خطبة جمعة عن المظاهرات والخروج على ولاة الأمور
أبو عبد الرحمن
1432/04/05 - 2011/03/10 08:49AM
خطبة جمعة عن المظاهرات والخروج على ولاة الأمور
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسـوله.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}]
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله - تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
أيها الناس: كلما ابتعد الناسُ عن زمن النبوة زاد ابتعادهم عن الحق، ومسارعتهم في الباطل. وسببُ ذلك: الهوى والجهل، فزمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمان خلفائه الراشدين المهديين - عليهم رضوان الله تعالى - هو زمان العلم والهدى، والنور والتقى، والتجرد من الهوى. وبانقضاء ذلك الزمن الفاضل ظهرت البدع والأهواء، وانتشرت الجهالاتُ والضلالات، وهي في ازدياد منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، وستظل كذلك إلى ما شاء الله - تعالى - تبعًا لفساد الزمان الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم
قال الزبير بن عدي - رحمه الله تعالى -: "أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال: اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم"؛ رواه البخاري
والأزمان التي يكون متأخرها أكثر شرًّا من متقدمها كما جاء في الحديث، ليس المقصود بذلك الشرّ قلة الأرزاق والأموال، وإنما هو ذهاب العلم، وكثرة الجهل، واستحكام الهوى، ويستتبع ذلك كثرة الفتن والمحن، والإثم والضلال؛ كما جاء مصرحًا به عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "لا يأتي عليكم يومٌ إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله، حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاءً من العيش يصيبه، ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس؛ فلا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون
من أجل ذلك كان الخير كل الخير في أول هذه الأمة، في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث العلم والهدى، ثم في عهد صحابته - رضي الله عنهم - وفي القرون المفضلة التي زكاها النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان الشر والفتن والافتراق في أخريات هذه الأمة
إن السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين أصلٌ من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، قلَّ أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذاك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه؛ إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا، وبالافتيات عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا .
وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، قال الحسن البصري في الأمراء: "هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لَمَا يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر".
قال الشيخ العالم عبداللطيف بن عبدالرحمن: "لم يدرِ أولئك المفتونون، أن أكثر ولاة أهل الإسلام، من عهد يزيد بن معاوية -حاشا عمر بن عبد العزيز ومن شاء الله تبارك وتعالى من بني أمية- قد وقع منهم من الجراءة والحوادث العظام، والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام؛ ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام، والسادة العظام معهم، معروفة مشهورة، لا ينزعون يدًا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام وواجبات الدين .
قال: وأضربُ لك مثلاً بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد اشتُهر أمره في الأمة، بالظلم والإسراف في سفك الدماء، وانتهاك حرمات الله تبارك وتعالى، وقتل من قتل من سادات الأمة، ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له، فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الإسلام وواجباته" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج من الجماعة قِيد شبر فقد خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم
وكل فتنة تأتي تُنسي الناس ما قبلها من الفتن حتى يعتاد الناس عليها، فتخلفها فتنة أعظم، وهكذا إلى حين نزول المسيح ابن مريم - عليه السلام - كما قال عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جَشَرِه. إذ نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصلاةَ جامعةً، فاجتمعنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم –" فقال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيُرَقِّقُ بعضها بعضًا، وتجيءُ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يُحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)). "؛ رواه مسلم
لقد نصح النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته أعظم النصح، وذكر لها ما يكون من الشر والفتنة، وبيّن لها العمل تجاه تلك الفتن؛ فأرشدها إلى وَحْدة الكلمة، واجتماع الشمل، وحذرها من الفرقة، أو شق عصا الطاعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله، قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} إلى قوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
وهذا الأصل العظيم: وهو الاعتصام بحبل الله جميعًا، وأن لا يُتفرق هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواطن عامة وخاصة مثل قوله: ((عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة
وقوله: ((من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه؛ فإنه من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وقوله: ((ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) قالوا: "بلى يا رسول الله قال ((صلاحُ ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين))
إلى أن قال رحمه الله وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة بل وفي غيرها؛ هو التفرق والاختلاف.
