خطبة : ( توكلت في رزقي على الله )

عبدالله البصري
1441/11/13 - 2020/07/04 11:45AM
توكلت في رزقي على الله         12 / 10 / 1441
 
الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم - أَيُّها النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ؛ فَإِنَّهَا وَصِيَّتُهُ - تعالى - لِلأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ " وَلَقَد وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَإِيَّاكُم أَنِ اتَّقُوا اللهَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في تَقَلُّبَاتِ الدُّنيَا وَاختِلافِ أَحوَالِهَا ، تَمُرُّ بِالإِنسَانِ أَيَّامُ رَخَاءٍ وَغِنًى وَيُسرٍ ، وَأَيَّامُ شِدَّةٍ وَفَقرٍ وَعُسرٍ ، وَعُهُودُ سَعَةٍ وَبَسطَةٍ في الرِّزقِ ، وَعُهُودُ ضِيقٍ وَقِلَّةِ ذَاتِ يَدٍ ، وَهُوَ في كُلِّ هَذَا بَينَ قَضَاءَينِ وَقَدَرَينِ وَحُكمَينِ مُحكَمَينِ ، وَللهِ عَلَيهِ في كُلِّ حَالٍ عِبادَةٌ يَجِبُ عَلَيهِ أَن يُؤَدِّيَهَا ، رِضًا وَشُكرًا في حَالِ اليُسرِ ، وَاحتِسَابًا وَصَبرًا في حَالِ العُسرِ ؛ لِيَكُونَ عَبدًا للهِ حَقًّا في كُلِّ أَحوَالِهِ ، وَلِئَلاَّ يَستَجرِيَهُ الشَّيطَانُ بِالغِنى فَيَبطَرَ وَيَكفُرَ وَلا يَشكُرَ ، وَلا بِالفَقرِ فَيَقنَطَ وَيَجزَعَ وَلا يَصبِرَ ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ ، إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيرٌ ، وَلَيسَ ذَلِكَ لأَحَدِ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ ، إِنْ أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَجَلْ - أَيُّهَا المُسلِمونَ - دَارُكُم هَذِهِ دَارُ ابتِلاءٍ وَاختِبَارٍ ، يُبتَلَى أَهلُهَا فِيهَا بِالخَيرِ وَالرَّخَاءِ وَالغِنى وَالسَّعَةِ ، كَمَا يُبتَلَونَ بِالشَّرِّ وَالفَقرِ وَالشِّدَّةِ وَالضِّيقِ ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ " يَعلَمُ ذَلِكَ المُؤمِنُونَ وَيَتَبَيَّنُهُ المُوَفَّقُونَ ، الَّذِينَ إِنْ أُعطُوا شَكَرُوا لِيَحفَظُوا النِّعَمَ وَيَزدَادُوا مِنهَا ، وَإِنْ مُنِعُوا صَبَرُوا وَانتَظَرُوا الفَرَجَ وَاحتَسَبُوا لِيُؤجَرُوا ، وَأَمَّا أَكثَرُ النَّاسِ فَهُم لا يَعلَمُونَ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُم يَستَعجِلُونَ ، فَإِنِ اغتَنَوا بَطِرُوا وَطَغَوا وَبَغَوا ، وَأَمسَكُوا وَشَحُّوا وَمَنَعُوا ، وَإِنِ افتَقَرُوا قَنِطُوا ويَئِسُوا وجَزِعُوا ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " إنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطغَى . أَنْ رَآهُ استَغنى " وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " لا يَسأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الخَيرِ وَإِن مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ " وَقَالَ - تَعَالى - : " وَإِذَا أَنعَمنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ "
هَذَا هُوَ الإِنسَانُ ، وَتِلكَ هِيَ طَبِيعَتُهُ وَخَلِيقَتُهُ ، لا صَبرَ لَدَيهِ وَلا تَحَمُّلَ وَلا جَلَدَ ، لا عَلَى الخَيرِ وَلا عَلَى الشَّرِّ ، وَلا عَلَى الغِنى وَلا عَلَى الفَقرِ ، لا يَسأَمُ وَلا يَمَلُّ مِن طَلَبِ المَزِيدِ مِنَ المَالِ أَوِ الوَلَدِ أَو غَيرِ ذَلِكَ مِن مَطَالِبِ الدُّنيَا وَمَطَامِعِهَا ، وَلا يَزَالُ يَسعَى لِتَكثِيرِ ذَلِكَ ، لا يَكتَفي بِقَلِيلٍ وَلا يَقتَنِعُ بِكَثِيرٍ ، وَلا يَشبَعُ وَلَو حَصَلَ لَهُ مِنَ الدُّنيَا مَا حَصَلَ ، وَأَمَّا إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ وَنَالَهُ المَكرُوهُ مِن مَرَضٍ أَو فَقرٍ أَو شِدَّةٍ ، أَو غَيرِهَا مِن أَنوَاعِ البَلايَا وَالرَّزايَا ، فَإِنَّهُ يَؤُوسٌ قَنُوطٌ ، يَتَوَقَّفُ تَفكِيرُهُ وَتَضِيقُ الدُّنيَا في وَجهِهِ ، وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا البَلاءَ هُوَ القَاضِي عَلَيهِ بِالهَلاكِ ، فَيَمنَعُهُ ذَلِكَ مِن فِعلِ الأَسبَابِ الَّتي قَد يَكُونُ فِيهَا رَفعُ البَلاءِ وَدَفعُ المُصِيبَةِ ،،،، تِلكَ هِيَ حَالُ عَامَّةِ النَّاسِ وَطَبِيعَةُ سَوَادِهِمُ الأَعظَمِ ، إِلاَّ مَن نَقَلَهُ اللهُ - تَعَالى - مِن هَذِهِ الحَالِ البَائِسَةِ النَّاقِصَةِ ، إِلى حَالِ التَّجَمُّلِ وَالكَمَالِ ، مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، فَإِنَّهُم إِذَا أَصَابَهُمُ الخَيرُ وَالنِّعمَةُ وَنَالُوا مَا يُحِبُّونَ شَكَرُوا اللهَ - تَعَالى - وَخَافُوا أَن تَكُونَ نِعَمُهُ عَلَيهِمُ استِدرَاجًا وَإِمهَالاً ، وَإِنْ أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ في أَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم وَأَولادِهِم صَبَروا واستَغفَرُوا ، وَرَجَوا فَضلَ رَبِّهِم فَلَم يَيأَسُوا .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَلْنَقطَعْ مَرَاحِلَ حَيَاتِنَا بِإِيمَانٍ رَاسِخٍ وَيَقٍينٍ ثَابِتٍ ، وَتَوَكُّلٍ عَلَى اللهِ وَإِنابَةٍ إِلَيهِ ، وَتَصدِيقٍ جَازِمٍ بِأَنَّ كُلَّ قَضَاءٍ يَقضِيهِ لَنَا رَبُّنَا وَخَالِقُنَا فَهُوَ خَيرٌ لَنَا وَإِنْ كَرِهنَاهُ " وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ "
 
