خطبة: رسالة لجار المسجد
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: رسالة لجار المسجد
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه ليسَ لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ له فيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ فَرَخَّصَ له، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقالَ: هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فأجِبْ. هذا حديثٌ عظيمٌ يَدُلُّ على شدّةِ تأكيدِ وجوبِ أداءِ الصّلواتِ المفروضةِ جماعةً في المساجد. فهذا الأعمى لم يُرخّصْ له الرّسولُ صلى اللهُ عليه وسلمَ أنْ يُصليَ في بيتِه، رُغمَ كَفِّ بصرِه ووُعُورَةِ طريقِه إلى المسجد، فما عُذرُك يا مَن تَتَخلّفُ عن الجماعةِ، وأنت جارُ المسجدِ وقد عافاك اللهُ في سمعِك وبصرِك وجوارحِك؟ ما عذرُك وأنت تَسمعُ النّداءَ حَيَّ على الصّلاةِ حَيَّ على الفلاحِ ولا تُجيب؟ فيا مَن أكرمَك اللهُ بجوارِ بيتِه؟ يا مَن عافاك اللهُ ومَتَّعَك بالصّحةِ والعافية؟ أَدِّ حَقَّ ذلك الجوارِ، واشكرْ ربَّك على نعمةِ العافيةِ والأمنِ والأمان، وأَجِبْ داعيَ اللهِ وسارعْ إلى المسجدِ لأداءِ الصّلاةِ، ففي ذلك فوزُك ونجاتُك وسعادتُك وفلاحُك، قالَ عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه: مَنْ سَرَّه أنْ يلقى اللهَ غدًا مسلمًا، فليحافظْ على هذه الصّلواتِ حيثُ يُنادى بهنَّ، فإنّ اللهَ شَرَعَ لنبيِّكم سُنَنَ الهُدى، وأِنَّهُنَّ مِن سُنَنِ الهدى. فيا مَن أَتيتَ للمسجدِ في رمضانَ، يَحدوك ما في قلبِك مِن إيمانٍ وحُبٍّ للقرآن ورغبةٍ للفوزِ بالجِنان، ولكنّك تَثاقلتَ عن أداءِ الصّلاةِ مع الجماعةِ في المسجدِ بعدَ رمضان، فاحذرْ وفّقَك اللهُ مِن تَثبيطِ الشّيطانِ، وجاهدْ نفسَك على طاعةِ ربِّك واتّباعِ سُنَّةِ نبيِّك صلى اللهُ عليه وسلم، وأَقْبِلْ على الصّلاةِ في بيوتِ اللهِ، لتكونَ مِن الرّجالِ الذينَ أَثنى اللهُ عليهم (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) فَهَلُمَّ رعاك اللهُ إلى المسجدِ، فقد اشتاقَ إليك المصلّونَ الرّاكعونَ السّاجدون، وقد اشتاقتْ إليك الملائكةُ الكرامُ، الذينَ يَملؤونَ المسجدَ ليَحفّوكَ بدعواتِهم: اللهمّ اغفرْ له، اللهمّ ارحمْه، واشتاقَ إليك مُصلّاك، ومَوضعُ سُجودِك ومَمشاك، ليَشهدَ لك يومَ القيامةِ عندَ مولاك، فيا مَن شرحَ اللهُ صدرَه للصّلاةِ مع الجماعةِ في بيوتِ اللهِ أَبشرْ، فإنّ اللهَ غفورٌ كريمٌ شكورٌ، يُكرمُ أهلَ بيوتِه ومَن تَعلّقتْ قلوبُهم فيها وتَردّدوا عليها خمسَ مرّاتٍ في اليومِ والليلةِ، فيَتَفَضّلُ عليهم بأنواعِ الكرامات، فيَشرحُ وصدورَهم ويُسعدُ قلوبَهم ويُضاعفُ أجورَهم ويَمحو خطاياهم ويَرفعُ درجاتِهم ويَكتبُ آثارَهم، ويَشفيهم ويَحفظُهم ويُصلحُ حالَهم، ويَرزقُهم ويُباركُ لهم ويُنزلُ السّكينةَ عليهم، ويُبشّرُهم بالنّورِ التّامِّ يومَ القيامة، ويُظلّهم في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه، ويُدخلُهم الجنّةَ ويَقيهم عذابَ الجحيم، فاتّقِ اللهَ رحمَك اللهُ، وحافظْ على الصّلاةِ في المسجدِ مع جماعةِ المسلمين، وستجدُ الخيرَ والرّزقَ والبركةَ والأُنْسَ والسّعادةَ في الدّنيا، وستجدُ الأجورَ المضاعفةَ ورفعةَ الدّرجاتِ وتكفيرَ السّيئاتِ وحُسنَ العاقبةِ في الآخرة (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ، فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 8/ 10/ 1444هـ