خطبة : (ذكرى الآمل وبشرى العامل)

عبدالله البصري
1432/01/03 - 2010/12/09 23:30PM
ذكر الآمل وبشرى العامل 4 / 1 / 1432

الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، رَوَى التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " أَعمَارُ أُمَّتي مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلى السَّبعِينَ ، وَأَقَلُّهُم مَن يَجُوزُ ذَلِكَ " لَقَد قَضَى اللهُ أن تَكُونَ أَعمَارُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَصِيرَةً وَعَيشُهُم في هذِهِ الدُّنيا قَليلاً ، نَعَم ، إِنَّ سِتِّينَ سَنَةً أَو سَبعِينَ عَامًا ، إنها لَقَصِيرَةٌ في حِسَابِ القُرُونِ المُتَطَاوِلَةِ وَالسِّنِينَ المُتَكَاثِرَةِ ، غَيرَ أَنَّ العُمُرَ الحَقِيقِيَّ في هَذِهِ الحَيَاةِ ، مَا قَضَاهُ المُؤمِنُ في طَاعَةِ رَبِّهِ وَعِبَادَةِ خَالِقِهِ القَائِلِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ "
وَإِذَا كانَ الأَمرُ كَذَلِكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَمَا أَقصَرَ العُمُرَ الفِعلِيَّ وَمَا أَقَلَّهُ !! إِذْ يَذهَبُ ثُلُثُهُ في النَّومِ أَو يَزِيدُ ، وَتَضِيعُ أَجزَاءٌ مِنهُ في غَفلَةِ الطُّفُولَةِ وَطَيشِ الصِّبَا وَسَكرَةِ الشَّبَابِ ، وَتُستَهلَكُ أَوقَاتٌ مِنهُ في الأَكلِ وَالشُّربِ وَقَضَاءِ حَاجَاتِ النَّفسِ مِنَ المُبَاحَاتِ وَاللَّهوِ ، وَأَوقَاتٌ أُخرَى تَمضِي في طَلَبِ مَا زَادَ عَلَى الحَاجَةِ مِن مَتَاعِ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَزِينَتِهَا ، فَإِذَا مَا أُضِيفَ إِلى ذَلِكَ مَا بُلِيَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنِ اتِّبَاعِ هَوَى الأَنفُسِ وَالانتِصَارِ لها وَمُقَاضَاةِ الآخَرِينَ في كُلِّ مَوقِفٍ ، وَمُفَاخَرَتِهِم وَمُكَاثَرَتِهِم هُنَا وَهُنَاكَ ، فَإِنَّ العَبدَ يَخرُجُ مِن دُنيَاهُ مُفلِسًا وَإِن صَلَّى وَصَامَ وَزَكَّى وَفَعَلَ مَا فَعَلَ ، رَوَى مُسلِمٌ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " أَتَدرُونَ مَا المُفلِسُ ؟ " قَالُوا : المُفلِسُ فِينَا مَن لا دِرهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ . فَقَالَ : " إِنَّ المُفلِسَ مِن أُمَّتي مَن يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأتي وَقَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ ، فَإِن فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ثم طُرِحَ في النَّارِ "
وَفي خِضَمِّ هَذِهِ الخَسَارَةِ الفَادِحَةِ الَّتي يُمنى بها كَثِيرُونَ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ عِبَادًا مُوَفَّقِينَ وَعُقَلاءَ مُسَدَّدِينَ وَمُؤمِنِينَ مَهدِيِّينَ ، عَرَفُوا قِصَرَ العُمُرِ وَقِلَّةَ مَتَاعِ الحَيَاةِ الدُّنيَا ، وَعِظَمَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ ـ تعالى ـ في الآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ لمن أَطَاعَهُ وَاتَّقَاهُ ، فَجَعَلُوا نُصبَ أَعيُنِهِم قَولَ المَولى ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " قُلْ مَتَاعُ الدُّنيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقَى " وَقَولَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ . قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيرٍ مِن ذَلِكُم لِلَّذِينَ اتَّقَوا عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ . الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقَانِتِينَ وَالمُنفِقِينَ وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَار " وَقَولَهُ ـ تَعَالى ـ : " كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُم يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ " وَقَولَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : مَا الدُّنيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ كَمَا يَجعَلُ أَحَدُكُم أُصبُعَهُ هَذِهِ في اليَمِّ فَلْيَنظُرْ بم يَرجِعُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
نَعَم ـ عِبَادَ اللهِ ـ لَقَد عَرَفَ المُؤمِنُونَ المُوَفَّقُونَ أَنَّ الحَيَاةَ الدُّنيَا بِكُلِّ مَا فِيهَا لَيسَت بِرَأسِ مَالٍ حَقِيقِيٍّ ، وَمِن ثَمَّ فَقَدِ اتَّخَذُوهَا مَطِيَّةً لهم لِلوُصُولِ إِلى النَّعِيمِ المُقِيمِ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ .
إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطَنَا
طَلَّقُوا الدُّنيَا وَخَافُوا الفِتَنَا
نَظَرُوا فِيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا
أَنَّهَا لَيسَت لِحَيٍّ سَكَنَا
