خطبة: رَبِّي تُبْتُ عَبْدِي قَبِلْتُ
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: رَبِّي تُبْتُ عَبْدِي قَبِلْتُ
الخطبة الأولى
الحُمْدُ للهِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ مِنْ أفضلِ ما تُستقبلُ به مواسمُ الإيمان، والتي من أعظمِها موسمُ شهرِ رمضان، أنْ تُستقبلَ بالتّوبةِ والاستغفار، حتّى يدخلَها المسلمُ طاهرًا من الذّنوبِ والأوزار، فما أحوجَنا إلى التّوبةِ، فالذّنوبُ كثيرة، ولكنّ رحمةَ اللهِ أكثر، أنا مُذنبٌ أنا مُخطئٌ أنا عاصي، هو غافرٌ هو راحمٌ هو كافي، قابلتُهنَّ ثلاثةً بثلاثةٍ، فلتَغْلِبَنْ أوصافُه أوصافي، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: يا بنَ آدم، إنَك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لك على ما كانَ منك ولا أُبالي. يا بنَ آدم! لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السّماء، ثمّ استغفرتَني غفرتُ لك ولا أُبالي. يا بنَ آدم! لو أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا، ثمّ جئتَني لا تشركُ بي شيئًا، لأتيتُك بقُرابِها مغفرة. يا مَنْ يَرى مّدَّ البعوضِ جَناحَها، في ظُلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ. ويَرى عُروقَ نياطِها في نَحرِها، والمُخَّ في تلك العِظامِ النُّحّلِ. اغفرْ لعبدٍ تابَ من زَلّاتِهِ، ما كانَ منه في الزّمانِ الأوّلِ. جاءَ شيخٌ كبيرٌ أسرفَ على نفسِه بالذّنوبِ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ فقال: يا نبيَّ الله، أرأيتَ مَنْ عملَ الذّنوبَ كلَّها فلمْ يَتركْ منها شيئًا، وهو في ذلك لم يَتركْ حاجّةً ولا داجّةً إلا أتاها، فهل له من توبة؟ فقالَ له النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: تَشهدُ أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسولُ الله؟ قالَ نعمْ يا نبيَّ الله، فقالَ له: تَفعلُ الخيراتِ وتَتركُ السّيئات، فيَجعلُهنَّ اللهُ لك خيراتٍ كلَّهنّ، قالَ الرجل: يا رسولَ اللهِ وغَدَراتي وفَجَراتي؟ قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: نعمْ وغَدَراتُك وفَجَراتُك، فقالَ الرّجل: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر، فما زالَ يُكَبِّرُ ويُهَلّلُ حتى تَوارى، فأَحْسِنِ الظّنَّ بربِّكَ ومولاك، وبادرْ إلى التّوبةِ من خطاياك، وقلْ: ربّي تُبْت، يقولُ: عبدي قَبِلْت، ربّي ندمْت، يقولُ عبدي غفرْتُ وسترْتُ وتَجاوزْت، يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذنوبي كثرةً، فلقدْ علمتُ بأنَّ عفوَك أعظمُ. إنْ كانَ لا يرجوكَ إلا مُحسنٌ، فبمَنْ يَلوذُ ويَستجيرُ المُجرمُ. أدعوكَ ربِّ كما أَمَرْتَ تَضُرُّعًا، فإذا رَدَدْتَ يدي فمَنْ ذا يَرحمُ. ما لي إليك وسيلةٌ إلا الرّجا، وعظيمُ عفوِك ثمّ أنّيَ مُسلمُ. وصَدَقَ اللهُ ومَنْ أصدقُ من اللهِ حديثًا (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، واستقبلوا شهرَ رمضان، بقلوبٍ تَعْمُرُها التّوبةُ والإيمان، وصدورٍ سليمةٍ من الشّحناءِ والأضْغان، وأبشروا بمغفرةِ ذنوبِكم مهما بَلَغَتْ، فإنّ ربَّكم رحيمٌ كريمٌ حليمٌ غفّار، يا مَنْ يَرى ما في الضّميرِ ويَسمعُ، أنتَ المُعَدُّ لكلِّ ما يُتَوَقَّعُ. يا مَنْ يُرَجَّى للشّدائدِ كلِّها، يا مَنْ إليه المُشتكى والمَفزعُ. يا مَنْ خزائنُ رزقِه في قولِ كُنْ، امْنُنْ فإنّ الخيرَ عندك أجمعُ. حاشا لفضلِك أنْ تُقَنِّطَ عاصيًا، الفضلُ أَجْزَلُ والمواهبُ أوسعُ (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، الرّحمنِ الرّحيم، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله
اتّقُوا اللهَ حقَّ التّقوى ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
اللهمّ بلّغْنا رمضان، ونحنُ في صحّةٍ وعافيةٍ وأمنٍ وإيمان، وباركْ لنا فيه واجعلْنا مباركين، وللخيراتِ سابقين، وإلى ما يُرضيك مُسارعين، ولفضلِك راغبين، ومن عذابِك مُشفقين، اللهمّ ارزقْنا فيه التّوبةَ والإنابة، وافتحْ لأدعيتِنا أبوابَ الإجابة، اللهمّ وفِّقْنا لهُداك، واجعلْ عملَنا في رضاك، وثبّتْنا على دينِك وطاعتِك حتى نلقاك، اللهمّ اجعلْنا فيه من المقبولينَ، ومن عتقائِك من النّار، وأدخلْنا الجنّةَ مع الأبرار، ووالدِينا وأهلينا وذرّيّاتِنا وجميعَ المسلمين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 29/ 8/ 1443هـ