وقال أيضا رحمه الله،: "ولعله لا يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد، ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته"، وقال رحمه الله "وقل من خرج على إمام ذي سلطان، إلا وكان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير" انتهى كلامه
. قال الإمام الجليل مالك بن أنس –إمام دار الهجرة- رحمه الله: "حاكم غشوم ولا فتنة تدوم"،
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ليست القضية قضية بلد معين فيه فتنة، بل القضية أكبر من ذلك، إنها قضية أمة، يسعى المغرضون إلى تربيتها على الفكر الفوضوي، المخالف للآثار والسنن النبوية، تربية منظمة، يقودها إعلامي حاقد، وسياسي لا يقيم للدين وزنا، ومفكر قد تبنى فكر الخوارج يزعمون أنه مفكر إسلامي، كل هؤلاء اتفقوا هذه الأيام، على هذا الفكر الفوضوي، ولو كان حقا ما اتفق عليه كل هؤلاء المتناقضون، إن ما يجري في بلاد الإسلام، وبعض وسائل الإعلام، لا يخدم أهل الإسلام، ولا يثمر إلا الفوضى، والخوف والرعب، والإرهاب من فئة لا تخاف الله تبارك وتعالى، فتراهم يتوعدون الشعوب والحكومات قائلين: على من سيأتي الدور، فإلى الله المشتكى،
أوردها سعد وسعد مشتمل، ما هكذا يا سعد تورد الإبل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما أمر، والشكر له على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة؛ فقد تأذن بالزيادة لمن شكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة نرجو بها النجاة في حال الخوف والخطر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ إرغامًا لمن جحد به وكفر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم العرض الأكبر
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وأطيعوه، واحذروا الذنوب والمعاصي، والأهواء والبدع؛ فإنها أبوابُ الشرِّ والفتن
ومن أبلغ الأحاديث ما خرجه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، وهذا لأن الخروج عليهم فيه الفساد والهلاك، كما وقع لأهل المدينة لما خرجوا مع عبدالله بن مطيع على يزيد بن معاوية، فسفكت دماؤهم واستبيحت محارمهم، وفيه تفرُّق الأمة واختلافها، فصلوات ربي على رسوله الأمين، الذي بلغ البلاغ المبين.
أيها المسلمون: الأمن نعمةٌ لا يعرف قدرها إلا من فقدها، وهو ركنٌ من أركان النعيم في الجنة؛ كما قال الله – سبحانه -: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ}وفي الآية الأخرى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}].
إن الأمن ليس طعامًا يجاوزه مَن لا يشتهيه إلى ما يشتهيه، وليس لباسًا ينزعه العبد ليستبدل به غيره؛ فإنه إن انتُزع فلا لباس يخلفه إلا لباس الخوف والجوع، نسأل الله العافية والسلامة.
وإذا رُفع الأمن، وحل الخوف؛ تولّدت الفتن، وتشعبت الآراء، وعظم الافتراق، وأعجب كل ذي رأي برأيه، حتى تكون البدعة وضدها في البيت الواحد، ويعادي الأخ أخاه، ويقاتله بسبب قناعة كل واحد منهما بفكر يعارض فكر الآخر؛ كما ابتلي بذلك التابعي المحدث الجليل سالم بن أبي الجعد - رحمه الله تعالى - إذ كان له ستة بنين: "فاثنان شيعيان، واثنان مرجئان، واثنان خارجيان، فكان أبوهم يقول: قد خالف الله بينكم
وإذا ما وقع الافتراق، واشتعلت الفتن؛ اندرس الدين، وتعطلت الحدود، واختلط الأمر، وانتهكت الأعراض، وانتهبت الأموال، وسفكت الدماء؛ حتى يُقتل الرجل لا يدري فيمَ قُتل، ولا يدري قاتله فيمَ قتله، حينها يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: "يا ليتني مكانه" كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن أعظم سبب للأمن هو إقامة دين الله - تعالى - والتزام أمره، وصيانة شريعته عن عبث العابثين، وانتحال المبطلين. وفتن الخروج على الولاة، وتكفير المسلمين ، فالبدعة تعالج بالسنة، ولا تعالج ببدعة أخرى حتى لا يضيع الحق بين البدعتين
أن هذه الفتنة تدل على أهمية التمسك بالآداب الشرعية زمن الفتن ، فمن تلك الآداب : الحذر من الفتن وعدم الاستشراف لها واعتزال أهلها . ومنها الحلم والرفق ، فلا تعجل في قبول الأخبار ، والأفكار والآراء ، والحكم على الناس تخطئة وتصويبا ، فما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه . ومنها لزوم جماعة المسلمين وإمامهم والحذر من التفرق ، لقول حذيفة رضي الله عنه لما ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الفتن ، قال فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟
فقال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ومنها الالتفاف حول علماء السنة أهل التوحيد ، والحذر من التفرق عليم ومنازعتهم ، والصدور عن آرائهم والاستجابة لنصحهم ووالله ، وتالله ، وبالله : إن أول باب يلج الرجل منه إلى الفتنة الطعن بالعلماء ، والاستبداد بالرأي دونهم . ومن رأيتموه يقدح في علمائنا فاعلموا أنه مفتون ، فإن من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل السنة ومنها أن الفتن إذا وقعت فما كل ما يعلم يقال ، وليت بعض الناس يتركون الأمور العظام للعلماء الكبار