جَعَلُوهَا لُجَّةً وَاتَّخَذُوا
صَالحَ الأَعمَالِ فِيهَا سُفُنَا
وَلَقَد كَانَ عَلَى رَأسِ هَؤُلاءِ الزَّاهِدِينَ في الدُّنيَا الرَّاغِبِينَ في الآخِرَةِ المُسَابِقِينَ إِلى الخَيرَاتِ ، إِمَامُ الهُدَى وَقَائِدُ أَهلِ التُّقَى وَسَيِّدُ أُولي العَقلِ وَالنُّهَى ، محمَّدٌ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ كَانَت حَيَاتُهُ مِثَالاً عَمَلِيًّا لِلتَّجَافي عَنِ الدُّنيَا وَالزُّهدِ في دَارِ الغُرُورِ ، وَالالتِفَاتِ عَن مَتَاعِهَا وَنَبذِ شَهَوَاتِهَا ، فَقَنِعَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مِنهَا بِالقَلِيلِ الَّذِي يَكفِي وَلا يُلهِي ، حَتى كَانَ يَقُولُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَمَا رَوَاهُ الشَّيخَانِ : " اللَّهُمَّ اجعَلْ رِزقَ آلِ محمدٍ قُوتًا " وَفي رِوَايَةٍ : " اللَّهُمَّ اجعلْ رِزقَ آلِ محمدٍ كَفَافًا " بَل لَقَد جَعَلَ عَيشَ الكَفَافِ مَعَ القَنَاعَةِ هُوَ عُنوَانَ الفَلاحِ وَالسَّعَادَةِ ، وَحَكَمَ بِالتَّعَاسَةِ وَالشَّقَاءِ عَلَى مَن عَبَدَهَا وَأَغرَقَ في طَلَبِهَا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ "رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ وَعَبدُ الدِّرهَمِ وَعَبدُ الخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لم يُعطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انتَقَشَ " رَوَاهُ البُخارِيُّ .
وَحَذَّرَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أُمَّتَهُ مِنَ الدُّنيَا وَشَهَوَاتِهَا تَحذِيرَ العَارِفِ بِأَثَرِ الرُّكُونِ إِلَيهَا ، وَخَافَ عَلَيهِم مِن بَسطِهَا وَسَعَتِهَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا ، فَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ الدُّنيَا حُلوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ مُستَخلِفُكُم فِيهَا فَيَنظُرُ كَيفَ تَعمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ لأَصحَابِهِ يَومًا : " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم ، فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم ، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُمُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
هَكَذَا عَرَّفَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أُمَّتَهُ بِطَبِيعَةِ الدُّنيَا ، وَهَكَذَا جَلَّى لهم حَقِيقَتَهَا وَعَرَّاهَا وَحَذَّرَ مِنهَا ، فَكَيفَ كَانَت حَيَاتُهُ فِيهَا ؟
كَيفَ عَاشَ وَمَاذَا أَكَلَ وَعَلَى أَيِّ شَيءٍ نَامَ ؟
هَل كَانَ يُزَهِّدُ أَصحَابَهُ فِيهَا ثم يَأكُلَهَا دُونَهُم أَو يَتَمَتَّعَ بها مِن وَرَائِهِم ؟!
لا وَاللهِ وَحَاشَاهُ بِأَبي هُوَ وَأُمِّي ! بَل لَقَد كَانَت حَيَاتُهُ مَضرِبَ المَثَلِ في الزُّهدِ وَالتَّقَلُّلِ مِنَ المَتَاعِ ، وَشَغلِ العُمُرِ في العِبَادَةِ وَمَلءِ الوَقتِ بِالطَّاعَةِ ، وإنفاقِ مَا أُوتيَ مِن مَالٍ في سَبِيلِ اللهِ ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : وَالَّذِي نَفسُ أَبي هُرَيرَةَ بِيَدِهِ ، مَا شَبِعَ نَبيُّ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِن خُبزِ حِنطَةٍ حَتى فَارَقَ الدُّنيَا . وَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : مَا شَبِعَ آلُ محمدٍ مِن خُبزِ الشَّعِيرِ يَومَينِ مُتَتَابِعَينِ حَتى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَعَن أَنسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : لم يَأكُلِ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى خِوَانٍ حَتى مَاتَ ، وَلم يَأكُلْ خُبزًا مُرَقَّقًا حَتى مَاتَ . وَفي رِوَايَةٍ : وَلا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَينِهِ قَطُّ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَعَنِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : أَلَستُم في طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئتُم ؟! لَقَد رَأَيتُ نَبِيَّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقلِ مَا يَملأُ بَطنَهُ . رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَعَن عُروَةَ بنِ الزُّبيرِ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّهَا كَانَت تَقُولُ : وَاللهِ يَا بنَ أُختي ، إِنْ كُنَّا لَنَنظُرُ إِلى الهِلالِ ثم الهِلالِ ثم الهِلالِ ، ثَِلاثَةِ أَهِلَّةٍ في شَهرَينِ ، وَمَا أُوقِدَ في أَبيَاتِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ نَارٌ . قُلتُ : يَا خَالَةُ ، فَمَا كَانَ يَعِيشُكُم ؟ قَالَتِ : الأَسوَدَانِ التَّمرُ وَالمَاءُ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَد كَانَ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ جِيرَانٌ مِنَ الأَنصَارِ وَكَانَت لهم مَنَايِحُ ، فَكَانُوا يُرسِلُونَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن أَلبَانِهَا فَيَسقِينَاهُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ دَخَلَ عَلَيهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَد أَثَّرَ في جَنبِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوِ اتَّخَذتَ فِرَاشًا أَوثَرَ مِن هَذَا ! فَقَالَ : " مَا لي وَلِلدُّنيَا ، مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ في يَومٍ صَائِفٍ فَاستَظَلَّ تَحتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً ثم رَاحَ وَتَرَكَهَا "
هَذَا طَرَفٌ مِن حَيَاتِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَتِلكُم لمَحَاتٌ مِن فَقرِهِ وَصُوَرٌ مِن قِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ ، فَمَا سَبَبُ ذَلِكُمُ الفَقرِ وَمَا مَنشَأُ تِلكُمُ القِلَّةِ ؟! لَقَد كَانَ ذَلِكَ عَنِ اختِيَارِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لِنَفسِهِ أَن يَكُونَ عَبدًا رَسُولاً ، وَأَن يُحيِيَهُ رَبُّهُ مِسكِينًا وَيُمِيتَهُ مِسكِينًا وَيَحشُرَهُ في زُمرَةِ المَسَاكِينِ ، اِختَارَ ذَلِكَ لِيُكرِمَهُ ـ تَعَالى ـ بِأَعلَى جَنَّتِهِ وَيُورِثَهُ المَقَامَ المَحمُودَ في الآخِرَةِ ، نَعَم ، لَقَد كَانَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لا يَدَّخِرُ شَيئًا لِغَدِهِ ، بَل كَانَ يُؤثِرُ غَيرَهُ بما في يَدِهِ ، وَيُغني الآخَرِينَ وَيَظَلُّ هُوَ فَقِيرًا مُتَفَرِّغًا لِطَاعَةِ مَولاهُ وَالدَّعوَةِ إِلَيهِ وَالجِهَادِ في سَبِيلِهِ ، في البُخَارِيِّ عَن عُقبَةَ بنِ الحَارِثِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : صَلَيتُ مَعَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ العَصرَ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا فَدَخَلَ عَلَى بَعضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ ، وَرَأَى مَا في وُجُوهِ القَومِ مِن تَعَجُّبِهِم لِسُرعَتِهِ ، فَقَالَ : " ذَكَرتُ وَأَنَا في الصَّلاةِ تِبرًا عِندَنَا فَكَرِهتُ أَن يُمسِيَ أَو يَبِيتَ عِندَنَا ، فَأَمَرتُ بِقِسمَتِهِ " وفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الإِسلامِ شَيئًا إِلاَّ أَعطَاهُ ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعطَاهُ غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ ، فَرَجَعَ إِلى قَومِهِ فَقَالَ : يَا قَومِ ، أَسلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعطِي عَطَاءَ مَن لا يَخشَى الفَاقَةَ "
وَمَعَ هَذَا الفَقرِ فَقَد جَاهَدَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَقَاتَلَ في سَبِيلِ اللهِ ، وَقَامَ اللَّيلَ حَتى تَفَطَّرَت قَدَمَاهُ ، وَدَعَا إِلى اللهِ وَبَذَلَ في ذَلِكَ النَّفسَ وَالجَاهَ ، فَعَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَامَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حتى تَوَرَّمَت قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : لِمَ تَصنَعُ هَذَا وَقَد غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : " أَفَلا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَصُومُ حَتى نَقُولَ لا يُفطِرُ ، وَيُفطِرُ حَتى نَقُولَ لا يَصُومُ ، فَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ استَكمَلَ صِيَامَ شَهرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ... " الحَدِيثَ ، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وَاللَّفظُ لِلبُخَارِيِّ .
وَعَن عَمرِو بنِ الحَارِثِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عِندَ مَوتِهِ دِرهمًا وَلا دِينَارًا وَلا عَبدًا وَلا أَمَةً وَلا شَيئًا ، إِلاَّ بَغلَتَهُ البَيضَاءَ الَّتي كَانَ يَركَبُهَا وَسِلاحَهُ وَأَرضًا جَعَلَهَا لابنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً . رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
فَاتَّقُوا اللهَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَاقتَدُوا بِنَبِيِّكُم تُفلِحُوا وَتَفُوزُوا ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً . لِيَجزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدقِهِم وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَو يَتُوبَ عَلَيهِم إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا "



الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهُ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِأَوثَقِ عُرَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِالصَّالحاتِ لِيَومِ لِقَاهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَيسَ لِلعَبدِ مِن حَيَاتِهِ إِلاَّ صَالحُ الأَعمَالِ وَمَا قَدَّمَهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَتبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ : أَهلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبقَى وَاحِدٌ ، يَرجِعُ أَهلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبقَى عَمَلُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَعَن عَبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَتَيتُ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ يَقرَأُ " أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ " قَالَ : يَقُولُ ابنُ آدَمَ : مَالي مَالي . وَهَل لَكَ يَا بنَ آدَمَ مِن مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلتَ فَأَفنَيتَ ، أَو لَبِستَ فَأَبلَيتَ ، أَو تَصَدَّقتَ فَأَمضَيتَ ؟ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٌ صَالحٌ يَدعُو لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ : " إِنَّ ممَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ : عِلمًا نَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالحًا تَرَكَهُ ، وَمُصحَفًا وَرَّثَهُ ، أَو مَسجِدًا بَنَاهُ ، أَو بَيتًا لابنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَو نَهَرًا أَجرَاهُ ، أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
فَمَاذَا قَدَّمتُم ـ عِبَادَ اللهِ ـ ؟ وَبِأَيِّ شَيءٍ سَتُقدِمُونَ عَلَى رَبِّكُم ؟ إِنَّ الجَنَّةَ دَرَجَاتٌ وَغُرُفَاتٌ ، وَإِنَْ سُكنَاهَا لا يَكُونَ إِلاَّ بِالصَّالحاتِ وَالقُرُبَاتِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِن ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَن أَلانَ الكَلامَ وَأَطعَمَ الطَّعَامَ وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ في الشُّعَبِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن بَنى للهِ مَسجِدًا وَلَو كَمَفحَصِ قَطَاةٍ بَنى اللهُ لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ " وَقَالَ : " فَوَاللهِ لأَن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَمِ "
وَقَالَ : " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ "
فَهَنيئًا لمن بَنى للهِ مَسجِدًا يُذكَرُ فِيهِ اسمُهُ ، أَو دَعَمَ تَعلِيمَ القُرآنِ أَو سَاعَدَ في نَشرِ حَلَقَاتِهِ وَدُورِ تَعلِيمِهِ ، أِوِ اهتَدَى عَلَى يَدِهِ أَو بِمَالِهِ أَو رَأيِهِ رَجُلٌ فَأَخرَجَهُ اللهُ بِسَبَبِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ ، بَلْ هَنِيئًا لِمَن إِنْ فَعَلَ خَيرًا وَإِلاَّ كَفَّ شَرَّهُ وَتَرَكَ مَا لا يَعنِيهِ ، في الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ صَدَقَةٌ " قَالُوا : فَإِنْ لم يَجِدْ ؟ قَالَ : " فَلْيَعمَلْ بِيَدَيهِ فَيَنفَعَ نَفسَهُ وَيَتَصَدَّقَ " قَالُوا : فَإِنْ لم يَستَطِعْ ، أَو لم يَفعَلْ ؟ قَالَ : " فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلهُوفَ " قَالُوا : فَإِن لم يَفعَلْ ؟ قَالَ : " فَيَأمُرُ بِالخَيرِ " قَالُوا : فَإِن لم يَفعَلْ ؟ قَالَ : " فَيُمسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ واعلموا صَالحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ ، و" سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبشِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَن يُدخِلَ الجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ " " وَاعلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إِلى اللهِ أَدوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ " ثم اعلَمُوا أَنَّكُم في شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ فَعَظِّمُوهُ بِتَعظِيمِ اللهِ لَهُ ، وَصُومُوهُ أَو مَا تَيَسَّرَ مِنهُ ، فَإِنْ عَجزتم فَلا تُغلَبُنَّ عَلَى صِيَامِ يَومِ عَاشُورَاءَ ، فَقَد قَالَ نَبِيُّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَفضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ ، وَأَفضَلُ الصَّلاةِ بَعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيلِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَه " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَومَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا هَذَا اليَومُ الَّذِي تَصُومُونَهُ ؟ " فَقَالُوا : هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ أَنجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَومَهُ وَغَرَّقَ فِرعَونَ وَقَومَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكرًا فَنَحنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فَنَحنُ أَحَقُّ وَأَولى بمُوسَى مِنكُم ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ . رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَعَنُه ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ يَومٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمنَا اليَومَ التَّاسِعَ " قَالَ : فَلم يَأتِ العَامُ المُقبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المشاهدات 5232 | التعليقات 9

