خطبة : ( حفلات الزفاف بين شكر النعمة وكفرها )

عبدالله البصري
1435/08/15 - 2014/06/13 07:04AM
حفلات الزفاف بين شكر النعمة وكفرها 15 / 8 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِمَّا لازَمَ الإِجَازَاتِ في هَذِهِ السَّنَوَاتِ ، كَثرَةُ الاجتِمَاعَاتِ وَتَعَدُّدُ اللِّقَاءَاتِ ، وَخَاصَّةً حَفَلاتِ الزَّوَاجِ وَمُنَاسَبَاتِ الأَعرَاسِ ، حَيثُ تَلتَقِي الأُسَرُ وَتَجتَمِعُ العَوَائِلُ ، وَيُخَالِطُ النَّاسُ بَعضُهُم بَعضًا ، فَتَزدَادُ الإِلفَةُ وَتَتَأَكَّدُ المُوَدَّةُ ، وَتَقوَى العَلائِقُ وَتَشتَدُّ الرَّوَابِطُ .
وَبِقَدرِ مَا في ذَلِكَ مِن الفَرَحِ وَالبَهجَةِ وَالسُّرُورِ ، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ تَصَرُّفَاتٍ غَرِيبَةً تَصدُرُ مِن بَعضِ النَّاسِ ، قَد تَخرُجُ بِهَذِهِ الاجتِمَاعَاتِ عَن مَقصُودِهَا الأَعظَمِ ، وَتَصرِفُهَا عَن غَايَاتِهَا النَّبِيلَةِ ، إِلى مَقَاصِدَ وَأَغرَاضٍ لَيسَت مِنَ الشَّرعِ وَلا المَرُوءَةِ في شَيءٍ .
وَقَد شَرَعَ اللهُ الزَّوَاجَ وَجَعَلَهُ مِن آيَاتِهِ ، وَأَخبَرَ أَنَّهُ مِن سُنَنِ المُرسَلِينَ ، وَبِهِ أَمَرَ الإِمَامُ وَالقَدوَةُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَأَخبَرَ أَنَّهُ مِن سُنَّتِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزوَاجًا لِتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُون "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَلَقَد أَرسَلنَا رُسُلاً مِن قَبلِكَ وَجَعَلنَا لَهُم أَزوَاجًا وَذُرِّيَّةً "
وَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ ثَلاثَةُ رَهطٍ إِلى بُيُوتِ أَزوَاجِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَسأَلُونَ عَن عِبَادَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَلَمَّا أُخبِرُوا كَأَنَّهُم تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : أَينَ نَحنُ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ؟ قَد غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ أَحَدُهُم : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهرَ وَلا أُفطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " أَنتُمُ الَّذِينَ قُلتُم كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخشَاكُم للهِ وَأَتقَاكُم لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي "
وَقَد حَثَّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عَلَى تَيسِيرِ الزَّوَاجِ بِفِعلِهِ وَقَولِهِ ، فَلَم يُصدِقْ أَيَّا مِن نِسَائِهِ أَكثَرَ مِن ثِنتَي عَشرَةَ أُوقِيَّةً ، رَوَى مُسلِمٌ عَن أَبي سَلَمَةَ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ أَنَّهُ قَالَ : سَأَلتُ عَائِشَةَ زَوجَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : كَم كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ؟ قَالَت : كَانَ صَدَاقُهُ لأَزوَاجِهِ ثِنتَي عَشرَةَ أُوقِيَّةُ وَنَشًّا . قَالَت : أَتَدرِي مَا النَّشُّ ؟ قَالَ : قُلتُ : لا . قَالَت : نِصفُ أُوقِيَّةٍ ، فَتِلكَ خَمسُ مِئَةِ دِرهَمٍ ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لأَزوَاجِهِ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ مِن يُمنِ المَرأَةِ تَيسِيرَ خِطبَتِهَا ، وَتَيسِيرَ صَدَاقِهَا ، وَتَيسِيرَ رَحِمِهَا " أَخرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ وَغَيرُهُمَا وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَمَعَ حُبِّهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ التَّيسِيرَ ، فَقَد حَثَّ عَلَى الوَلِيمَةِ ، وَأَوجَبَ قَبُولَ الدَّعوَةِ ، وَجَعَلَهُ مِن حَقِّ المُسلِمِ عَلَى أَخِيهِ ، فَقَالَ لِعَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ لَمَّا تَزَوَّجَ : " أَولِمْ وَلَو بِشَاةٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ : " إِذَا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ فَلْيُجِبْ ، عُرسًا كَانَ أَو نَحوَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " حَقُّ المُسلِمُ عَلَى المُسلِمِ خَمسٌ : رَدُّ السَّلامِ ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعوَةِ ، وَتَشمِيتُ العَاطَسِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
