خطبة : ( بين مواعظ القرآن وسياط السلطان )
عبدالله البصري
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَاتَّقُوا يَومًا لا تَجزِي نَفسٌ عَن نَفسٍ شَيئًا وَلا يُقبَلُ مِنهَا عَدلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُم يُنصَرُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، تَحُلُّ بِالمُجتَمَعِ مُشكِلاتٌ اقتِصَادِيَّةٌ وَاجتِمَاعِيَّةٌ ، وَتَظهَرُ فِيهِ انحِرَافَاتٌ سَلُوكِيَّةٌ وَخُلُقِيَّةٌ ، وَيَضِلُّ مِنَ النَّاسِ فِكرِيًّا وَعَقلِيًّا مَن يَضِلُّ ، فَيَرتَكِبُ أَخطَاءً وَحَمَاقَاتٍ في حَقِّ نَفسِهِ وَمُجتَمَعِهِ ، وَيَتَعَدَّى حُدُودَهُ وَيُجَاوِزُ قَدرَهُ ، بَل وَقَد يَصِلُ الأَمرُ بِبَعضِ المُنحَرِفِينَ لِحُدُودٍ لا يَجُوزُ بِحَالٍ تَجَاوُزُهَا وَلا تَعَدِّيهَا ، فَيَختَرِقُهَا دُونَ مُبَالاةٍ وَلا اهتِمَامٍ .
وَمَعَ أَنَّهُ لا تُوجَدُ شَرِيعَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَلا قَانُونٌ وَضعِيٌّ إِلاَّ وَفِيهَا مِنَ الأَحكَامِ الجَزَائِيَّةِ وَالعُقُوبَاتِ مَا هُو كَفِيلٌ بِرَدعِ مَن يَستَحِقُّ الرَّدعَ وَمُعَاقَبَةِ كُلِّ جَانٍ أَو عَابِثٍ ، إِلاَّ أَنَّكَ تَجِدُ مِنَ النَّاسِ في زَمَانِنَا مَن صَارَ نَظَرُهُ مُنصَبًّا عَلَى العَفوِ عَن كُلِّ مُخطِئٍ مَهمَا تَكَرَّرَ خَطَؤُهُ ، وَالتَّجَاوُزِ عَن كُلِّ مُسِيءٍ مَهمَا عَظُمَت إِسَاءَتُهُ ، حَتى بَلَغَ الأَمرُ بِبَعضِ المُتَفَيهِقِينَ وَالمُتَشَدِّقِينَ إِلى أَن يُنَادِيَ بَعَدَمِ إِقَامَةِ الحُدُودِ الشَّرعِيَّةِ وَقَد تَحَقَّقَت شُرُوطُ إِقَامَتِهَا وَانتَفَتِ المَوَانِعُ مِن ذَلِكَ ، وَكَأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَّهِمُ الشَّرِيعَةَ بِالعُسرِ وَالقَسوَةِ وَعَدَمِ الرَّحمَةِ ، وَكَأَنَّهُ وَحدَهُ هُوَ الَّذِي بَلَغَ الغَايَةَ في الرَّحمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَرِقَّةِ القَلبِ وَالتَّيسِيرِ ، وَتَرَى هَؤُلاءِ رُبَّمَا لامُوا الخُطَبَاءَ وَالمُعَلِّمِينَ وَدُعَاةَ الحَقِّ وَالمُرَبِّينَ ، وَرُبَّمَا ظَنُّوا أَنَّهُم لم يُؤَدُّوا مَا عَلَيهِم وَلم يَقُومُوا بما يَجِبُ نَحوَ مُجتَمَعَاتِهِم ، بَل رُبَّمَا غَمَزُوا مُؤَسَّسَاتِ التَّعلِيمِ الخَيرِيَّةَ وَحَلَقَاتِ العِلمِ وَالتَّحفِيظِ ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا تُخَرِّجُ المُنحَرِفِينَ أَوِ الإِرهَابِيِّينَ ، في الحِينِ الَّذِي يَشهَدُ فِيهِ كُلُّ عَاقِلٍ مُنصِفٍ أَنَّ المُعَلِّمِينَ المُخلِصِينَ وَالمُرَبِّينَ الصَّادِقِينَ لم يَفتُرُوا عَنِ النُّصحِ وَالتَّوجِيهِ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ، وَمَا زَالَ الخُطَبَاءُ وَالدُّعَاةُ تَتَعَالى أَصوَاتُهُم وَيُنَادُونَ النَّاسَ صِغَارًا وَكِبَارًا بِأَن يَتَّقُوا اللهَ وَيَعُودُوا إِلى رُشدِهِم ، وَأَلاَّ يَدفَعَهُم حُبُّ أُنفُسِهِم أَوِ المَيلُ مَعَ شَهَوَاتِهِم إِلى الإِسَاءَةِ إِلى غَيرِهِم أَو تَجَاوُزِ حُدُودِهِم ، أَو أَكلِ حُقُوقِ الآخَرِينَ وَالتَّعَدِّي عَلَى شَخصِيَّاتِهِم .
