خطبة : توقير الكبير وبر الوالدين

عبدالله البصري
1446/04/07 - 2024/10/10 11:07AM

توقير الكبير وبر الوالدين         8/ 4/ 1446

 

الخطبة الأولى :

 
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يُولَدُ الإِنسَانُ ضَعِيفًا لا يَملِكُ مِن أَمرِ نَفسِهِ شَيئًا ، غَيرَ أَنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ بِهِ ، أَن يَقذِفَ في قَلبَي وَالِدَيهِ مَحَبَّتَهُ وَالإِشفَاقَ عَلَيهِ ، فَمَا يَزَالانِ يَبذُلانِ قُوَّتَهُمَا وَمَا يَملِكَانِ لِرِعَايَتِهِ ، حَتَّى يَشِبَّ وَيَكبَرَ وَيَستَوِيَ عُودُهُ ، وَمَا يَزَالُ في نُمُوٍّ وَازدِيَادٍ حَتَّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ ، ثم يُصبِحُ كَهلاً ثم يَكُونُ شَيخًا كَبِيرًا ، فَيَعُودُ إِلى الضَّعفِ مَرَّةً أُخرَى ، وَيَحتَاجُ إِلى مَن يَرعَاهُ وَيَأخُذُ بِيَدِهِ وَيَعتَني بِهِ ، وَلأَنَّهُ في تِلكَ المَرحَلَةِ يَكُونُ في نَقصٍ مُستَمِرٍّ وَانحِطَاطٍ ، فَإِنَّ نُفُوسَ مَن حَولَهُ قَد لا تَتَحَمَّسُ لِخِدمَتِهِ وَرِعَايَتِهِ ، وَقَد تَتَبَرَّمُ مِنهُ وَتَمَلُّ وَتَكَلُّ ، وَتَنصَرِفُ عَنهُ وَلا تَلتَفِتُ إِلَيهِ ، وَمِن ثَمَّ حَرِصَ الإِسلامُ وَهُوَ دِينُ الرَّحمَةِ وَالرَّأفَةِ وَالرِّفقِ ، عَلَى حُقُوقٍ خَصَّ بها كِبَارَ السِّنِّ وَحَثَّ عَلَيهَا وَأَمَرَ بِهَا ، وَجَعَلَ عَلَيهَا عَظِيمَ الأَجرَ وَتَوَعَّدَ مَن فَرَّطَ فِيهَا بِالإِثمِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لَيسَ مِنَّا مَن لم يَرحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا " رَوَاهُ التِّرمِذِي ُّوَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِن إِجلالِ اللهِ إِكرامَ ذِي الشَّيبَةِ المُسلِمِ وَحَامِلِ القُرآنِ غَيرِ الغَالي فِيهِ وَلا الجَافي عَنهُ ، وَإِكرَامَ السُّلطَانِ المُقسِطِ " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّ الكَبِيرَ وَإِن ضَعُفَت قُوَّتُهُ وَحَوَاسُّهُ ، أَو وَهَى عَظمُهُ وَرَقَّ جِلدُهُ ، أَوِ اشتَعَلَ رَأسُهُ شَيبًا وَابيَضَّ شَعرُهُ ، فَهُوَ صَاحِبُ خِبرَةٍ وَدِرَايَةٍ وَمَعرِفَةٍ ، وَلَدَيهِ مِنَ العِلمِ وَالحِكمَةِ مَا لَدَيهِ ، وَهُوَ أَكثَرُ عَمَلاً صَالِحًا ، فَكَانَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مَن هُوَ أَصغَرُ مِنهُ أَن يَخفِضَ الصَّوتَ بِحَضرَتِهِ ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى الاستِفَادَةِ مِن خِبرَتِهِ ، وَأَلاَّ يَتَشَاغَلَ مَا دَامَ مَوجُودًا عَنِ صُحبَتِهِ ، وَأَلاَّ يَتَكَلَّمَ قَبلَهُ وَلا يَستَعجِلَ في تَخطِئَتِهِ ، وَأَلاَّ يَأنَفَ مِنَ الاستِمَاعِ لِتَوجِيهِهِ وَالإصغَاءِ لِنُصحِهِ ، وَأَلاَّ يَتَعَالَمَ أَمَامَهُ وَلا يَتَسَرَّعَ في إِبدَاءِ رَأيٍ وَهُوَ مَوجُودٌ ، بَل يَكُونُ بَينَ يَدَيهِ مُؤَدَّبًا ، مُتَخَلِّقًّا في مُعَامَلَتِهِ بِأَخلاقِ الإِسلامِ وَأَهلِهِ ، الَّذِينَ يَعرِفُونَ لِلكَبِيرِ حَقَّهُ ، وَيَحفَظُونَ لَهُ سَابِقَتَهُ في الخَيرِ . وَقَد جَاءَ في النُّصُوصِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ خُلُقُ أَهلِ الإِسلامِ ، عَن مَالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : أَتَيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَابنُ عَمٍّ لي فَقَالَ : " إِذَا سَافَرتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكبَرُكُمَا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " يَؤُمُّ القَومَ أَقرَؤُهُم لِكِتَابِ اللهِ ، فَإِن كَانُوا في القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعلَمُهُم بِالسُّنَّةِ ، فَإِن كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقدَمُهُم هِجرَةً ، فَإِن كَانُوا في الهِجرَةِ سَوَاءً فَأَكبَرُهُم سِنًّا " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَستَنُّ وَعِندَهُ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا أَكبَرُ مِنَ الآخَرِ ، فَأُوحِيَ إِلَيهِ في فَضلِ السِّوَاكِ أَنْ كَبِّرْ ، أَعطِ السِّوَاكَ أَكبَرَهُمَا . رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وَسَهلِ بنِ أَبي حَثمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَا أَنَّ عَبدَاللهِ بنَ سَهلٍ وَمُحَيِّصَةَ بنَ مَسعُودٍ أَتَيَا خَيبَرَ فَتَفَرَّقَا في النَّخلِ ، فَقُتِلَ عَبدُاللهِ بنُ سَهلٍ ، فَجَاءَ عَبدُالرَّحمَنِ بنُ سَهلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابنَا مَسعُودٍ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، فَتَكَلَّمُوا في أَمرِ صَاحِبِهِم ، فَبَدَأَ عَبدُالرَّحمَنِ وَكَانَ أَصغَرَ القَومِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " كَبِّرِ الكُبرَ " أَيْ لِيَتَولَّ الكَلَامَ الأَكبَرُ ... الحَدِيثَ . وَفي الصَّحِيحَينِ عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ قَالَ : أَتَى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنهُ وَعَن يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصغَرُ القَومِ وَالأَشيَاخُ عَن يَسَارِهِ ، فَقَالَ : " يَا غُلامُ ، أَتَأذَنُ أَن أُعطِيَهُ الأَشيَاخَ ؟! " فَقَالَ : مَا كُنتُ لأُوثِرَ بِفَضلٍ مِنكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأعطَاهُ إِيَّاه " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَفي صَحِيحِ ابنِ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَومُ الفَتحِ أَتَى أَبُوبَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " هَلاَّ تَرَكتَ الشَّيخَ في بَيتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ " وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " أَخبِرُوني بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ المُسلِمِ ، تُؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذنِ رَبِّهَا وَلا تَحُتُّ وَرَقَهَا " فَوَقَعَ في نَفسِي أَنَّهَا النَّخلَةُ ، فَكَرِهتُ أَن أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُوبَكرٍ وَعُمَرُ ، فَلَمَّا لَم يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " هِيَ النَّخلَةُ " فَلَمَّا خَرَجتُ مَعَ أَبي قُلتُ : يَا أَبَتَاهُ ، وَقَعَ في نَفسِي أَنَّهَا النَّخلَةُ ، قَالَ : مَا مَنَعَكَ أَنْ  تَقُولَهَا ، لَو كُنتَ قُلتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : مَا مَنَعَني إِلاَّ أَنِّي لَم أَرَكَ وَلا أَبَا بَكرٍ تَكَلَّمتُمَا فَكَرِهتُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَفي الأَدَبِ المُفرَدِ لِلبُخَارِيِّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ عَن حَكِيمِ بنِ قَيسِ بنِ عَاصِمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوصَى عِندَ مَوتِهِ بَنِيهِ ، فَقَالَ : " اِتَّقُوا اللهَ وَسَوِّدُوا أَكبَرَكُم ؛ فَإِنَّ القَومَ إِذَا سَوَّدُوا أَكبَرَهُم خَلَفُوا أَبَاهُم ، وَإِذَا سَوَّدُوا أَصغَرَهُم أَزرَى بِهِم ذَلِكَ في أَكفَائِهِم . إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَأَمثَالَهَا لَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَد تَقَرَّرَ لَدَى أَهلِ الإِسلامِ أَنَّ لِلكَبِيرِ حَقًّا يَنبَغِي أَن يُؤَدَّى إِلَيهِ ، وَإِلاَّ فَلْيُستَأذَنْ لِيَتَنَازَلَ عَن حَقِّهِ ، وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنهُم وَمَن بَعدَهُم مِن أَجيَالِ المُسلِمِينَ ، عَرَفُوا لِلكَبِيرِ مَكَانَتَهُ ، وَحَفِظُوا لَهُ حَقَّهُ وَأَكرَمُوهُ وَأَجَلُّوهُ ، وَعَلَّمُوا أَبنَاءَهُم ذَلِكَ وَدَرَّبُوهُم عَلَيهِ وَأَلزَمُوهُم بِهِ ، بَل لَقَد كَانَت هَذِهِ هِيَ الفِطرَةَ الَّتي كَانَ عَلَيهَا النَّاسُ مُذْ كَانُوا ، قَالَ تَعَالى في إِخوَةِ يُوسُفَ : " قَالُوا يَا أَيُّهَا العَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحسِنِينَ " وَقَالَ تَعَالى عَنهُم : " قَالَ كَبِيرُهُم أَلَم تَعلَمُوا أَنَّ أَبَاكُم قَد أَخَذَ عَلَيكُم مَوثِقًا مِنَ اللهِ وَمِن قَبلُ مَا فَرَّطتُم في يُوسُفَ فَلَن أَبرَحَ الأَرضَ حَتَّى يَأذَنَ لي أَبي أَو يَحكُمَ اللهُ لي وَهُوَ خَيرُ الحَاكِمِينَ " فَهُم أَوَّلاً تَوَسَّلُوا إِلى يُوسُفَ بِشَيخُوخَةِ أَبِيهِم وَكِبَرِ سِنِّهِ ، وَثَانِيًا سَمِعُوا كَلامَ كَبِيرِهِم ، وَفي هَذَا دِلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَقَّ الكِبِيرِ مَعرُوفٌ عِندَ المُتَقَدِّمِينَ وَالمُتَأَخِّرِينَ ، فَلْنَتَقِ اللهَ أَيُهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنَكُنْ عَلَى هَذَا الخُلُقِ الكَرِيمِ ، وَلْيَعلَمْ صِغَارُنَا أَنَّ مَا يَبذُلُونَهُ لِكِبَارِهِم هُوَ أَجرٌ لَهُم ، وَقَرضٌ سَيَجِدُونَ وَفَاءَهُ إِذَا كَبِرُوا وَاحتَاجُوا إِلى مَن يَعتَني بِهِم " اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن ضَعفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ ضَعفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ ضَعفًا وَشَيبَةً يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ "

