خطبة: دَمْعَةُ تَائِب.
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: دَمْعَةُ تَائِب.
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الذي يَقبلُ التّوبةَ عن عبادِه ويَعفو عن السّيئاتِ؛ وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَسعتْ رحمتُه البريّاتِ؛ وأَشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه بَشّرَ التّائبينَ بجنّةٍ عرضُها الأرضُ والسّمواتُ؛ صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ عبادَ الله
خَلَقَ اللهُ الخلقَ لعبادتِه، فاستقامَ منهم مَنْ وفّقَه اللهُ على طاعتِه، ثمّ طالَ عليهم الأمَدُ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) فترَكوا الواجباتِ وفعلوا المحرّماتِ، فاستحقّوا ذلك الوعيدَ الشّديدَ، بأنْ يُعذّبوا في وادٍ من أوديةِ جهنّمَ، نسألُ اللهَ العافيةَ، لكنّه سبحانَه أرحمُ الرّاحمينَ، فرحمتُه غَلبتْ غضبَه وسَبقتْ عذابَه ووسعتْ كلَّ شيء، فجعلَ برحمتِه مِنْ دونِ ذلك الوادي السّحيقِ، بابًا للنّجاةِ مِنْ أوسعِ الأبواب، ليسَ عليه أقفالٌ وليسَ دونَه حجاب، لا يُغلقُ أبدًا إلا بالموتِ أو بيومِ الحساب، مَنْ دَخلَه نَجا مِنْ العقوبةِ وسَلِمَ مِن العذاب، إنّه بابُ التّوبةِ والاستغفار، فربُّنا جلَّ جلالُه وتقدَّسَتْ أسماؤُه، يَبسُطُ يدَه بالليلِ ليتوبَ مسيئُ النّهار، ويَبسُطُ يدَه بالنّهارِ ليتوبَ مسيءُ الليل، وهو مع عصيانِهم أطعمَهم وسقاهم وعافاهم، وللتّوبةِ رغّبَهم ودعاهم، ولمّا تابوا غَفَرَ لهم وعفا عنهم وسترَهم وطهّرَهم وأدناهم، وفي جنّتِه ورحمتِه أدخلَهم وآواهم، ومِن المستكبرينَ المعذّبينَ استثناهم (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا) فما أسعدَهم عندما دخلوا ذلك الباب، منكسرةً قلوبُهم، باكيةً عيونُهم، فعلمَ اللهُ صدقَهم، فبَدَّلَ سيئاتِهم حسنات، ووفّقَهم للعملِ الصّالحِ وأعانَهم على الثّبات، وشَرَحَ صدورَهم، وأنارَ وجوهَهم، وفَرِحَ بتوبتِهم وهو الغنيُّ الحميد، الذي لا تَنفعُه طاعةُ الطّائعينَ، ولا تَضُرُّه معصيةُ العاصين، ولكنّه سبحانَه يُحِبُّ التّوّابينَ ويَفْرَحُ بتوبةِ المذنبين، فما أسعدَ التّائبينَ برحمةِ اللهِ حينَ تَغْشاهم، والملائكةُ تدعو لهم وتَستغفرُ لهم وتَرفعُ عملَهم ونجواهم، ما أسعدَهم عندما تَرَكوا الذّنوبَ التي كانوا عليها، وعَقَدوا العزمَ أن لا يعودوا إليها، وصاحبوا الصّالحين، وأمْسَوْا وأصبحوا ذاكرينَ شاكرينَ مستغفرين، فما أجملَ التّوبة، إنّها اعترافٌ بعدَ اقترافٍ، وراحةٌ بعدَ تعبٍ، وسكينةٌ بعدَ قلقٍ، وطمأنينةٌ بعدَ جزعٍ، وَرِيٌّ بعدَ عطشٍ، وهدوءٌ بعدَ اضطرابٍ، وأمنٌ بعدَ خوفٍ، وسعادةٌ بعدَ شقاءٍ، وحلاوةٌ بعدَ مرارةٍ، وفوزٌ بعدَ حسرةٍ وخسارةٍ، وعِزٌّ بعدَ ذلٍّ، وكرامةٌ بعدَ هوانٍ، فهنيئًا لك أيّها التّائبُ، هذه المغانمُ والمكاسب، وأَبشرْ يا مَنْ قَدَّمْتَ رضا ربِّك على نفسِك وهواك، أَبشرْ مِن اللهِ بخيرِ خَلَفٍ، يا مَنْ عَدَا ثمّ اعتدى ثمّ اقترف * ثمّ استحى ثمّ انتهى ثمّ اعترف! أبشرْ بقولِ اللهِ في آياتِه * إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ. فيا مَنْ شَرَحَ اللهُ صدرَه للتّوبةِ والإنابة، بادرْ قبلَ أنْ تُغادر، بادرْ قبلَ أنْ يُحالَ بينَك وبينَ المتاب، بادرْ قبلَ حضورِ الأجلِ وطَيِّ الكتاب، بادرْ قبلَ انتهاءِ وقتِ التّوبةِ وغَلْقِ الباب، بادرْ بعزمٍ وإخلاصٍ وصدقٍ وندم (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) بلى واللهِ قد آن، كفى يا نفسُ ما كانَا * كفاكِ هوىً وعِصيانَا، كفاكِ ففي الحشى صوتٌ * من الإشفاقِ نادانَا، أمَا آنَ المآبُ، بلى * بلى، يا نفسُ قد آنَا. فيا مَنْ أَسْرَفَ بالذّنوبِ أقْصِرْ، وتُبْ إلى اللهِ مِن ذنوبِك وأَبْشِرْ، وكلُّنا ذلك المذنبُ المقصّر، واللهُ يَعفو ويَرحمُ ويَسترُ ويَجبُرُ ويَغفر، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: قالَ اللهُ عزَّ وجلّ: يا عبادي، إنّكم تُخطئونَ بالليلِ والنّهارِ، وأنا أَغفرُ الذّنوبَ جميعًا، فاستغفِروني أَغفرْ لكم. أنا مذنبٌ أنا مخطئٌ أنا عاصي * هو غافرٌ هو راحمٌ هو كافي، قابلتُهُنَّ ثلاثةٌ بثلاثةٍ * فلتَغْلِبَنْ أوصافُه أوصافي. فتُبْ رحمَك اللهُ وأبشرْ، فلو بَلغَتْ ذنوبُك عنانَ السّماء، فإنّ اللهَ يغفرُها لك ولا يبالي (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وتوبوا إلى اللهِ جميعًا أيّها المؤمنونَ لعلّكم تُفلحون، اللهمّ تُبْ على التّائبين، واغفرْ ذنوبَ المذنبين، وتَوَلَّنا بما تَوَلّيْتَ به عبادَك الصّالحين. برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
دعاءُ الاستسقاء: اللهمّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء،،،
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 1/ 5/ 1444هـ