خطبة : ( جريمة في عرض البحر )

عبدالله البصري
1431/06/20 - 2010/06/03 15:42PM





خطبة : ( جريمة في عرض البحر ) الجمعة 21 / 6 / 1431



الخطبة الأولى :



أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمُنذُ وُقُوعِ المَسجِدِ الأَقصَى تَحتَ احتِلالِ اليَهُودِ الأَنجَاسِ الأَرجَاسِ وَالمُسلِمُونَ تَتَعَدَّدُ مُحَاوَلاتُهُم لِصَدِّ عُدوَانِ أُولَئِكَ المُجرِمِينَ المُغتَصِبِينَ ، غَيرَ أَنَّ الكَفَرَةَ وَمَن شَايَعَهُم مِنَ الخَوَنَةِ لم يَجهَلُوا يَومًا سِرَّ قُوَّةِ المُسلِمِينَ ، وَلم يَخفَ عَلَيهِم مَصدَرُ عِزَّتِهِم وَالطَرِيقُ إِلى انتِصَارِهِم ، فَمَا زَالُوا مُنذُ ذَلِكَ الحِينِ يُوَجِّهُونَ ضَرَبَاتِهِمُ القَاسِيَةَ لِكُلِّ مَن يُحَاوِلُ رَفعَ عَلَمِ الجِهَادِ في تِلكَ الدِّيَارِ ، حَتَّى بَقِيَت فِئَةٌ مُؤمِنَةٌ مِن أُسُودِ الجِهَادِ وَصُقُورِ الفِدَاءِ في قِطَاعِ غَزَّةَ ، مُتَمَسِّكِينَ بِالحَقِّ ثَابِتِينَ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، عَرَفُوا بِيَقِينٍ لا يُخَالِجُهُ شَكٌّ وَلا يُدَاخِلُهُ رَيبٌ أَنَّ أَكثَرَ مِن سِتِّينَ عَامًا مِنِ احتِلالِ الدِّيَارِ وَتَدنِيسِ المُقَدَّسَاتِ وَتَشرِيدِ أَهلِهَا لَن يُزِيلَهُ وَيَقشَعَ غُمَّتَهُ إِلاَّ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ ، فَبَدَؤُوا في مَشرُوعِهِمُ الجِهَادِيِّ المُبَارَكِ ، وَرَاحُوا يُعِدُّونَ مَا استَطَاعُوا مِن قُوَّةٍ مَعَ مَا هُم فِيهِ مِن قِلَّةِ يَدٍ وَضَعفِ مَدَدٍ ، إِلاَّ أَنَّ اللهَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ وَهُوَ نَاصِرُ أَولِيَائِهِ بَارَكَ في جُهُودِ أُولَئِكَ المُستَضعَفِينَ وَمَنَّ عَلَيهِم بما أَفزَعَ قُلُوبَ الصَّهَايِنَةِ وَخَلَعَ أَفئِدَتَهُم ، فَوَجَّهُوا قُوَاهُم صَوبَ ذَلِكَ القِطَاعِ الصَّغِيرِ ، وَقَصَدُوا تِلكَ البُقعَةَ الضَّيِّقَةَ ، حَتَّى جَعَلُوا مِنهَا سِجنًا كَبِيرًا أَحَاطُوهُ بِكَيدِهِم وَمَكرِهِم ، وَكَيدِ مَن وَرَاءَهُم مِنَ النَّصَارَى الحَاقِدِينَ وَالمُنَافِقِينَ المُتَرَبِّصِينَ وَالخَونَةِ المُنهَزِمِينَ ، فَعَاشَ المُسلِمُونَ هُنَالِكَ عَلَى مَدَى أَربَعِ سَنَوَاتٍ سِجنًا عَالَمِيًّا ، خَذَلَهُم فِيهِ كُلُّ مَن في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً ، إِلاَّ قَلِيلاً مِنَ المُسلِمِينَ الَّذِينَ لم يَستَسِيغُوا البَقَاءَ عَلَى هَذَا الذُّلِّ وَلم يَصبِرُوا عَلَى تِلكَ المَهانَةِ ، وَلم تَحتَمِلْ أَكبَادُهُم مَا يَتَجَرَّعُهُ إِخوَانُهُم هُنَاكَ من مَرَارَةٍ ، فَأَبَوا إِلاَّ أَن يُنَظِّمُوا حَملَةً لِفَكِّ الحِصَارِ عَن إِخوَانِهِم ، وَسَيَّرُوا لِذَلِكَ سُفُنًا مُحَمَّلَةً بِالإِمدَادَاتِ السِّلمِيَّةِ وَالأَغذِيَةِ وَالأَدوِيَةِ وَالأَلِبَسةِ ، وَسَارُوا عَلَى مَشهَدٍ مِنَ العَالَمِ المُدَّعِي مَحَبَّةَ إِشَاعَةِ الأَمنِ وَنَشرِ السَّلامِ ، غَيرَ أَنَّ العدَاءَ اليَهُودِيَّ الأَزَليَّ لِكُلِّ صَلاحٍ وَخَيرٍ وَفَضلٍ وَرَحمَةٍ ، أَبى إِلاَّ أَن يَقطَعَ السَّبِيلَ دُونَ تِلكَ الحَملَةِ المُبَارَكَةِ ، وَكَشَرَ عَن أَنيَابِ الحِقدِ وَأَظهَرَ دَفِينَ البَغضَاءِ ، وَأَبدَى مَا تُخفِيهِ الصُّدُورُ مِن كُرهٍ لِلسَّلامِ وَنَبذٍ لِلأَمنِ ، فَأَرسَلَ سُفُنَهُ وَجَهَّزَ مَدَافِعَهُ لِضَربِ تِلكَ القَافِلَةِ الخَيرِيَّةِ ، لِتَختَلِطَ مِيَاهُ البَحرِ بِدِمَاءِ أُولَئِكَ الرِّجَالِ المُسَالِمِينَ ، وَالَّتي كَانَ أَغلَبُهَا مِن دِمَاءِ المُسلِمِينَ الطَّاهِرَةِ الزَّكِيَّةِ . وَيَرَى الغَربُ بِمَجَالسِهِ الدَّولِيَّةِ وَمَحَافِلِهِ العَالمِيَّةِ وَمُؤَسَّسَاتِهِ الشَّامِلَةِ مَا يَجرِي ، فَلا يُحَرِّكُ لِذَلِكَ سَاكِنًا وَلا يَرفَعُ بِهِ رَأسًا ، بَل وَيَجتَمِعُ كُبَرَاؤُهُ لِسَاعَاتٍ في مَجلِسِ أَمنِهِم فَلا تَرضَى قُلُوبُهُم القَاسِيَةُ وَلا تَسمَحُ نُفُوسُهُم المُقحِلَةُ وَلَو بِبَيَانٍ يُصدِرُونَهُ لاستِنكَارِ مَا جَرَى ، وَيَظَلُّ المُسلِمُونَ في غَزَّةَ رَهنَ سِجنٍ طَالَ أَمَدُهُ ، وَتَلحَقُ مُحَاوَلَةُ المُسلِمِينَ السِّلمِيَّةُ هَذِهِ بِسَابِقَاتِهَا ، شَاهِدَةً عَلَى إِخفِاقِ مَا يُسَمَّى بِمُبَادَرَاتِ السَّلامِ عَلَى مُختَلِفِ صُوَرِهَا . وَهَكَذَا يَظَلُّ العدَاءُ اليَهُودِيُّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ ، وَتَبقَى سُنَّةُ اللهِ في خَلقِهِ كَمَا هِيَ " فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَّحوِيلاً " " وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدُّوكُم عَن دِيَنِكُم إِنِ استَطَاعُوا " " وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم "


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ اليَهُودَ هُمُ اليَهُودُ ، كَانُوا وَمَا زَالُوا مُنذُ آَلافِ السِّنِينَ عَلَى مَا هُم عَلَيهِ ، فَهُم قَتَلَةُ الأَنبِيَاءِ وَهُم أَكَلَةُ السُّحتِ وَالرِّبَا ، كَذَبُوا عَلَى اللهِ وَحَرَّفُوا كُتُبَهُ ، وَنَقَضُوا المَوَاثِيقَ وَلم يَفُوا بِالعُهُودِ ، لم يَعِيشُوا يَومًا إِلاَّ عَلَى الوَحشِيَّةِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ ، إِنَّهُم أَشَدُّ النَّاسِ لِلمُؤمِنِينَ عَدَاوَةً بِشَهَادَةِ القُرآنِ " وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً " قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوَا " وَإِنَّ مَن يَتَوَهَّمُ أَنَّ يَهُودَ اليَومِ غَيرُ يَهُودِ الأَمسِ ، أَو أَنَّ المَفَاهِيمَ لَدَيهِم قَد تَبَدَّلَت حَتَّى صَارَ التَّعَايُشُ مَعَهُم بِسَلامٍ مُمكِنًا ، إِنَّ مَن يَظُنُّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَسعَى خَلفَ سَرَابٍ خَدَّاعٍ وَيَعِيشُ في سَكرَةِ وَهمٍ عَرِيضٍ ، وَهَا هِيَ الأَيَّامُ تَكشِفُ لِصِغَارِ العُقُولِ ذَلِكَ الوَاقِعَ وتُبَيِّنُهُ وَتُجَلِّيهِ ، مَعَ أَنَّنَا وَرَبِّ الكَعبَةِ لم نَكُن مِنهُ يَومًا في شَكٍّ ، كَيفَ وَقَد أَخبَرَ الصَّادِقُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَنِ استِمرَارِ خُبثِهِم وَامتِدَادِ كُفرِهِم حَتَّى يَكُونُوا مِن جُندُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ في آخِرِ الزَّمَانِ حَيثُ يَقُولُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَتبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أَصبَهَانَ سَبعُونَ ألفًا عَلَيهِمُ الطَّيَالِسَةُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ : يَا مُسلِمُ ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقتُلْهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


