خطبة : ختام رمضان 1433هـ
عبدالله يعقوب
وهي خطبة مجمّعة من عدة خطب لمشائخنا جزاهم الله عنا خيرا
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ).
وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
(وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ)
أحمده سبحانه وأشكره (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، وصفيُه من خلقِه وخليلُه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.
صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى.
فاتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في أهليكم، واتقوا الله في أموالكم وأولادكم، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
أيها المسلمون.. أيها الصائمون القائمون: تقبَّل الله أعمالَكم، وختم بالصالحات أعمارَكم، وجعلنا ووالدينا ومن نحبُ.. من أولياء الرحمن، وعتقاء النيران، وداخلي باب الريان.
أيها الكرام.. إن ضيفَنا المعظَّمَ يرحل، أحسن فيه أقوامٌ وقصَّر آخرون، فبادروا فرصَ هذا الشهر قبل فواتها، واحفظوا نفوسكم عما فيه شقاؤها وهلاكُها. من كان محسناً فليزدد، ومن كان مقصراً فليستغفر، وتداركوا ما بقي من شهركم بصالح أعمالكم، وبادروا بالتوبة من ذنوبكم، واعلموا أن الأعمال بالخواتيم فأحسنوا الختام.
يا أيها الناس.. ربكم ذو رحماتٍ واسعة، وبركاتٍ متتابعة..
فلا تقنطوا من رحمة الله، وأحسنوا الظنَّ بربكم، وتوبوا إليه فإنه لا يهلك على الله إلا هالك... (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). أخرجه مسلم.
فلا إله إلا الله ما أجودَه وأرحمَه. خيرُه مِدرار، ومِننُه غِزار، يغفرُ الذنبَ ويصفح، ويعفو عن الخطلِ ويسمح.
عن عمرَ بن الخطاب t أنه قال: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ، أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ r : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) متفق عليه.
اللهم إنك قلت وقولك الحق: (ورحمتي وسعت كل شيء)، اللهم فلتسعنا رحمتك يا أرحم الراحمين.
وعن أبي هريرة: قال رسول الله r (لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي تغلب غضبي) متفق عليه.
وعن أبي أمامة t قال: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ r فِي الْمَسْجِدِ، وَنَحْنُ قُعُودٌ مَعَهُ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r ، ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَسَكَتَ عَنْهُ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِيُّ اللَّهِ r ، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَاتَّبَعَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ r حِينَ انْصَرَفَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : (أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ.. أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ)، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا)، فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : (فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ أَوْ قَالَ ذَنْبَكَ) رواه مسلم.
وعن عبدالله بن مسعود t قال: أَصَابَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَةٍ شَيْئًا دُونَ الْفَاحِشَةِ، فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ r فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ فَنَزَلَتْ: (أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي). رواه مسلم.
فسبحان من فتح لعباده أبواب التوبة، ودلهم على الاستغفار، وجعل لهم من أعمالهم الصالحة كفارات، وفي ابتلاءاتهم مكفرات: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، واللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً، يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً).
واسمع نداءه لك وهو الغني عنك:
(يَا ابْنَ آدَمَ... إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي،،، يَا ابْنَ آدَمَ... لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي،،، يَا ابْنَ آدَمَ... إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) رواه الترمذي وحسنه من حديث أنس.
يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، خاطب عبادَه المسرفين، فقال: (يَا عِبَادِي... إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ).
وفي التنزيل: (قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) وقال أيضاً (وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً).
كم من عبدٍ كان من إخوان الشياطين، فمنَّ الله عليه بتوبةٍ محتْ عنه ما سلف، فصار صواماً قواماً قانتاً لله ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.
عن عقبة بن عامرٍ t أن رجلاً أتى النبي r فقال: يا رسول الله: أحدُنا يُذنب، قال: ((يُكتب عليه)). قال: ثم يستغفرُ منه، قال: ((يُغفر له ويُتاب عليه)). قال: فيعود فيذنب. قال: ((يُكتب عليه)). قال: ثم يستغفر منه ويتوب. قال: ((يُغفر له ويُتاب عليه. ولا يملُّ اللهُ حتى تملوا)) أخرجه الحاكم.
فيا له من فضلٍ عظيم، وعطاءٍ جسيم، من ربٍّ كريم وخالقٍ رحيم، أكرمنا بعفوِه، وغشَّانا بحِلمِه ومغفرتِه، وجلَّلنا بسِتره، وفتح لنا بابَ توبته...
يعفو ويصفَح، ويتلطَّف ويسمَح، وبتوبةِ عبدِه يفرَح، (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
((يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيءُ النّهارِ، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل، حتى تطلعَ الشمس من مغربها)).
فأكثروا ـ عبادَ الله ـ من التوبةِ والاستغفار، فقد كان حبيبكم r يكثِر من التّوبةِ والاستغفار، يقول: (والله، إني لأستغفِرُ الله وأتوبُ إليه في اليومِ أكثرَ من سبعين مرة) أخرجه البخاريّ. وقال الحسن: أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة.
