خطبة جمعة غير موفقة عبدالله فراج الشريف

خطبة جمعة غير موفقة
عبدالله فراج الشريف


أرى انه أصبح الكثيرون من المنتسبين إلى العلم الشرعي في بلادنا ينفعلون في المواقف التي يجب أن يتريثوا فيها، ويعيدوا النظر في المسألة التي لهم رغبة شديدة في التعليق عليها، حتى لا يندفعوا في ظن لا يغني من الحق شيئاً، حيث يظنون أنهم ينهون عن الشر، وهم في حقيقة الأمر للعجلة يوشكون الوقوع فيه، فالردود بين أهل العلم سنة ماضية، وتثري الاجتهاد وتنوعه، فلا أحد منهم إلا راد ومردود عليه، ولكن الاسلوب في الرد يجب أن يتسم بأدب الاسلام الراقي في صيانة الاعراض، فلا يتهم المردود عليه في دينه أو علمه، ولا يبحث عن نواياه، التي لا يعلمها سوى الله، وصاحبها الذي تتردد في صدره إن كانت موجودة، والفتوى إنما هي اجتهاد، والاجتهاد جهد بشري، معرض صاحبه أن يصيب حيناً وأن يخطئ حيناً آخر، ولذا فالفتوى لا تكون في الاحكام القطعية الثابتة المعلومة من الدين بالضرورة، وإنما تكون في الواقعة المستجدة التي تحتاج إلى حكم، لذلك شرطوا للمفتي أن يكون مجتهداً، فهي ظنية لا تلزم أحداً، فليس للمفتي ان يشدد على الناس ان يتبعوا فتواه، ولا يكرههم على اتباعها إن كان له سلطة تمكنه من اكراههم عليها، ومنبر الجمعة وخاصة في الحرمين الشريفين أثره على الناس كبير، واليوم مع هذه الوسائل الحديثة للاتصال، اصبحت الخطبة تصل إلى اسماع الناس في شتى ارجاء المعمورة، فلا بد لائمة الحرمين الشريفين من أن يراعوا هذا، وينتقوا ما يخاطبون به الناس فالبعض من منبر الجمعة يعتبر من نقل اقوالاً لبعض اهل العلم في مسألة فيها خلاف معتبر، فاختار قولاً يرى أن الادلة عليه في نظره أقوى من أدلة القول الآخر المخالف له، أو انه يحقق للعباد مصلحة ويدفع عنهم مفسدة أو يرفع عن الناس حرجا وضيقا، فمن ذكر ذلك وبيّنه اعتبره هذا البعض غاشا للأمة في دينها ومصادر تلقيها، ووصفهم بالمتعالمين الممتطين كما يقول صهوة القول على الله بغير علم، والمقتحمين لمقامات الفتيا، وهم ليسوا منها في قليل أو كثير، في اقصاء تام لهم، بل هم غاشون للامة في فكرها الصافي بافكار ملوثة تثير الفتن والبلبلة وتتقعر الفتاوى الشاذة والاقوال الغريبة، خروجاً عن جماعة الامة وجمهور اهل العلم، ونيلاً من علماء الأمة الربانيين وائمتها الراسخين في عالم يموج بفوضى وعبث التعالم، وضرب الامثلة بالفتاوى في حل السحر، ورضاع الكبير وحكم الاختلاط، والغناء والناس يعلمون اصحاب هذه الفتاوى باسمائهم واوصافهم وكل منهم لم يفت وإنما ذكر خلافاً وقع، وهو يؤيد أحد القولين، والاصل ان يرد عليه بمناقشته أدلته، ثم ذكر الادلة الاقوى على ضده، فمن افتى بحل السحر إنما ذكر خلافاً موجوداً لا يزيله مثل هذا العنف اللفظي، وانما يرده بأن يبين للناس انه القول المرجوح وان الادلة التي تعتمد عليها هي الادلة الاضعف فهو خلاف قديم وفي مذهب الامام احمد