وَإِنَّ هَذِهِ الجَرِيمَةَ وَإِن كَانَت في النَّظَرِ الفِطرِيِّ السَّوِيِّ مَثَارَ استِنكَارٍ وَامتِعَاضٍ ، وَتُعَدُّ لَدَى المُنصِفِينَ وَلَو مِن غَيرِ المُسلِمِينَ جَرِيمَةً بَشِعَةً بِكُلِّ المَقَايِيسِ وَالمَعَايِيرِ ، إِلاَّ أَنَّهَا لَيسَت لِمَن يَعرِفُ اليَهُودَ بِأُولى جَرَائِمِهِم ، وَلَن تَكُونَ لَدَى مَن فَقُهَ السُّنَنَ هِيَ الأَخِيرَةَ ، بَل إِنَّهَا لا تُعَدُّ شَيئًا يُذكَرُ بِالنَّظَرِ إِلى مَا سَبَقَ مِن شَنِيعِ أَفعَالِهِم وَقَبِيحِ جَرَائِمِهِم عَلَى مَدَى التَّأرِيخِ ، وَقَد أَخبَرَنَا ـ سُبحَانَهُ ـ في كِتَابِهِ بِجُملَةٍ مِن كَبَائِرِهِم لِنَعرِفَ حَقِيقَتَهُم وَلا نَغتَرَّ بِزَيفِهِم ، فَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَبِمَا نَقضِهِم مِيثَاقَهُم وَكُفرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقٍّ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَبِكُفرِهِم وَقَولِهِم عَلَى مَريَمَ بُهتَانًا عَظِيمًا . وَقَولِهِم إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَقَالَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحنُ أَبنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغلُولَةٌ " وقال ـ جل وعلا ـ : " وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللهِ "وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَبِصَدِّهِم عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا . وَأَخذِهِمُ الرِّبَا وَقَد نُهُوا عَنهُ وَأَكلِهِم أَموَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوا مُوسَى " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " ذَلِكَ بِأَنَّهُم شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ "
فَهَل يُنتَظَرُ مِمَّن تَلَطَّخُوا بِكُلِّ تِلكَ الجَرَائِمِ وَأَتَوا العَظَائِمَ مَعَ رَبِّهِم وَقَتَلُوا أَنبِيَاءَهُ وَآذَوا أَولِيَاءَهُ أَن يُسَالِمُوا أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ أَو يَرضَخُوا لِحُكمِهِ ؟ هَل يُنتَظَرُ مِمَّن أَكَلُوا الرِّبَا وَتَنَاوَلُوا السُّحتَ وَاستَولَوا عَلَى أَموَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ أَن يَرحَمُوا صَغِيرًا أَو يُقَدِّرُوا كَبِيرًا ؟ أَو يَهتَزُّوا لِصَرخَةِ ثَكلَى أَو يَنتَفِضُوا لِبُكَاءٍ يَتِيمٌ أَو يَأَلَمُوا لِعَوِيلِ أَرمَلَةٍ ؟ إِنَّهُم لا يُرَاعُونَ في أَحَدٍ ذِمَّةً وَلا عَهدًا ، وَلا يَخَافُونَ اللهَ في أَحَدٍ مِن خَلقِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ عَنهُم : " ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَالُوا لَيسَ عَلَينَا في الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُم يَعلَمُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَيَسعَونَ في الأَرضِ فَسَادًا "
وَإِنَّ مَا فَعَلَهُ أُولَئِكَ المُجرِمُونَ مَعَ أَفرَادِ هَذِهِ الحَملَةِ الَّذِينَ هُم عُزَّلٌ وَلا يُرِيدُونَ إِلا مَلءَ بُطُونٍ جَائِعَةٍ وَإحيَاءَ أَنفُسٍ ذَاوِيَةٍ وَسَترَ عَورَاتٍ بِادِيَةٍ ، إِنَّ هَذَا لَيَحمِلُ في مَضَامِينِهِ رِسَالَةً بَيَّنَةَ الحُرُوفِ وَاضِحَةَ المَعنَى ظَاهِرَةَ المَغزَى ، رِسَالَةً فَحوَاهَا أَن لا طَرِيقَ إِلى نُصرَةِ أَهلِ غَزَّةَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَلَو جِئتُم مُسَالِمِينَ وَتَنَازَلْتم عَن كَثِيرٍ مِن حُقُوقِكُم وَحَاوَلتُمُ الوُصُولَ إِلى إِخوَانِكُم بِطُرُقٍ مُهَذَّبَةٍ وَأَسَالِيبَ مُؤَدَّبَةٍ !!

