خطبة : ( ختام العام )
عبدالله البصري
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في اختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ عِبرَةٌ ، وَفي تَوَالي الأَيَّامِ وَتَصَرُّمِ الأَعمَارِ تَذكِرَةٌ " يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولي الأَبصَارِ " " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلفَةً لِمَن أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شُكُورًا "
إِنَّهَا فُرَصٌ مَن فَاتَتهُ بِاللَّيلِ استَدرَكَهَا في النَّهَارِ ، وَغَنَائِمُ مَن شُغِلَ عَنهَا بِالنَّهَارِ وَجَدَهَا في اللَّيلِ ، وَمَن أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيرًا تَابَ في لَيلِهِ ممَّا اجتَرَحَهُ في نَهَارِهِ ، وَاستَعتَبَ في نَهَارِهِ ممَّا قَصَّرَ فِيهِ في لَيلِهِ ، وَ" إِنَّ اللهَ يَبسُطُ يَدَهُ بِاللَّيلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ حَتى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِهَا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ كُلَّ يَومٍ يَمضِي وَيَنقَضِي ، فَإِنَّمَا هُوَ نَقصٌ مِنَ الأَعمَارِ وَدُنُوٌّ مِنَ الآجَالِ ، وَالعَجَبُ ممَّن يَفرَحُ بِعَجَلَةِ مُرُورِ الأَيَّامِ وَتُعجِبُهُ سُرعَةُ انقِضَائِهَا ؛ لِيَنَالَ زِيَادَةً في رَاتِبٍ أَو يَعلُوَ دَرَجَةً في وَظِيفَةٍ ، وَمَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ بِقَدرِ ذَلِكَ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يَحزَنَ وَيَخَافَ وَيَتَحَرَّكَ قَلبُهُ ، لاقتِرَابِهِ مِن مَصِيرِهِ وَقِيَامِ قِيَامَتِهِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " القَبرُ أَوَّلُ مَنزِلٍ مِن مَنَازِلِ الآخِرَةِ ، فَإِن نجا مِنهُ فَمَا بَعدَهُ أَيسَرُ ، وَإِن لم يَنجُ مِنهُ فَمَا بَعدَهُ أَشَدُّ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ في تَقَلُّبِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ عِبرَةً وَأَيَّ عِبرَةٍ !! نَهَارٌ يَكُرُّ وَلَيلٌ يَمُرُّ ، وَأَيَّامٌ تُطوَى وَأَعمَارٌ تَفنى ، وَشَبَابٌ يَنقَضِى وَحَيَاةٌ تَنتَهِي ، وَقُوَّةٌ تَزُولُ وَصِحَّةٌ تَحُولُ ، أَحبَابٌ يَمضُونَ وَأَقَارِبُ يَدرُجُونَ ، وَغَنِيٌّ يَفتَقِرُ وَصَحِيحٌ يَسقَمُ ، وَعَزِيزٌ يَذِلُّ وَرَفِيعٌ يَنحَطُّ ، وَدُوَلٌ تَسقُطُ وَرُؤُوسٌ تَخضَعُ ، إِنَّهَا لأَحوَالٌ مُتَغَيِّرَةٌ وَأَوضَاعٌ مُتَغَايَرَةٌ ، تَدعُو لِلعِبرَةِ وَتَبعَثُ في النُّفُوسِ العِظَةُ ، أَلا فَمَا بَالُ الأَوقَاتِ تَضِيعُ في السَّعيِ وَرَاءَ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ ؟
وَلِمَ تَزدَادُ الأَعمَارُ وَتَنقُصُ الآجَالُ وَنَحنُ مُقِيمُونَ عَلَى الغَفَلاتِ ؟
وَعَلامَ يَشتَدُّ تَنَافُسُنَا فِيمَا يَفنى وَلا يَبقَى ؟
وَلِمَ لا نَنهَى النُّفُوسَ عَنِ الهَوَى لِنَرِثَ جَنَّةَ المَأوَى ؟
أَمَا إِنَّهُ تَوفِيقُ اللهِ لِمَن يَصطَفِيهِ مِن عِبَادِهِ ، ممَّن كَانَ لَهُ أُذُنٌ تَسمَعُ وَقَلبٌ يَخشَى وَيَخشَعُ ، وَرَزَقَهُ مَولاهُ عَقلاً يَعِي وَبَصِيرَةً تُمَيِّزُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الألبَابِ . الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ في اختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَّقُونَ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " لَقَد كَانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لأُولي الأَلبَابِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولي الأَبصَارِ "