حياكم الله ـ إخوتي الكرام ـ وبياكم ، وجعلنا الجنة مأوانا ومأواكم .

(ألان) عدلت إلى الصواب ، ولم تكن سبقًا من [قوقل] كما ذكر أخي أبو عبدالرحمن ؛ لأني ضبطت الخطبة بنفسي على لوحة المفاتيح ولم أستخدم اداة قوقل ؛ لأنها لم تكن ممكنة في الأيام الماضية ، ومصدر الخطأ حقيقة من (المكتبة الشاملة) حيث نسخت الحديث منها ، وند عن نظري هذا الخطأ ، والكمال لله في ذاته وصفاته .

وأما الجملة التي نقدها أخي الشيخ ماجد ، فلم يظهر لي فرق بين هذه وتلك ، اللهم إلا أن الجملة التي كتبتُها فيها محذوفان ، جواب الشرط في الأولى والشرط في الثانية ، وقد يكون الحذف أحيانًا أبلغ من الذكر إذ تذهب النفس عند الحذف كل مذهب في تقدير المحذوف ، وفي هذا زيادة تأمل وتفكر .

وبودي لو ذكر أخي الشيخ ماجد السبب في تفضيل الجملة التي ذكر على ما كتبتُ لأستفيد .
وشكر الله للأخوين الكريمين مرورهما وإثراءهما .


كتب الله أجرَك شيخَنا الكريم ورفعَ قدرك
***
لفت نظري أمران :
1- ما أوردته من حديث البيهقي : " إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا ... لِمَن آلانَ الكَلامَ ... "
أهي : (آلانَ ) أم (ألانَ ) ؟
حسب بحثي القاصر لم أجدها باللفظ الذي ذكرتَه بارك الله فيك ، فهلاَّ دللتني على موضعها من كتب الحديث ( إن كان الإيراد صحيحاً ) ؟
2 – قولك : ( بَلْ هَنِيئًا لِمَن إِنْ فَعَلَ خَيرًا وَإِلاَّ كَفَّ شَرَّهُ وَتَرَكَ مَا لايَعنِيهِ )
ألا ترى – بارك الله فيك – أن صياغتها بهذه الصورة أجود : ( بَلْ هَنِيئًا لِمَن إِنْ لم يفَعَلَ خَيرًا كَفَّ شَرَّهُ وَتَرَكَ مَا لايَعنِيهِ ) ؟
رعاك الله


سلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خطبة جميلة وأسلوب رائع رائق وكنت وأنا أقرأ هذه الخطبة أتساءل هل أغفل الشيخ عاشوراء فإذا هو قد أخذ مكانه ولكن ليس في الصف الأمامي ، ولا تثريب (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات) ، وأما تعليق أخي ماجد الحصيف فأتقدم بين يدي الشيخ مجيبا عن الأولى باجتهادات أداة قوقل للتشكيل وسبق النظر عن استدراكها ، وعن الثانية بقول "العماد الأصفهاني":
"إني رأيت أنه لا يكتُب أحداً كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُير هذا لكان أحسن؛ ولو زيد هذا لكان يُستحسن؛ ولو قدم هذا لكان أفضل؛ ولو تُرك هذا لكان أجمل؛ وهذا من أعظم العبر؛ وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملةِ البشر"

والناقد بصير ، وأسهل من معاناة البناء العظيم نقده وإدراك عيوبه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


[IMG]http://www.vb-khutabaa.com/picture.php?albumid=3&pictureid=49[/IMG]

يزعم بعض الرويبضات أن سبب تخلف المسلمين هو الدعوة إلى الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة !!!!
فليتك يا شيخ عبدالله كشفت في خطبتك زيف هذا الادعاء .





.


أبو عبد الرحمن;5226 wrote:
والناقد بصير ، وأسهل من معاناة البناء العظيم نقده وإدراك عيوبه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليس ما قلتُه من قبيل النقد !

كلا ؛ فأنا ممن استفاد من خطبة فضيلة الشيخ ( عبدالله البصري ) - حفظه الله - هذا اليوم

لكنهما أمران لفتا نظري أثناء قراءة الخطبة

وإلا فليس لمثلي أن ينقد فضيلة الشيخ ( عبدالله ) وفقه الله ورعاه



ما أجمل عرض السيرة العطرة في الخطب فهو خير من كثير من الكلام المنمق ...
يعني ، كأنك تقول : يا جماعة ... هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام وهذه سيرته وهو الإمام القائد المعلم ... فاقتدوا إن كنتم صادقين .

وتعليقا على ما ذكر أخي حاطب خير أن بعض الرويبضات يزعمون أن سبب تخلف المسلمين هو الدعوة إلى الزهد ... هذا كلام من لا يعرف معنى الزهد ... فهؤلاء الرويبضات يتصورون الزهد أنه رهبانية النصارى والانقطاع عن الدنيا انقطاعا تاما وعدم المشاركة في جوانب التنمية أو المجالات الاجتماعية أو الاقتصادية ...

ونقول لهم لا وألف لا ... وبيننا وبينكم كلام من كان قدوة في زهده ،، كان زاهدا بحيث يكتفي من الدنيا بالقليل الذي يبلغه ... لكنه يأمر بالإنفاق على من تلزم نفقته ويحث على صلة الرحم وجاء بالعطف على الفقراء والمساكين وبكفالة الأيتام وبإتقان العمل وبالإحسان إلى الجار وإكرام الضيف وحدث عن بعض إخوانه من الأنبياء أنهم كانوا يعملون ويحترفون بل وبين أنه عليه الصلاة والسلام بنفسه عمل واحترف رعي الغنم وأن داود كان يأكل من عمل يده وزكريا كان نجارا ... وقال عليه السلام :
على كل مسلم صدقة . قيل : أرأيت إن لم يجد ؟ قال : يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق ... الحديث .
وما ثبت عنه أبدا أنه نهى أصحابه عن العمل في تجارة أو زراعة أو غيرها ، بل هو عمل في تجارة خديجة رضي الله عنها ... ووصل حثه على اغتنام الخيرإلى أن قال : إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها ، فليغرسها ...
هؤلاء الرويبضات وأسيادهم من الغرب يريدون أن ينفتح الناس على الدنيا بكل ما أوتوا من قوة ويأكلوا ما قرب منهم وما بعد وما حل وما حرم ويدوسوا في سبيلها القوي والضعيف ويأكلوا حق غيرهم ويغفلوا عن عبادة ربهم ويقصروا في الطاعات وتأكل أوقاتهم الغفلات ... هذا ما يريدون ولهذا إذا وجدوا من يزهدهم في الدنيا ويقول : يا جماعة الحلال بين والحرام بين واتقوا الشبهات وأدوا الزكاة وتصدقوا وأحسنوا ... لم يعجبهم هذا لأنه في نظرهم أنفاق أموال بلا ثمرة لها في العاجل وأما الآجل فهم لا يفكرون فيه ولا يتصورونه ...
نسأل الله أن يرزقنا الزهد في هذه الدار الغرارة الخداعة وأن يوفقنا لاغتنام الأوقات في الصالحات ... إنه سميع قريب ...
اللهم صل على محمد وآله وأزواجه وذريته .