 

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ التَّقوَى " إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَ يُذكَرُ الكِبَارُ وَحُقُوقُهُم ، فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ أَن يُؤتَى مِنهُم حَقَّهُ الوَالِدَانِ ، فَهُمَا أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسنِ صُحبَةِ المَرءِ وَبِرِّهِ وَإِحسَانِهِ ، وَهُمَا أَولى النَّاسِ بِأَن يَتَخَلَّقَ ابنُهُمَا مَعَهُمَا بِأَحسَنِ الأَخلاقِ وَأَن يَتَأَدَّبَ مَعَهُمَا بِأَرقَى الآدَابِ ، وَخَاصَّةً عِندَ كِبَرِهِمَا وَانقِطَاعِ سِنِّهِمَا وَضَعفِ أَبدَانِهِمَا ، وَاشتِدَادِ حَاجَتِهِمَا لِرَدِّ مَعرُوفِهِمَا وَجَمِيلِهِمَا ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ مِن أَعظَمِ الوَاجِبَاتِ وَحَقٌّ مِن آكَدِ الحُقُوقِ بَعدَ حَقِّ اللهِ ، قَالَ تَعَالى : " وَاعبُدُوا اللهَ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَولاً كَرِيمًا . وَاخفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَاني صَغِيرًا " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسنًا " وَقَالَ تَعَالى : " أَنِ اشكُرْ لي وَلِوَالِدَيكَ إِليَّ المَصِيرُ " وَإِنَّهُ حِينَ يُذَكَّرُ بِحَقِّ الوَالِدَينِ ، فَلا مَجَالَ لِلتَّفكِيرِ في أَيِّهِمَا أَحَقُّ ، أَو لِلتَّقصِيرِ في حَقِّ أَحَدِهِمَا وَالانحِيَازِ لِلآخَرِ لِوُجُودِ خِلافٍ بَينَهُمَا ، أَجَل أَيُّهَا الأَبنَاءُ ، إِنَّ الوَالِدَينِ كَالعَينَينِ في الرَّأسِ ، لِكُلٍّ مِنهُمَا حَقُّ العِنَايَةِ بِهِ أَشَدَّ العِنَايَةِ ، وَهَل يُمكِنُ أَن يُكرِمَ المَرءُ إِحدَى عَينَيهِ وَيَترُكَ الأُخرَى تَشكُو القَذَى ؟! إِنَّ المُوَفَّقَ مَنِ استَطَاعَ أَن يُرضِيَ وَالِدَيهِ كِلَيهِمَا ، وَإِن كَانَ بَينَهُمَا خِلافٌ ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يُصلِحَ وَيُوَفِّقَ بَينَهُمَا وَيَجمَعَ ، وَإِلاَّ بَقِيَ بَعِيدًا عَن ذَلِكَ الخِلافِ ، وَأَعطَى كُلاًّ مِنهُمَا حَقَّهُ غَيرَ مَنقُوصٍ وَبِلا مَنٍّ وَلا أَذًى ، وَلْيُعلَمْ أَنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ قَرضٌ وَسَلَفٌ ، سَيَجِدُهُ كُلُّ ابنٍ في أَبنَائِهِ ، فَرَحِمَ اللهُ ابنًا تَدَارَكَ وَالِدَيهِ بِرَدِّ الجَمِيلِ قَبلَ الرَّحِيلِ ، رَحِمَ اللهُ مَن لم يَنسَ سَهَرَهُمَا اللَّياليَ وَبَذلَهُمَا النَّفِيسَ وَالغَاليَ ، رَحِمَ اللهُ مَن أَعطَاهُمَا كَمَا أَعطَيَاهُ وَأَسعَدَهُمَا كَمَا أَسعَدَاهُ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا الأَبنَاءُ ، وَكَمَا بَذَلَ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا وَأَعطَوا ، فَلْنَتَدَارَكْهُم وَهُم أَحيَاءٌ لِنُوَفِّيَهُم حَقَّهُم ، وَكَمَا أَكرَمُونَا وَرَحِمُونَا صِغَارًا ، فَلْنُحسِنْ إِلَيهِم كِبَارًا ، فَإِنَّهُ إِذَا لم يَنَلِ الابنُ الأَجرَ في وَالِدَيهِ عِندَ كِبَرِهِمَا فَأَيُّ حَظٍّ سَيَكُونُ لَهُ وَأَيُّ نَجَاحٍ وَأَيُّ فَلاحٍ ؟! عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " رَغِمَ أَنفُهُ ثم رَغِمَ أَنفُهُ ثم رَغِمَ أَنفُهُ " قِيلَ : مَن يَا رَسُولَ اللهِ ؟! قَالَ : " مَن أَدرَكَ وَالِدَيهِ عِندَ الكِبَرَ أَحَدَهُمَا أَو كِلَيهِمَا ثمَّ لم يَدخُلِ الجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .

المرفقات

1728547619_توقير الكبير وبر الوالدين.docx

1728547663_توقير الكبير وبر الوالدين.pdf

المشاهدات 2061 | التعليقات 0