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَعَضَّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى عَقِيدَتِنَا ، وَلْنَثبُتْ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ في كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا ، وَلا يَغتَرَّنَّ أَحَدٌ مِنَّا بما تَتَنَاوَلُهُ السَّاحَةُ السِّيَاسِيَّةُ أَوِ الثَّقَافِيَّةُ أَوِ الإِعلامِيَّةُ ، مِن مُحَاوَلاتٍ لإِقنَاعِ المُسلِمِينَ بِالتَّخَلِّي عَن مَبَادِئِهِم وَالتَّنَصُّلِ مِن أُصُولِهِمُ الشَّرعِيَّةِ ، وَدَمجِهِم فِيمَا يُسَمَّى بِالعَولَمَةِ أَوِ الشَّومَلَةِ أَو نَحوِهَا مِن شِعَارَاتٍ رَنَّانَةٍ بَرَّاقَةٍ ، وَهِيَ في حَقِيقَتِهَا تَنَازُلٌ وَتَخَاذُلٌ ، وَتَوَاطُؤٌ لا حَدَّ لَهُ وَلا مُنتَهَى ، وَمَعَ فَدَاحَةِ الحَدَثِ وَمَا أَصَابَ إِخوَانَنَا في أَرضِ المَحشَرِ مِنِ اعتِدَاءَاتٍ تُصَبِّحُهُم وَتُمَسِّيهِم إِلاَّ أَنَّنَا نَدعُو لِلتَّفَاؤُلِ وَتَلَمُّسِ جَوَانِبِ الخَيرِ ، وَتَرَقُّبِ المِنَحِ في ثَنَايَا المِحَنِ ، فَإِنَّ تَعَاطُفَ المُسلِمِينَ مِن مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا مَعَ إِخوَانِهِم في فِلِسطِينَ مَا زَالَ في ازدِيَادٍ ، وَالكُرهَ العَالَمِيَّ لِليَهُوَدِ مَا فَتِئَ يَنمُو يَومًا بَعدَ آخَرَ ، وَهَذِهِ دُوَلٌ تَسحَبُ سُفَرَاءَهَا وَمُمَثِّلِيهَا لَدَيهِم ، وَأُخرَى تُلغِي زِيَارَاتٍ رَسمِيَّةً مُقَرَّرَةً ، وَثَالِثَةٌ تَستَدعِي سُفَرَاءَ اليَهُودِ لَدَيهَا احتِجَاجًا عَلَى مَا فَعَلُوا ، وَهُنَا احتِجَاجٌ وَهُنَاكَ استِنكَارٌ . فَلْنُلِحَّ عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ وَلْنَحذَرْ مِنَ اليَأسِ وَالقُنُوطِ ، فَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ عِبَادَهُ وَأَولِيَاءَهُ ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ،،
وَالحَقُّ مَنصُورٌ وَمُمتَحَنٌ فَلا
تَيأَسْ فَهَذِي سُنَّةُ الرَحمَنِ

وَإِنَّهُ وَإِن كَانَ قَد أَصَابَ إِخوَانَنَا مِنَ الابتِلاءِ أَشَدَّهُ ، فَإِنَّ لِهَؤُلاءِ مِنِ انتِقَامِ اللهِ نَصِيبًا في الدُّنيَا قَد نَالُوهُ مِرَارًا " إِنْ تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإِنَّهُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُونَ " وَمَوعِدُ الجَزَاءِ الأَكبَرِ يَومُ الحِسَابِ " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ . يَومَ لا يَنفَعُ الظَّالمِينَ مَعذِرَتُهُم وَلَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سُوءُ الدَّارِ" " وَلا تَحسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعمَلُ الظَّالمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصَارُ "

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ أَنتَ عَضُدُنَا وَنَصِيرُنَا ، بِكَ نَحُولُ وَبِكَ نَصُولُ ، وَبِكَ نُقَاتِلُ ، اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ وَمُجرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحزَابِ ، اللَّهُمَّ اهزِمِ اليَهُودَ وَانصُرنَا عَلَيهِم ، اللَّهُمَّ وَزَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم .



الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَقَد يَتَسَاءَلُ غَيُورٌ فَيَقُولُ : لِمَاذَا يَنتَصِرُ اليَهُودُ الخَوَنَةُ المُجرِمُونَ عَلَى المُسلِمِينَ ؟ وَلِمَاذَا يَطُولُ أَذَاهُم وَيَتَأَخَّرُ نَصرُ المُسلِمِينَ عَلَيهِم ؟ وَحَتَّى لا تَذهَبَ العُقُولُ بَعِيدًا وَتَتَوَغَّلَ في تَذَكُّرِ الأَسبَابِ المَادِّيَّةِ الدُّنيَوِيَّةِ ، فَإِنَّنَا نُسَارِعُ لِنُذَكِّرَ بِأَنَّ الأَمَةَ الإِسلامِيَّةَ كَانَت عَلَى مَدَى قُرُونٍ طَوِيلَةٍ هِيَ الرَّائِدَةَ وَالقَائِدَةَ ، وَظَلَّت هِيَ الغَالِبَةَ المنتَصِرَةَ لَمَّا كَانَت مَعَ رَبِّهَا نَاصِرَةً لِدِينَهِ مُحَكِّمَةً لِشَرعِهِ حَافِظَةً لأَمرِهِ وَنَهيِهِ ، وَسُنَّةُ اللهِ في ذَلِكَ وَاضِحَةٌ ، وَالآيَاتُ القُرآنِيَّةُ بها مُستَفِيضَةٌ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ " وَإِنَّمَا حَصَلَتِ الانتِكَاسَةُ وَظَهَرَتِ النَّكبَةُ ، وَبَدَأَ التَّرَاجُعُ عَن الصَّدرِ إِلى الذَّنَبِ وَتُرِكَتِ المُقَدَّمَةُ إِلى المُؤَخَّرَةِ بِسَبَبٍ مِنَّا أَنفُسَنَا ، حِينَ بَدَّلنَا وَغَيَّرْنَا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبْتُم مِثلَيهَا قُلْتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ" وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَا أَصَابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ " وَلا يَشُكُّ عَاقِلٌ مُنصِفٌ ذُو بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ أَنَّ الأُمَّةَ قَد غَيَّرَت وَبَدَّلَت ، وَانحَرَفَت عَن مَنهَجِ رَبِّهَا وَابتَعَدَت ، وَتَنَكَّبَت سُنَّةَ نَبِيِّهَا وَانصَرَفَت ، وَاستَسلَمَت لِهَذِهِ المُؤَامَرَاتِ الحَقِيرَةِ الخَطِيرَةِ الَّتي حُبِكَت ، وَصَدَّقَت بِالكَذِبِ الصُّرَاحِ الَّذِي تَرَاهُ لَيلَ نَهَارَ ، وَتَشَبَّثت بِمُؤَامَرَاتِ الاستِسلامِ المُسَمَّاةِ زُورًا وَبُهتَانًا بِمُبَادَرَاتِ السَّلامِ ، ظَانَّةً أَنَّهَا بِإِلقَاءِ سِلاحِهَا المَادِيِّ وَالمَعنَوِيِّ وَاعتِمَادِ تِلكَ المُفَاوَضَاتِ وَالمُبَادَرَاتِ قَادِرَةٌ عَلَى مَنعِ المَذَابِحِ الوَحشِيَّةِ وَإِبطَالِ الهَجَمَاتِ الهَمَجِيَّةِ وَإِيقَافِ مُسَلسَلِ ارتِكَابِ الجَرَائِمِ والتَّخفِيفِ من خَطَرِ التَّسَلُّحِ المُعَادِي ، وَلا وَاللهِ لا يَنصُرُ اللهُ مَن لم يَنصُرْهُ ، وَلا وَاللهِ لا يَحفَظُ اللهُ مَن لم يَحفَظْهُ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْنَتَقَرَّبْ إِلَيهِ ، وَلْنَأتَمِرْ بِأَمرِهِ وَلْنَنْتَهِ عَن نَهيِهِ وَلْنَكُنْ مَعَهُ وَلْنَصبِرْ " إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ " " وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بما يَعمَلُونَ مُحِيطٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَربِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ ممَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها ، وَإِن سَأَلني لأُعطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ "



المشاهدات 9032 | التعليقات 19

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا فض فوك يا بصري أسأل الله تعالى أن يرفع قدرك في الدارين


أصبت وأجدت كتب الله أجرك


لا فض فوك ,وأسأل الله تعالى أن يرفع قدرك في الدارين


جزاك الله خيراً يا شيخ ..
ولكن هذه العبارة بحاجة إلى مزيد تحرير :
خَذَلَهُم فِيهِ كُلُّ مَن في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً ، إِلاَّ قَلِيلاً مِنَ المُسلِمِينَ الَّذِينَ لم يَستَسِيغُوا البَقَاءَ عَلَى هَذَا الذُّلِّ وَلم يَصبِرُوا عَلَى تِلكَ المَهانَةِ ، وَلم تَحتَمِلْ أَكبَادُهُم مَا يَتَجَرَّعُهُ إِخوَانُهُم هُنَاكَ من مَرَارَةٍ ، فَأَبَوا إِلاَّ أَن يُنَظِّمُوا حَملَةً لِفَكِّ الحِصَارِ عَن إِخوَانِهِم ..
حصر النصرة في هذه الحملة فيه غمط وإجحاف كبير بكل الجهود المخلصة والمساعي المبذولة ..
والله تعالى أعلم ..