أنا من أشد المعجبين بخطب الشيخ عبدالله البصري

وفقه الله ورعاه

وودي لو ينزل خطبه جميعا لأنها في موقع المنبر محدودة تقريبا



شكر الله لكما ـ أخوي الكريمين ـ مروركما وإثراءكما .
وآمل أن يكون إعجابك ـ أخي الكريم فهد ـ بما يكتبه أخوك المقصر في محله ، وعسى الله أن ينفع بالجميع ، فكلٌّ على ثغر ، والأهم هو الإخلاص وطلب ما عند الله ـ وما أعزه !! ـ ، فعسى الله أن يرزقناه في كل قول وعمل ، وأن يعفو عن زللنا وتقصيرنا في جنبه ، ويكفينا شر أنفسنا .
والخطب ـ أخي الكريم ـ منشورة في هذا الملتقى أو في موقع المنبر أو في غيرهما مثل موقع الألوكة ، وأنا ما زلت أرسل الخطب في كل أسبوع للمنبر ولموقع الألوكة ولغيرهما ، ولكني أعلم من أوضاع بعض المواقع عدم قدرتهم على النشر كل أسبوع لأمور منها التنظيمي الإداري ومنها المادي الاقتصادي ، فجزاهم الله خيرًا على ما ينشرون ، ونلتمس لهم العذر فيما لم ينشر إلى أن يأذن الله لهم بوضع يهيئ لهم نشر كل ما يرد إليهم .
وعندي مما لم ينشر أضعاف ما نشر ، فعسى الله أن يعين على جمعها في مؤلف يلم شتاتها ، ليعم بها النفع .
أسأل الله أن يجعل لنا ولكم مما نكتب علمًا نافعًا نؤجر به في حياتنا ومن بعد موتنا .


شيخنا الحبيب أنت وشيخنا الحقيل سبب حياة هذا المنتدى وأحسب أنه لولاكما لما كان له هذا الصيت .. وإني لأعرف جمعا من طلبة العلم والأكادميين ينتظرون جديدكما بفارغ الصبر .. واعلم شيخنا عبدالله أن خطبتك التي تعدها لا يسمعها فقط من في مسجدك بل أحسب أن من يسمعها عشرات الألوف وربما بمئات الألوف ..
جعل الله كل هؤلاء في ميزان حسناتك يوم تلقاه ..
وأقترح أن يتبنى المنتدى مشروعين أحدهما رسائل الجوال للأئمة والخطباء وضمن الرسائل رسالة بكلمة أسبوعية تحوي عناصر ونصوص مختصرة يحضرها ثم يلقيها الإمام في مسجده
والمشروع الثاني إنشاء مجموعة بريدية يوضع فيها آلاف الإيميلات للخطباء
وكل من هو مشارك في المنتدى يضيف كل من يعرف من الخطباء وإن أمكنه الاستعانة بالمكاتب التعاونية فحسن..
ويرسل عبر البريد للمجموعة الجديد من الخطب كل أسبوع وبذلك نكون قد حققنا مواجعة جماعية للأطرحات المنحرفة عبر آلاف المنابر فنصلح ما يفسده الإعلام بوسائله المختلفة وهذا من باب التواصي بالحق فمواجهة التيارات الفكرية المنحرفة والمذاهب الهدامة لا بد أن تكون جماعية لتؤتي أكلها بإذن الله في ذلك إعانة لكثير من الخطباء غير المتابعين للساحة أو غير القادرين لإعداد المواضيع المناسبة..