واحذروا اليأس والقنوط، وظنوا بربكم كلَّ جميل.. ومن ظن أن ذنباً لا يتسع لعفو الله.. فقد ظن بربه ظن السوء.
فربكم.. جواد كريم، رؤوف رحيم، يقبل القليل ويجازي عليه بالجليل.
يمن بالعطايا والهبات، ويعفو عن الزلات والهفوات. (هو أهل التقوى وأهل المغفرة).
أيها المسلمون... في مقابل اليأس والقنوط من رحمة الله، تأتي بعضُ الأمور التي تكون سبباً لحبوط العمل الصالح، ومن ذلك الغرور بالنفس والانخداع والإعجاب بها، والتكبر والمنة على الله بالعمل.
يقول تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
إن عملك الصالح أيها المسلم، إنما هو توفيق الله تعالى لك، وعون من الله لك: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً).
لولا توفيقُ اللهِ لك ما عملت، ولولا هدايةُ اللهِ لك ما استقمت: (وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً).
إياك أن تُعجب بعملك، إياك أن تغتر بنفسك، إياك أن يدخلك الكِبْرُ والعُجْب، بل كلما أحسست بشيء من ذلك.. فذكِّر نفسك أنَّ ذلك فضلٌ من الله عليك، وأنه لولا فضلُ الله ورحمتُه لأغواك الشيطانُ وأضلَّك عن سواء السبيل: (إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ).
عباد الله: كان سلفكم الصالح يهتمون بقبول العمل أعظم اهتماماً بالعمل، قال بعضهم: "كونوا لقبول العمل أشدَّ منكم من العمل".
قال الله جل وعلا: (إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ ، وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ ، وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ ، وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ)، يعملون الأعمال الصالحة ويخشون أن لا يتقبل منهم.
كانوا يخافون النفاق على أنفسهم، ويقول بعضهم: "ما خاف النفاق إلا مؤمن، وما أمن النفاق إلا منافق"، كل ذلك حرصاً على العمل الصالح أن يتطرقَ إليه ما يُذهبه أو يُنقص ثوابَه.
أيها المسلم، وأنت اليوم في ختام رمضان، فاحمد الله أولاً أن بلغك رمضان، واحمد الله أن يسر لك فيه الصيام والقيام وتلاوة القرآن، واحمد الله إذ بلغك كمالَ رمضان في صحةٍ وسلامةٍ وأمنٍ واطمئنان.
فاحمد الله على هذه النعم، واشكره عليها كل آن وحين، فهو تعالى يحب من عباده أن يشكروه، واسأل ربك أن يختم لك رمضان بالحسنى، وأن يجعلك في عداد المقبولين، فهذا هو المطلوب.
نسأل الله أن يجعلنا من المتقين، الذين قبل الله عملهم، وأثابهم فضلاً منه ورحمة، وإلا فالتقصير منا والإساءة موجودة، ولكن رجاؤنا في الله قوي، فنتعلق برجاء الله، ونسأله أن يعاملنا بعفوه، فهو أهل الكرم والجود، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية..
الحمد لله حمداً حمداً..
أيها الناس.. لقد شرع الله لكم في ختام شهركم زكاةً عن النفس هي..
زكاةُ الفطر:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: فرضَ رسولُ الله r صدقةَ الفطرِ من رمضان، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على العبدِ والحرِ والذكرِ والأنثى والصغيرِ والكبيرِ من المسلمين. أخرجه الشيخان.
وهي صاعٌ من هذه الأطعمة أو غيرها من الأرز أو الدقيق، ويبلغ قدره بالوزن: ثلاثة كيلو جرام تقريباً.
والأفضلُ أن يخرجها قبل صلاة العيد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما (أنَّ النبي r أمر بزكاة الفطر قبل خروجالناس إلى الصلاة) متفق عليه.
ويجوزإخراجها قبل العيد بيومٍ أو يومين.
ويخرجها عن نفسه وعن أهل بيته الذين تلزمه نفقتهم من زوجة وأبناء.
وإن أخرجها عن الخادمة والسائق ونحوهم جاز ذلك بعد إخبارهم ورضاهم.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد بغير عذر شرعي. ومن أخّرها عن صلاة العيد فهو آثم، وعليه التوبةُ إلى الله، والمبادرةُ إلى إخراجها مباشرة.
ولا يجوز إخراجها من المال، لأن النبي r أمر بإخراجها من الطعام، ولو كان إخراجها من المال جائزاً لبينه ودلَّ الأمة عليه.
أيها الناس.. إن رمضانَ راحلٌ، فهل ترحل معه ذنوبُنا وسيئاتُنا...
هل ترحل مع رمضانَ عاداتُنا السيئة، وأخلاقُنا الذميمة.
أم ترانا نعود إلى ما كنا عليه من قبل...
