خطبة حواجز في طريق الزواج)
أبواسلام قاسمي
1438/06/28 - 2017/03/27 17:11PM
خطبة (عقبات في طريق الزواج) الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ من المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسباً وصِهْراً,وجَعَلَ الزِّواجَ مَودَّةً وَرَحمَةً وبِرًّا،نحمده سبحانه ونشكره على نعمه التي تترا.ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له،لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنى،والصِّفاتُ العُلا,شَرَعَ الزِّواجَ لِغَايَةٍ عُظْمَى،ونشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورسولُه،أَمَرَنا بِالتَّمسكِ بالعُروةِ الوُثْقَى،ورغبنا في النكاح وسنه لتحقيق العفاف والتقوى. صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه,وعلى آله وأصحابِه. وذريته وازواجه. ومن استنَّ بسُنَّتهِ واهتدى بهديه إلى يوم الدِّينِ .
أما بعد: ايها الاخوة المسلمون: حديثنا اليوم عن ضرورة اجتماعية لبناء الحياة، وتكوين الأسر ، إنه أمر تقتضيه الفطرة، قبل أن تحث عليه الشريعة، بل هو آية من آيات الله، الدالة على حكمته، كما قال سبحانه: ( وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).الزواج، سنة المرسلين، ووصية خاتم النبيين، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ) .قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، ولي طَول على النكاح لتزوجت، كراهية أن ألقى الله عزبًا) ..ومن هذا المنطلق سيكون حديثنا عن العقبات التي تقف أمام الزواج في طريق الزواج. وتؤدي إلى تأخيره أو تعسيره على أبنائنا وبناتنا . وسأكتفي بذكر أربع عقبات . فأوّل العقبات أيها الاخوة في الله: انتشار بعض المفاهيم الخاطئة حول الزواج وتأخيره :فيؤخر الزواج لدى كثير من الذكور والإناث بحجة إكمال الدراسة،أو الحصول على الوظيفة، أو القدرة المالية، أو عدم الرغبة في الارتباط المبكّر، أو غير ذلك من الأسباب التي أوهمت بها أدمغة الناس والشباب بسبب لَوْثَات الأفلام والمسلسلات والقنوات .وإن من المؤسف أن يصل بعض الشباب إلى سن الثلاثين والأربعين، وهو لم يفكر بعد في موضوع الزواج .
إن تأخير الزواج مخالف للسنّة الشرعية كما هو مخالف للسنّة الفِطرية، وقد قرّر المتخصّصون في علم الاجتماع والحياة أنّ الزواج المبكّر هو أنجح الزِّيجات حتى ولو تعثّرت الظروف المادية، وأنه سبب لاستقرار الصحة النفسية والجسدية، هذا بالإضافة إلى اكتمال الدين والعَفاف وحصول الإحصان في بداية الحياة .وأنه جزءٌ من الحياة الطبيعية، وقد قال الحق سبحانه: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ).وعن أبي هريرة أن النبي قال: ((ثلاثة حقّ على الله عَوْنهم: المجاهد في سبيل الله، والمُكاتَب، والناكح يبغي العَفَاف)). رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه بسند حسن .
فماذا تنفع المرأةَ بالذات شهاداتها إذا بقيت عانسًا قد فاتها ركب الزواج، ولم تسعد في حياتها بزوج وأولاد، يكونون لها زينة في الحياة، وذخرًا بعد الوفاة.فكم من امرأة فاتها قطار الزواج، وذهبت نضارتها، وذبلت زهرتها، وتمنت بعد ذلك تمزيق شهاداتها، لتسمع كلمة الأمومة على لسان وليدها .وإذا كنا نقول: نعم للزواج المبكر، فإننا نؤكد على حسن التربية وأداء الأمانة بتهيئة الفتاة لحياتها الزوجية، وتعليمها وتربيتها لتحمّل المسؤوليات في بيتها .
العقبة الثانية : غلاء المهور :فقد حول غلاء المهور الزواج إلى أمر شاق، ولا يطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهلَ الزوج، مع أن المهر في الزواج وسيلة لا غاية .إن المغالاةَ في المهور، والمُباهَاةَ بها، وتقويمَ الخاطب بمقدار ما قدّم من مَهر؛ لهو صِغَرٌ في النفس، ونقص في العقل، كما أن إرهاقَ الخاطب بالمهر الكثير، واشتراطَ الهدايا الكثيرة لأقارب الزوجة؛ لهو جشع وطمع وانتهازية تورث الضغائن، وتُرهِق بالديون، وتُعيق مسيرة الزواج في المجتمع، .وقد روى أهل السنن أن عمر الفاروق رضي الله عنه قال: (أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً)، وقد زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم رجلاً بما معه من القرآن، وقال لآخر: ((التمس ولو خاتمًا من حديد)، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، وأنكر صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور، ففي صحيح مسلم، جاءه رجل يسأله فقال: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ: عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ .الله المستعان، ماذا لو رأى صلى الله عليه وسلم أحوال المغالين اليوم؟ الذين جعلوا الزواج بمئات الألوف، بل ربما بالملايين .
العقبة الثالثة : عضل المرأة :وذلك بمنعِها من الزواج بالكفء إذا تقدّم إليها أو طلبتْه، ورغِب كلُّ واحدٍ منهما في الآخر، وقد قال الله عز وجل في محكم تنزيله: (يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)عضلُ النساء، تحكّمٌ في حقوقهن، وإهدارٌ لكرامتهنَّ، بل هو إلغاءٌ لإنسانيتهنّ من غير خوف من الله ولا حياء من خلق الله، ولا نظرٍ في العواقب،كم من الآباء أو الأولياء اليوم، يستغلّون حياءَ المرأة وخجلَها، وحسنَ ظنّها وسلامةَ نيَّتها، فيمتنع أحدهم عن تزويج المرأة، طمعاً في مالها أو مرتَّبها، أو طلباً لمهرٍ كثير، فتبقى البنت المسكينة محرومة من الزواج، وربما يفوتها القطار، وتقتل آمالها وحياتها بسبب هذا الولي الظالم فأين الرحمة في قلوب هؤلاء الأولياء؟ كيف لا يفكرون بالعواقب؟ هل يسرُّهم أن يسمعوا الأخبار المفجعة عن بناتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟ .ومن العضل كذلك، سوء خلق الولي مع الخطاب، فيبتعد الناس عن التقدُّم لخطبة ابنته أو موليته، لشدّته وتجهُّم وجهه واغتراره بنفسه ومركزه، ومن أسوأ صور العَضْل، حَجْرُ المرأة على أحد أبناء قرابتها، فلا يسمح لها وليّها بالزواج من غيره، ولو بقيت عانسًا طول حياتها! وهذه جريمةٌ كبيرة وأنانية مُفرِطة، تراعي أعرافًا بالية، وتخالف الشريعة الخالدة ..إن المرأة لا يجوز أن تُجبَر على نكاح مَن لا تريد، وولايةُ أبيها عليها ولايةُ مصلحةٍ وصيانة، وحفظٍ وأمانة، وليست ولايةَ تسلّطٍ وتجَبّر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تُنكَح الأيّم حتى تُسْتَأمَر، ولا تُنكَح البِكْر حتى تُستأذَن))، فقالوا: يا رسول الله، فكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)) متفق عليه .وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) خرَّجه الترمذي وابن ماجه والحاكم بسند صحيح.بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ...
