خطبة: حبُّ النبي امتثال لا احتفال. والخطبة الثانية عن التستر التجاري "للتعميم"
وليد بن محمد العباد
خطبة: حبُّ النبيِّ امتثالٌ لا احتفال.
والخطبة الثانية عن التستر التجاري "للتعميم"
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ عبادَ الله
لقد أنعمَ اللهُ علينا بإكمالِ الدِّينِ فقالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا﴾ وما تركَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ خيرًا إلا دلّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذّرَنا منه، فليسَ للمسلمِ أنْ يزيدَ في شرعِ الله، ولا أنْ يتقرّبَ بعملٍ ليسَ عليه دليلٌ من كتابِ اللهِ أو سنَّةِ رسولِ الله، قالَ عليه الصلاةُ والسلام: مَنْ أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منه فهو رَدّ. أي مردودٌ عليه وغيرُ مقبولٍ منه. ومِن المُحْدثاتِ التي يجبُ الحذرُ منها، ما أحدثَه العُبَيْدِيُّونَ الرّافضةُ قبَّحهم الله، من بدعةِ الاحتفالِ بمولدِ النّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، تشبُّها باحتفالِ النّصارى بميلادِ المسيح، وقد حذَّرَنا عليه الصلاةُ والسلامُ من الغلوِّ فيه كما فعلتِ النّصارى فقال: لا تُطروني كما أَطْرَتِ النّصارى المسيحَ ابنَ مريم. فهل يليقُ بالمسلمِ أنْ يقتديَ بأولئكَ الأنجاسِ الفاسقين، ويرغبَ عن ملّةِ سيّدِ المرسلين؟ حيثُ لم يحتفلْ عليه الصلاةُ والسلامُ بمولدِه ولا صحابتُه الكرام، وهم أقربُ عهدًا به وأشدُّ حبًّا له واتباعًا لسنّتِه، ولو كانَ خيرًا لسبقونا إليه، فمن أرادَ النّجاةَ فليسلكْ طريقَهم ولْيَسَعْه ما وَسِعَهم. قالَ عليه الصلاةُ والسلام: عليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفاءِ المهديّينَ الرّاشدين، تَمسّكوا بها وعَضّوا عليها بالنّواجِذ، وإيّاكم ومُحْدثاتِ الأمور، فإنّ كلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة. مع ما يُصاحبُ تلك الموالد، من مدائحَ شركيّةٍ ومخالفاتٍ شرعيّة، قد نهى اللهُ عنها ورسولُه صلى اللهُ عليه وسلم، فهل يَسوغُ التعبيرُ عن حبِّ الرّسولِ بمعصيتِه؟ لو كانَ حبُّكَ صادقًا لأطعتَهُ، إنّ المُحَبَّ لمن يُحِبُّ مُطيع! حُبُّ النّبيِّ امتثالٌ لا احتفال، حبُّ النبيِّ الحقيقيُّ، بطاعتِه فيما أَمَر، وتصديقِه فيما أَخْبَر، واجتنابِ ما نهى عنه وزجر، وأنْ لا يُعبدَ اللهُ إلا بما شَرَع. فاتقوا اللهَ رحمكم الله، وأظهروا حبَّكم لرسولِكم، باتباعِ منهجِه وتطبيقِ سنّتِه، تفوزوا برضا ربِّكم ومحبّتِه، وذلك هو الفوزُ العظيم (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهدي سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتَمِ النبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله اتقوا اللهَ حقَّ التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
عبادَ الله، وإنّ ممّا يجدرُ التذكيرُ به، أنّ على المسلمِ أنْ يتقيّدَ بالآدابِ الشرعيّة، والأنظمةِ المرعيّة، في جميعِ معاملاتِه التجاريّة، فيحرصُ على الكسبِ الحلالِ المبارك، ويحذرُ من الكسبِ الحرامِ ومخالفةِ النّظام، ويتجنّبُ الرّشوةَ والغشَّ والتستّرَ التجاريّ، وتشغيلَ العمّالِ في غيرِ أعمالِهم، فإنّ ذلك يمحقُ البركةَ ويعرّضُ للعقوبةِ في الدنيا والآخرة. قالَ عليه الصلاةُ والسلام: إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ فقالَ: {يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحًا، إنِّي بما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
اللهمّ أَرِنا الحقَّ حقًا وارزقْنا اتباعَه، وأرِنا الباطلَ باطلًا وارزقْنا اجتنابَه، ولا تجعلنا ممّن ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
اللَّهمَّ إنّا نسألُكَ فِعلَ الخيراتِ، وتَركَ المنكَراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأنْ تَغفِرَ لنا وتَرحمَنا، وإذا أردتَّ بعبادِك فِتنةً فاقبضْنا إليكَ غيرَ مَفتونين، اللَّهمَّ إنّا نسألُكَ حُبَّكَ وحَبَّ مَن يُحِبُّكَ، وحُبَّ كلِّ عملٍ يُبَلِّغُنا حُبَّكَ
اللَّهُمَ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ، وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ
اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومين، ونفّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين
اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمين، الأحياءِ منهم والميّتين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله: إنّ مِن أعظمِ دلائلِ حبِّ النبيِّ كثرةَ الصّلاةِ والسلامِ عليه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد / وليد بن محمد العباد – غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين - جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض – الجمعة 9/3/1443هـ