حفاظا على اجتماع الكلمة ، لأن مرد الناس في آخر أمرهم للعلماء ، فمن كان عنده رأي فليعرضه عليهم ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)
واعلموا أن ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ويعفو عن كثير ، وأن هذه الشدة واللأواء لا بد أن يفرجها من هو على كل شيء قدير ، ولا بد أن يبدل الشدة بضدها والعسر بالتيسير ، بذلك وعد ، وهو الصادق السميع البصير ، فعودوا على أنفسكم بالاعتراف بمعاصيكم وعيوبكم ، وتوبوا إليه توبة نصوحا من جميع ذنوبكم ، وقوموا بما أمركم الله به ، وهو الصبر عند المصائب ، واحتسبوا الأجر والثواب ، إذا أنابتكم المكاره والنوائب ، وكونوا في أوقاتكم كلها خاضعين لربكم متضرعين ، وفي كل أحوالكم سائلين له كشف ما بكم ولكرمه مستعرضين ، ووجهوا قلوبكم إلى من بيده خزائن الرحمة والأرزاق ، وانتظروا الفرج وزوال الشدة من الرؤوف الرحيم الخلاق
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يديم علينا نعمة الإيمان والأمن والاستقرار، وأن يحفظنا من كيد الفجار، ومكر الكفار، وأن يوفق ولاتنا لما فيه صلاح العباد والبلاد
اللهم من أراد ديننا وقرآننا وأمننا بسوء فأحبط كيده، وأبطل مكره، واكفنا شره، وخذه أخذ عزيز مقتدر، إنك على كل شيء قدير
حفظ الله جميع بلاد المسلمين، وجمع قلوبهم على التوحيد والسنة، وسلمهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اللهم اجمع قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم على التوحيد والسنة، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، اللهم اكفهم شر من فيه شر، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم احقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
المصدر
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسـوله.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}]
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله - تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
أيها الناس: كلما ابتعد الناسُ عن زمن النبوة زاد ابتعادهم عن الحق، ومسارعتهم في الباطل. وسببُ ذلك: الهوى والجهل، فزمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمان خلفائه الراشدين المهديين - عليهم رضوان الله تعالى - هو زمان العلم والهدى، والنور والتقى، والتجرد من الهوى. وبانقضاء ذلك الزمن الفاضل ظهرت البدع والأهواء، وانتشرت الجهالاتُ والضلالات، وهي في ازدياد منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، وستظل كذلك إلى ما شاء الله - تعالى - تبعًا لفساد الزمان الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم
قال الزبير بن عدي - رحمه الله تعالى -: "أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال: اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم"؛ رواه البخاري
والأزمان التي يكون متأخرها أكثر شرًّا من متقدمها كما جاء في الحديث، ليس المقصود بذلك الشرّ قلة الأرزاق والأموال، وإنما هو ذهاب العلم، وكثرة الجهل، واستحكام الهوى، ويستتبع ذلك كثرة الفتن والمحن، والإثم والضلال؛ كما جاء مصرحًا به عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "لا يأتي عليكم يومٌ إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله، حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاءً من العيش يصيبه، ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس؛ فلا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون
من أجل ذلك كان الخير كل الخير في أول هذه الأمة، في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث العلم والهدى، ثم في عهد صحابته - رضي الله عنهم - وفي القرون المفضلة التي زكاها النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان الشر والفتن والافتراق في أخريات هذه الأمة
إن السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين أصلٌ من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، قلَّ أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذاك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه؛ إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا، وبالافتيات عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا .
وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، قال الحسن البصري في الأمراء: "هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لَمَا يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر".
قال الشيخ العالم عبداللطيف بن عبدالرحمن: "لم يدرِ أولئك المفتونون، أن أكثر ولاة أهل الإسلام، من عهد يزيد بن معاوية -حاشا عمر بن عبد العزيز ومن شاء الله تبارك وتعالى من بني أمية- قد وقع منهم من الجراءة والحوادث العظام، والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام؛ ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام، والسادة العظام معهم، معروفة مشهورة، لا ينزعون يدًا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام وواجبات الدين .
