(خطبة) ذم الانغماس في الدنيا
خالد الشايع
خطبة في ذم الانغماس في الدنيا ١١/٣/١٤٤٤
أما بعد فيا أيها الناس : خلقنا للعبادة ، وكلفنا بالشرائع ، وحملنا الأمانة ، وسخر الله لنا مافي الأرض جميعا ، لنتمكن من أداء التكاليف الشرعية ، وجعلت الأرض وما عليها ابتلاء للناس ، ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) فالله جل جلاله خلق الإنسان ، وكلفه بالشرائع ، ويسر له كل شيء ، وحف طريق التطبيق بالشهوات ، ليتبين الصادق من الكاذب ، ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون )
عبادالله : إن المتأمل في أحوالنا جميعا إلا من رحم الله، يرى الانغماس في الدنيا وملذاتها ، فحالنا حال من لا يموت ، أو يموت ثم لا يبعث ، فهو يسابق الزمن في جمع حطام الفانية ، وقد نسي الآخرة ، وكأنه يعيش خالدا في الدنيا ، أو أنه لن يبعث ، جمعا للأموال ، وبناء للمنازل ، وغرسا للأشجار والمزارع ، ومساهمات، وشركات ، وأرصدة ، وقتالا على ذلك كله ، وتحاسدا ، وتهاجرا وتقاطعا ، ملأت الدنيا قلوبنا ، وخلت من الآخرة ، إلا من رحم الله تعالى
عباد الله :
إن الناظر المتفحص لأحوالنا يجد الكثير منا قد جعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، يعدو وراءها ويلهث في سبيل تحصليها، كلما نال منها شيئاً ازداد طلبه لها وجريه وراءها علّه ينال منها أشياء أخرى، كما قال الشاعر: فما قضى أحد منها منالته
ولا انتهى أرب إلا إلى أرب
فالإنسان الذي يشتغل بالدنيا ويؤجل الأعمال الصالحة إلى أن يفرغ لا يمكن أبداً أن يفرغ؛ لأن آمال الدنيا لا تنتهي، ولا يقضي أحد وطره منها أبداً، فعليه أن يجعل الهموم هماً واحداً، وهو إرضاء الله سبحانه وتعالى، فيتولى الله سبحانه وتعالى تيسير أمور دينه ودنياه .
أخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم : ( من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ )
فكن لله تسخر لك الدنيا والآخرة
عباد الله : ليتأمل كل منا حاله ، وكيف يقضي وقته ، وهل هو مستعد للآخرة ، أم غارق في الدنيا وملاذها وجمع حطامها .
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ....أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس :
أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمرو بن عوف قال صلى الله عليه وسلم( أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ إلى البَحْرَيْنِ يَأْتي بجِزْيَتِهَا، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو صَالَحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ، وأَمَّرَ عليهمُ العَلَاءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأنْصَارُ بقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى بهِمُ الفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا له، فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وقالَ: أَظُنُّكُمْ قدْ سَمِعْتُمْ أنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قدْ جَاءَ بشيءٍ؟، قالوا: أَجَلْ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فأبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لا الفَقْرَ أَخْشَى علَيْكُم، ولَكِنْ أَخَشَى علَيْكُم أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا وتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ )
الله أكبر ، الخوف من الدنيا ومن الغنى ، وليس الخوف من الفقر والجوع ، إن الهلاك في الدنيا لما فيها من فتن وملذات ، تجر العبد إلى الانغماس في الدنيا ، والركون إليها ، فينسى العبد الذي من أجله خلق ، فيكون من الخاسرين والعياذ بالله
معاشر المسلمين: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، هذه الدنيا إنما هي سراب زائل
وظل عما قليل ينحسر ، فكم نودع من قريب وحبيب كل ساعة ، وغدا يودعنا أحباؤنا ، ولن نجد أمامنا إلا ماقدمنا من عمل ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وما ربك بظلام للعبيد