نعود إلى الأخلاق الذميمة.. ونعود إلى التقاطع والتهاجر والتدابر..
إن رمضانَ راحل... فهل يرحل معه قيامُ الليل،، وصيامُ النوافل..
أم يكون رمضانُ نقطةَ انطلاق إلى مراضي الله ومحابّه سبحانه.
أيها الناس...
إن رمضانَ راحلٌ.. فهل ترحل معه مآسي المسلمين ونكباتهم..
ألا ينتهي التفرقُ والتشرذمُ والخلاف..
ألا يرتفع الضعف والهوان والقلة والذلة..
ألا يتق اللهَ قادةُ الشعوب ورؤساءُ الدول.. فيجتمعوا على كلمة سواء.. ويوحدوا صفهم، ويُجمعوا أمرهم على ما فيه صلاح رعاياهم وشعوبهم..
ألا من معتصمٍ يمد يداً حانية على أهلنا في فلسطين والصومال واليمن..
ويمد يداً باطشة ويرفع سيفاً ماضياً في وجه مجرمي بورما وعصابات الرافضة في الشام..
ألا يتق الله علماءُ المسلمين وطلبة العلم والدعاة إلى الله.. فينزلوا للناس في مجتمعاتهم وأسواقهم وأماكن وجودهم.. فيخالطونهم نصحاً وتوجيهاً وإرشاداً وتعليماً..
إن الوقت الآن.. وقتُ دعوةٍ إلى الله، ولا مجال للتخاذل والتكاسل والفتور..
إن كنت شاعراً.. فانصر المسلمين بقصيدة..
وإن كنت كاتباً.. فانصر المسلمين بمقالة..
وإن كنت ذا مالٍ.. فابذل من مالك..
وإن كنت ذا رأيٍ.. فانصر المسلمين بفكرة..
المهم.. لا يوتى المسلمون من قبلك..
الله الله في نصرة قضايا المسلمين. ودفع عوزهم وفقرهم وحاجتهم..
ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة..
أيها المسلمون... إن كان رمضان راحلُ... فالدنيا كلها راحلة، قالَ أميرُ المؤمنين عليُ بنُ أبي طالبٍ r (إنَّ الدنيا قد ارتحلتْ مُدبرة، وإنَّ الآخرةَ قد ارتحلتْ مُقبلة، ولكلِ واحدةٍ منهما بنونْ، فكونوا مِن أبناءِ الآخرة، ولا تكونوا مِن أبناءِ الدنيا).
ألا فاتقوا الله عباد الله وتزودوا من العمل الصالح في رمضان وبعد رمضان وتعرضوا لنفحات الكريم المنان و(سابقوا إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
اللهم تقبل الصيام والقيام وصالح الأعمال... واجمعنا في دار كرامتك، إخواناً على سرر متقابلين.
اللهم أعد علينا شهر رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ونحن في عافية في ديننا ودنيانا.
اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في رمضان آخر، فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا، أو ما يحولُ بيننا وبينَه، فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعُمَّنا جميعاً برحمتك.
وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم بذلك ربكم في كتابه المبين، فقال جلَّ من قائل: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) وقال r : (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً).
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وارض عنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم أذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك. وأصلح له بطانته.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان
اللهم كن لأهل السنة في لبنان والحبشة والعراق والشام..
اللهم كن لاخواننا في الشام وبورما معيناً وظهيراً ومؤيدا ونصيراً.
اللهم عليك بطواغيت بورما والشام..
اللهم صب عليهم العذاب صباً صباً.. وانزع عنهم عافيتك..
والبسهم ثوب الذلة والمهانة..
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله... إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، و اشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 5053 | التعليقات 6
جزاك الله خيرا أخي زياد
وشكر لك حسن ظنك بأخيك
ونسأل الله القبول والستر والعافية
جزاك الله خيرًا أستاذ عبد الله ، هو الوداع هكذا . . فوائد مجموعة .. وأشجان مرفوعة .. ودموع منسكبة .. فلا يدري الخطيب ما يقدّم وما يؤخّر . . و ما يفصّل وما يوجِز . . إنّها نفسيّة التوديع هكذا .
في خطبتكم المجموعة من كل بستان زهرةٌ جميلة ، فبارك الله فيك وفي اختيارك .
ترفع لعله يستفاد منها
وبالله التوفيق
ترفع لعله يستفاد منها
وبالله التوفيق
ترفع لعله يستفاد منها
وبالله التوفيق
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
أخي عبدالله: مهما كان فيها من النقل فاختيارك دليل على حسن ذوقك وعلامة على تميزك فكم من أناس لا يفرقون حين نقلهم بين الغث والسمين وزد على ذلك تواضعك ونسبتك الخير لأهله كتب ربي أجرك فقد أفدتنا من نواح عدة ما أملاه فكرك وقلبك ثم ما كان من نقلك وقد أزحت عنا كلفة البحث فأوصلته إلينا هنيئا مريئا ثم تواضعك الجم .
تعديل التعليق