عَلَيكَ إِذَا ضَاقَت أُمُورُكَ وَالْتَوَتْ
بِصَبرٍ فَإِنَّ الضِّيقَ مِفتَاحُهُ الصَّبرُ
وَلا تَشْكُوَنْ إِلاَّ إِلى اللهِ وَحدَهُ
فَمِن عِندِهِ تَأتي الفَوَائِدُ وَالبِشرُ
عَسَى فَرَجٌ يَأتي بِهِ اللهُ إِنَّهُ
لَهُ كُلَّ يَومٍ في خَلِيقَتِهِ أَمرُ
إِذَا لاحَ عُسرٌ فَارجُ يُسرًا فَإِنَّهُ
قَضَى اللهُ أَنَّ العُسرَ يَعقُبُهُ يُسرُ
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ . وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقتَلُ في سَبِيلِ اللهِ أَموَاتٌ بَل أَحيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشعُرُونَ . وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ "
 
الخطبة الثانية :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمَعَ مَا يُصِيبُ النَّاسَ في هَذِهِ الدُّنيَا مِن أَنوَاعِ البَلاءِ ، فَإِنَّ مِن أَشَدِّ مَا يُلاقُونَهُ وَقَد لا يَحتَمِلُونَهُ ، ضِيقَ الأَرزَاقِ أَو شُحَّ المَوَارِدِ أَو غَلاءَ الأَسعَارِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَمرًا لا يُلامُونَ عَلَيهِ مَا لم يَتَجَاوَزْ حَدَّهُ ، إِلاَّ أَنَّ الحَقَّ الَّذِي لا مِريَةَ فِيهِ وَلا شَكَّ ، أَنَّ مَا يُصِيبُ النَّاسَ في هَذِهِ القَضِيَّةِ مِن هَمٍّ وَغَمٍّ ، إِنَّمَا هُوَ أَذًى نَفسِيٌّ وَتَضيِيقٌ شَيطَانِيٌّ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ الرِّزقَ في السَّمَاءِ عِندَ الرَّزَّاقِ ذِي القُوَّةِ المَتِينِ ، وَلَيسَ في الأَرضِ مِنهُ وَلا في أَيدِي النَّاسِ كَبُروا أَو صَغُروا إِلاَّ أَسبَابٌ تُبذَلُ وَطَرَائِقُ تُسلَكُ ، وَقَد يَصلِونَ إِلى مَا يُرِيدُونَ وَقَد لا يَصلِونَ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَفي السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ . فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ مَا أَنَّكُم تَنطِقُونَ " وَقَالَ - تَعَالى - : " اللهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقدِرُ " وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " وَاللهُ فَضَّلَ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ في الرِّزقِ فَمَا الَّذينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزقِهِم عَلَى مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَهُم فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعمَةِ اللهِ يَجحَدُونَ "
وَإنَّ مِمَّا يَشرَحُ صَدرَ المُؤمِنِ وَيُطَمئِنُ قَلبَهَ وَيَشفِي غَلِيلَ نَفسِهِ وَتَقَرُّ بِهِ عَينُهُ ، أَنَّهُ لَن يَخرُجَ مِن هَذِهِ الدُّنيَا وَلَهُ فِيهَا بَقِيَّةٌ مِن رِزقٍ وَلَو مِثقَالَ ذَرَّةٍ ، قَالَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّ نَفسًا لَن تمُوتَ حَتى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
 
تَوَكَّلْتُ في رِزْقي عَلَى اللهِ خَالِقِي
وَأَيقَنْتُ أَنَّ اللهَ لا شَكَّ رَازِقي
وَمَا يَكُ مِن رِزقِي فَلَيسَ يَفُوتُني
وَلَو كَانَ في قَاعِ البِحَارِ العَوَامِقِ
سَيَأتي بِهِ اللهُ العَظِيمُ بِفَضلِهِ
وَلَو لم يَكُنْ مِنِّي اللِسَانُ بِنَاطِقِ
فَفِي أَيِّ شَيءٍ تَذهَبُ النَفسُ حَسرَةً
وَقَد قَسَمَ الرَّحمَنُ رِزقَ الخَلائِقِ
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ اليَأسِ أَوِ القُنُوطِ مَهمَا ضَاقَتِ الحَالُ أَو قَلَّ المَالُ ، وَاجتَهِدُوا في تَدبِيرِ مَا في أَيدِيكُم وَاسأَلُوا اللهَ البَرَكةَ ، وَاقتَصِدُوا في الإِنفَاقِ وَاجتَنِبُوا التَّبذِيرَ وَالإِسرَافَ ؛ فَإِنَّ الاقتِصَادَ نِصفُ الـمَعِيشَةِ ، وَالتَّبذِيرَ سَبَبٌ لِلافتِقَارِ ، قالُ – سُبحَانَهُ - : " وَلا تَجعَلْ يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقعُدَ مَلُومًا مَحسُورًا "
المرفقات

توكلت-في-رزقي-على-الله

توكلت-في-رزقي-على-الله

توكلت-في-رزقي-على-الله-2

توكلت-في-رزقي-على-الله-2

المشاهدات 1821 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا