خطبة تتعلق بالحدث الحاضر

الخطيب المفوه
1432/06/24 - 2011/05/27 07:21AM
الفوضى المردية
للدكتور سعد الدريهم
الجمعة 24 / 6 / 1432 هـ
أيها الأحبة في الله ، احمدوا الله سبحانه وتعالى على نعمة الأمن في الأوطان ؛ فأنتم تتفيأون ظلاله في هذا البلد ليل نهار ، وتنعمون في بحبوحته غدواً وعشياً ، ولو التفتم ذات اليمين وذات الشمال لأدركتم تلك النعمة غاية الإدراك ، ولقدرتموها حقَّ القدر ، أضف إلى ذلك ما توافر لديكم من العافية في البدن ، وتجبى إليكم ثمراتُ كلِّ شيء رزقاً من الله سبحانه وتعالى ، ومن كانوا على هذه الشاكلة فهم ملوك أو كالملوك ، يقول النبي r : « من أصبح آمناً في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا»، فلك الحمد يا ربنا على نعمك العظيمة وآلائك الجزيلة ، ونسألك أيها الرب الكريم ، أن تحفظها لنا ، وأن تزيدينا من كل خير .
أيها الجمع الكريم ، ما كان أحد على جانب من الخير إلا وكثُر حسَّاده ، وسعوا ما استطاعوا إلى اجتثاث تلك النعم وتحويلِها عنه ؛ لأنه وكما قيل : كل ذي نعمة محسود ، ولستم أيها الجمع الكريم ، بدعاً في ذلك ، فكيف والأعداء متربصون بهذا البلد ينتظرون فرصة سانحة للنيل منه ومن أهله ، وما حباه الله من هذه الميزات ، وهنا أيها الجمع الكريم ، يكون المحك من قبل الشعب يقظة أو غفلة ؛ فإن كان الشعب ذا يقظة ودراية بما يخطط له ، فالفشل هو الحليف لتلك الشرور ، وإن كان ذا غفلة عما يراد به فكبر عليه أربعاً ؛ لأنه ولا ريب قد دخل دهاليز الخور وسراديب الفتنة ، وأنا أرى أن قومي قد بلغوا من النضج مكاناً علياً ؛ لذا ما من مؤامرة عُقِدَ لواؤها إلا وتتحطم على صخرة الوعي الوطني الذي يقوده ولاة الأمر والعلماء الربانيون ، ومن ورائهم هذا المواطن ، وهذه حصانة عز مثيلها في هذه الأزمان ؛ فنسألك اللهم ربنا أن تحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ، وأن ترفع الكرب عن هذه الأمة وتأخذ بأيديها لسبيل الصلاح والإصلاح .
لو تفكرنا أيها الجمع الكريم ، وتأملنا بفكر عميق مجرد عن الهوى لأدركنا أن سبل الشيطان ومَنْ وراءه من الأعوان في الإغواء ؛ تتشكل وتتنوع بحسب وعي الأمة ؛ فتارة تكون بسيطةً ، وتارةً تكون معقدةً ، كما أن قوة الإيمان وضعفه ذو أثر في ذلك ، وهو يعطي كلاً حقه وما يستحقه ، وهو يدرك أن جميع معاوله للإفساد في هذا البلد قد باءت بالفشل قديماً وحديثاً ؛ فأنى اتجه يجد من يتربص به الدوائر ؛ لذا أرى أن الشيطان قد ضاقت مذاهبه، ولكنَّ الشيطان ليس بالذي يعلن استسلامه ، ولن يعدم حيلة في ذلك ، وإن كانت لا تخرج عن أجندته السابقة مع قليل من الرتوش والزخرفة ؛ لتنطلي على السذج أرباب العقول السطحية ، وكثيرٌ أولئك المغفلون نسأل الله صلاحهم ؛ ليبصروا ما هو مراد لهم .
وتبدأ خطوات الشيطان في إشاعة الفساد أيها الجمع الكريم ، بإحداث الفوضى وخلط الحابل بالنابل ؛ لأنه في الفتن تتغير المفاهيم ، ويرى حسناً ما ليس بالحسن ، بل لا تركب الدولُ الكافرةُ الدولَ المؤمنةَ إلاَّ عندما يَحدث الهرجُ والمرج ، وبعد ذلك تبدأ مشاريع الإصلاح كما زعموا ، وكلها تأتي على حساب الدين ، حيث يُغَيَّبُ الدين وأهله ، ويُعلى من منار أصحاب الجحيم نسأل الله السلامة والعافية ، وقد كان يراد لهذا البلد ذلك من خلال تلك المظاهرة التي أعلن عنها قبل شهرين أو يزيد ، والتي أُحبطت من قبل الصالحين في هذا البلد ، وأدركت الدولة حينذاك من هو المواطن الصالح ومن هو الطالح ، وكلٌ هناك قد لحق بأصله ، ورأينا بعد ذلك كيف كانت اللحمة قوية بين الحاكم والمحكوم ، والله نسأل أن يديمها ، وأن يأخذ بأيدي ولاة الأمر لكل خير .
