خطبة جمعة وافقت يوم عيد النحر. 1441/12/10هـ
عبد الله بن علي الطريف
1441/12/09 - 2020/07/30 17:14PM
خطبة جمعة وافقت يوم عيد النحر. 1441/12/10هـ
الحمدُ لله مصرفِ الشهورِ والأيام، وفق من شاء لطاعته فاستثمرها، وقام بحقها خير قيام، والشكر له أن وفقنا لإتمام العشر، وها نحن في يوم عيد النحر بعد التمام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والإنعام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً. أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر 18]
أيها الإخوة: تقبل الله منا ومنكم وعيدكم سعيد أعاده الله علينا جميعاً وعلى الأمة بالصحة والعافية والتمكين.
اعلموا أن التهنئة في العيد من الأعمال الحسنة التي تجلب المحبة وتزيد الإلفة بين المؤمنين وهي سنة حسنة كان يفعلها أصحاب رسول الله ﷺ فعن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وغيره من أصحاب النبي ﷺ في العيد، فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض: (تقَبَّلَ اللهُ منَّا وَمِنْكُمْ) ذكره ابن التركماني في الجوهر النقي وهو بذيل "السنن الكبرى للبيهقي وقال أحمد: إسناده جيد.
وَقَالَ حَرْبٌ: وسُئِلَ أَحْمَد عَنْ قَوْلِ النَّاسِ في الْعِيدَيْنِ: "تقَبَّلَ اللهُ منَّا وَمِنْكُمْ": قَالَ: لابَأَسَ به، يَرْوِيه أهْلُ الشَّامِ عَنْ أبي أُمَامَةَ، قِيل: وواثِلَةَ بن الأَسْقَع؟ قال: نعم، قِيل: فلا تَكْرَهُ أَن يُقالَ هذا يَوْمَ العِيدِ.؟ قال: لا" وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
أيها الإخوة: وما زالت التهاني بين الناس مستمرة بحمد الله وفي عصر التقنية الحديثة قامت وسائل الاتصال بدور كبير في تيسير التواصل بين الأهل والأقارب؛ وهذه نعمة نشكر الله عليها. لكن يجب الحذر من اتخاذها الوسيلة الوحيدة للتواصل بين الأهل والأرحام في أيام العيد فهي لا تكفي خصوصاً إذا كان الأقارب، من الدرجة الأولى والثانية.
ومن أفضل الأعمال في أيام التشريق التكبيرُ المقيّد، يكون في أدبارِ الصّلواتِ فرضِها ونفلِها على الصّحيح، للرّجال والنّساء. وَيَبْدَأُ التكبير المقيّد للمقيمين مِن صُبح يومِ عرفة إلى العصرِ من آخر أيّام التشريق. وطريقة التكبير المقيد إذا سلَّمَ من صلاته وبعد قول أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام.. يكبر ما يشاء الله له أن يكبر، ثم يعود إلى أذكار الصلاة.. وأيام التشريق كلها أيام أكل وشرب لا يجوز صومها، وأيام وذبح وذكر لله عز وجل، كما يشرع التكبير في كل وقت فقد كان السلف رحمهم الله يداومون عليه في هذه الأيام العظيمة استجابة لأمر الله حيث قال (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:203] قال السعدي: وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد، لمزيتها وشرفها، وكونِ بقيةِ أحكامِ المناسكِ تفعلُ بها، ولكونِ الناسِ أضيافاً لله فيها، ولهذا حُرِّمَ صيامُها، فللذكرِ فيها مزيةٌ ليست لغيرِها.. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أعظَمَ للمتقين العاملين أجورَهم، وشرح بالهدى والخيراتِ صدورَهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وفّق عبادَه للطاعات وأعانهم، وأشهد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسوله خير من علَّمَ أحكامَ الدِّين وأبانها لهم، ﷺ وعلى آله وأصحابِه والتابعين لهم بإيمان وإحسان، وسلّم تسليمًا كثيرا.
أيها الإخوة: زينوا عيدكم بالتقوى. وكثرة الاستغفار فهو من أفضل الأعمال وأيسرها فأفقٌ المغفرة أفقٌ وضئ، وغايتهُ سامية..
ويشرع الاستغفارُ بعد الطاعات حتى لا يتسرب للنفس العجب بالعمل فيحبط، يقول ابنُ القيم رحمه الله مبينا حاجةَ الطائعينَ إلى الاستغفار: "الرضا بالطاعة من رُعوناتِ النَّفسِ وحماقتِها، وأربابُ العزائمِ والبصائر أشدُّ ما يكونون استغفاراً عَقِبَ الطاعات، لشُهُودِهم تَقْصِيرَهم فيها، وتركِهمُ القيامَ به لله كما يليق بجلاله وكبريائِه".
وبشر رَسُولُ الله ﷺ المكثرين من الاستغفار بالسرور يومَ القيامةِ فقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرُّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ" رواه البيهقي في الشعب والطبراني وحسنه الألباني عَنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المستغفرين، وأن يلهمنا الاستغفار كما نلهم النفس، وأن يرزقنا التوبة النصوح، إنه جواد كريم.
وصلوا وسلموا على نبيكم استجابة لأمر ربكم فقد قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] قَالَ ﷺ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا» رواه مسلم أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميعُ العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم..
اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد والغنيمة من كلِّ بِرٍ والسلامةَ من كلِّ إثم والفوزَ بالجنة والنجاةَ من النار. اللهم ارزقنا الاستقامة على دينك. اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان والسلامةِ والإسلام واحفظ رجال أمننا الداخلي والخارجي واجزهم عنا خير الجزاء.
اللهم وفق ولاةَ أمورِنا لما تُحبُّ وترضى، وَأَعَنْهُم على البر والتقوى. اللهم زدهم هدىً وصلاحاً وتوفيقا. (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8] (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201] (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].