بَل لَقَد بَلَغَ مِن شَدِيدِ الاهتِمَامِ بِتَلبِيَةِ الدَّعوَةِ ، أَن أَمَرَ بها حَتى مَن كَانَ صَائِمًا ، يَحضُرُ وَيَدعُو لِمَن دَعَاهُ وَلَو لم يَأكُلْ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ . رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ ، فِإِنْ شَاءَ طَعِمَ ، وَإِن شَاءَ تَرَكَ "
قَالَ العُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا تَجِبُ الإِجَابَةُ عَلَى مَن عُيِّنَ بِالدَّعوَةِ وَخُصَّ بها ، وَأَمَّا الدَّعَوَاتُ العَامَّةُ ، فَلا يَلزَمُ حُضُورُهَا وَتَلبِيَتُهَا ، وَإِن دَعَاهُ رَجُلانِ وَلم يُمكِنْهُ الجَمعُ بَينَهُمَا ، أَجَابَ السَّابِقَ مِنهُمَا ؛ لأَنَّ إِجَابَتَهُ وَجَبَت حِينَ دَعَاهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ في حَفَلاتِ الزَّوَاجِ مَا هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ لا يُترَكُ ، وَفِيهَا مَا هُوَ مَعرُوفٌ يَجمُلُ بِالكَرِيمِ فِعلُهُ ، وَفِيهَا مَا هُوَ مِن قَبِيلِ التَّزَيُّدِ وَالتَّشَبُّعِ ، وَغَايَتُهُ الرِّيَاءُ وَالسُّمعَةُ ، وَهَذَا الَّذِي يَدُورُ بَينَ الكَرَاهَةِ وَالتَّحرِيمِ ، فَمِنَ الوَاجِبِ في حَفَلاتِ الزَّفَافِ إِجَابَةُ الدَّعوَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَهَذَا مَشرُوطٌ بما لم يَكُنْ هُنَالِكَ مُنكَرٌ ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مُنكَرٌ وَقَدِرَ عَلَى تَغيِيرِهِ فَإِنَّهُ يَحضُرُ وَيُغَيِّرُهُ ؛ لِيَنَالَ أَجرَ إِجَابَةِ الدَّعوَةِ وَأَجرَ تَغيِيرِ المُنكَرِ ، وَإِنْ عَرَفَ مِن نَفسِهِ أَنَّهُ لا يَستَطِيعُ تَغيِيرَ المُنكَرِ أَو خَشِيَ الفِتنَةَ ، لم يَجِبْ عَلَيهِ أَن يُجِيبَ الدَّاعِيَ ، بَل لم يَجُزْ لَهُ الحُضُورُ ؛ لأَنَّ الدَّاعِيَ بِإِتيَانِهِ المُنكَرَ وَعَدَمِ قِيَامِهِ بِحَقِّ اللهِ ، يَكُونُ قَد أَسقَطَ حَقَّهُ عَلَى إِخوَانِهِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيهِ في هَذَا الشَّأنِ أَنَّ يَتَّقِيَ المُسلِمُونَ رَبَّهُم في أَنفُسِهِم وَفي إِخوَانِهِم ، وَلا يَحرِمُوا أَنفُسَهُم وَإِخوَانَهُم الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ بِشُكرِ اللهِ عَلَى فَضلِهِ عَلَيهِم ، وَالحَذَرِ مِن مُخَالَفَةِ أَمرِهِ .
وَأمَّا المُحَرَّمُ وَالمَنهِيُّ عَنهُ في حَفَلاتِ الزَّفَافِ ، فَإِنَّهُ قَد تَعَدَّدَ في زَمَانِنَا وَلِشَدِيدِ الأَسَفِ ، فَمِن ذَلِكَ الإِسرَافُ وَالتَّبذِيرُ ، وَهُوَ مَرَضٌ خَطِيرٌ وَدَاءٌ مُستَطِيرٌ ، بُلِيَ بِهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ في زَمَانِنَا ؛ لِعَدَمِ مَعرِفَتِهِم بِأَقدَارِهِمُ الحَقِيقِيَّةِ ، وَلِسُوءِ فَهمِهِم لِلمَعنَى الحَقِيقِيِّ لِلكَرَمِ ، وَقَصرِهِ عَلَى تَبدِيدِ النِّعَمِ ، وَلَو أَنَّهُم تَأَمَّلُوا وَفَقِهُوا ، لَعَلِمُوا أَنَّ النِّعَمِ الَّتِي يَتقَلَّبُونَ فِيهَا ، هِبَاتٌ مِنَ اللهِ وَحدَهُ ، تَقَعُ حَيثُ شَاءَ عَلَى مَن شَاءَ ، فَمَن قَيَّدَهَا بِشُكرِهَا قَرَّت ، وَمَن كَفَرَهَا زَالَت وَفَرَّت ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِنْ شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ "
وَمِنَ المَنهِيِّ عَنهُ في حَفَلاتِ الزَّفَافِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الكِبرِ وَالطُّغيَانِ ، أَن يُخَصَّ الأَغنِيَاءُ بِالدَّعوَةِ ، وَيُترَكَ الفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ ، وَقَد ذَمَّ الحَبِيبُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ذَلِكَ فَقَالَ : " شَرُّ الطَّعَامُ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُدعَى لَهَا الأَغنِيَاءُ ، وَيُتركُ الفُقَرَاءُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَمِنَ المُحَرَّمِ الَّذِي يَدخُلُ في الإِسرَافِ وَالفَخرِ وَالخُيَلاءِ ، استِعمَالُ السِّلاحِ وَإِطلاقُ النَّارِ بِشَكلٍ عَشوَائِيٍّ في مَجمَعِ النَّاسِ ، دُونَ تَفَكُّرٍ في عَوَاقِبِ ذَلِكَ وَنَتَائِجِهِ ، أَو حِسَابٍ لِمَا يَذهَبُ فِيهِ وَيُهدَرُ مِن مَالٍ كَثِيرٍ ، لَو قُسِمَ عَلَى عَدَدٍ مِنَ الأُسَرِ في بَعضِ البِلادِ المَنكُوبَةِ لأَغنَاهُم وَسَدَّ جُوعَهُم مُدَّةً طَوِيلَةُ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ " وَلَا تُطِيعُوا أَمرَ المُسرِفِينَ . الَّذِينَ يُفسِدُونَ في الأَرضِ وَلَا يُصلِحُونَ " وَتَوَاضَعُوا وَتَطَامَنُوا يَرفَعْكُمُ اللهُ " تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلَا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا زَالَ النَّاسُ يُحدِثُونَ في زِيجَاتِهِم وَحَفَلاتِهِم أُمُورًا مُنكَرَةً ، يَدفَعُهُم إِلَيهَا حُبُّ التَّقلِيدِ وَزَعمُ التَّجدِيدِ ، فَيُحَمِّلُون أَنفُسَهُم مَعَ بَذلِ المَالِ وَتَبدِيدِهِ فِيمَا لا يَنفَعُ وَلا يَرفَعُ ، أَنَّهُم يَعصُونَ مَن وَفَّقَهُم فَاجتَمَعُوا وَائتَلَفُوا ، فَمِن ذَلِكَ أَنَّ بَعضَهُم تَسَاهَلَ في أَن يَخلُوَ الخَاطِبُ بِالمَرأَةِ بَعدَ الخِطبَةِ وَقَبلَ العَقدِ ، أَو يُلبِسَهَا خَاتَمًا لِلخُطُوبَةِ أَو عِقدًا أَو نَحوَهُ ، وَآخَرُونَ وَلَجُوا بَابًا عَظِيمًا مِن أَبوَابِ الفِتنَةِ وَالإِفسَادِ ، حَيثُ تَسَاهَلُوا في دُخُولِ بَعضِ أَقَارِبِ الزَّوجِ عَلَى النِّسَاءِ لِزَفِّهِ إِلى زَوجَتِهِ ، أَو دَخُولِ الزَّوجِ وَحدَهُ عَلَى زَوجَتِهِ وَهِيَ بَارِزَةٌ بَينَ النِّسَاءِ ، وَكُلُّ هَذَا خَطَأٌ جَسِيمٌ وَمُنكَرٌ عَظِيمٌ ، يُخَالِفُ مَا قَصَدَ إِلَيهِ الشَّرعُ مِن الفَصلِ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، حِفظًا لِلأَعرَاضِ وَحِمَايَةً لها مِن أَن تُنتَهَكَ . وَمِمَّا أَتَاهُ النَّاسُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ ، وَفِيهِ طَردٌ لِمَلائِكَةِ الرَّحمَنِ وَجَلبٌ لِجُندِ الشَّيطَانِ ، الإِتيَانُ بِالمُغَنِّيَاتِ وَالرَّاقِصَاتِ ، وَإِغدَاقُ المَالِ عَلَيهِنَّ مِن أَهلِ الزَّوَاجِ أَو مِنَ الحَاضِرَاتِ ، لِيُفسِدنَ الحَفَلاتِ بِالغِنَاءِ المُحَرَّمِ , وَيَذهَبنَ بِبَرَكَةِ الاجتِمَاعِ ، وَيَحرِمنَ مَن كَانَ فِيهَا خَيرٌ مِن الحُضُورِ وَالبَقَاءِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ ، وَإِيَّاكُم وَمَا يَذهَبُ بِبَرَكَةِ أَوقَاتِكِم وَأَموَالِكِم ، أو يُفسِدُ حَيَاتَكُم وَعِلاقَاتِكُم ، فَإِنَّكُم مَسؤُولُونَ عَمَّا وُهِبتُم مِنَ النِّعَمِ " وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنيٌّ كَرِيمٌ "
المرفقات

حفلات الزفاف بين شكر النعمة وكفرها.doc

حفلات الزفاف بين شكر النعمة وكفرها.doc

حفلات الزفاف بين شكر النعمة وكفرها.pdf

حفلات الزفاف بين شكر النعمة وكفرها.pdf

المشاهدات 2746 | التعليقات 3

بارك الله فيكم أستاذ عبد الله ، خطبة جليلة مرصّعَة ببيان الآداب والأحكام ، نسأل الله لنا و لأمتنا الهداية و التوفيق إلى طريق السعادة و الإيمان .


وفيكم بارك الله ، وسددكم ورعاكم ـ شيخ رشيد ـ وشكر لكم تشجيعكم لإخوانكم ومشاركاتكم المباركة في هذا الملتقى . ضاعف الله مثوبتكم ولا حركم الأجر .


جزاك الله خيرا