لا تحسبوا أيها الجمع الكريم ، أن حزب الشيطان قد وضع الراية استسلاماً ، لا ، لا تحسبوا ذلك بل كانوا يعيدون ترتيب الصفوف لغارة أخرى ، وقد هداهم مكرهم هذه المرة إلى الدخول عن طريق المرأة بحجة رغبتها في القيادة ، وقد حددوا يوماً لخروجهم ، وهو اليوم السابع عشر من الشهر القادم الميلادي ، وقد تزعمت ذلك بعض النسوة المشبوهات عقدياً وفكرياً ، وقد عزموا هذه المرة على فرض أجندتهم بصلف ، ومن باب فرض الأمر الواقع ، وقد تقدمتهم هذا الأسبوع إحدى النساء فقادت سيارتها في مدينة الخبر ، وقد قامت إمعاناً في التحدي بتصوير نفسها وتوزيعها على وكالات الأنباء العالمية إضافة إلى مواقع الشبكة الالكترونية ، وقد تعاملت معها أجهزة الدولة بما يليق وجرمها المشهود .
وهنا لابد أن نعي أيها الجمع الكريم ، أن القضية ليست مسألة قيادة عربة ، ولكنها خطوة في شرعنة الفساد وبث الفوضى ، ولها ما يتلوها ، فقد يأتي يوم وترتفع سُقُفُ تلك المطالب لتكون موجهة للحكم بشرع الله ، واطراح شيء من الأحكام التي يُرى أنها أغلالٌ تكبل الحراك الوطني ، وإذا فتح باب المظاهرة فلن يغلق إلا على شر عظيم ندعو الله أن يكفيناه بما يشاء، ولو كان أولئك المفسدون على نية صافية ورغبة في نيل هذا المطلوب ، لقعدوا مع العلماء والحكام فعرضوا مطالبهم وتداولوها ، فلربما أقنعوا أو أقنعوا ، فأراحوا واستراحوا ، ولكنهم يدركون ضعف الحجة ، وتواضع الدافع في مطالبهم فلجأوا إلى التصعيد ، وهي حجة من لا حجة له ، ولا ريب أنهم لو مكنوا ـ ولن يمكنوا إن شاء ربي ـ فهي نذر شر ، وسيصلى سعيرها من سعى فيها ؛ لأن أهل الخير ليسوا بالقلة المستضعفة في بلدي بل هم الناس ، وهم الأصل وسواهم الشذاذ ، ولن نتمنى اللقاء ولكن لو دعينا فلن تلين قناتنا ، والسلامة لا يعدلها شيء ، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة أكثر طولاً ولعلها تكون في الخطبة الثانية إن شاء الله .
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله على إحسانه ، ونشكره على توفيقه وامتنانه ، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليماً .
أما بعد :
فيأيها الأحبة في الله ، المزايدات قد سألها قوم من قبل ؛ فأصبحوا بها خاسرين ، ففي الجزائر كان الحراك العلماني المتفرنس شديد الوطأة على أهل الإسلام يعرضون ما يريدون عن طريق المظاهرات النسائية ، فتارة يخرجون مئة ألف امرأة وتارة مئة وخمسين ألف امرأة ، وهذا أقصى ما يستطيعون جمعه، وهم يرون أنهم في ذلك أهل غلبة وسلطان ، فضج من ذلك أهل الخير والاستقامة في ذلك البلد ، وأرادوا أن يوصلوا الرد واقعاً ؛ فأخرجوا في جولة واحدة مليوناً ونصف المليون من النساء يطالبن بعودة العفة والحجاب وفرض زينة الحشمة ، عندها قامت النخب العلمانية هناك وقامت فرنسا البلد المستعمر من هذه الصولة المفزعة ، وأحجموا بعد ذلك عن غوغاء المظاهرات، فأهل الخير في كل بلد هم الكثرة الكاثرة ، ولو أرادوا لاجتاحوا كل أهل الفسق والعربدة من أصحاب الفكر الشاذ الدخيل ، ولكنهم لا يريدون تعكير الأجواء بهذا الضجيج ، ولا يرغبون في جر البلاد إلى دائرة الفوضى ، فيتشاغل بها ولاة الأمر عن البناء والإصلاح ، كما أن أتون هذه المعارك تحرق الأفكار البناءة الداعمة لنهضة البلاد ؛ لتجعل منها قابعة في ساحات الردود المستهلكة ، والمستفيد منها خاسر .
وعندما نرجع البصر كرة أخرى في الحراك العلماني العفن المتزعم لهذه المظاهرة النسائية ، نلحظ أنهن بين ليبرالي منحل ورافضي محترق ، وهل يرجى الخير بين هؤلاء ؛ لا والله لا يرجى الخير ولا عشر معشاره من هؤلاء ؛ لأن المنطلقات منهم ذات شبهة وموغلة في العمالة للغرب وربما الشرق ، ولا أدل على ذلك من استقوائهم بالغرب في كل نازلة ، واستفزاعهم بالإعلام الغربي عند أدنى حراك لهم ، كما أنهم يوقفون الغرب على عورات أهلهم وبلدهم ألا ساء ما يزرون ، ولو اطلعت لرأيت تلك البواقع منهم تتصدر الصحف ووكلات الأنباء العالمية ، بل عندما تحل بأحدهم قارعة تجد أنهم يطلعون أسيادهم في الغرب على ذلك ليجدوا منهم النصرة ، ولا تسل بعد ذلك عن اللقاءات المشبوهة والزيارات الآثمة للسفارة الأمريكية أو الأوربية والمبالغِ المجزية التي تدفع لهم ، والمصيبة أن تلك الأمور معلومة لدى الدول ، ولكن لا تحرك ساكناً ، وفي هذا ما يدعو للعجب ! وعلى العكس من ذلك أهل الخير فمطالبهم تدار بينهم وبين الحكام لا يبتغون بها ذات اليمين ولا ذات الشمال ، كما أنهم ينشرون الخير عن بلدهم وإن كان غير ذلك كتموه ، وشعارهم المؤمن لا يهتك ستر أهل بيته ، والوطن ولا ريب بيت واحد ، ونحن سكانه ، وكل يدفع عن هذا البيت ما استطاع إليه سبيلاً ، فشتان شتان بين أهل الخير وأهل الشر ؛ بين حزب الله وحزب الشيطان ، وهيهات هيهات أن يتساوى أهل التوحيد وأهل الفجور ، ولا يغيب ذلك إلا عن من سفه نفسه .
وهنا لا بد أن أوقفكم على أمر مهم جداً ، وهو أن هذا البلد ليس فيه إلا حزب واحد ، وهو حزب الله ، وهذا الحزب هم أهل الفلاح ، وهذا الحزب يقف على رأسه ولي الأمر ، ومن ورائه العلماء ومن وراء العلماء الشعب ، وهم لا يرضون بغير الله رباً ولا بغير الإسلام ديناً ولا بغير محمد نبياً ورسولاً، على ذلك نحيا وعليها نموت وفي سبيلها نجاهد ، وعليها نبعث ، وأما الأحزب المتشرذمة الحقيرة ، فما هي إلا أحزاب للشيطان ، وهي أحزاب خاسرة في الدنيا والآخرة ، ولن يكون لها إلا الهلاك ؛ لأن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، بموعود النبي r ، فقروا عيناً يا أهل التوحيد والإيمان بذلك ، وموتوا بغيظكم أيها الفسقة المرجفون ، لن تنالوا خيراً لن تنالوا خيراً ..
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد لذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، أن تجعل بلدنا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، وأن تأخذ بأيدي حكامنا وولاة الأمر فينا لما فيه الخير ولما فيه كبح بؤر الفساد والمفسدين ، اللهم صب على أهل البغي والعمالة سوط عذاب ، اللهم اجعل أعمالهم حسرات عليهم ، اللهم لا ترفع لهم راية ، واجعلهم لمن خلفهم آية يا قوي يا عزيز .
اللهم انصر المسلمين في كل مكان اللهم انصرهم في سوريا وفي ليبيا وفي اليمن وفي كل البقاع ، اللهم احقن دماءهم ، اللهم عليك بمن بغى وتجبر ، اللهم لا ترفع له راية ، واجعله لمن خلفه آية يا رب العالمين .
المشاهدات 2197 | التعليقات 0