وَتَعجَبُ أَن يَظَلَّ بَعضُ مَن يَدَّعُونَ الثَّقَافَةَ هَكَذَا دَائِمًا ، لا يَرَونَ خَطَأً أَو تَجَاوُزًا إِلاَّ تَسَاءَلُوا : أَينَ المُعَلِّمُونَ وَالخُطَبَاءُ ، وَمَا دُورُ المُرَبِّينَ وَالدُّعَاةِ ، وَلِمَاذَا لا تُقَامُ دَورَاتٌ في بِنَاءِ القِيَمِ النَّبِيلَةِ وَتَعلِيمِ الأَخلاقِ الجَمِيلَةِ وَضَبطِ السُّلُوكِ وَتَوجِيهِ الفِكرِ ؟ وَأَينَ هُمُ المُفَكِّرُونَ لِيُقَارِعُوا الفِكرَ بِالفِكرِ ؟
وَقَد يُعمَدُ إِلى تَنظِيمِ مُنَاظَرَاتٍ بَينَ بَعضِ المُصلِحِينَ وَالمُفسِدِينَ ، رُبَّمَا خَرَجَت عَنِ المُقَارَعَةِ بِالحُجَّةِ إِلى التَّنَابُزِ وَالتَّرَاشُقِ بِالتُّهَمِ ، وَرُبَّمَا أَوقَعَت بِبَعضِ القُلُوبِ الخَالِيَةِ في الشُّبَهِ لِتَتَمَكَّنَ مِنهَا وَتُفسِدَهَا ، في حِينِ يُغفَلُ عَن حُسنِ نِيَّةٍ ، أو يُتَغَافَلُ بِخُبثِ طَوِيَّةٍ ، عَن أَن كَثِيرًا مِنَ المُشكِلاتِ وَالأَزَمَاتِ الَّتي صَارَت قَضَايَا سَاخِنَةً تُستَهلَكُ في مُنَاقَشَتِهَا الأَوقَاتُ وَتُستَنفَذُ الجُهُودُ ، بَدَأَت شَرَارَتُهَا الأُولى مِن صَاحِبِ سُلطَةٍ تَهَاوَنَ في سُلطَتِهِ ، إِمَّا وَالِدٌ تَخَلَّى عَن أَمَانَتِهِ ، أَو رَجُلُ أَمنٍ تَهَاوَنَ في مَسؤُولِيَّتِهِ ، أَو مُدِيرُ مُؤَسَّسَةٍ أَو مُوَظَّفٌ قَصَّرَ في مُهِمَّتِهِ ، أَو مَغرُورٌ تَجَاوَزَ قَدرَهُ وَاستَغَلَّ مَنصِبَهُ في الإِفسَادِ ، فَأَينَ هَؤُلاءِ كُلُّهُم ؟
وَلِمَاذَا لا يُلامُونَ عَلَى ثُغُورٍ تَرَكُوهَا مَفتُوحَةً لِيَدخُلَ مِنهَا شَيَاطِينُ الإِنسِ وَالجِنِّ عَلَى عِبَادِ اللهِ ، فَيُؤذُوهُم أَو يَأكُلُوا حُقُوقَهُم ، أَو يُسِيئُوا إِلى مُعتَقَدَاتِهِم وَيُفسِدُوا أَمنَهُم وَيُزَعزِعُوا استِقرَارَهُم ، أَو يُحدِثُوا شُرُوخًا في بِنَاءِ أُمَّتِهِم ، أَو يَنخُرُوا في سَدِّ الفَضِيلَةِ في مُجتَمَعَاتِهِم .