نَعَم ـ عِبَادَ اللهِ ـ إِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ رَزَقَهُمُ اللهُ عَمِيقَ التَّفَكُّرِ وَمَنَحَهُم دَقِيقَ التَّأَمُّلِ ، وَبَارَكَ لهم في أَسمَاعِهِم وَأَبصَارِهِم وَبَصَائِرِهِم ، إِنَّهُم هُمُ الَّذِينَ يُفِيدُونَ مِن مُرُورِ الأَيَّامِ وَيُنَبِّهُهُم تَعَاقُبُ السِّنِينَ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَنتَفِعُونَ بِالأَحدَاثِ وَتُحَرِّكُ قُلُوبَهُمُ القَوَارِعُ ، وَيَزدَادُونُ بِطُولِ الأَعمَارِ مَعرِفَةً لأَنفُسِهِم وَفَهمًا لِمَا حَولَهُم ، وَأَمَّا مَنِ اشتَدَّت نَومَتُهُ وَاستَحكَمَت غَفلَتُهُ ، وَأَحَاطَت بِهِ خَطِيئَتُهُ وَقَيَّدَتهُ سَيِّئَتُهُ ، فَمَا لَهُ انتِبَاهٌ وَلا مُعتَبَرٌ " وَمَن لم يَجعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ " " أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بها أَو آذَانٌ يَسمَعُونَ بها فَإِنَّهَا لا تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِنْ تَعمَى القُلُوبُ الَّتي في الصُّدُورِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ تَوَفُّرَ الفَرَاغِ مَعَ صِحَّةِ الجِسمِ ، وَوَفرَةَ الغِنى مَعَ نَضَارَةِ الشَّبَابِ ، إِنَّها لَنِعَمٌ عَظِيمَةٌ وَعَطَايَا جَسِيمَةٌ ، وَلَكِنَّهَا عَوَارٍ مَردُودَةٌ وَفُرصٌ مَحدُودَةٌ ، إِنْ لم تُستَغَلَّ في طَاعَةٍ وَتُستَثمَرَ في قُربَةٍ ذَهَبَت في مَعصِيَةٍ وَانقَضَت في نُقصَانٍ " كَلاَّ وَالقَمَرِ . وَاللَّيلِ إِذْ أَدْبَرَ . وَالصُّبحِ إِذَا أَسفَرَ . إِنَّهَا لإِحدَى الكُبَرِ . نَذِيرًا لِلبَشَرِ . لِمَن شَاءَ مِنكُم أَن يَتَقَدَّمَ أَو يَتَأَخَّرَ"
وَمِن ثَمَّ فَقَد نَبَّهَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عَلَى أَهَمِّيَّتِهَا وَحَثَّ عَلَى اغتِنَامِها ، وَحَذَّرَ مِنَ الغَبنِ فِيهَا وَخَسَارَتِهَا ، فَقَالَ : " اِغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ : شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ ، وَحَياتَكَ قَبلَ مَوتِكَ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَرَوَى التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ ، وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ، وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ، وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ : الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَد كَانَ مِن تَوجِيهِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لِنَبِيِّهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عِندَ الفَرَاغِ أَن يَنصَبَ في العِبَادَةِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَإِذَا فَرَغتَ فَانصَبْ . وَإِلى رَبِّكَ فَارغَبْ "
وَقَد فَعَلَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَامتَثَلَ ، وَكَانَت حَيَاتُهُ صُورَةً وَاقِعِيَّةً لأَمرِ رَبِّهِ الآخَرِ لَهُ حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ "
فَيَا مَن أَضَاعَ الصَّلَوَاتِ وَاتَّبَعَ الشَّهَوَاتِ ، وَشَغَلَ عَينَهُ بِتَتَبُّعِ العَورَاتِ ، وَأَمَاتَ قَلبَهُ تَنَاوُلُ الخَبَائِثِ وَالمُحَرَّمَاتِ ، يَا مَن غَفَلَ عَن حَقِّ رَبِّهِ وَأَكَلَ حُقُوقَ النَّاسِ وَرَتَعَ في المَظَالِمِ ، مَتى العَودَةُ إِلى رَبِّكُم ؟
مَتى التَّوبَةُ مِن ذُنُوبِكُم ؟
إِلى مَتى الغَفلَةُ وَالتَّسوِيفُ ؟
إِلى مَتى الإِهمَالُ وَالتَّفرِيطُ ؟
وَمَا أَقبَحَ التَّفرِيطَ في زَمَنِ الصِّبَا
فَكَيفَ بِهِ وَالشَّيبُ لِلرَّأسِ شَامِلُ