قال: وأضربُ لك مثلاً بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد اشتُهر أمره في الأمة، بالظلم والإسراف في سفك الدماء، وانتهاك حرمات الله تبارك وتعالى، وقتل من قتل من سادات الأمة، ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له، فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الإسلام وواجباته" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج من الجماعة قِيد شبر فقد خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم
وكل فتنة تأتي تُنسي الناس ما قبلها من الفتن حتى يعتاد الناس عليها، فتخلفها فتنة أعظم، وهكذا إلى حين نزول المسيح ابن مريم - عليه السلام - كما قال عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جَشَرِه. إذ نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصلاةَ جامعةً، فاجتمعنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم –" فقال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيُرَقِّقُ بعضها بعضًا، وتجيءُ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يُحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)). "؛ رواه مسلم
لقد نصح النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته أعظم النصح، وذكر لها ما يكون من الشر والفتنة، وبيّن لها العمل تجاه تلك الفتن؛ فأرشدها إلى وَحْدة الكلمة، واجتماع الشمل، وحذرها من الفرقة، أو شق عصا الطاعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله، قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} إلى قوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
وهذا الأصل العظيم: وهو الاعتصام بحبل الله جميعًا، وأن لا يُتفرق هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواطن عامة وخاصة مثل قوله: ((عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة
وقوله: ((من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه؛ فإنه من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وقوله: ((ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) قالوا: "بلى يا رسول الله قال ((صلاحُ ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين))
إلى أن قال رحمه الله وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة بل وفي غيرها؛ هو التفرق والاختلاف.
وقال أيضا رحمه الله،: "ولعله لا يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد، ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته"، وقال رحمه الله "وقل من خرج على إمام ذي سلطان، إلا وكان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير" انتهى كلامه
. قال الإمام الجليل مالك بن أنس –إمام دار الهجرة- رحمه الله: "حاكم غشوم ولا فتنة تدوم"،
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ليست القضية قضية بلد معين فيه فتنة، بل القضية أكبر من ذلك، إنها قضية أمة، يسعى المغرضون إلى تربيتها على الفكر الفوضوي، المخالف للآثار والسنن النبوية، تربية منظمة، يقودها إعلامي حاقد، وسياسي لا يقيم للدين وزنا، ومفكر قد تبنى فكر الخوارج يزعمون أنه مفكر إسلامي، كل هؤلاء اتفقوا هذه الأيام، على هذا الفكر الفوضوي، ولو كان حقا ما اتفق عليه كل هؤلاء المتناقضون، إن ما يجري في بلاد الإسلام، وبعض وسائل الإعلام، لا يخدم أهل الإسلام، ولا يثمر إلا الفوضى، والخوف والرعب، والإرهاب من فئة لا تخاف الله تبارك وتعالى، فتراهم يتوعدون الشعوب والحكومات قائلين: على من سيأتي الدور، فإلى الله المشتكى،
أوردها سعد وسعد مشتمل، ما هكذا يا سعد تورد الإبل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما أمر، والشكر له على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة؛ فقد تأذن بالزيادة لمن شكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة نرجو بها النجاة في حال الخوف والخطر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ إرغامًا لمن جحد به وكفر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم العرض الأكبر
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وأطيعوه، واحذروا الذنوب والمعاصي، والأهواء والبدع؛ فإنها أبوابُ الشرِّ والفتن
ومن أبلغ الأحاديث ما خرجه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، وهذا لأن الخروج عليهم فيه الفساد والهلاك، كما وقع لأهل المدينة لما خرجوا مع عبدالله بن مطيع على يزيد بن معاوية، فسفكت دماؤهم واستبيحت محارمهم، وفيه تفرُّق الأمة واختلافها، فصلوات ربي على رسوله الأمين، الذي بلغ البلاغ المبين.
أيها المسلمون: الأمن نعمةٌ لا يعرف قدرها إلا من فقدها، وهو ركنٌ من أركان النعيم في الجنة؛ كما قال الله – سبحانه -: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ}وفي الآية الأخرى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}].
إن الأمن ليس طعامًا يجاوزه مَن لا يشتهيه إلى ما يشتهيه، وليس لباسًا ينزعه العبد ليستبدل به غيره؛ فإنه إن انتُزع فلا لباس يخلفه إلا لباس الخوف والجوع، نسأل الله العافية والسلامة.
