خطبة جمعة: حالنا بعد الحج
إحسان المعتاز
1432/12/17 - 2011/11/13 20:00PM
حالنا بعد الحج
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله عز وجل وراقبوه في جميع أوقاتكم وأعمالكم واحذروا سخطه ومعصيته وغضبه {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى } وقوموا لله بالحمد والشكر على نعمه وآلائه الجسيمة ظاهراً وباطناً، سراً وعلانية، باللسان وبالأركان، واحذروا الغفلة فإن فيها العطب والهلاك الدائم.
أيها المسلمون: عن أبي هريرة t عن النبي r قال: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) . مباني الإسلام خمس، كل واحد منها يكفر الذنوب والخطايا ويهدمها، ولا إله إلا الله لا تبقي ذنباً ولا يسبقها عمل، والصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والحج الذي لا رفث فيه ولا فسوق يرجع صاحبه من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وقد استنبط معنى هذا الحديث من القرآن طائفة من العلماء وتأولوا قول الله تعالى: { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى } بأن من قضى نسكه ورجع منه فإن آثامه تسقط عنه إذا اتقى الله عز وجل في أداء نسكه، وسواءٌ نفر في اليوم الأول من يومي النفر متعجلاً، أو تأخر إلى اليوم الثاني.
وفي صحيح مسلم عن النبي r قال: (الحج يهدم ما قبله) فالحج المبرور يكفر السيئات ويوجب دخول الجنات، وقد روي بسند حسنه الألباني أنه r سئل عن بر الحج فقال: (إطعام الطعام، وطيب الكلام) فالحج المبرور ما اجتمع فيه فعل أعمال البر مع اجتناب أعمال الإثم، فما دعا الحاج لنفسه ولا دعا له غيره بأحسن من الدعاء بأن يكون حجه مبروراً، ولهذا شرع للحاج إذا فرغ من أعمال حجه وشرع في التحلل من إحرامه برمي جمرة العقبة يوم النحر أن يقول: (اللهم اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً) روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر من قولهما رضي الله عنهما.
وللحج المبرور علامات لا تخفى:
قيل للحسن البصري رحمه الله: الحج المبرور جزاؤه الجنة. قال: آية ذلك أن يرجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة. وقيل له: جزاء الحج المبرور المغفرة. قال: آية ذلك أن يدع سيء ما كان عليه من العمل.
قال بعض السلف: استلام الحجر الأسود هو أن لا يعود إلى المعصية. يشير إلى ما قاله ابن عباس t: إن الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن استلمه أو قبله فكأنما صافح الله وقبّل يمينه.
قال بعض العلماء: من قال: لا إله إلا الله فقد بايع الله، فحرام عليه إذ بايعه أن يعصيه في شيء من أمره في السر والعلانية، أو يوالي عدوه، أو يعادي وليه. من رجع من الحج فليحافظ على ما عاهد الله عليه عند استلام الحجر.
ذكر ابن رجب رحمه الله أن بعض من تقدم حج فبات بمكة مع قوم، فدعته نفسه إلى معصية، فسمع هاتفاً يقول: ويلك! ألم تحج؟! فعصمه الله من ذلك. قبيح بمن كمل القيام بمباني الإسلام الخمس أن يشرع في نقض ما بنى بالمعاصي.
أيها الإخوة في الله:
إن علامة قبول الطاعة أن توصل بطاعة بعدها، وعلامة ردّها أن توصل بمعصية. ما أحسن الحسنة بعد الحسنة، وما أقبح السيئة بعد الحسنة. النكسة بعد الشفاء من المرض أصعب من المرض الأول. ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة. ولذلك يقول تعالى: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} فنبه سبحانه العقول على ما فيها من قبح الأعمال السيئة التي تحبط ثواب الحسنات، وشبهها بحال شيخ كبير له ذرية ضعفاء بحيث يخشى عليهم الضيعة وعلى نفسه، وله بستان هو مادة عيشه وعيش ذريته، فيه النخيل والأعناب ومن كل الثمرات إذ أصابته نار شديدة فأحرقته. فنبه العقول على أن قبح المعاصي التي تُغرق الطاعات كقبح هذه الحال، وبهذا فسرها عمر وابن عباس رضي الله عنهم (لرجل غني عمل بطاعة الله زماناً فبعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله) رواه البخاري في الصحيح.