هذا الخلاف مشهور، ومن أفتى بأن ارضاع الكبير ينشر الحرمة، وقد يحتاج اليه اذا كان الرجل تحتاج المرأة ان يدخل اليها ويشق عليها الاحتشام منه، والقائلون بذلك من الصحابة نفر بعضهم عاد عنه وبعضهم ثبت عليه، وعلى رأسهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ومن التابعين نفر، ثم توالى بعد ذلك القول به، فأيده الامام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية وفي مجموع الفتاوى، وابن القيم تلميذه في زاد المعاد، وابن الامير الصنعاني في سبل السلام، والشوكاني في نيل الاوطار ثم صديق حسن خان في الروضة الندية، والشيخ سيد سابق في فقه السنة، ومحمد ناصر الالباني في التعليقات على الروضة الندية، فهل من الممكن اطلاق القول على هؤلاء جميعاً انهم مقتحمون لمقامات الفتوى، يقولون بغير علم، كما ان هذه الفتوى موجودة عند نفر من علماء بلادنا في كتبهم، نعم القول الآخر المحرم ان يحل السحر بالسحر هو الاقوى دليلاً، وهو الذي يحقق المصلحة، كما ان القول بأن رضاع الكبير لا ينشر الحرمة هو الاصوب والذي به قال جمهور علماء الأمة وفقائها ومحدثيها، رغم صحة حديث امرأة حذيفة المروي عن عائشة رضي الله عنها سنداً، وكذلك من افتى بأن الغناء بصحبة الآلات الموسيقية (المعازف) أو بدونها مباح شرط ألا يكون الكلام المغني فاحشاً او يقود الى محرم، قطعاً هو لم يبتدع رأيًا وانما نقل عن العديد من العلماء اباحة ذلك وعلى رأسهم الامام ابن حزم الظاهري - رحمه الله، وكذا من يقول ان ليس كل تواجد للنساء مع الرجال اختلاط محرم، فيبيح منه ما لا يشتمل على محرم كالخلوة او التماس بالاجساد ومن يقول: بهذا اليوم علماء وفقهاء وقضاة ووزير فقيه مشهود له بسعة العلم والتقوى، وان يستهدف كل هؤلاء بأنهم ليسوا من أهل الفتوى ويقولون على الله بلا علم ويقتحمون مقامات الفتوى وهم ليسوا من اهلها أمر يثير الدهشة وتشتد غرابته فهو اشبه ما يكون بتصفية حسابات، فهل يستحق كل هؤلاء كل هذا الغضب والتشهير بهم ثم حديث عن هجوم على السلفية، وكأن كل من اختلف مع عالم ينسب إلى السلفية قصد ان يهدم ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم ومن اقتفى اثرهم، وكل دعوة تجديدية اصلاحية ظهرت وستظهر على وجه الارض لن تكون معصومة، فاذا ذكر أحد ما وقعت فيه من اخطاء فهو حتما غير متعمد كما ان هذا البعض يذكرنا بالنهي الموسمي عن بدع مزعومة في شهر رجب، واشهرها الاحتفاء فيه بالاسراء والمعراج، والذي يحتفي عالمناالاسلامي به كل عام، ولم ينس ان يهاجم وسائل الاعلام واعمدة الصحافة متهما اياها بانها تلبس الحق بالباطل، وتندس الفضائل بالرذائل، والذي اصبح سلوكا متحيزاً عند بعض وعاظنا، وكأن مواعظهم لن تؤثر الا اذا هاجموا وسائل اعلام بلدهم، واتهموا كتابها ومحرريها بكل سوء، ان مثل هذه الخطب غير موفقة، فهل يدرك من يتصدى للخطبة ذلك هو ما نرجو والله ولي التوفيق.

المصدر: جريدة المدينة
المشاهدات 3961 | التعليقات 1

انتقاد خطب الحرمين الشريفين ومحاولة إسقاط الرموز

د . خالد بن أحمد بابطين



لا زال عجبي لا ينقضي من جَلَدَ بعض الكتاب الصحفيين في بلادنا بلاد الحرمين الشريفين، الذين لا همَّ لهم في صحافتنا المحلية إلا انتقاد كل ما هو شرعي، أو صادر عن علماء أو دعاة البلد المعروفين. ففي فترة مضت تعرَّض سماحة الشيخ صالح اللحيدان إلى هجمة منظمة! يقول البعض إنها أدَّت إلى فقدان منصبه! تلا ذلك مجموعة من المقالات الموجَّهة، تزعّمها بعض رؤساء التحرير، تناولت معالي الشيخ سعد الشثري! مروراً بالهجوم المتعمد على فضيلة الشيخ يوسف الأحمد وأُكذوبة فتوى هدم الحرم!

خذ على ذلك مثلاً، أحدهم يكتب في صحيفة محلية، قد بلغ من الكبر عتياً، لكنه سخَّر قلمه في الهجوم على أهل العلم في بلادنا، وفي أحيان كثيرة يسفّه آراءهم! لا لشيء، وإنما لأنَّ فتوى أو رأي ذلك العالم المبني على دليل نقلي أو عقلي لم يرق له، ولم يعجبه لهوىً في نفسه! مع سوء تعبير في بعض الأحيان، واستخدام ألفاظ غير لائقة، كوصفه فضيلة العلامة الشيخ عبد الرحمن البراك بـ (اللقافة!)، في مقال جعل عنوانه: (البراك والفتوى بالتفسيق!)، وفي المقابل مجَّد الطبيب خالص جلبي، ووصفه بـ (المفكر العربي!)، مع أن في أُطروحات هذا الأخير ومقالاته ما يخالفه فيه السواد الأعظم من المثقفين في بلادنا.

وله ردّ آخر على صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير عضو هيئة كبار العلماء، فيما يتعلَّق بالرياضة النسائية، واصفاً جميع ما يصدر عن علمائنا الأعلام بأنه مجرد أوهام، ومغالطات لا يجب الركون إليها على أنها حقائق (لأن الحقائق إنما هي ما يصدر عن الكاتب فحسب!) لأن الكاتب يعتقد أن الطعن في العلماء مجرد خرافة! وأنه بالتالي لا حرمة لأعراضهم، ولا بأس في الوقوع فيها لمجرد المخالفة! فضلاً عن مقالاته التي يشتبك فيها مع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب وبغير سبب!

وقد طالعنا هذا الكاتب في يوم السبت 21/7/1431هـ بمقال لم يحالفه فيه التوفيق، جعل عنوانه: (خطبة جمعة غير موفقة!). وليسمح لي الكاتب الفاضل مناقشته في أفكاره وأُطروحاته التي وردت في مقاله.

يظهر من خلال المقال أن الكاتب ضاق ذرعاً بخطبة مسدَّدة لصاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الرحمن السديس – وفقه الله - كانت عن (الغش والخداع)، ألقاها في يوم الجمعة 13/7/1431هـ، وتناول فيها صوراً كثيرةً من الغش الاجتماعي، سواء في البيع والشراء، والتدليس في الصناعات، والتزييف في المعاملات، أو الغش في المفاهيم والتلاعب بالمصطلحات، أو غش الأوطان ببث الفوضى وزعزعة الأمن و الاستقرار، أو الغش في الاختبارات... إلخ ما ذكره الشيخ السديس.

ومما نادى به الشيخ – وفقه الله وسدَّده - في ذلك المقام ضرورة الوقوف في وجه الفتاوى الشاذة التي صدرت في الآونة الأخيرة، باعتبار أنها غشٌّ للأمة ! وعبارة الشيخ: (ولعل من الحزم الحجر على أمثال هؤلاء ؛ فالحجر لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأبدان).

فضاق الكاتب ذرعاً من عبارة الشيخ آنفة الذكر، ولم تأت على مراده وهواه! فعمد إلى إسقاط الخطبة والخطيب، وحكم عليها بعدم التوفيق! مع أن الخطبة لم تكن محصورة في قضايا الفتاوى الشاذة فحسب، بل اشتملت على التنويه بخطورة أنواع متعددة من الغش والخداع، امتازت بعبارات الشيخ السديس التي تأخذ بالألباب.

والمطالع للمقال المشار إليه آنفاً يخيَّل إليه أن هذا الخطيب الذي لم تكن خطبته موفقة أحد الشباب المتحمسين الذين تأثروا بسماع شريط حماسي لمن يسميهم الكاتب ومن كان على شاكلته (لأحد الصحويين!)، أو أن ذلك الخطيب قرأ نشرةً أو مطويةً مجهولة المصدر!

* اقرأ معي عبارة الكاتب إذ يقول: (أرى أنه أصبح الكثيرون من المنتسبين إلى العلم الشرعي في بلادنا ينفعلون في المواقف التي يجب أن يتريثوا فيها، ويعيدوا النظر في المسألة التي لديهم رغبة شديدة في التعليق عليها، حتى لا يندفعوا في ظن لا يغني من الحق شيئاً، حيث يظنون أنهم ينهون عن الشر، وهم في حقيقة الأمر للعجلة أقرب يوشكون الوقوع فيه!).

وأنا أقول: هذا تعميم غير منضبط، فيه تحامل ظاهر! فالكثيرون من المنتسبين إلى العلم الشرعي في بلادنا ينفعلون! ولم يقل: (البعض!). ولا أدري من المنفعل في هذا الموقف والذي يجب عليه التريث؛ هل الشيخ عبد الرحمن السديس أم الكاتب؟! من الذي يوجد لديه رغبة شديدة في التعليق على كل ما هو شرعي؛ ظناً منه أنه من أهل العلم الشرعي؟! فإن الكاتب يرى نفسه من أهل العلم، أو هكذا صوَّر له بعض جلسائه وندمائه!

وهو دائماً ما يذكّر قراءه ومن يطلع على مقالاته – بمناسبة وبغير مناسبة - بأنه من أهل العلم والفقه، الذين أمضوا في العلم والتحصيل دهراً طويلاً، وهو ما عرفه الناس إلا كاتباً صحفياً وحسب. يقول الكاتب في إحدى مقالاته: (فإذا كان مثلي من أمضى العمر بتعلم العلوم الشرعية والعربية ويعلّمها، ونال في دراساتها أعلى الدرجات العلمية، وجمع الدراسة العلمية المنهجية، وتلقى العلم عن أهله في حلقات الدرس، وناقش القضايا المتعلقة بتخصصه فيما يكتب بما وهبه الله من علم، وثبات على الحق!).

وفي الوقت نفسه يصف مخالفيه بأنهم (يمارسون ثقافة التجهيل!). (وأن لديهم قصوراً في الفهم!)، (وسوء إدراك!)، (وسوء ظن بالمسلمين!)، (وجهلاً بحقائق الدين!). وما يأتون به مجرد (تخيلات وأوهام وظنون!)، (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً!).

ويقول في مقال آخر: (إنّ لنا مدرسةً في العلم الشرعي معلومة، تعتمد الوسطية والاعتدال في الطرح العلمي والثقافي، وتنادي بالتسامح، عاشت زمنًا طويلاً ولا تزال، وتوارثتها الأجيال، الجيل بعد الجيل، هدفها الألفة بين المسلمين وإن اختلفت مذاهبهم أو طوائفهم ...).

وهنا أسأل ويتساءل معي القراء: هل وصف خطبة الحرم المكي الشريف بأنها غير موفقة من الوسطية والاعتدال في الطرح؟! أم هو الشطط والجور! وهل هو من التسامح والدعوة للألفة بين المسلمين! وإن اختلفت مذاهبهم وطوائفهم؟! أم أن إمام الحرم المكي من الصحويين المتسلفة! والتسامح المزعوم إنما يكون مع الروافض وأصحاب الأهواء خلا أهل السنة والجماعة؟! أم أنه الإسقاط والإقصاء؟!

أيليق أن يقال هذا الكلام في حقِّ واحد من أبرز أئمة الحرمين الشريفين؟! ورمز من رموز الوطن وقياداته الشرعية والدعوية؟! أنسي الكاتب أم تناسى أن الشيخ عبد الرحمن السديس أفنى زهرة شبابه في العلم والتحصيل، والدعوة إلى الله – ولا زال مسدداً -، وله قرابة ثلاثين سنة إماماً وخطيباً يعتلي ذلك المنبر الشريف بين الرُّكن والمقام؟! كما أنه يقوم في كل سنة بزيارات دعوية لدول العالم بأسره بتوجيهات وأوامر من المقام السامي، ويقابل في تلك الزيارات زعماء الجاليات الإسلامية في المراكز والتجمعات الإسلامية، ويخطب الجمعة، ويلقي المحاضرات والندوات؛ أفيليق أن يقا! ل: إن خُطَبَهُ غير موفقة!

* يقول الكاتب: (ومنبر الجمعة وخاصة في الحرمين الشريفين أثره على الناس كبير، واليوم مع هذه الوسائل الحديثة للاتصال، أصبحت الخطبة تصل إلى أسماع الناس في شتى أرجاء المعمورة، فلابدَّ لأئمة الحرمين الشريفين من أن يراعوا هذا، وينتقوا ما يخاطبون به الناس ...).

وأنا أقول: صدق الكاتب في التنبيه على خطورة منبر الجمعة، ومنبر الحرمين الشريفين على وجه الخصوص، ولهذا تصرُّ وزارة الشؤون الإسلامية على ألا تجعل إمامة المساجد والخطابة فيها وظيفةً من الوظائف، يتنافس عليها خريجو الكليات الشرعية، أو من هبَّ ودبَّ!! وبالنسبة لإمامة الحرمين الشريفين؛ فإنه لا يُعيَّن فيهما - بحمد الله تعالى - إلا من جمع بين العلم الصحيح، وإتقان القراءة القرآنية.

أما قول الكاتب بأن خطب الحرمين الشريفين أصبحت تصل إلى أسماع الناس في شتى أرجاء المعمورة بسبب وسائل الاتصال الحديثة، فهو من نعم الله علينا وعلى الناس جميعاً، ولكن ليس كما يريد الكاتب من أئمة الحرمين أن يُحجموا عن بيان الحق بحجة أن الناس في العالم يسمعون خطبهم ومواعظهم فلا تثيرونهم علينا! فلسنا لوحدنا في هذا العالم الفسيح!

وأنا أقول: إن هذا الأمر يجعل المسؤولية الملقاة على عواتق أئمة الحرمين الشريفين – وفقهم الله – كبيرة في إيصال الحق إلى الناس جميعاً، وهم أهل لذلك، وعلى قدر المسؤولية التي كلَّفهم بها ولاة الأمر في بلاد الحرمين. (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه).

وأنا أُبشِّر الكاتب – بما قد يسوؤه ولا يفرحه - بأن الذين يحملون فكر الشيخ السديس في العالم اليوم بالملايين، وما يذكره الشيخ أو غيره من أئمة الحرمين الشريفين يلاقي الترحيب والقبول، فلا يزال في الأمة قائم بالحق إلى قيام الساعة! فدع عنك التخيلات والأوهام والظنون - التي تصف بها من يخالفك الرأي – بأن ما يصدر من منابر الحرمين الشريفين يثير المسلمين في العالم!!

* قال الكاتب بعد أن أشار إلى الأمثلة التي ساقها فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس (مسألة حل السحر بالسحر – حكم الاختلاط – حكم الغناء): (... والأصل أن يردَّ عليه بمناقشته أدلته، ثم ذكر الأدلة الأقوى على ضده...).

وأنا أقول: هذا غريب من الكاتب! وهل مناقشة أدلة المخالفين، والردود عليها، وأجوبتهم على تلك الردود؛ محله منبر الجمعة؟! بل الواجب على الخطيب أن يذكر الحق الذي يراه ويعتقده بما ثبت عنده من النصوص، ولا داعي أن يسرد على العامة أدلة المخالفين والشبهات التي احتجوا بها وظنوا أنها أدلة، لئلا يلبس على العامة. أما مناقشة تلك الأدلة التي احتجَ بها المخالفون فمحلها دروس العلم، والندوات، والمحاضرات العلمية، وقاعات الدراسة بالجامعات والمعاهد.

* قال الكاتب: (كما أن هذا البعض يذكرنا بالنهي الموسمي عن بدع مزعومة في شهر رجب، وأشهرها الاحتفاء فيه بالإسراء والمعراج، والذي يحتفي عالمنا الإسلامي به في كل عام).

وأنا أقول: إن التذكير بالنهي عن المحدثات والبدع التي سميتها (بدعاً مزعومة!)، وزعمت أنه نهي موسمي! فهو طريقة الراسخين في العلم، والسائرين على طريقة سيد المرسلين. وبالطبع فهو يريد بهذا (البعض المذكِّر بالنهي الموسمي)، فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). والاحتفاء بالإسراء والمعراج من جملة تلك البدع المحدثة، وزعمك أن العالم الإسلامي يحتفي به كل عام لا يجعله مشروعاً! ومتى كانت أفعال الناس حجة على الشريعة؟! بل الواجب أن نحكم على أفعال الناس صحة وفساداً بمدى قربها ومÙ! ?افقتها للشريعة الغراء.. ثم إنه لو كان خيراً لسبقونا إليه.

وهكذا يريد الكاتب من أئمة الحرمين الشريفين أن يُوافقوا العامة والدهماء من المسلمين في احتفالاتهم البدعية التي نشأوا، وشَبُّوا، وشابوا، بل وماتوا عليها! وقد تكون تلك الاحتفالات الدينية - زعموا - رسمية، يحضرها زعماء سياسيون، ومعمَّمون رسميون! لإضفاء الصبغة الشرعية والرسمية على تلك الاحتفالات الدينية. ولا زالت بلاد الحرمين – بحمد الله تعالى – محفوظةً مصونةً من كلِّ تلك الخزعبلات والمحدثات، وستبقى كذلك ما دام علماؤها ودعاتها وولاة أمورها على هذا المنهج النقي الصافي, الرافض لكلِّ المحدثات والمخترعات الدينية.

* قال الكاتب: (ولم ينسَ أن يهاجم وسائل الإعلام، وأعمدة الصحافة؛ متهماً إياها بأنها تلبس الحق بالباطل، وتندس الفضائل بالرذائل – وعبارة إمام الحرم (تدنس) -، والذي أصبح سلوكاً متحيزاً عند بعض وعاظنا، وكأن مواعظهم لن تؤثر إلا إذا هاجموا وسائل إعلام بلدهم، واتهموا كتابها ومحرريها بكل سوء...).

وأنا أقول: إنما حذَّر إمام الحرم المكي الشريف من وسائل الإعلام المفسدة، من قنوات فضائية، ومواقع على الشبكة العنكبوتية، تلك التي تفسد على الناس أفكارهم وأديانهم ومعتقداتهم، وتجرُّهم إلى الشهوات جرًّا، أو إلى الانحرافات الفكرية عمداً .. ومثلها بعض الأعمدة الصحفية، فإن أقلام بعض أصحابها تضع السُّم في الدَّسم، وهي ناقمة على كل مظاهر التدين والصلاح والإصلاح في بلادنا، مستجلبة لأفكار الشرق والغرب ولوثاته من غير تمييز! مستغلة واقع المرأة السعودية، وما يُروجه البعض من أنها مسلوبة الحقوق في مجتمع ذكوري!!

لاشك أن هذا وأضرابه من الغش للأمة كما أشار الدكتور السديس في خطبته الماتعة.. وهذه عبارات الشيخ بنصِّها: (... وما تفرزه وسائل الإعلام، وأعمدة الصحافة، وقنوات الفضاء، وشبكات المعلومات، من مواد فكرية مغشوشة، تلبس الحق الباطل، وتدنِّس الفضائل بالرذائل؛ لاسيما غش المرأة المسلمة، وخداعها بالتبرج والسفور، والاختلاط المحرم).

* قال الكاتب مختتماً مقاله بقوله: (إن مثل هذه الخطب غير موفقة! فهل يدرك من يتصَّدى للخطبة ذلك، هو ما نرجو، والله ولي التوفيق).

وأنا أقول: بل هي خطبة مسدَّدة كسائر خطب الحرمين الشريفين، وكونها لم توافق هواك ومشربك، فلا يعيبها ذلك، وإنما العيب في فهمك يا أخي.

وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم

والعامة عندنا تقول: (اللي على راسه بطحة يتحسسها!).

فهل يعي الكاتب ومن على شاكلته أنهم بمثل هذه المقالات يساهمون في إسقاط الرموز الشرعية والوطنية في بلادنا، فهل هم فاعلون؟! هذا ما نرجو، والله ولي التوفيق!


المصدر: صحيفة المسك