وإذا رُفع الأمن، وحل الخوف؛ تولّدت الفتن، وتشعبت الآراء، وعظم الافتراق، وأعجب كل ذي رأي برأيه، حتى تكون البدعة وضدها في البيت الواحد، ويعادي الأخ أخاه، ويقاتله بسبب قناعة كل واحد منهما بفكر يعارض فكر الآخر؛ كما ابتلي بذلك التابعي المحدث الجليل سالم بن أبي الجعد - رحمه الله تعالى - إذ كان له ستة بنين: "فاثنان شيعيان، واثنان مرجئان، واثنان خارجيان، فكان أبوهم يقول: قد خالف الله بينكم
وإذا ما وقع الافتراق، واشتعلت الفتن؛ اندرس الدين، وتعطلت الحدود، واختلط الأمر، وانتهكت الأعراض، وانتهبت الأموال، وسفكت الدماء؛ حتى يُقتل الرجل لا يدري فيمَ قُتل، ولا يدري قاتله فيمَ قتله، حينها يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: "يا ليتني مكانه" كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن أعظم سبب للأمن هو إقامة دين الله - تعالى - والتزام أمره، وصيانة شريعته عن عبث العابثين، وانتحال المبطلين. وفتن الخروج على الولاة، وتكفير المسلمين ، فالبدعة تعالج بالسنة، ولا تعالج ببدعة أخرى حتى لا يضيع الحق بين البدعتين
أن هذه الفتنة تدل على أهمية التمسك بالآداب الشرعية زمن الفتن ، فمن تلك الآداب : الحذر من الفتن وعدم الاستشراف لها واعتزال أهلها . ومنها الحلم والرفق ، فلا تعجل في قبول الأخبار ، والأفكار والآراء ، والحكم على الناس تخطئة وتصويبا ، فما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه . ومنها لزوم جماعة المسلمين وإمامهم والحذر من التفرق ، لقول حذيفة رضي الله عنه لما ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الفتن ، قال فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟
فقال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ومنها الالتفاف حول علماء السنة أهل التوحيد ، والحذر من التفرق عليم ومنازعتهم ، والصدور عن آرائهم والاستجابة لنصحهم ووالله ، وتالله ، وبالله : إن أول باب يلج الرجل منه إلى الفتنة الطعن بالعلماء ، والاستبداد بالرأي دونهم . ومن رأيتموه يقدح في علمائنا فاعلموا أنه مفتون ، فإن من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل السنة ومنها أن الفتن إذا وقعت فما كل ما يعلم يقال ، وليت بعض الناس يتركون الأمور العظام للعلماء الكبار
حفاظا على اجتماع الكلمة ، لأن مرد الناس في آخر أمرهم للعلماء ، فمن كان عنده رأي فليعرضه عليهم ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)
واعلموا أن ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ويعفو عن كثير ، وأن هذه الشدة واللأواء لا بد أن يفرجها من هو على كل شيء قدير ، ولا بد أن يبدل الشدة بضدها والعسر بالتيسير ، بذلك وعد ، وهو الصادق السميع البصير ، فعودوا على أنفسكم بالاعتراف بمعاصيكم وعيوبكم ، وتوبوا إليه توبة نصوحا من جميع ذنوبكم ، وقوموا بما أمركم الله به ، وهو الصبر عند المصائب ، واحتسبوا الأجر والثواب ، إذا أنابتكم المكاره والنوائب ، وكونوا في أوقاتكم كلها خاضعين لربكم متضرعين ، وفي كل أحوالكم سائلين له كشف ما بكم ولكرمه مستعرضين ، ووجهوا قلوبكم إلى من بيده خزائن الرحمة والأرزاق ، وانتظروا الفرج وزوال الشدة من الرؤوف الرحيم الخلاق
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يديم علينا نعمة الإيمان والأمن والاستقرار، وأن يحفظنا من كيد الفجار، ومكر الكفار، وأن يوفق ولاتنا لما فيه صلاح العباد والبلاد
اللهم من أراد ديننا وقرآننا وأمننا بسوء فأحبط كيده، وأبطل مكره، واكفنا شره، وخذه أخذ عزيز مقتدر، إنك على كل شيء قدير
حفظ الله جميع بلاد المسلمين، وجمع قلوبهم على التوحيد والسنة، وسلمهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اللهم اجمع قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم على التوحيد والسنة، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، اللهم اكفهم شر من فيه شر، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم احقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
المصدر