إِنَّهُ لا يُشَكُّ أَنَّ لِلتَّوجِيهِ وَالتَّعلِيمِ وَالتَّدرِيبِ ، دَورًا في شَحنِ النُّفُوسِ بِالخَيرِ وَإِشبَاعِهَا بِالفَضِيلَةِ ، وَشَحذِ الهِمَمِ نَحوَ القِيَمِ النَّبِيلَةِ وَتَحلِيَتِهَا بِالأَخلاقِ الجَمِيلَةِ ، وَقَد تَحتَاجُ نُفُوسٌ أُخرَى لِلمُنَاظَرَةِ وَالنِّقَاشِ وَالإِقنَاعِ لِتَرتَقِيَ وَتَتَّقِيَ ، غَيرَ أَنَّ نُفُوسًا أُخرَى كَثِيرَةً بَل هِيَ الأَكثَرُ ، إِنَّمَا هِيَ نُفُوسٌ طَمَّاعَةٌ خَطَّاءَةٌ ، أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ مُنجَرِفَةٌ لِلضَّلالِ بِأَيسَرِ الأَسبَابِ ، قَد لا يَكفِيهَا أَنَّهَا غُذِّيَت بِالخَيرِ يَومًا مَا ، وَقَد لا يَردَعُهَا عِلمُهَا بِحُرمَةِ أَمرٍ مَا ، بَل قَد تُعمِيهَا عَنِ الحَقِّ شُبهَةٌ ، وَتَقطَعُهَا عَنِ الخَيرِ شَهوَةٌ ، فَكَانَ لا بُدَّ حِينَ يَغِيبُ الرَّقِيبُ الدَّاخِلِيُّ أَو يَضعُفُ دَاعِي الخَيرِ ، مِن أَن يَكُونَ هُنَالِكَ رَقِيبٌ خَارِجِيٌّ قَوِيٌّ ، حَاضِرٌ في كُلِّ وَقتٍ وَمَشهَدٍ ، لِيَردَعَ تِلكَ النُّفُوسَ الشَّرِيرَةَ وَيُمسِكَهَا عَنِ التَّعَدِّي ، وَيُقَوِّمَ عِوَجَهَا وَيُصَحِّحَ انحِرَافَهَا ، وَإِنَّهُ لَولا ذَلِكَ لَمَا شُرِعَتِ الحُدُودُ وَالتَّعزِيرَاتُ ، وَلَمَا سُنَّتِ القَوَانِينُ وَالتَّشرِيعَاتُ ، وَلَمَا كَانَ هُنَالِكَ مَعنىً لِلأَنظِمَةِ وَالتَّعلِيمَاتِ .
إِنَّ نَفسَ الإِنسَانِ مَزِيجٌ مِنَ الخَوفِ وَالرَّجَاءِ ، وَخَلِيطٌ مِنَ الطَّمَعِ وَالفَزَعِ ، وَهِيَ بَينَ هَذَينِ كَالطَّائِرِ بَينَ جَنَاحَيهِ ، لَوِ اختَلَّ أَحَدُهُمَا لَعَجَزَ عَنِ الطَّيَرَانِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مَا نَرَاهُ في عَالَمِنَا اليَومَ مِنَ التَّهَاوُنِ بِخَطَأِ المُخطِئِ ، وَكَثرَةِ التَّجَاوُزِ عَنِ ذَنبِ المُتَعَمِّدِ ، وَالتَّمَادِي في العَفوِ عَنِ المُسِيءِ وَالمُجرِمِ ، وَعَدَمِ الأَخذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ وَرَدعِهِ بِالعُقُوبَاتِ اللاَّزِمَةِ ، وَتَحَوُّلِ أَصحَابِ السُّلطَةِ إِلى مُجَرَّدِ وَاعِظِينَ ، يَكتَفُونَ بِتَوجِيهِ النَّصَائِحِ وَبَثِّ الإِرشَادَاتِ ، مُتَخَلِّينَ عَمَّا في أَيدِيهِم مِن سُلطَةٍ عَلَى المُخطِئِ ، غَيرَ مُنَفِّذِينَ لِمَا يَجِبُ عَلَيهِم مِن عُقُوبَةٍ لِلمُتَجَاوِزِ ، إِنَّ هَذَا لَخَلَلٌ في فَهمِ النَّفسِ البَشَرِيَّةِ وَتَخَلٍّ عَنِ المَنهَجِ السَّوِيِّ لِتَربِيَتِهَا ، وَرِضًا لها بِالقُصُورِ وَالفُتُورِ وَالانحِرَافِ وَالانجِرَافِ ، وَلا يَعني هَذَا أَنَّنَا يَجِبُ أَن نَكُونَ جَلاَّدِينَ غَلِيظِينَ جُفَاةً ذَوِي فَضَاضَةٍ وَقُلُوبٍ غَلِيظَةٍ ، لا نَرحَمُ وَلا نَعفُو وَلا نَتَجَاوَزُ ، وَلا نُعطِي المُخطِئَ فُرصَةً لِلتَّصحِيحِ وَالعَودَةِ إِلى حِيَاضِ الصَّوَابِ ، أَو نَتَخَلَّى عَن دَعوَةِ الآخَرِينَ إِلى التَّحِلِّي بِمَكَارِمِ الأَخلاقِ ، لا واللهِ ، وَلَكِنَّنَا مَعَ كَونِنَا دُعَاةً لِلفَضَائِلِ مُرشِدِينَ إِلَيهَا مُرَبِّينَ عَلَيهَا ، يَجِبُ أَن نَكُونَ حُمَاةً لها بما مَلَّكَنَا اللهُ مِن سُلطَةٍ ، وَأَن نَذُبَّ عَنهَا بما حُمِّلنَا مِن أَمَانَةٍ ، وَنَذُودَ عَنهَا بما أُوتِينَا مِن قُوَّةٍ .
