خطبة: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ.

وليد بن محمد العباد
1445/03/27 - 2023/10/12 14:41PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ

خطبة: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ.

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله

إذا حَلَّتْ بالمؤمنينَ المحنُ وتَكالبتِ المخاوفُ وقَلَّ النّصيرُ وحارَ الدّليل، فيُشرعُ لهم عندَ ذلك التّوبةُ والتّقوى والصّبرُ الجميل، وأنْ يُكثروا مِن قولِ حَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوَكيل. فقد قالَها إبراهيمُ عليه السّلامُ حينَ أُلقيَ في النّار، فجاءَ الأمرُ مِن العزيزِ الجبّار (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) وقالَها محمدٌ صلى اللهُ عليه وسلمَ عَقِبَ غزوةِ أُحُد، عندَما انهزمَ المؤمنون، فخافَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنْ يَكِرَّ المشركونَ على المدينةِ فيَستبيحونَها، فأَمَرَ أصحابَه بمطاردةِ المشركين، فاستجابوا لأمرِه وخرجوا وقد أَثْخَنَتْهم الجراحُ وأَنْهَكَتْهم الحرب، وأَخَذَ المنافقونَ يُثبّطونَهم ويُخَذِّلونَهم، وأَرْسَلَ إليهم أبو سفيانَ: أنْ أَبْلغوا مُحمَّدًا أنَّا قد أَجْمَعْنا الكَرَّةَ عليهم لِنستَأصِلَهم، فما كانَ مِن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ والمؤمنين، أمامَ هذا التّهديد، وهم في ذلك الكَرْبِ الشّديد، إلا أنْ ثَبَتُوا وقالوا: حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل. فَخَلَّدَ اللهُ ذِكْرَهم والثّناءَ عليهم، قالَ جلَّ جلالُه: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أيْ إنَّ اللهَ سيَكفينا شرَّهم، ويَصرفُ عنّا خطرَهم، ويَنصرُنا عليهم، فاللهُ مولانا ولا مولى لهم، فما كانتْ عاقبتُهم؟: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل، كلمةٌ تَبْعَثُ في القلوبِ المؤمنةِ الرّضا بقدرِ الله، وتَفويضَ الأمورِ جميعِها إلى الله، والتّوكّلَ على الله، والثّقَةَ بوعدِ الله، واليقينَ بنصرِ الله، والتّفاؤلَ بفرجِ الله، إِنْ مَسَّنَا الضُّرُّ أَوْ ضَاقَتْ بِنَا الحِيَلُ* فَلَنْ يَخِيبَ لَنَا فِي رَبِّنَا أَمَلُ. اللهُ فِي كُلِّ خَطْبٍ حَسْبُنَا وَكَفَى* إِلَيْهِ نَرْفَعُ شَكْوَانَا وَنَبْتَهِلُ. وَمَنْ نَلُوذُ بِهِ فِي كَشْفِ كُرْبَتِنَا* وَمَنْ عَلَيْهِ سِوَى الرَّحْمَنِ نَتَّكِلُ؟. فَافْزَعْ إِلَى اللهِ وَاقْرعْ بِابَ رَحْمَتِهِ* فَهْوَ الرَّجَاءُ لِمَنْ أَعْيَتْ بِهِ السُّبُلُ. يا مالكَ الملكِ فادفعْ ما أَلَمَّ بنا* فما لنا بِتَولِّي دفْعِهِ قِبَلُ. فحَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوَكيل، اللهمّ أنتَ حَسبُنا وأنتَ مولانا وأنتَ نصيرُنا، فنِعمَ المولى ونِعمَ النّصير.

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:

اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.

اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهمّ وفّقْ خادمَ الحرمينِ الشّريفيْنِ ووليَّ عهدِه لما تحبُّه وترضاه، اللهمّ وفّقْهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلاد، اللهمّ هيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهمّ من أرادَنا والمسلمينَ بسوءٍ وفتنةٍ فاشغله بنفسِه وردَّ كيدَه في نحرِه واجعلْ تدبيرَه وتدميرَه يا قويُّ يا عزيز، اللهمّ احفظِ المسجدَ الأقصى وأهلَه المرابطين، اللهمّ عليك باليهودِ المعتدين، نَدرأُ بك في نحورِهم ونَعوذُ بك مِن شرورِهم، اللهمّ أَنزلْ بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المجرمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 28/ 3/ 1445هـ

المشاهدات 3864 | التعليقات 0