عباد الله .. العقبة الرابعة والأخيرة أمام الزواج: الإسراف والمبالغة في التكاليف :حينما أُحيطت بعض حفلات الأعراس بتكاليفُ باهظة، ونفقاتٌ مذهلة، وعاداتٌ فرضها كثير من الناس على أنفسهم، تقليدًا وتبعية، ومفاخرةً ومباهاة، وإسرافًا وتبذيرًا، وقد قال الله: (إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا) .وتعظم المصيبة إذا اقترنت هذه التكاليف بشيء من المنكرات والمعاصي. اختلاطٌ بين الرجال والنساء، جَلْبٌ للمغنّين والمغنّيات بالمعازف وآلات الطرب، تضييعٌ الصلوات، كشفٌ للعورات، وتعرٍّ في لباس الحفلات، ناهيك عن التصوير العلني والخفي؟أيّ بركة تُرجَى، وأيّ توفيق يُؤمّل، إذا استُفْتِحَت الحياة الزوجية من أوّل ليلة بالمنكرات، ومعصيةِ ربّ الأرض والسماوات، الذي بيده مفاتيح القلوب، ولا يملك أسباب السعادة والتوفيق إلا هو .ألا يُعدّ هذا كفرًا بالنعمة، وبَطَرًا وتمرّدًا على المنعم سبحانه؟ نعوذ بالله من الكفر بنعمته، ونسأله تعالى أن لا يؤاخدنا بما فعل السفهاء منا.
عباد الله .. لقد جاءت شريعتنا الغراء بتيسير أمور الزواج والحث على الاقتصاد فيه، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير النكاح أيسره . رواه أبو داود بسند صحيح .وان ما نريده لأبنائنا وبناتنا هو تيسير الزواج، والمساعدةُ على الإحصان والعفاف، والحرصُ على الأكفاء ذوي الدين والخلق، مع البعد عن التكاليف والمبالغات التي تقصم ظهور الشباب، وتصدهم عن الزواج .
وعلى الوجهاء والعلماء والأثرياء، أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال.
ولكل الآباء والأولياء نقول: اتقوا الله فيما ولاكم، واحرصوا على تزويج أبنائكم وبناتكم، ولا تعرِّضوهم للعنوسة أو الفتنة والانحراف لا قدر الله .في زمن تعاظمت فيه ألوان الفساد وأنواع الفتن، مما تبثه القنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية التي تفجر براكين الجنس، وتزلزل ثوابت الغريزة، وتهدم قيم الأمة وأخلاقها .. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) ، نسأل الله العافية والسلامة .
اللهم صل على محمد ...
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ من المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسباً وصِهْراً,وجَعَلَ الزِّواجَ مَودَّةً وَرَحمَةً وبِرًّا،نحمده سبحانه ونشكره على نعمه التي تترا.ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له،لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنى،والصِّفاتُ العُلا,شَرَعَ الزِّواجَ لِغَايَةٍ عُظْمَى،ونشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورسولُه،أَمَرَنا بِالتَّمسكِ بالعُروةِ الوُثْقَى،ورغبنا في النكاح وسنه لتحقيق العفاف والتقوى. صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه,وعلى آله وأصحابِه. وذريته وازواجه. ومن استنَّ بسُنَّتهِ واهتدى بهديه إلى يوم الدِّينِ .
أما بعد: ايها الاخوة المسلمون: حديثنا اليوم عن ضرورة اجتماعية لبناء الحياة، وتكوين الأسر ، إنه أمر تقتضيه الفطرة، قبل أن تحث عليه الشريعة، بل هو آية من آيات الله، الدالة على حكمته، كما قال سبحانه: ( وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).الزواج، سنة المرسلين، ووصية خاتم النبيين، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ) .قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، ولي طَول على النكاح لتزوجت، كراهية أن ألقى الله عزبًا) ..ومن هذا المنطلق سيكون حديثنا عن العقبات التي تقف أمام الزواج في طريق الزواج. وتؤدي إلى تأخيره أو تعسيره على أبنائنا وبناتنا . وسأكتفي بذكر أربع عقبات . فأوّل العقبات أيها الاخوة في الله: انتشار بعض المفاهيم الخاطئة حول الزواج وتأخيره :فيؤخر الزواج لدى كثير من الذكور والإناث بحجة إكمال الدراسة،أو الحصول على الوظيفة، أو القدرة المالية، أو عدم الرغبة في الارتباط المبكّر، أو غير ذلك من الأسباب التي أوهمت بها أدمغة الناس والشباب بسبب لَوْثَات الأفلام والمسلسلات والقنوات .وإن من المؤسف أن يصل بعض الشباب إلى سن الثلاثين والأربعين، وهو لم يفكر بعد في موضوع الزواج .
