(خطبة) دف الإيمان في برد الأيام

خالد الشايع
1447/06/27 - 2025/12/18 17:01PM

 

 الخُطبة الأولى ( دفء الإيمان مع برد الأيام ) 28جماد الآخر 1447

 

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ....

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّ التَّقْوَى زَادُ القُلُوبِ، وَنُورُ الدُّرُوبِ، وَسَبَبُ الثَّبَاتِ عِنْدَ الشِّدَائِدِ.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيُّهَا المُؤْمِنُونَ :

إِنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ تَقَلُّبَ اللَّيَالِي وَالأيَّامِ، وَاخْتِلَافَ الفُصُولِ، وَتَعَاقُبَ الحَرِّ وَالبَرْدِ، كُلُّ ذَلِكَ تَذْكِيرٌ لِلْعِبَادِ بِضَعْفِهِمْ، وَحَاجَتِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ.

 

وَإِذَا أَقْبَلَ البَرْدُ، وَاشْتَدَّتِ الأيَّامُ قَسْوَةً، فَإِنَّ النَّاسَ يَلْتَمِسُونَ دِفْءَ الأَجْسَادِ بِالثِّيَابِ وَالنَّارِ،

وَلَكِنَّ أَهْلَ الإِيمَانِ يَلْتَمِسُونَ دِفْءَ القُلُوبِ بِالطَّاعَةِ وَالذِّكْرِ وَالقُرْبِ مِنَ اللَّهِ.

 

إِنَّهُ دِفْءُ الإِيمَانِ الَّذِي لَا تَقْوَى عَلَيْهِ بُرُودَةُ الزَّمَانِ،

وَلَا تُطْفِئُهُ رِيَاحُ الفِتَنِ،

وَلَا تُوَهِّنُهُ قَسَاوَةُ الأيَّامِ.

 

قالَ اللَّهُ تَعَالَى:

 

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

 

معاشر المؤمنين :

إِذَا ضَعُفَ الإِيمَانُ، بَرَدَ القَلْبُ،

وَإِذَا قَوِيَ الإِيمَانُ، دَفِئَ القَلْبُ وَلَوْ كَانَ الجَسَدُ فِي أَشَدِّ البَرْدِ.

 

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم :

«أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ»

 

فَانْظُرُوا – رَحِمَكُمُ اللَّهُ – كَيْفَ جَعَلَ الشَّرْعُ الطَّاعَةَ فِي البَرْدِ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ الإِيمَانِ.

 

كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَفْرَحُونَ بِقُدُومِ الشِّتَاءِ؛

لِأَنَّهُ مَوْسِمُ الطَّاعَةِ، وَمِضْمَارُ العَابِدِينَ.

 

قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

«الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ العَابِدِينَ، يَطُولُ لَيْلُهُ فَيَقُومُونَهُ، وَيَقْصُرُ نَهَارُهُ فَيَصُومُونَهُ»

 

وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:

«نِعْمَ زَمَانُ المُؤْمِنِ الشِّتَاءُ، لَيْلُهُ طَوِيلٌ يَقُومُهُ، وَنَهَارُهُ قَصِيرٌ يَصُومُهُ».

 

فَهَذَا دِفْءُ الإِيمَانِ،

أَنْ تَجِدَ فِي الطَّاعَةِ لَذَّةً، وَفِي القِيَامِ أُنْسًا، وَفِي السُّجُودِ سَكِينَةً.

 

قالَ بَعْضُهُم يَصِفُ ذَلِكَ:

وَلَوْ عَلِمَ المُلُوكُ وَأَبْنَاءُ المُـلُوكِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ

        العبادةُ في البَرْدِ دليلُ صِدقِ الإيمان؛ إذ لا يحملُ عليها إلّا قلبٌ امتلأ تعظيمًا لله.

        إذا اشتدَّ البَرْدُ ونامتِ الأجسادُ، استيقظت قلوبُ الصادقين إلى القيام والدعاء.

        وفي البَرْدِ تُختَبَرُ العزائمُ، ويُعرَفُ المخلِصُ من المتكاسل.

        و العبادةُ وقتَ المشقّةِ أحبُّ إلى الله؛ لأنّها أبعَدُ عن الرياء وأقربُ إلى الإخلاص.

        اللهم ايقضنا من الغفلات ، وارزقنا الاستعداد ليوم الممات .....

 الخُطبة الثانية

 

الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ......

 

أما بعد فيا أيُّهَا المُسْلِمُونَ :

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَجْلِبُ دِفْءَ الإِيمَانِ فِي هَذِهِ الأيَّامِ البَارِدَةِ:

المُحَافَظَةَ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي الجَمَاعَةِ.

أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم :

«مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ فِي الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ»

 

وَفِي شِدَّةِ البَرْدِ، تَظْهَرُ حَقِيقَةُ الإِيمَانِ؛

فَإِمَّا نَفْسٌ تُقَدِّمُ رَاحَتَهَا،

وَإِمَّا قَلْبٌ يُقَدِّمُ رِضَا مَوْلَاهُ.

 

قالَ اللَّهُ تَعَالَى:

﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].

 

وقالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:

 

«مَنْ تَعَوَّدَ طَاعَةَ اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ، وَجَدَ حَلَاوَتَهَا فِي الشِّدَّةِ».

 

عبادَ اللَّهِ،

إِنَّ دِفْءَ الإِيمَانِ لَا يُشْتَرَى، وَلَا يُوَرَّثُ، وَلَكِنَّهُ يُنَالُ بِالصِّدْقِ وَالمُجَاهَدَةِ.

واعلموا أن مَن آثَرَ دفءَ الطاعةِ على دفءِ الفِراش، آواهُ اللهُ إلى ظلِّ رحمته يومَ لا ظلَّ إلّا ظلُّه.

        واعلموا أن البَرْدُ مدرسةُ الصابرين؛ فيه تُربَّى النفوسُ على المجاهدةِ والثبات.

        وأن   مَن اعتادَ الطاعةَ في البَرْدِ، هانت عليه الطاعةُ في كلِّ وقت.

        وفي البَرْدِ تُرفَعُ الدرجاتُ، وتُمحى السيئاتُ، وتُضاعَفُ الحسنات.

 

قالَ أَحَدُ الصَّالِحِينَ:

إِذَا لَمْ تَذُقْ مُرَّ الطَّاعَةِ سَاعَةً

تَجَرَّعْتَ ذُلَّ المَعْصِيَةِ أَلْفَ سَاعَةِ

وفي البرد الشديد يتذكر المؤمن إخوانا له لا يجدون ملجأ ولا مأكلا ، فيتلمس المحاويج ويجود بما يقدر عليه

 

اللهم إنا نعوذ بك من عذاب النار وزمهريرها ...

المرفقات

1766066510_دفء الإيمان مع برد الأيام.docx

المشاهدات 449 | التعليقات 0