خطبة : ( حب الزعامة )

عبدالله البصري
1437/02/29 - 2015/12/11 06:37AM
حب الزعامة 29 / 2 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن طَبِيعَةِ الإِنسَانِ المُشَاحَّةُ وَحُبُّ التَّغَلُّبِ عَلَى الآخَرِينَ ، وَمِن ثَمَّ فَلا غَرَابَةَ أَن حَرِصَ مُنذُ كَانَ عَلَى تَوَلِّي الإِمَارَةِ وَتَقَلُّدِ الوِلايَاتِ ، حَتَّى أَفضَى بِهِ ذَلِكَ إِلى نِزَاعَاتٍ وَخِلافَاتٍ ، وَأَدخَلَهُ في مَصَائِبَ وَمُشكِلاتٍ ، بَل وَجَرَّهُ إِلى حُرُوبٍ وَعَدَاوَاتٍ ، سَقَطَت بِسَبَبِهَا دُوَلٌ وَحُكُومَاتٌ ، وَضَاعَت أَمجَادٌ وَتَبَدَّدَت أُمنِيَّاتٌ .
وَكَمَا وُجِدَ هَذَا الأَمرُ الَّذِي هُوَ أَشبَهُ بِالدَّاءِ في الوِلايَاتِ العَامَّةِ وَالمَنَاصِبِ العَالِيَةِ ، فَقَد تَسَلَّلَ إِلى المُجتَمَعَاتِ الصَّغِيرَةِ وَالوِلايَاتِ الحَقِيرَةِ ، وَسَيطَرَ عَلَى بَعضِ النُّفُوسِ وَغَدَا هَاجِسًا لَهَا ، حَتَّى صَارَ هَمُّ الفَردِ أَن يَسُودَ عَلَى بِضعَةِ أَفرَادٍ ، أَو يَنَالَ مَنصِبًا لَيسَ لَهُ مِنهُ إِلاَّ اسمٌ بِلا رَسمٍ ، دُونَ تَفكِيرٍ بِتَوَابِعِ ذَلِكَ وَخُطُورَتِهِ عَلَى الذِّمَّةِ في العَاقِبَةِ ، وَلا انتِبَاهٍ لأَنَّ كُلَّ وِلايَةٍ كَبُرَت أَو صَغُرَت هِيَ أَمَانَةٌ ، وَهِيَ يَومَ القِيَامَةِ خِزيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلاَّ لِمَن سَلَّمَهُ اللهُ وَأَنجَاهُ . وَلأَنَّ الحِرصَ عَلَى الإِمَارَةِ أَيًّا كَانَ نَوعُهَا يُفسِدُ دِينَ المَرءِ بِقَدرِ حِرصِهِ ، وَيُضِيعُ نَصِيبَهُ في الآخِرَةِ ، فَقَد حَذَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِن عَوَاقِبِ التَّطَلُّعِ إِلى الإِمَارَةِ وَالبَحثِ عَنِ الزَّعَامَةِ فَقَالَ : " مَا ذِئبَانِ جَائِعَانِ أُرسِلا في غَنَمٍ بِأَفسَدَ لَهَا مِن حِرصِ المَرءِ عَلَى الشَّرَفِ وَالمَالِ لِدِينِهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَالمَعنَى أَنَّ الفَسَادَ الحَاصِلَ لِلعَبدِ جَرَّاءَ حِرصِهِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ ، أَشَدُّ مِنَ الفَسَادِ الحَاصِلِ لِلغَنَمِ الَّتِي غَابَ عَنهَا رُعَاتُهَا ، وَأُرسِلَ فِيهَا ذِئبَانِ جَائِعَانِ ، يَفتَرِسَانِ وَيَأكُلانِ ، فَإِذَا كَانَت الغَنَمُ في هَذِهِ الحَالِ لا يَسلَمُ مِنهَا إِلاَّ قَلِيلٌ ، فَإِنَّ الحَرِيصَ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لا يَكَادُ يَسلَمُ لَهُ دِينُهُ .