إن تأخير الزواج مخالف للسنّة الشرعية كما هو مخالف للسنّة الفِطرية، وقد قرّر المتخصّصون في علم الاجتماع والحياة أنّ الزواج المبكّر هو أنجح الزِّيجات حتى ولو تعثّرت الظروف المادية، وأنه سبب لاستقرار الصحة النفسية والجسدية، هذا بالإضافة إلى اكتمال الدين والعَفاف وحصول الإحصان في بداية الحياة .وأنه جزءٌ من الحياة الطبيعية، وقد قال الحق سبحانه: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ).وعن أبي هريرة أن النبي قال: ((ثلاثة حقّ على الله عَوْنهم: المجاهد في سبيل الله، والمُكاتَب، والناكح يبغي العَفَاف)). رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه بسند حسن .
فماذا تنفع المرأةَ بالذات شهاداتها إذا بقيت عانسًا قد فاتها ركب الزواج، ولم تسعد في حياتها بزوج وأولاد، يكونون لها زينة في الحياة، وذخرًا بعد الوفاة.فكم من امرأة فاتها قطار الزواج، وذهبت نضارتها، وذبلت زهرتها، وتمنت بعد ذلك تمزيق شهاداتها، لتسمع كلمة الأمومة على لسان وليدها .وإذا كنا نقول: نعم للزواج المبكر، فإننا نؤكد على حسن التربية وأداء الأمانة بتهيئة الفتاة لحياتها الزوجية، وتعليمها وتربيتها لتحمّل المسؤوليات في بيتها .
العقبة الثانية : غلاء المهور :فقد حول غلاء المهور الزواج إلى أمر شاق، ولا يطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهلَ الزوج، مع أن المهر في الزواج وسيلة لا غاية .إن المغالاةَ في المهور، والمُباهَاةَ بها، وتقويمَ الخاطب بمقدار ما قدّم من مَهر؛ لهو صِغَرٌ في النفس، ونقص في العقل، كما أن إرهاقَ الخاطب بالمهر الكثير، واشتراطَ الهدايا الكثيرة لأقارب الزوجة؛ لهو جشع وطمع وانتهازية تورث الضغائن، وتُرهِق بالديون، وتُعيق مسيرة الزواج في المجتمع، .وقد روى أهل السنن أن عمر الفاروق رضي الله عنه قال: (أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً)، وقد زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم رجلاً بما معه من القرآن، وقال لآخر: ((التمس ولو خاتمًا من حديد)، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، وأنكر صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور، ففي صحيح مسلم، جاءه رجل يسأله فقال: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ: عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ .الله المستعان، ماذا لو رأى صلى الله عليه وسلم أحوال المغالين اليوم؟ الذين جعلوا الزواج بمئات الألوف، بل ربما بالملايين .