جزى الله خيرًا كل من مر وقرأ ولم يعلق ، وضاعف مثوبة من قرأ وعلق ، وجزى أضعافًا كثيرة من انتقد .

تكرار ( إلا قليلاً ) ـ أخي أبا العنود ـ مقصود ولم يقع سهوًا ولا غلطًا ، وهو من باب التأكيد اللفظي .

وأما ما أشرت أنه ( غمط ) فما أشد هذه الكلمة ـ أخي الكريم ـ إذ وردت في قول الحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " الكبر بطر الحق وغمط الناس " !!
فهي تحمل من معانيها ترك الحق كبرًا ، وأنا ـ ورب الكعبة ـ ضعيف مسكين لا أرقى (كبرًا ) لمثلها .
ولكنك قطعًا لم تقصد إلى شيء من هذا ، وإنما أردت أن حصر النصرة في هذه الحملة فيه إغفال لجهود أخرى .

وأقول :
أولاً / إن ذكر هذه الحملة دون غيرها لا يعني إغفال غيرها من وسائل النصرة بقدر ما هو إشادة بها ؛ لثلاثة أمور :
1ـ ظهورها أمام العالم كله .
2ـ كونها آخر ما وقع من وسائل النصرة .
3 ـ ما لعلك لحظته من أول الخطبة من كونها اتجهت إلى موضوع فك الحصار عن قطاع غزة .

فهذا هو سبب تخصيصها بالذكر لا أقل ولا أكثر .

وأما جهود إخواننا في أرض الرباط في بقية أنحاء فلسطين ، فمشهودة ووسائل الإعلام تريها العالم صباح مساء ، فقد يكون في ذكرها شيء من التكرار لما هو معلوم مشاهد .

ثانيًا / أدعوك بهذه المناسبة إلى ذكر ما تعرفه من جهود أخرى في موضوع فك الحصار عن غزة ، حيث إني الآن قلبت الفكر والنظر فلم أجد شيئًا ظاهرًا عدا المبادرات السلمية ، وهذه يعرفها الجميع وشبعوا منها وأترعوا بها ، فلعل في ذكرك ما تعرف من جهود مخلصة جادة ما يدعو إلى الإشادة بها في خطب أخرى وشكر أهلها ، والأهم هو الدعاء لهم .

جزاك الله خيرًا وأجزل مثوبتك ، ولا تحرمنا وإخواننا الخطباء من مثلها .


اللهم عليك باليهود والنصارى ومن ناصرهم وظاهرهم ... اللهم اهزمهم واقطع دابرهم
***********************************
لو شرحت الخطبة وفصلت عما حصل من أسطول الحرية وله لكان أنفع ... لأن بعض الناس قد يكون بعيدا عن الواقع ...




وددت لو أني فصلت في الحادثة ، لكني خشيت من الإطالة ، وخير الكلام ما قل ودل ................. ولم يمل ، ونسأل الله القبول للقليل ومضاعفة الأجر بفضله ورحمته .


بارك الله فيكم يا شيخ عبد الله ، الحقيقة ما شاء الله تبارك الله ،خطبة طيبة ماتعة.
وهنا بعض الملاحظات ،وظاهرٌ رحابة صدرك مع إخوانك :

Quote:
خَذَلَهُم فِيهِ كُلُّ مَن في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً ، إِلاَّ قَلِيلاً مِنَ المُسلِمِينَ
أليس الصواب أن تقول : إلا قليلا قليلا،دون تكرار لـ(إلا)؟
Quote:
أَو يَهتَزُّوا لِصَرخَةِ ثَكلَى أَو يَنتَفِضُوا لِبُكَاءٍ يَتِيمٌ
(يتيم) أليست مجرورة؟
Quote:
وَإِنَّهُ وَإِن كَانَ قَد أَصَابَ إِخوَانَنَا مِنَ الابتِلاءِ أَشَدَّهُ
أليست (أشده) مرفوعة على الفاعلية؟
Quote:
فَإِنَّ لِهَؤُلاءِ مِنِ انتِقَامِ اللهِ نَصِيبًا
واضح أن الكسرة سبق (كي بورد) :)
Quote:
وَتُرِكَتِ المُقَدَّمَةُ إِلى المُؤَخَّرَةِ بِسَبَبٍ مِنَّا أَنفُسَنَا
(أنفسنا) توكيد مجرور أليس كذلك؟
وأخيرا سؤال يطرح نفسه -كما يقال- :
ما هو الحكم الشرعي في تسيير مثل هذه القافلة إلى دولة محاربة مسلحة قد حذّرت من ذلك ، وقافلة على متنها المستقيم وغير المستقيم ،المحجبة والسافرة، ذات المحرم ،وغير ذات المحرم وكلهم عزّل؟!


مرحبًا بالشيخ الفضلي .

وحقيقة فإني سعيد بمثل قراءتكم الفاحصة للخطب ، فهي القراءة التي نريد ، إذ بها نرتقي ونستفيد ونفيد .

وما لحظته في تكرار ( إلا قليلاً إلا قليلاً ) فهو للتوكيد ، ولا أرى فيه مانعًا ، ولو أني قلت : ( إلا قليلاً قليلاً ) لصحَّ وجاز ، ولكني قصدت حرف الاستثناء ( إلا ) ولا يخفى على كريم علمك أن النحاة نصوا على أنه لا يسوغ تكرار الحرف للتوكيد ـ ما لم يكن حرف جواب ـ إلا بإعادته مع ما دخل عليه ، أو بالفصل بينهما بفواصل بيَّنُوها .


وأما ملحوظاتك في الضبط ففي محلها ، ما عدا ملحوظتين ففيهما نقاش :
1ـ الكسرة في ( منِ انتِقام ) فهي للتخلص من التقاء الساكنين على الأصل المتبع في أمثالها . قال الرضي في شرحه على الكافية :

اعلم أن نون " مِن " إذا اتصل به لام التعريف فالأشهر فتحه ، وذلك لكثرة مجئ لام التعريف بعد " من " فاستثقل توالى الكسرتين مع كثرته ... وأما إذا ولي نون " من " ساكن آخر غير لام التعريف فالمشهور كسر النون على الأصل ، نحو : ( منِ ابنك ) ولم يبال بالكسرتين لقلة الاستعمال ... إلخ .

2ـ ( منا أنفسَنا ) فمع أن الأصل الكسر على أنه توكيد معنوي ، إلا أن النصب فيها وارد على القطع ـ كما لا يخفى عليك ـ على إضمار فعل ( أخص ) وقد يكون هذا أقوى في مثل هذه العبارة .

وسبب مثل هذه الهنات أني منذ مدة ليست بالطويلة استخدمت برنامج ( قوقل تشكيل ) وهو برنامج فيه فائدة لا بأس بها ، وما زال فيه نقص كبير جدًّا ، ولعلك تجربه لترى ، وهذا رابطه :

http://tashkeel.googlelabs.com/

وقد كنت فيما مضى أضبط بنفسي ، وقلما يقع خطأ بفضل الله وتوفيقه ، ولكني بعد اعتماد التشكيل بهذا البرنامج ، جعلت أكرر قراءة الخطبة وأصحح أخطاءه ولكن يأبى الله إلا أن تند عني شوارد تمر بها العين البشرية القاصرة الضعيفة ولا تراها ، ولله وحده الكمال ، ولكن هذه الأخطاء من الوضوح بحيث لا تمر بمن عنده أدنى مسكة من علم النحو والصرف أو اطلاع على كتب الأدب والمعاجم اللغوية .

وفقك الله وسددك وأثابك .


لو أن كل خطبة يكون وراءها أو تحتها مثل هذه المطارحات العلمية الهادفة لاستفاد الإخوة جميعا وأفادوا ...