إِنَّ مَن عَلِمَ أَنَّهُ لَن يُجزَى بِغَيرِ عَمَلِهِ ، وَلَن يَنفَعَهُ غَيرُ مَا قَدَّمَ لِنَفسِهِ ، وَأَنَّهُ مَيِّتٌ طَالَ بِهِ الزَّمَانُ أَو قَصُرَ ، فَلَيسَ لَهُ إِلاَّ أَن يَجِدَّ وَيَجتَهِدَ وَيَحرِصَ عَلَى مَا يَنفَعُهُ وَلا يَعجَزَ ، عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : جَاءَ جِبرِيلُ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " يَا مُحَمَّدُ ، عِشْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ، وَاعمَلْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ بِهِ ، وَأَحبِبْ مَن شِئتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ ، وَاعلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤمِنِ قِيَامُ اللَّيلِ وَعِزَّهُ استِغنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
فَاتَّقُوا اللهَ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مَا دُمتُم في زَمَنِ الإِمهَالِ ، مَن قَبلِ " أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللهِ وَإِنْ كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَو تَقُولَ لَو أَنَّ اللهَ هَدَاني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ . أَو تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَو أَنَّ لي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحسِنِينَ "
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ . وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالحِينَ . وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ. لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ وَإِن كَانَ المُؤمِنُ العَاقِلُ مُحَاسِبًا لِنَفسِهِ عَلَى الدَّوَامِ ، فَإِنَّ اللَّبِيبَ لا يَنفَكُّ عَن مُحَاسَبَةِ نَفسِهِ وَلَو عَامًا بَعدَ عَامٍ ، إِذْ بِمُرُورِ العَامِ بِأَشهُرِهِ وَأَيَّامِهِ وَمُنَاسَبَاتِهِ وَمُتَغَيِّرَاتِهِ ، تَكُونُ النَّفسُ قَدِ اكتَسَبَت خِبرَاتٍ وَمَرَّت بها عِظَاتٌ ، وَذَاقَت حَلاوَةً وَتَجَرَّعَت مَرَارَاتٍ ، فَمِنَ العَقلِ أَن يَكُونَ لها في كُلِّ هَذَا وَاعِظٌ وَنَذِيرٌ ، وَأَن يَتَأَمَّلَ صَاحِبُهَا في سَيرِهِ وَيَتَدَبَّرَ مَصِيرَهُ ، هَل هُوَ ممَّن يُعطِي الحُقُوقَ وَيَلزَمُ الحُدُودَ ؟ هَل هُوَ مُؤَدٍّ لِلوَاجِبَاتِ مُبتَعِدٌ عَنِ المُحَرَّمَاتِ ؟
هَل هُو مِنَ المُحَافِظِينَ عَلَى رَأسِ المَالِ مِنَ الحَسَنَاتِ أَم أَنَّهُ مِنَ المُعتَدِينَ المُفلِسِينَ ؟ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَتَدرُونَ مَا المُفلِسُ ؟ " قَالُوا : المُفلِسُ فِينَا مَن لا دِرهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ . فَقَالَ : " إِنَّ المُفلِسَ مِن أُمَّتي مَن يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأتي وَقَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَلا فَاحرِصُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى مَا افتَرَضَهُ اللهُ فَأَدُّوهُ وَلا تَنقُصُوهُ ، وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ ، وَتَزَوَّدُوا مِنَ النَّوَافِلِ بما يَكُونُ سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللهِ لَكُم وَتَوفِيقِهِ إِيَّاكُم ، وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مَا تَجرِي بِهِ أُجُورُكُم بَعدَ رَحِيلِكُم ، مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَو عِلمٍ نَافِعٍ أَو وَلَدٍ صَالحٍ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٌ صَالحٌ يَدعُو لَهُ " رَوَاهُ مَسلِمٌ وَغَيرُهُ .
المشاهدات 6598 | التعليقات 13
***
تنبيه :
ورد في الخطبة أعلاه : ( وإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) والصحيح - كما لا يخفى على فضيلتكم - : ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) ..
وأنا لا أشك أن ذلك قد وقع نظراً لمحبتكم في المبادرة في نفع الإخوة ..
كتب الله أجر فضيلتكم
الشيخ الفاضل / عبدالله البصري
نفع الله بجهودك ووفقك ومن تحب الى كل خير
نفع الله بجهودك ووفقك ومن تحب الى كل خير
وبكم نفع الله ـ أخي الكريم الشيخ إبراهيم ـ وأنا وأنتم والإخوة جميعًا كُلٌّ منا على ثغر ، فلو سد كُلٌّ ما في ناحيته لكفى الأمة ما لو فتح عليها لكان خرقًا في سفينتها " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم "
والمعول على الإخلاص لله والمتابعة لنبيه ورسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فعسى الله أن يرزقنا جميعًا ذين الأمرين لنفوز برحمته وجنته ، وأن يغفر لنا ما قصرنا فيه ويعفو عن زللنا .
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك في علمك وعملك ووقتك ورزقك وولدك وزوجك, وأن يجعلك مباركا ..
اللهم عليك باليهود, اللهم أنزل عليهم بأسك ورجزك إله الحق, اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين, اللهم لك الحمد كلّه ...
اللهم صلّ وسلّم على نبيّنا محمد وآله وصحبه.
بارك الله في جهودك ووفقك الى كل خير
شكر الله لكما ـ أخوي الكريمين أبا البراء وعبدالله الروقي ـ مروركما وتقبل دعواتكما ، وجعلنا وإياكم من الموفقين لما يرضيه عنا ، وسددنا وثبتنا .
شيخي الفاضل بارك الله فيك وزادك علما ولا حرمنا ابداعك فانت ( علم على رأسه نار )
وتسوءه الأيام حـــــ ... ـتى ما يرى شيئاً يسره
أما أنا فأقول : لله در النابغة الجعدي !! وأقول ما قال له رسول الله : لا فض فوك يا صاحب رسول الله ورضي الله عنك وجمعنا بك في دار كرامته مع محمد وصحبه ...
قال الحسن البصري : يا معشر الشيوخ ! الزرع إذا بلغ ما يصنع به ؟
قالوا : يحصد .
قال : يا معشر الشباب ! كم زرع لم يبلغ قد أدركته آفة .
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل
يفرح الإنسان بطول العمر ولعله يكون وبالا عليه ولذلك فيجب أن ينصب الاهتمام على حسن العمل والغاية في هذا قول محمد عليه الصلاة والسلام : (( خير الناس من طال عمره وحسن عمله ))
تقبل الله دعاءك ـ أم الفيصل ـ وبارك في جهدك وفرج عسرك ونفس كربك .
وشكر المولى لمرور الكرام هذا الإثراء للموضوع وجزاه خيرًا وبارك في جهوده .
عبدالله البصري
تقبل الله دعوتكم ـ أخي الكريم الشيخ ماجد ـ ووفقكم وسددكم ، وأشكر لكم قراءتكم الفاحصة ، فهي غاية ما يريده من ينشر ؛ ليصحح خطأه ويتمم قصوره ، وقد وقع الخطأ سهوًا وغفلةً ، وعسى الله أن يعفو عنا ويغفر لنا ، والكمال له وحده ، وقد عُدِّلَ الخطأ والفضل والمنة لله ، كما أضيف على الخطبة في آخرها تنبيه جليل وردني من أحد الدعاة الموفقين ، فله ولكم ـ أخي الكريم ـ أخلصُ الدعاء بأن يجزيكم المولى خيرًا على نصحكم وتنبيهكم .
والحمد لله أولاً وآخرًا .
تعديل التعليق