خطبة : ( حرية شرعية لا تعرف البهيمية )

عبدالله البصري
1440/05/12 - 2019/01/18 07:13AM
حرية شرعية لا تعرف البهيمية       12 / 5 / 1440
 
 
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ثَمَّةَ مُفرَدَةٌ أَو مُصطَلَحٌ رَنَّانٌ ، يَكثُرُ في عَالَمِ اليَومِ تَردَادُهُ ، وَيَحُومُ حَولَهُ كَثِيرٌ مِنَ المُثَقَّفِينَ وَالكُتَّابِ وَالمُتَكَلِّمِينَ ، وَلأَنَّهُ مَفهُومٌ تَتَطَلَّعُ إِلَيهِ نُفُوسُ البَشَرِ جَمِيعًا لِجَمَالِهِ وَحَلاوَتِهِ ، بَل لِكَونِهِ شُعُورًا فِطرِيًّا تَتَنَفَّسَهُ النُّفُوسُ مَعَ الهَوَاءِ ، فَقَدِ التَقَطَهُ أَعدَاءُ الدِّينِ وَمُحَارِبُو القِيَمِ وَالفَضِيلَةِ ، وَرَكِبَهُ كَثِيرُونَ عَلَى مُستَوَى الدُّوَلِ وَالمُنَظَّمَاتِ وَوَسَائِلِ الإِعلامِ ، لِلوُصُولِ إِلى أَهدَافٍ دَنِيئَةٍ وَتَحصِيلِ مَآرِبَ خَبِيثَةٍ ، أَتَدرُونَ مَا هَذَا المُصطَلَحُ الجَمِيلُ الرَّنَّانُ ، إِنَّهُ الحُرِّيَّةُ ، نَعَم ، الحُرِّيَّةُ الَّتِي هِيَ مُبتَغَى الأَفرَادِ وَمَطلَبُ الشُّعُوبِ ، وَبِهَا يَتَغَنَّى الأَحرَارُ وَيَفتَخِرُونَ ، وَعَنهَا يَبحَثُ آخَرُونَ وَعَلَيهَا يَبكُونَ ، وَإِلَيهَا يَشتَاقُ كُلُّ مُقَيَّدٍ وَمَسجُونٍ .
وَالحُرِّيَّةُ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - لَهَا مَعنًى صَحِيحٌ ، وَمَعَانٍ كَثِيرَةٌ مَغلُوطٌ فِيهَا ، وَمِن أَسَفٍ وَسُوءِ حَظٍّ أَنَّ مَعنَاهَا الصَّحِيحَ كَادَ يَغِيبُ عَن أَذهَانِ كَثِيرِينَ ، أَو غُيِّبَ عَنهَا قَصدًا وَعَمدًا ، لِتَحِلَّ مَحَلَّهُ المَعَاني المَغلُوطُ فِيهَا ، وَالمَقصُودُ بِهَا في الحَقِيقَةِ استِعبَادُ الإِنسَانِ وَإِذلالُهُ مِن حَيثُ أَرَادَ الحُرِّيَّةَ ، وَإِدخَالُ رَقَبَتِهِ في رِبقِ عُبُودِيَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ ، قَد يَستَلِذُّ بَعضَهَا لِجَهلِهِ ، أَو يَنخَدِعُ بِهَا لِغَفلَتِهِ ، فَيَعِيشُ فِيهَا مُدَّةً مِن عُمُرِهِ قَد تَطُولُ وَتَمتَدُّ ، ثم لا يَصحُو مِن نَومَتِهِ وَلا يَنتَبِهُ مِن غَفلَتِهِ إِلاَّ وَهُوَ في أَخَسِّ أَنوَاعِ الرِّقِّ وَأَدنَى دَرَجَاتِ العُبُودِيَّةِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بِاسمِ الحُرِّيَّةِ تَجَاوَزَ مَفتُونُونَ عَلَى حُدُودِ الشَّرعِ وَتَطَاوَلُوا عَلَى أَحكَامِ الدِّينِ ، وَبِاسمِ الحُرِّيَّةِ عَقَّ أَبنَاءٌ آباءَهُم وَعَصَوا أُمَّهَاتِهِم ، وَخَرَجَت زَوجَاتٌ عَن طَاعَةِ أَزوَاجِهِنَّ وَتَمَرَّدنَ عَلَيهِم ، بَل وَهَرَبَت فَتَيَاتٌ مِن بُيُوتِ أَهلِيهِنَّ لَمَّا غُرِّرَ بِهِنَّ ، فَهَتَكنَ سِترَهُنَّ ، وَخَلَعنَ أَثوَابَ الصِّيَانَةِ ، وَرَمَينَ جَلابِيبَ العِفَّةِ ، وَأَنزَلنَ أَنفُسَهُنَّ في القَاعِ وَأَورَدنَهَا الحَضِيضَ وَالسُّفلَ ، بَعدَ أَن كُنَّ في القِمَّةِ وَالعُلُوِّ . وَبِاسمِ الحُرِّيَّةِ اعتُدِيَ عَلَى حُقُوقِ الآخَرِينَ وَأُوذُوا ، إِمَّا بِضَربٍ أَو قَتلٍ ، وَإِمَّا بِهَتكِ عِرضٍ أَو أَكلِ مَالٍ ، وَبِاسمِ الحُرِّيَّةِ أُتلِفَت مُمتَلَكَاتٌ وَعُبِثَ بِمُقَدَّرَاتٍ ، وَخُولِفَت أَنظِمَةٌ وَلم يُوقَفْ عِندَ حَدٍّ .
وَايمُ اللهِ – يَا عِبَادَ اللهِ - لَقَد خَلَقَ اللهُ – تَعَالى - الإِنسَانَ حُرًّا ، وَأَعطَاهُ إِرَادَةً وَمَشِيئَةً وَاختِيَارًا ، وَلَولا ذَلِكَ لَمَا حَاسَبَهُ وَلا آخَذَهُ عَلَى أَفعَالِهِ ، لَكِنَّ أَعظَمَ الحُرِّيَّةِ الَّتِي مَنَحَهَا – تَعَالى - لِلإِنسَانِ أَنْ لم يَجعَلْهُ عَبدًا لِغَيرِهِ ، بَل وَلم يَأذَنْ لَهُ أَن يَعبُدَ أَحَدًا سِوَاهُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " فَالعُبُودِيَّةُ لَهُ – تَعَالى – وَحدَهُ هِيَ عَينُ الحُرِّيَّةِ ، بِهَا يَتَحَرَّرُ الإِنسَانُ مِن أَسرِ المَخلُوقَاتِ ، وَيَكُونُ في غَايَةِ الحُرِّيَّةِ في نَفسِهِ ، وَيَتَمَتَّعُ بِمَا وَهَبَهُ رَبُّهُ مِنَ المُبَاحَاتِ ، فَيَأَكُلُ مَا شَاءُ وَيَشرَبُ مَا شَاءُ ، وَيَلبَسُ مَا شَاءُ وَيَركَبُ مَا شَاءُ ، وَيَتَنَقَّلُ حَيثُ شَاءُ وَيَعمَلُ مَا شَاءَ ، وَيَبِيعُ وَيَشتَرِي فِيمَا شَاءُ وَيَستَأجِرُ وَيُؤَجِّرُ مَا شَاءُ ، وَيَتَزَوَّجُ وَيُزَوِّجُ مَن يَشَاءُ ، في حُرِّيَّاتٍ وَمُبَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ أَعطَاهُ اللهُ إِيَّاهَا ، لِيَعِيشَ عِيشَةً كَرِيمَةً وَيَحيَا حَيَاةً طَيِّبَةً ، بَعِيدًا عَمَّا حَرَّمَهُ عَلَيهِ لِضَرَرِهِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ ، وَلَكِنَّ مِنَ النَّاسِ كَثِيرِينَ لم يُوَفَّقُوا لِلعُبُودِيَّةِ الَّتي فِيهَا عِزُّهُم وَفَلاحُهُم وَنَجَاتُهُم ، وَخَرَجُوا عَنهَا بِدَعوَى الحُرِّيَّةِ ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّهُم خَرَجُوا مِنَ الرِّقِّ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ ، إِلى رِقٍّ آخَرَ ابتَكَرَهُ أَعدَاؤُهُم ، وَأَدخَلُوهُم فِيهِ مِن حَيثُ لم يَشعُرُوا ، أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لَقَد جَعَلَ الأَعدَاءُ النَّاسَ عَبِيدًا لِلشَّهَوَاتِ وَالرَّغَبَاتِ عَلَى مُختَلِفِ أَنوَاعِهَا وَأَشكَالِهَا ، فَصَارَت هِيَ الَّتي تُحَرِّكُهُم وَتُوجِّهُهُم ، وَتُقِيمُهُم وَتُقعِدُهُم ، فَغَدَا هَذَا عَبدًا لامرَأَةٍ ، وَصَارَ ذَاكَ عَبدًا لِكَأسٍ وَمُخَدِّرٍ ، وَأَصبَحَ الثَّالِثُ عَبدًا لِلمَالِ وَالمَادَّةِ ، وَأَضحَى