وفي هذه الآية تنبيه للعقول على قبح المعصية بعد الطاعة، وكيف شبه الله قبحها بهذا المثل.
سلوا الله الثبات إلى الممات، وتعوذوا من الحور بعد الكور، وهي الرجوع بعد الاستقامة.
كان الإمام أحمد رحمه الله يدعو ويقول: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك. وكان عامة دعاء إبراهيم بن أدهم: اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة. ولكن اعلموا رحمكم الله أن ما كل من حج بيت الله مبرور، قيل لابن عمر رضي الله عنهما: ما أكثر الحاج! قال: ما أقلهم! وقال: الركب كثير والحاج قليل.
حج بعض المتقدمين (كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله) فتوفي في الطريق في رجوعه، فدفنه أصحابه ونسوا الفأس في قبره، فنبشوه ليأخذوا الفأس، فإذا عنقه ويداه قد جُمعت في حلقة الفأس، فردوا عليه التراب، ثم رجعوا إلى أهله فسألوهم عن حاله، فقالوا: صحب رجلاً فأخذ ماله أي سرقه فكان يحج منه، فكانت عاقبته ما سمعتم، نسأل الله السلامة والعافية.
إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كـل صالحـة ما كل من حج بيت الله مـبرور
وهذا يبين لنا أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً كما أخبر بذلك الصادق المصدوق r ، ولكن ما هي حال من تحرى في نفقته الحلال وأطاب مطعمه ومشربه ونفقته في الحج ثم اجتهد في أداء نسكه قدر استطاعته حتى انتهى من حجه، هل يكون من المطمئنين بذلك المغترين به، يتكل على اجتهاده في عبادته وطاعته لسيده ومولاه؟ أم أن الصواب خلاف ذلك؟
يقول عز شأنه وتقدست أسماؤه : { إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} فهذه الأوصاف المذكورة لهؤلاء الخائفين الوجلين المشفقين من عذاب الله ليست للمسيئين المقصرين المذنبين ولكنها على العكس تماماً هي للصالحين القانتين المحسنين، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قلت يا رسول الله قول الله { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
قال الحسن رحمه الله: عملوا لله بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم ، إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً.
إن هذه الصورة التي ذكرها الله في كتابه أعني صورة اليقظة والحذر في القلوب المؤمنة هي معاكسة لصورة الغفلة والغمرة في القلوب الضالة، ومن هنا يبدو أثر الإيمان في القلب من الحساسية والإرهاف والتحرج، والتطلع إلى الكمال، وحساب العواقب مهما تنهض هذه القلوب بالواجبات والتكاليف.
إن هؤلاء المؤمنين يشفقون من ربهم خشية وتقوى، وهم يؤمنون بآياته ولا يشركون به وهم ينهضون بتكاليفهم وواجباتهم وهم يأتون من الطاعات ما استطاعوا ولكنهم بعد هذا كله {يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} لإحساسهم بالتقصير في جنب الله بعد أن بذلوا ما في وسعهم وهو في نظرهم قليل. إن قلب المؤمن يستشعر يد الله عليه ويحس آلاءه في كل نَفَس وكل نبضة ومن ثم يستصغر كل عباداته، ويستقل كل طاعاته إلى جانب نعم الله عليه ومن ثم يشعر بالهيبة والوجل ويخشى أن يلقى الله وهو مقصر في حقه لم يوفه حقه عبادةً وطاعةً ولم يقارب منته عليه معرفةً وشكراً.
وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات وهم الذين يسبقون لها فينالونها بهذه اليقظة وبهذا التطلع وبهذا العلم وبهذه الطاعة، لا أولئك الذين يعيشون في غمرة ويحسبون لغفلتهم أنهم مقصودون بالنعمة مرادون بالخير، كالصيد الغافل يُستدرج إلى مصرعه بالطعم المغري، ومثل هذا الصنف في الناس كثير يغمرهم الرخاء وتشغلهم النعمة ويطغيهم الغنى ويلهيهم الغرور حتى يلاقوا المصير المحتوم.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على آلائه والشكر له على توفيقه لطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله r وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فمن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط مع الأمن من العقوبة، فهذا الصديق t وهو الذي زكاه النبي r وبشره بالجنة وأثنى عليه الله سبحانه في كتابه أيما ثناء ومع ذلك كان يقول: (وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن) وذُكر عنه أنه كان يمسك بلسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد) وكان يبكي كثيراً ويقول: ( ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا) وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل.
وأُتي بطائر فقلبه ثم قال: ( ما صيد من صيد، ولا قطعت من شجرة إلا بما ضُيِّعت من التسبيح) فلما احتضر قال لابنته عائشة رضي الله عنها: (يا بنية، إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذا الحلاب وهذا العبد فأسرعي به إلى ابن الخطاب) وقال: (لوددت والله أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد).
وهكذا كان حال إخوانه بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فقد جمعوا بين الإحسان في العمل وإتقانه والاجتهاد فيه ثم بعد أدائه تكون عليهم حالة الخوف أن لا يتقبل الله منهم حتى أثر عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا ( لو أعلم أن الله قبل مني سجدة لتمنيت أن يقبض روحي الآن لأن الله يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ } فإذا كانت هذه حال المحسنين المتقين فما بال أقوام يجمعون بين الإساءة والأمن، ترى احدهم ممن أنعم الله عليه بنعمة الصحة والعافية والأمن والأمان ورغد العيش وسعته ثم يقضي ليله فيما حرم الله عليه من تقليب النظر بين القنوات الفضائية، ينظر إلى النساء يمنة ويسرة، وإذا روجع في ذلك احتج بأنه يبحث عن الأخبار والمباريات، والله يعلم ما في الصدور، وإذا حضرت الصلاة صلاة الفجر تراه ساهياً غافلاً نائماً يصليها بعد طلوع الشمس.
وهو بعد ذلك كله إذا تحدثت معه وجدته ساخراً من المتمسكين بدينهم مستهزئاً بهم واصفاً إياهم بالرياء والسمعة والتظاهر بالدين.
أو ليست هذه حال بعض الناس اليوم، وإذا نُصح ووعظ وحذر من مغبة ما يفعله أجاب بكل برود: ربك غفور رحيم. وهي كلمة حق أريد بها باطل، فإن الله سبحانه غفور رحيم ولكنه في نفس الوقت شديد العقاب. يقول تعالى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ } ويقول تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ... الآية}
فانظروا رحمكم الله كيف جعل الله رحمته الواسع وكيف كتبها ولمن كتبها، فلم يقل سبحانه أنه كتبها للغافلين اللاهين، بل كتبها سبحانه لمن سمعتم ممن اتصف بمواصفات التقوى المذكورة في الآيات الكريمات في سورة الأعراف.
واستمع رحمك الله إلى قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } كيف جعل سبحانه أهل الرجاء وهم الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله فهؤلاء هم الذين يرجون رحمة الله وليس من قصر وتكاسل وأسرف على نفسه بالمعاصي ثم بعد ذلك يزعم أنه يفعل ذلك راجياً لرحمة ربه.
قال ابن القيم رحمه الله: (( وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من رافق الراحة، حصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإنه على قدر التعب تكون الراحة)).
وكما قال الحسن البصري رحمه الله كما تقدم معنا: ((إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً)).
فيا من أحسن أو يا من يظهر للناس أنه أحسن وأصلح، خف الله تعالى واتقه وسل الله أن يجعل عملك خالصاً له سبحانه، واسأله أن يتقبل منك، واستمر على ذلك إلى أن تلقى ربك، ثم أبشر بحسن العاقبة من الرحيم الرحمن، وأما أنت يا من أساء وفرط وغفل وسها - وكلنا ذلك الرجل- ارجع إلى ربك فتب إليه واسأله أن يغفر لك ما مضى وأن يتوب عليك منه، ثم أحسن فيما بقي من عمرك، فإنك لا تدري متى يهجم ملك الموت مؤذناً بانتزاع الروح من الجسد، وانتقالك إلى دار الحساب والجزاء.
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحسن لنا ولكم الختام وأن يغفر لنا ما مضى وسلف من الذنوب والآثام وأن يتقبل منا ومنكم ما عملنا من أعمال صالحة وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم موجبة للفوز برضوانه وجنات النعيم.
اللهم تب علينا مع التائبين واغفر لنا ذنوبنا أجمعين ونجنا برحمتك من الهم والكرب العظيم ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على هديهم إلى يوم الدين.