وَأَمَّا حِينَ تَكُونُ الإِمَارَةُ أَوِ الوِلايَةُ مَقصُودَةً لِلتَّعَالي وَالتَّكَبُّرِ وَرُؤيَةِ النَّفسِ فَوقَ غَيرِهَا ، أَو تُتَّخَذُ مَسلَكًا لِلإِفسَادِ وَتَضيِيعِ الحُقُوقِ ، فَتِلكَ خَسَارَةُ الدَّارِ الآخِرَةِ ، الَّتِي هِيَ دَارُ الحَيَاةِ الحَقِيقِيَّةِ الجَدِيرَةُ بِالاهتِمَامِ بِهَا ؛ وَالَّتِي لا رَافِعَ فِيهَا إِلاَّ التَّوَاضُعُ وَالتَّطَامُنُ وَتَركُ الإِفسَادِ ، قَالَ – تَعَالى - : " تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ "
وَلِعِظَمِ أَمرِ الإِمَارَةِ وَثِقَلِ شَأنِ الوِلايَةِ ، وَكَونِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ غَيرَ حَقِيقٍ بِهَا وَلا قَادِرًا عَلَى النُّهُوضِ بِهَا ، فَقَد وَرَدَت نُصُوصٌ تَنهَى عَن سَؤُالِهَا وَتَمَنِّيهَا ، وَتُحَذِّرُ مِن ذَلِكَ وَتُبَيِّنُ عَاقِبَتَهُ ، وَتَنهَى عَن تَولِيَةِ مَن سَأَلَهَا أَو حَرَصَ عَلَيهَا ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لِعَبدِالرَّحمَنِ بنِ سَمُرَةَ : " يَا عَبدَالرَّحمَنِ بنَ سَمُرَةَ ، لا تَسأَلِ الإِمَارَةَ ؛ فَإِنَّكَ إِن أُعطِيتَهَا عَن مَسأَلَةٍ وُكِلتَ إِلَيهَا ، وَإِن أُعطِيتَهَا عَن غَيرِ مَسأَلَةٍ أُعِنتَ عَلَيهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّكُم سَتَحرَصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَومَ القِيَامَةِ ، فَنِعمَ المُرضِعَةُ وَبِئسَتِ الفَاطِمَةُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – التَّزَعُّمُ مَحبُوبٌ لِلنَّفسِ في الدُّنيَا ، وَكُلٌّ يَتَطَلَّعُ إِلَيهِ وَيَطلُبُهُ ، وَمَا مِن أَحَدٍ إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ إِلاَّ وَهُوَ يَرَى نَفسَهُ أَهلاً لِلقِيَادَةِ ، وَلَكِنَّ الأَمرَ كَمَا وَصَفَهُ الحَبِيبُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – حُلوٌ في أَوَّلِهِ ، مُغرٍ في بِدَايَتِهِ ، وَلَكِنَّهُ بَعدَ المَوتِ وَحِينَ لِقَاءِ اللهِ ، يُصبِحُ حِملاً ثَقِيلاً وَإصرًا وَبِيلاً ، حِينَ يَتَعَرَّضُ المُتَزَعِّمُ لِلسُّؤَالِ وَالحِسَابِ وَالعِقَابِ ، وَيَتَعَلَّقُ الأَمرُ بِحُقُوقِ مَن تَزَعَّمَ المَرءُ فِيهِم وَوَعَدَهُم بِأَن يَكُونَ لَهُم أَبًا وَعَنهُم مُنَافِحًا ، وَأَن يُحَقِّقَ لَهُم هَدَفًا يَصبُونَ إِلَيهِ وَيَصِلَ بِهِم إِلى غَايَةٍ يُرِيدُونَهَا ، ثم نَسِيَهُم وَوَلاَّهُم ظَهرَهُ ، فَوَا حَسرَتَهُ حِينَ يَقِفُونَ مُتَظَلِّمِينَ أَمَامَ رَبِّ العَالَمِينَ ! وَوَا خَسَارَتَهُ حِينَ يَأخُذُونَ حُقُوقَهُم مِن حَسَنَاتِهِ فَيُفلِسُ ، أَو يُلقُونَ مِن سَيِّئَاتِهِم عَلَى ظَهرِهِ فَيُبلِسُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَصبَحَ النَّاسُ اليَومَ لا يَتَوَرَّعُونَ أَن يَسأَلُوا الإِمَارَةَ وَيَطلُبُوا الزَّعَامَةَ ، وَجَعَلُوا يَتَسَابَقُونَ إِلى ذَلِكَ وَيَتَنَافَسُونَ فِيهِ ، حَتَّى وَصَلَ الأَمرُ بِكَثِيرٍ مِنهُم إِلى أَن يَتَشَبَّعَ بِمَا لم يُعطَ ، وَيَصِفَ نَفسَهُ بِمَا لَيسَ فِيهَا مِنهُ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ ، وَكَفَى بِذَلِكَ زُورًا وَغُرُورًا ، وَخِدَاعًا لِلنَّاسِ وَتَغرِيرًا ، وَعَلَى عَكسِ مَا كَانَ يَفعَلُ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فَقَد صَارَتِ الدِّعَايَاتُ تُؤَثِّرُ في النَّاسِ فَيَتَّجِهُونَ إِلى مَن يَمدَحُ نَفسَهُ ، وَيَدعَمُونَ مَن يَملِكُ جَذبَهُم بِمَعسُولِ الكَلامِ وَحُلوُ الوُعُودِ ، فَيُوَلُّونَهُ أَمرَهُم وَيُلقُونَ إِلَيهِ بِزِمَامِ مَصَالِحِهِم ، أَمَّا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أَحكَمُ النَّاسِ وَأَعلَمُهُم ، وَأَخشَاهُم للهِ وَأَتقَاهُم ، فَقَد قَالَ لِرَجُلَينِ سَألاهُ الإِمَارَةَ : " إِنَّا لا نُوَلِّي هَذَا مَن سَأَلَهُ وَلا مَن حَرَصَ عَلَيهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَالسَّبَبُ في عَدَمِ تَولِيَتِهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - الإِمَارَةَ مَن سَأَلَهَا ، أَنَّ الَّذِي يَسأَلُهَا وَيَحرِصُ عَلَيهَا وَيَتَشَوَّفُ لَهَا ، غَالِبًا مَا يَكُونُ غَيرَ صَالِحٍ لَهَا ؛ لأَنَّ سُؤَالَهُ وَحِرصَهُ يَدُلُّ عَلَى حُبِّهِ الشَّدِيدِ لِلدُّنيَا وَطَمَعِهِ بِزَهرَتِهَا ، وَإِرَادَتِهِ العُلُوَّ فِيهَا ، هَذَا عَدَا كَونِ مَدحِهِ نَفسَهُ وَإِعلاءِ شَأنِهَا في هَذَا الجَانِبِ هُوَ نَوعَ اتِّكَالٍ مِنهُ عَلَيهَا ، وَإِعجابًا بِقُدُرَاتِهِ وَغُرُورًا بِإِمكَانَاتِهِ ، وَانقِطَاعًا عَنِ الاستِعَانَةِ بِاللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالَّتِي لا غِنَى لِعَبدٍ عَنهَا طَرفَةَ عَينٍ ، وَلا تَوفِيقَ لَهُ في كَبِيرٍ وَلا صَغِيرٍ مِنَ الأَمرِ إِلاَّ بِمَعُونَتِهِ - سُبحَانَهُ - .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ لِمَن لا يَستَحِقُّونَ تَوَلِّي شُؤُونِ النَّاسِ عِلامَاتٍ ، لَو تَأَمَّلُوهَا لَعَرَفُوا كُلَّ امرِئٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، فَذَلِكَ الَّذِي يَسُبُّ الآخَرِينَ وَيَشتَغِلُ بِبَيَانِ عُيُوبِهِم ، وَتُشعِلُ قَلبَهُ الغَيرَةُ مِنهُم فَيُحَاوِلُ التَّقلِيلَ مِن شَأنِهِم كُلَّمَا سَنَحَت لَهُ فُرصَةٌ ، أَو ذَلِكُمُ الَّذِي يُكثِرُ الشَّكوَى مِن عَدَمِ نَيلِهِ لِمَنصِبٍ مَا ، فَتَرَاهُ يُكثِرُ السُّؤَالَ عَنِ الأُسُسِ وَالمَعَايِيرِ الَّتِي تُمَكِّنُهُ مِن تَقَلُّدِ بَعضِ المَنَاصِبِ ، أَو ذَلِكُمُ البَاحِثُ عَن وَاسِطَةٍ يَتَوَصَّلُ بِهَا إِلى مَنصِبٍ أَو كُرسِيٍّ ، أَو ذَلِكُمُ الكَسُولُ الفَاشِلُ في عَمَلِهِ الصَّغِيرِ وَوَظِيفَتِهِ المَحدُودَةِ ، غَيرُ المُشَارِكِ بِجَدٍّ عِندَمَا يَكُونُ مَرؤُوسًا ، وَالمُتَهَرِّبُ مِنَ التَّكَالِيفِ الَّتي لا بُرُوزَ لَهُ فِيهَا ، وَمِثلُهُمُ المُنفَرِدُ بِرَأيِهِ المُصِرُّ عَلَيهِ ، الَّذِي لا يَتَنَازَلُ عَنهُ وَإِن ظَهَرَت لَهُ أَدِلَّةُ بُطلانِهِ . إِنَّ أُولَئِكَ وَأَشبَاهَهُم لا يَستَحِقُّونَ أَن يُوَلَّوا إِدَارَةَ بَيتٍ صَغِيرٍ وَأُسرَةٍ قَلِيلَةِ العَدَدِ ، فَضلاً عَن أَن يَتَشَوَّفُوا لِلدُّخُولِ فِيمَا يُهِمُّ أَمرَ مُجتَمَعَاتٍ ، أَو يَتَطَلَّعُوا إِلى أَن يَضَعَ النَّاسُ ثِقَتَهُم فِيهِم بِسُهُولَةٍ . أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ كُلُّ مَن يَظُنُّ أَنَّ المَنَاصِبَ تَشرِيفٌ ، وَلْيَعلَمْ أَنَّهَا تَكلِيفٌ ثَقِيلٌ ، وَمَسؤُولِيَّةٌ ضَخمَةٌ ، وَعِبءٌ بَاهِضٌ فَادِحٌ ، لَيسَت لِبسًا لأَفخَرِ الثِّيَابِ ، وَلا تَقَدُّمًا لِلصُّفُوفِ لِلتَّصوِيرِ وَإِبرَازِ الذَّاتِ ، وَلَكِنَّهَا تَضحِيَةٌ بِوَقتٍ وَبَذلُ مَالٍ ، وَإِيثَارٌ بِالنَّفسِ وَالرَّاحَةِ والمَصلَحَةِ الشَّخصِيَّةِ ، وَتَنَازُلٌ عَن كُلِّ ذَلِكَ لِمَصلَحَةِ الآخَرِينَ وَنَفعِهِم ، وَكُلُّ تَقصِيرٍ فِيمَا تَوَلاَّه ُالمَرءُ وَهُوَ يَقدِرُ عَلَى إِتمَامِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَضيِيعٌ لِلوَاجِبِ وَخِيَانَةٌ لِلأَمَانَةِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَم يُحِطْهَا بِنُصحِهِ إِلاَّ لم يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ : " مَا مِن أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلاَّ يُؤتَى بِهِ يَومَ القِيَامَةِ مَغلُولاً ، لا يَفُكُّهُ إِلاَّ العَدلُ أَو يُوبِقُهُ الجَورُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً . لِيُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشرِكِينَ وَالمُشرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَمَا يُذَمُّ التَّطَلُّعُ إِلى الإِمَارَةِ وَحُبُّ الزَّعَامَةِ وَالرِّئَاسَةِ ، وَيُنهَى عَنِ التَّشَوُّفِ لِلقِيَادَةِ ، فَلَيسَ ذَلِكَ قَتلاً لِلطُّمُوحِ إِلى الأَمجَادِ ، أَو تَفضِيلاً لِدُنُوِّ الهِمَّةِ وَالقُعُودِ عَنِ المَعَالي ، أَو تَشجِيعًا لِلخُمُولِ وَالعَجزِ وَالكَسَلِ ، أَو دَعوَةً لِلتَّهَرُّبِ مِن حَملِ المَسؤُولِيَّةِ وَتَركِ العَمَلِ وَالتَّخَاذُلِ عَنِ الوَاجِبَاتِ ، أَو نَهيًا عَن قِيَامِ ذَوِي الكِفَايَةِ بِفُرُوضِ الكِفَايَاتِ ، أَو تَركِ اغتِنَامِ الفُرَصِ فِيمَا