الرَّابِعُ عَبدًا لِلَّهوِ المُنفَلِتِ وَالتَّرفِيهِ المُحَرَّمِ ، وَأَمسَى آخَرُونَ عَبِيدًا لِلعَادَاتِ الجَاهِلِيَّةِ وَالرُّسُومِ القَبَلِيَّةِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مَفهُومَ الحُرِّيَّةِ الصَّحِيحَ هُوَ العُبُودِيَّةُ للهِ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، الحُرِّيَّةُ الحَقِيقِيَّةُ أَن يُحِبَّ المَرءُ للهِ وَيُبغِضُ للهِ ، وَيُعطِي للهِ وَيَمنَعُ للهِ ، وَيَعِيشُ للهِ وَيَمُوتُ في سَبِيلِ اللهِ ، وَأَلاَّ يَكُونَ لَهُ اختِيَارٌ وَلا خِيَارٌ غَيرُ مَا اختَارَهُ اللهُ وَقَضَاهُ ، وَلا وَاللهِ لَيسَ بَعدَ ذَلِكَ وَلا سِوَاهُ إِلاَّ الضَّلالُ وَالهَلاكُ وَالخَسَارَةُ ، قَالَ رَبُّنَا – تَبَارَكَ وَتَعَالى - : " وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّمَا كَانَ قَولَ المُؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ " وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِذَا نَهَيتُكُم عَن شَيءٍ فَاجتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرتُكُم بِأَمرٍ فَأتُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . تِلكَ هِيَ الحُرِّيَّةُ في الإِسلامِ ، لَهَا حُدُودٌ شَرعِيَّةٌ وَمَعَالِمُ رَبَّانِيَّةٌ ، لَيسَت في إِعطَاءِ نَفسٍ مَا تَختَارُ مَا لم يُبِحْهُ اللهُ ، وَلا في إِتيَانِ العَبدِ المَعصِيَةَ وَتَعَدِّيهِ الحُدُودَ وَارتِكَابِ مَا نُهِيَ عَنهُ ، وَلا هِيَ في سَبِّ دِينٍ وَلا في نَقضِ مَبَادِئٍ ، وَلا تَطَاوُلٍ عَلَى ثَوَابِتٍ ولا في هَدمِ قِيَمٍ ، وَلا في انتِقَادِ مَا جَاءَ في كِتَابٍ أَو سُنَّةٍ لأَنَّ عُقُولاً زَائِغَةً لم تَستَوعِبْهُ ، ولا في رَدِّهِ لأَنَّ فِطَرًا فَاسِدَةً لم تَقبَلْهُ ، وَلَكِنَّهَا تَصَرُّفٌ وَهَبَهُ اللهُ لِلإِنسَانِ بِمَا يُمَكِّنُهُ مِنِ استِيفَاءِ حَقِّهِ وَأَدَاءِ وَاجِبِهِ دُونَ تَعَسُّفٍ أَوِ اعتِدَاءٍ ، وَدُونَ ضَرَرٍ بِنَفسِهِ أَو ضِرَارٍ بِغَيرِهِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – عِبَادَ اللهِ - فَإِنَّهُ لا حُرِّيَّةَ مُطلَقَةً في الإِسلامِ ، وَإِلاَّ لم يَكُنْ لِلعُبُودِيَّةِ للهِ مَعنًى ، وَمَن لم يَعبُدِ اللهَ ، فَقَد عَبَّدَ نَفسَهُ لِلشَّيطَانِ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " أَلَم أَعهَدْ إِلَيكُم يَا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعبُدُوا الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ . وَأَنِ اعبُدُوني هَذَا صِرَاطٌ مُستَقِيمٌ . وَلَقَد أَضَلَّ مِنكُم جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَم تَكُونُوا تَعقِلُونَ "
 
 
الخطبة الثانية :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِمَّا لَبَّسَ بِهِ الشَّيطَانُ وَأَعوَانُهُ وَإِخوَانُهُ عَلَى النَّاسِ ، أَن جَعَلُوا لِلحُرِّيَّةِ ضَابِطًا وَاحِدًا ، وَهُوَ أَنَّ الإِنسَانَ حُرٌّ في تَصَرُّفَاتِهِ مَا لم يَضُرَّ بِالآخَرِينَ ، وَعَلَيهِ فَإِنَّهُم يُبِيحُونَ لِلفَردِ أَن يَفعَلَ مَا يَشَاءُ وَلَو كَانَ يَعلَمُ أَنَّهُ ضَارٌّ بِهِ وَحدَهُ ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الآخَرِينَ ، فَلَيسَ حُرًّا فِيهِ إِلاَّ إِذَا رَضُوا هُم بِهِ وَقَبِلُوهُ ، وَالحَقِيقَةُ أَنَّ هَذِهِ النَّظرَةَ ظُلُمَاتٌ بَعضُهَا فَوقَ بَعضٍ ، وَهِيَ غَيرُ صَحِيحَةٍ وَلا مَقبُولَةٍ عَقلاً وَلا شَرعًا ، فَلا يَجُوزُ لِفَردٍ وَلا لِجَمَاعَةٍ ، لا أَمَامَ النَّاسِ وَلا وَحدَهُم ، أَن يَأتُوا مَا فِيهِ ضَرَرٌ بِهِم أَو بِغَيرِهِم ؛ فَالحَرَامُ حَرَامٌ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، وَالمَمنُوعُ شَرعًا مَمنُوعٌ على كُلِّ حَالٍ ، فَالكُفرُ لا يُقَرُّ ، وَالمَعصِيَّةُ لا تُقَرُّ ، وَالمُنكَرَاتُ لا يُرضَى بِظُهُورِهَا وَلا يُسكَتُ عَلَى انتِشَارِهَا ، وَلَيسَ في الوُجُودِ مَعصِيَةٌ تَظهَرُ فَيَقتَصِرُ ضَرَرُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَحَسبُ ، بَلِ النَّاسُ وَاجِبٌ عَلَيهِم أَن يَعبُدُوا اللهَ جَمِيعًا وَيُسلِمُوا لَهُ " وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ " وَقَد أُمِرَ نَبِيُّنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - أَن يُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَإِذَا تَرَكَ النَّاسُ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ بِحُجَّةِ أَنَّ النَّاسَ أَحرَارٌ فِيمَا يَشَاؤُونَ ، فَقَد أَحَلُّوا بِأَنفُسِهِم العُقُوبَةَ ، عَن أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُم تَقرَؤُونُ هَذِهِ الآيَةَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُم " وَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيهِ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِن عِندِهِ " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَهَا نَحنُ نَرَى مُجتَمَعَاتِ الغَربِ الكَافِرَةَ ، الَّتي فَهِمَتِ الحُرِّيَّةَ عَلَى أَنَّهَا انطِلاقٌ بِلا قَيدٍ ، وَتَحَرُّرٌ مِن كُلِّ ضَابِطٍ ، وَتَخَلُّصٌ مِن كُلِّ رَقَابَةٍ ، وَصَارَ الفَردُ يَفعَلُ مَا يَشَاءُ بِلا خَوفٍ ، فَمَا النَّتِيجَةُ ؟! ارتَفَعَ مُعَدَّلُ الجَرَائِمِ لَدَيهِم ، وَكَثُرَ فِيهِمُ القَتلُ وَانتَشَرَتِ السَّرِقَةُ ، وَعَمَّ الاختِطَافُ وَالاغتِصَابُ ، وَشَاعَ الشُّذُوذُ وَالخِيَانَةُ ، وَظَهَرَ انحِلالُ الأَخلاقِ في صُوَرٍ لم يَسبِقْ لَهَا مَثِيلٌ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَكُنْ عَبِيدًا لَهُ مُسلِمِينَ رَبَّانِيِّينَ ، وَلْنَحذَرْ مِن تَجَاوُزِ حُدُودِهِ وَأَحكَامِ شَرعِهِ بِدَعوَى الحُرِّيَّةِ ؛ فَإِنَّهُ " مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ "
المرفقات

شرعية-لا-تعرف-البهيمية

شرعية-لا-تعرف-البهيمية

شرعية-لا-تعرف-البهيمية-2

شرعية-لا-تعرف-البهيمية-2

المشاهدات 2191 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا