خطبة جمعة: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم
د. عبدالعزيز الشهراني
عباد الله: يقول الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) } ويقول سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) } وعن سليمان بن صرد- رضي الله عنه- قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فغضب أحدهما فاشتدّ غضبه حتّى انتفخ وجهه وتغيّر، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الّذي يجد» . فانطلق إليه الرّجل فأخبره بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال: تعوّذ بالله من الشّيطان. فقال: أترى بي بأس، أمجنون أنا؟ اذهب". وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم صياح الدّيكة، فاسألوا الله من فضله. فإنّها رأت ملكا. وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوّذوا بالله من الشّيطان فإنّها رأت شيطانا". وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب. وكتبت له مائة حسنة. ومحيت عنه مائة سيّئة. وكانت له حرزا من الشّيطان، يومه ذلك، حتّى يمسي ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك.
أيها المؤمنون: فيما سمعتم آنفاً, من الأدلة من الكتابِ والسنة, بيانٌ لأهمية إلتجاء المسلمِ واعتصمُه بالله من الشيطانِ الرجيم, فإن الشيطان عدو للإنسان مبين كما وصفه الله في كتابه فقال: {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} فالاستعاذةُ باللهِ من الشيطان
حصن حصين من الشّيطان الرّجيم وهمزه ونخفخه, فمن استعاذ بالله واعتصم به أعاذه الله من كل شر وأذى, وفيها إظهار الضّعف والذّلّة والانكسار لله وتلك حقيقة العبوديّة لله سبحانه.عباد الله: والاستعاذة بالله تزيل الغضب وتريح النّفس, وتقي الإنسانَ من شرور جوارحه ونفسه, كما أن الاستعاذة مظهر من أهمّ مظاهر الاستغفار لله سبحانه . وفيها اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وكفى بذلك بركة وخيرا, وهي بإذن الله تقي الإنسان من ضرر الحيوان المؤذي كالأفاعي ونحوها, وندفع الأثر النّفسيّ السّيّء النّاجم عن الأحلامِ المزعجة, وتجنّبُ الإنسان الضّرر حتّى يرحل من منزله الّذي تعوّذ فيه.
أيها المؤمنون: ولا تنبغي الاستعاذة إلّا بالله جلّ وعلا وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكلماته التّامة،" ولا يستعاذ بأحد من خلقه، وقد أخبر سبحانه عمّن استعاذ بخلقه أنّ استعاذته زادته طغيانا ورهقا " قال تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ: { وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً} . يقول ابن كثير فى تفسيرها: كنّا نرى أن لنا فضلا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري كما كانت عادة العرب في جاهليّتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجانّ أن يصيبهم بشيء يسوءهم. فلما رأت الجنّ أنّ الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم خوفا وإرهابا وذعرا حتّى يبقوا أشدّ منهم مخافة وأكثر تعوّذا.
عباد الله: والعبد في هذه الدنيا لا يسلمُ من العوارض والآفات – في الغالب - وبحكم عجزه وافتقاره إلى مولاه لا يملك إلاَّ أن يلجأ إلى الله القادر على عصمته، وحمايته، ودرء الخطر عنه، وحفظه من كل ما يخاف ويحذر. ولتحصين أنفسنا من هذه الطوارق وغيرها فإن العلاج يكمن في دواء القلوب واستصلاحها بملازمة الذكر والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة على الورد اليومي والاستعاذة والتسمية في كل وقت وحين. فنحن – عباد الله - بحاجة لتقوية علاقتنا بالله ليكلأنا برعايته من كل شر ويؤمنا من كل الأخطار ويجنبنا كل العوائق، فهو الذى لا حول لنا ولا قوة إلاَّ به سبحانه، فهو القادر وهو القاهر وهو الناصر، وهو المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن حقيقةَ الاعتصام من الشيطان هو اللجوء إلى الله، متمثلًا في الاستعاذة من الشيطان، وفي هذه الاستعاذة فائدتان: الأولى: أنَّ الاستعاذة بالله تعالى فيها لجوء إلى الله تعالى؛ ليَنجو المرء من شرِّ تلك الوسوسة؛ ذلك أنَّه بالالتجاء إلى الله والاعتصامِ به يندفع عن المرء شرُّ هذا الشيطان وشركه؛ بل يُحبَّب إليه الإيمان ويزيَّن في قلبه. الثانية: أنَّ هذا اللجوء إلى الله تعالى يؤدِّي إلى تذكُّر خطورة تلك الوسوسة، فيجاهدها ويتحفَّز لردِّها؛ وهذا هو دَيدن المتقين.
وهذه الاستعاذة لا تتحقَّق إلَّا بالمداومة على ذكر الله، والقيام بأوامره، والثبات على الصِّراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم, { النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا } جعلني الله وإياكم منهم بمنه وفضله .