يُقَرِّبُ إِلى اللهِ أَو يُحِقِّقُ لِلنَّاسِ مَصَالِحَهُم في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَلَكِنَّهَا دَعوَةٌ إِلى التَّفرِيقِ بَينَ الاهتِمَامِ بِحُقُوقِ النَّاسِ وَالحِرصِ عَلَى نَفعِهِم ، وَبَينَ تَعظِيمِ النَّفسِ وَإِعطَائِهَا أَكبَرَ مِن حَجمِهَا ، فَالمُؤمِنُ نَاصِحٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَلأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ وَعَامَّتِهِم ، لا يَطلُبُ الرِّئَاسَةَ وَلا يَسعَى إِلى الزَّعَامَةِ لِمُجَرَّدِ نَيلِ حُظُوظِ دُنيَاهُ وَبُلُوغِ مُشتَهَاهُ ، وَهُوَ يَكرَهُ التَّصَدُّرَ وَالإِمَارَةَ وَالشُّهرَةَ بِطَبعِهِ ؛ لإِخلاصِهِ وَبُعدِهِ عَنِ الرِّيَاءِ ، وَلَكِنَّهُ في الوَقتِ نَفسِهِ صَاحِبُ مُبَادَرَةٍ إِلى كُلِّ مَا يَنفَعُ ، وَفَارِسُ مَيدَانٍ إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيهِ التَّصَدُّرُ ؛ وَقَد حَكَى اللهُ مِن دُعَاءِ المُؤمِنِينَ قَولَهُم : " وَاجعَلنَا لِلمُتَّقِينَ إمَامًا " وَقَالَ - سُبحَانَهُ – عَن يُوسُفَ - عَلَيهِ السَّلامُ - : " قَالَ اجعَلنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ "
وَهَكَذَا فَكُلُّ مَن رَغِبَ في النَّفعِ العَامِّ لأُمَّتِهِ أَو مُجتَمَعِهِ ، وَعَرَفَ مِن نَفسِهِ الكِفَايَةَ وَالأَمَانَةَ وَالحِفظَ ، وَكَانَت لَدَيهِ قُدُرَاتٌ وَإِمكَانَاتٌ في العِلمِ وَالعَمَلِ تَفُوقُ مَا عِندَ غَيرِهِ ، وَكَانَ قَصدُهُ الإِصلاحُ وَهَمُّهُ الارتِقَاءُ ، وَلَم يَكُنْ هَمُّهُ إِروَاءَ غَلِيلِهِ وَإِرضَاءَ شَهوَتِهِ في الزَّعَامَةِ ؛ فَلا بُدَّ لَهُ حِينَئِذٍ مِنَ الإِقدَامِ وَسُؤَالِ اللهِ الإِعَانَةَ ، فَإِنَّ هَذِهِ سُنَّةُ اللهِ - تَعَالى - في تَوزِيعِ القُدُرَاتِ ، لِيَحصُلَ التَّكَامُلُ وَيَتَحَقَّقَ التَّوَازُنُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَهُوَ الَذِي جَعَلَكُم خَلائِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبلُوَكُم في مَا آتَاكُم إنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ " وَأَمَّا مَن كَانَ ضَعِيفًا في هَذِهِ الجَوَانِبِ ، فَلَهُ أُسوَةٌ بِصَاحِبِ رَسُولِ اللهِ ، الَّذِي مَا أَظَلَّتِ الخَضرَاءُ وَلا أَقَلَّتِ الغَبرَاءُ أَصدَقَ لَهجَةُ مِنهُ ، وَمَعَ هَذَا قَالَ لَهُ نَبيُّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفسِي ، لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثنَينِ ، وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المرفقات

حب الزعامة.doc

حب الزعامة.doc

حب الزعامة.pdf

حب الزعامة.pdf

المشاهدات 2202 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا