خطبة حقوق الجار
د. ماجد بلال
خطبة حقوق الجار
حرص الإسلام على التمساك المجتمعي وأن يكون المجتمع المسلم لحمة واحدة، يتعاونون فيما بينهم يتفقد بعضهم أحوال بعض فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[1]. أخرجه مسلم، (2586)، والبخاري (6011)،
ومن أعظم صور التلاحم في المجتمع (حقوق الجوار)
ولقد كان العرب في الجاهلية يحمون الذّمار، ويتفاخرون بحسن الجوار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار،
يقول عنترة العبسي متفاخراً بحفظ حرمة الجار
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي حَتّى يُواري جارَتي مَأواها
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها
وقال قائلهم:
ناري ونار الجار واحدة ......... وإليه قَبْلي تنزل القدر
ما ضر جاري أني أجاوره ........... أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت .......... حتى يواري جارتي الخدر
ثم جاء الإسلام العظيم وأكد على هذا المعنى الذي هو من مكارم الأخلاق،
ولذلك فرض الله للجار حقوقاً وواجبات لا يتم إيمان العبد إلا بأدائها، وهذه الحقوق واجبة على العبد ليست نافلة من القول، ليست تمنناً وكرماً وفضلاً من العبد، بل هو مأمور من الله بها، إن أتى بها استحق الثواب العظيم والاكرام من الله في الدنيا وفي الآخرة، وإن قصر فيها حاسبه الله عليها، إما في الدنيا أو في الآخرة.
فقد روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»
يا محمد تفقد جيرانك، يا محمد اطعم جارك، يا محمد زر جيرانك، يا محمد انصح جارك، حتى ظننت انه سيقول: يا محمد سيكون لجارك جزء من ارثك وتركتك.
[4]. وروى البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ( كل جار لا يأمن جيرانُه غدرَه أو غدر أولاده، فليس بمؤمن حقاً، ولا يستحق أن يكون جاراً للمؤمنين.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ) فالمؤذي لجاره
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فُلَانَةَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ فِي النَّارِ»، قِيلَ: فَإِنَّ فُلَانَةَ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَتَصَدَّقُ بِأَثْوَارٍ مِنْ أَقِطٍ، وَلَا تُؤْذِي أَحَدًا بِلِسَانِهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ فِي الْجَنَّةِ».
ورُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما آمنَ من بات شبعان وجارُه جائِع".
واستعاذ النبي r من جار السوء: "أعوذُ بك من جار السوء في دار الإقامة؛ فإن جارَ البادية يتحول". رواه أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والنسائي، والحاكم
وفي حديثٍ عن الترمذي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم، وصحَّحه: "خيرُ الأصحاب عند الله خيرُهم لصاحبه، وخيرُ الجيران عند الله خيرُهم لجارِه".
وصحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاَ تَحْقِرَنَّ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ مَعْرُوفًا لِجَارَتِهَا وَلَوْ كَانَ فِرْسِنَ شَاةٍ. وفِرْسِنُ الشاة هو: العظم الذي فيه لحمٌ قليلٌ.
روى مسلمٌ عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "يا أبا ذر: إذا طبختَ مرقةً فأكثِر ماءَها وتعهَّد جيرانَك".
ومن أكبر الكبائر خيانة الجار في أهله روى الشيخان عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟! قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"، قلت: ثم أي؟! قال: "أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك"، قلت ثم أي؟! قال: "أن تزاني حليلة جارك".
وفي مسندِ الإمامِ أحمدَ قال صلى الله عليه وسلم : «لأنْ يَسرقَ الرَّجُلُ من أهلِ عشرةِ أبياتٍ أيْسَرُ من أن يسرِقَ من بيتِ جارِهِ».
عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لجاره - أو قال: لأخيه - ما يحب لنفسه)).
الخطبة الثانية:
وسمي الجار جار لأنه مقيم بجوارك ولأنه لما سكن عندك كأنه طلب منك جوارك وحمايته وأن تقف معه كأخيه ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾
عباد الله وإم من الحقوقِ الكبرى للجار، احتمالُ الأذى منهم، والصَّبرُ على خطئِهم، والتغافُلُ عن إساءتِهم، ففي مسند الإمام أحمد عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله تعالى يحبُّ ثلاثةً، ويُبغض ثلاثةً» وذكر في الثلاثة الذين يحبهم «رجلٌ كان له جارُ سوءٍ، يؤذِيه، فيصبرُ على أذاه حتى يكفيَه اللهُ إياه بحياةٍ أو موتٍ».
عن معاذ بن جبل، قال القرطبي: سنده حسن،: "قلنا: يا رسول الله، ما حق الجار؟ قال: إن استقرضك أقرضته، وإن أعانك أعنته، وإن احتاج أعطيته، وإن مرض عدته، وإن مات تبعت جنازته، وإن أصابه خير سرك وهنيته، وإن أصابته مصيبة ساءتك وعزيته، ولا تؤذه بقُتَار قدرك إلا أن تغرف له منها، ولا تستطيل عليه بالبناء لتشرف عليه وتسد عليه الريح إلا بإذنه، وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها، وإلا فأدخلها سراً لا يخرج ولدك بشيء منه يغيظون به ولده، ".
حكى الذهبي في كتابه الكبائر قال: كانَ لِسَهْلٍ التُّسْتَرِيِّ جارٌ مَجُوسِيٌّ فَٱنْفَتَحَ خَلاءُ الْمَجُوسِيِّ أي فاضت بيارته على دارِ سَهْلٍ فَأَقامَ مُدَّةً يُنَحِّي في اللَّيْلِ ما يَجْتَمِعُ مِنَ القَذَرِ في بَيْتِهِ حَتَّى مَرِضَ سهلٌ فَدَعا الْمَجُوسِيَّ وأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يَخْشَى أَنَّ وَرَثَتَهُ لا يَتَحَمَّلُونَ ذَلِكَ الأَذَى الَّذِي كانَ يَتَحَمَّلُهُ فَيُخاصِمُونَ الْمَجُوسِيَّ، فَتَعَجَّبَ الْمَجُوسِيُّ مِنْ صَبْرِهِ عَلى هَذا الأَذَى الكَبِيرِ وقالَ تُعاوِنُنِي بِذَلِكَ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وأَنا عَلَى دِينِي مُدَّ يَدَكَ لِأُسْلِمَ فَقالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وماتَ سَهْلٌ رَضِيَ اللهُ عَنْه.
عن ابي هريرة t قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يَشكو جارَهُ ، فقالَ : اذهَب فاصبِر فأتاهُ مرَّتينِ أو ثلاثًا، فقالَ: اذهَب فاطرَحْ متاعَكَ في الطَّريقِ فطرحَ متاعَهُ في الطَّريقِ، فجعلَ النَّاسُ يَسألونَهُ فيُخبِرُهُم خبرَهُ، فجَعلَ النَّاسُ يلعنونَهُ: فعلَ اللَّهُ بِهِ، وفَعلَ، فجاءَ إليهِ جارُهُ فقالَ لَهُ: ارجِع لا تَرى منِّي شيئًا تَكْرَهُهُ" أخرجه أبو داود (5153)
باع أبو الجهم العدوي داره بمائة ألف دينار، ثم قال للمشترين: بكم تشترون جوار سعيد بن العاص فقالوا: وهل يشترى جوار قط؟ قال: ردوا عليَّ داري، وخذوا دراهمكم، والله لا أدع جوار رجل: إن فقدتُ سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألتُه أعطاني، وإن لم أسأله ابتدأني، وإن نابتني جائحة فرّج عني.
فبلغ ذلك سعيداً فبعثه إليه بمائة ألف درهم.
يحكى أن أبا الأسود الدؤلي ـ:
كان له جيران بالبصرة، كانوا يخالفونه في الاعتقاد، ويؤذونه في الجوار، ويرمونه في الليل بالحجارة، ويقولون له: إنما يرجمك الله تعالى؛ فيقول لهم: كذبتم، لو رجمني الله لأصابني، وأنتم ترجمونني ولا تصيبونني؛ ثم باع الدار، فقيل له: بعتَ دارك؟! فقال: لا، بل بعت جاري؛ يَلُومُونَني أَنْ بِعْتُ بِالرُّخْصِ مَنْزِلي * وَمَا أَبْصَرُواْ جَارَاً هُنَاكَ يُنَغِّصُ
فَقُلْتُ لَهُمْ كُفُّواْ المَلاَمَ فَإِنَّمَا * بجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ
أسوأ الجيران من يكونون في عمارة واحدة أو صف واحد ولا يعرف بعضهم بعضاً، بل وصل الحال أن يسرق بيت جاره في وضح النهار فيضن أنه يرحل من بيته، وأحسن الجيران من لهم لقاء شهري يتفقدون فيه بعضهم بعضاً.
إن من الصور القديمة التي لا يعرفها أولادنا أن ترسلك أمك بالسلام على جارتكم وطلب بعض الأشياء البسيطة من الجيران او اهدائهم شيئا من الغداء او العشاء او اللحم او الخضار، واذكر أن صحن الطعام كان ينتقل من دار الى دار، فياليت
ذلك الزمن الجميل يعود.
صلوا وسلموا
المرفقات
1694162614_خطبة حقوق الجار.docx
1694162619_خطبة حقوق الجار.pdf