَقَالَ : " إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . تَعرِفُ في وُجُوهِهِم نَضرَةَ النَّعِيمِ . يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ مَختُومٍ . خِتَامُهُ مِسكٌ وَفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ "
فَاللهَ اللهَ – عِبَادَ اللهِ – وَكُونُوا مَعَ السَّابِقِينَ ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الرُّكونِ إِلى القَاعِدِينَ ، وَإِذَا ضَعُفَتِ العَزَائِمُ أَو خَارَتِ القُوَى ، أَو شَحَّتِ النُّفُوسُ أَو بَخِلَت ، فَحَدِّثُوهَا بِيَومٍ تَدخُلُونَ فِيهِ الجَنَّةَ ، فَلا يَكُونُ شَيءٌ في ذَلِكَ اليَومِ بَعدَ نَعِيمِ دُخُولِهَا أَعَظمَ مِن نَعِيمِ رُؤيَةِ وَجهِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – فِيهَا ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِذَا دَخَلَ أَهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ ، قَالَ : يَقُولُ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - : تُرِيدُونَ شَيئًا أَزِيدُكُم ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَم تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ أَلَم تُدخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : فَيَكشِفُ الحِجَابَ ، فَمَا أُعطُوا شَيئًا أَحَبَّ إِلَيهِم مِنَ النَّظَرِ إِلى رَبِّهِم - عَزَّ وَجَلَّ - " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
فَحَيَّهَلا إِنْ كُنتَ ذَا هِمَّةٍ فَقَد
حَدَا بِكَ حَادِي الشَّوقِ فَاطوِ المَرَاحِلا
وَلا تَنتَظِرْ بِالسَّيرِ رُفقَةَ قَاعِدٍ
وَدَعْهُ فَإِنَّ العَزمَ يَكفِيكَ حَامِلا
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً . أُولَئِكَ لَهُم جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهَارُ يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلبَسُونَ ثِيَابًا خُضرًا مِن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَت مُرتَفَقًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ كَمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا " " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا " " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعظِمْ لَهُ أَجرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَذَا رَمَضَانُ قَد حَضَرَكُم ، فَأَعِدُّوا العُدَّةَ وَأَصلِحُوا النِّيَّةَ ، وَاعزِمُوا عَلَى الطَّاعَةِ وَاسلُكُوا طَرِيقَ الصَّالِحَاتِ وَالحَسَنَاتِ يَزِدْكُم رَبُّكُم مِنهَا وَيُبَارِكْ لَكُم فِيهَا ، فَإِنَّ الرَّبَّ - تَعَالى - غَفُورٌ شَكُورٌ ، لا يُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً ، وَلا يَرُدُّ مَن أَقبَلَ عَلِيهِ مُؤَمِّلاً ، قَالَ - تَعَالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمَن يَقتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " إِنْ تُقرِضُوا اللهَ قَرضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ . وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ "
إِنَّ النُّفُوسَ عَلَى مَا عَوَّدَهَا أَصحَابُهَا ، وَلَيسَ شَيءٌ أَضَرَّ بِها مِنَ الكَسَلِ أَوِ الاستِعجَالِ وَالمَلَلِ ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " الخَيرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ – تَعَالى – في ذَمِّ الكُسَالى : " وَلَو أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُم وَقِيلَ اقعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ يَقُولُ دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي " رَوَاهُ الشَّيخَانِ .
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " خُذُوا مِنَ الأَعمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
فَلْنُعَوِّدِ النُّفُوسَ الإقبَالَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالاستِكثَارَ مِنَ الحَسَنَاتِ ، وَخَاصَّةً في مَوَاسِمِ الخَيرَاتِ ؛ فَإِنَّ للهِ في تِلكَ المَوَاسِمِ نَفحَاتٍ ، فَعَسَى أَن تُصِيبَنَا وَاحِدَةٌ مِنهَا فَنَسعَدَ بِهَا سَعَادَةً نَأمَنُ بَعدَهَا مِنَ النَّارِ وَمَا فِيهَا مِنَ اللَّفَحَاتِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
المرفقات

رمضان أقبل فيا باغي الخير أقبل.doc

رمضان أقبل فيا باغي الخير أقبل.doc

رمضان أقبل فيا باغي الخير أقبل.pdf

رمضان أقبل فيا باغي الخير أقبل.pdf

المشاهدات 1832 | التعليقات 2

جزاك الله خير ونفع بعلمك الاسلام والمسلمين كلمات بليغة مؤثرة , اسال الله أن يبلغنا واياك هذا الشهر المبارك ويتقبل منا فيه الصيام والقيام


جزاك الله خيرا