العقبة الثالثة : عضل المرأة :وذلك بمنعِها من الزواج بالكفء إذا تقدّم إليها أو طلبتْه، ورغِب كلُّ واحدٍ منهما في الآخر، وقد قال الله عز وجل في محكم تنزيله: (يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)عضلُ النساء، تحكّمٌ في حقوقهن، وإهدارٌ لكرامتهنَّ، بل هو إلغاءٌ لإنسانيتهنّ من غير خوف من الله ولا حياء من خلق الله، ولا نظرٍ في العواقب،كم من الآباء أو الأولياء اليوم، يستغلّون حياءَ المرأة وخجلَها، وحسنَ ظنّها وسلامةَ نيَّتها، فيمتنع أحدهم عن تزويج المرأة، طمعاً في مالها أو مرتَّبها، أو طلباً لمهرٍ كثير، فتبقى البنت المسكينة محرومة من الزواج، وربما يفوتها القطار، وتقتل آمالها وحياتها بسبب هذا الولي الظالم فأين الرحمة في قلوب هؤلاء الأولياء؟ كيف لا يفكرون بالعواقب؟ هل يسرُّهم أن يسمعوا الأخبار المفجعة عن بناتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟ .ومن العضل كذلك، سوء خلق الولي مع الخطاب، فيبتعد الناس عن التقدُّم لخطبة ابنته أو موليته، لشدّته وتجهُّم وجهه واغتراره بنفسه ومركزه، ومن أسوأ صور العَضْل، حَجْرُ المرأة على أحد أبناء قرابتها، فلا يسمح لها وليّها بالزواج من غيره، ولو بقيت عانسًا طول حياتها! وهذه جريمةٌ كبيرة وأنانية مُفرِطة، تراعي أعرافًا بالية، وتخالف الشريعة الخالدة ..إن المرأة لا يجوز أن تُجبَر على نكاح مَن لا تريد، وولايةُ أبيها عليها ولايةُ مصلحةٍ وصيانة، وحفظٍ وأمانة، وليست ولايةَ تسلّطٍ وتجَبّر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تُنكَح الأيّم حتى تُسْتَأمَر، ولا تُنكَح البِكْر حتى تُستأذَن))، فقالوا: يا رسول الله، فكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)) متفق عليه .وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) خرَّجه الترمذي وابن ماجه والحاكم بسند صحيح.بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ...
عباد الله .. العقبة الرابعة والأخيرة أمام الزواج: الإسراف والمبالغة في التكاليف :حينما أُحيطت بعض حفلات الأعراس بتكاليفُ باهظة، ونفقاتٌ مذهلة، وعاداتٌ فرضها كثير من الناس على أنفسهم، تقليدًا وتبعية، ومفاخرةً ومباهاة، وإسرافًا وتبذيرًا، وقد قال الله: (إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا) .وتعظم المصيبة إذا اقترنت هذه التكاليف بشيء من المنكرات والمعاصي. اختلاطٌ بين الرجال والنساء، جَلْبٌ للمغنّين والمغنّيات بالمعازف وآلات الطرب، تضييعٌ الصلوات، كشفٌ للعورات، وتعرٍّ في لباس الحفلات، ناهيك عن التصوير العلني والخفي؟أيّ بركة تُرجَى، وأيّ توفيق يُؤمّل، إذا استُفْتِحَت الحياة الزوجية من أوّل ليلة بالمنكرات، ومعصيةِ ربّ الأرض والسماوات، الذي بيده مفاتيح القلوب، ولا يملك أسباب السعادة والتوفيق إلا هو .ألا يُعدّ هذا كفرًا بالنعمة، وبَطَرًا وتمرّدًا على المنعم سبحانه؟ نعوذ بالله من الكفر بنعمته، ونسأله تعالى أن لا يؤاخدنا بما فعل السفهاء منا.
عباد الله .. لقد جاءت شريعتنا الغراء بتيسير أمور الزواج والحث على الاقتصاد فيه، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير النكاح أيسره . رواه أبو داود بسند صحيح .وان ما نريده لأبنائنا وبناتنا هو تيسير الزواج، والمساعدةُ على الإحصان والعفاف، والحرصُ على الأكفاء ذوي الدين والخلق، مع البعد عن التكاليف والمبالغات التي تقصم ظهور الشباب، وتصدهم عن الزواج .
وعلى الوجهاء والعلماء والأثرياء، أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال.
ولكل الآباء والأولياء نقول: اتقوا الله فيما ولاكم، واحرصوا على تزويج أبنائكم وبناتكم، ولا تعرِّضوهم للعنوسة أو الفتنة والانحراف لا قدر الله .في زمن تعاظمت فيه ألوان الفساد وأنواع الفتن، مما تبثه القنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية التي تفجر براكين الجنس، وتزلزل ثوابت الغريزة، وتهدم قيم الأمة وأخلاقها .. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) ، نسأل الله العافية والسلامة .
اللهم صل على محمد ...