إِنَّ لَنَا في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ القَولِيَّةِ وَالعَمَلِيَّةِ لَخَيرَ قُدوَةٍ وَأَعظَمَ أُسوَةٍ ، فَقَد جَاءَ فِيهِمَا التَّوجِيهُ لِلنَّفسِ البَشَرِيَّةِ بَالتَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ ، وَذُكِّرَت بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَرُغِّبَت بِأَنوَاعٍ مِنَ النَّعِيمِ وَرُهِّبَت بِأَصنَافٍ مِن عَذَابِ الجَحِيمِ ، وَحِينَ جُعِلَت لها أَحكَامٌ تَسِيرُ عَلَيهَا في حَيَاتِهَا وَتَضبِطُ بها مُعَامَلاتِهَا ، فَقَد رُتِّبَ عَلَى وُقُوعِهَا في بَعضِ الأَخطَاءِ عُقُوبَاتٌ رَادِعَةٌ ، مِن جَلدٍ وَقَطعٍ وَقَتلٍ وَرَجمٍ ، وَتَعزِيرَاتٍ مَالِيَّةٍ وَتَغرِيبٍ وَحَبسٍ ، وَأُمِرَ مَن بِيَدِهِ الأَمرُ أَلاَّ تَأخُذَهُ في دِينِ اللهِ رَأفَةٌ ، وَأَلاَّ يَمنَعَهُ سَخَطُ أَحَدٍ مِن تَطبِيقِ شَرعِ اللهِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لِيَتَّقِ اللهَ الآبَاءُ في أَبنَائِهِم وَبَنَاتِهِم ، وَلْيَتَّقِ اللهَ القُضَاةُ في أَقضِيَتِهِم وَأَحكَامِهِم ، لِيَتَّقِ اللهَ رِجَالُ الأَمنِ في مَسؤُولِيَّاتِهِم وَمَا ائتُمِنُوا عَلَيهِ ، لِيَتَّقِ اللهَ مُدِيرُو المُؤَسَّسَاتِ حُكُومِيَّةً وَأَهلِيَّةً فِيمَا وُلُّوا مِن أُمُورِ المُسلِمِينَ ، فَإِنَّه لا يَقَعُ فَسَادٌ في الأَرضِ وَلا خَلَلٌ في النَّاسِ بِسَبَبِ ضَعفِ نُفُوسِهِم وَتَغَلُّبِ شَهَوَاتِهِم ، إِلاَّ وَكَانَ لِمَن حَولَهُم مِن أَصحَابِ المَسؤُولِيَّةِ نَصِيبٌ في استِمرَارِهِ وَبَقَائِهِ ، بَل وَتَعَقُّدِهِ وَتَمَادِي أَهلِهِ فِيهِ ، وَذَلِكَ لِتَقصِيرِهِم في مُعَاقَبَةِ الجَاني وَالأَخذِ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ ، وَقَدِيمًا قَالَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : إِنَّ اللهَ لَيَزَعُ بِالسُّلطَانِ مَا لا يَزَعُ بِالقُرآنِ . وَصَدَقَ اللهُ ـ تَعَالى ـ إِذْ قَالَ : " وَلَكُم في القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " فَاللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمرِنَا وَقُضَاتَنَا وَمَسؤُولِينَا لِتَطبِيقِ الحُدُودِ وَتَنفِيذِ الأَحكَامِ كَمَا جَاءَت مِن غَيرِ هَوَادَةٍ وَلا تَهَاوُنٍ ، اللَّهُمَّ وَاهدِ مَن جَعَلُوا أَنفُسَهُم لِلخَائِنِينَ خُصَمَاءَ يُحَاجُّونَ عَنهُم ، اللَّهُمَّ اهدِهِم لِلاقتِدَاءِ بِمَن أَمَرَهُ اللهُ فَقَالَ لَهُ : " إِنَّا أَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلخَائِنِينَ خَصِيمًا . وَاستَغفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا . وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَختَانُونَ أَنفُسَهُم إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا . يَستَخفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَستَخفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطًا . هَا أَنتُم هَؤُلاءِ جَادَلتُم عَنهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنهُم يَومَ القِيَامَةِ أَم مَن يَكُونُ عَلَيهِم وَكِيلاً "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَلا تَعصُوهُ ، وَلا يُغَرَّنَّكُم مَن لا يَرَونَ التَّقَدُّمَ إِلاَّ في الانحِلالِ وَالحُرِّيَّةِ الزَّائِفَةِ ، وَتَقلِيدِ الكُفَّارِ في مَفَاهِيمِهِم وَالأَخذِ بِعَادَاتِهِم ، مُنخَدِعِينَ بِمُنَظَّمَاتِهِمُ الَّتي يَدَّعُونَ فِيهَا الاهتِمَامَ بِحُقُوقِ الإِنسَانِ ، وَهُم وَرَبِّ الكَعبَةِ أَبعَدُ شَيءٍ عَنِ الإِنسَانِ وَحُقُوقِهِ . إِذْ لَو كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا يَدَّعُونَ ، لَقَامُوا لِهَذِهِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ الَّتي تُرَاقُ في بِلادِ الإِسلامِ لَيلاً وَنَهَارًا ، وَلَتَحَرَّكَت قُلُوبُهُم لِتِلكَ المَذَابِحِ وَالمَجَازِرِ الَّتي تُنتَهَكُ فِيهَا الإِنسَانِيَّةُ ، أَمَّا وَهُم لا يَقُومُونَ إِلاَّ مَعَ كُلِّ شَيطَانٍ مَرِيدٍ ، وَلا يَنتَصِرُونَ إِلاَّ لِكُلِّ مُجرِمٍ عَنِيدٍ ، وَلا يُجَادِلُونَ إِلاَّ عَن كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ وَخَصِيمٍ زَنِيمٍ ، فَمَا أَحرَاهُم أَن يَسكُتُوا وَتَخرَسَ أَلسِنَتُهُم ، وَأَن يُفسِحُوا المَجَالَ لِلقُرآنِ وَالسُّنَّةِ وَعُلَمَائِهَا وَوُلاتِهَا ؛ لِيَعفُوا عَمَّن يَستَحِقُّ العَفوَ ، وَيُقِيمُوا الحَدَّ عَلَى مَن تَجَاوَزَ وَبَغَى وَظَلَمَ وَطَغَى .
إِنَّ المُبَالَغَةَ في العَفوِ عَنِ المُجرِمِينَ لا تَقِلُّ خَطَرًا عَنِ المُبَالَغَةِ في عُقُوبَةِ البُرَآءِ ، فَكِلاهُمَا خُرُوجٌ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَصَدَقَ القَائِلُ :
إِذَا أَنتَ أَكرَمتَ الكَرِيمَ مَلَكتَهُ
وَإِنْ أَنتَ أَكرَمتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا
وَوَضعُ النَّدَى في مَوضِعِ السَّيفِ بِالعُلا
مُضِرٌّ كَوَضعِ السَّيفِ في مَوضِعِ النَّدَى
وَمَا قَتَلَ الأَحرَارَ كَالعَفوِ عَنهُمُ
وَمَن لَكَ بِالحُرِّ الَّذِي يَحفَظُ اليَدَا
كَيفَ بِأَذنَابِ الغَربِ وَأَتبَاعِ المَنَاهِجِ الفَاسِدَةِ ؟!
كَيفَ بِالمُنَافِقِينَ وَالبَاطِنِيِّينَ ؟!
وَإِنَّنَا إِذَا اكتَفَينَا بِالتَّذكِيرِ بِالأَخلاقِ وَالعَفوِ عَن كُلِّ جَانٍ مَهمَا أَسَاءَ أَو تَجَاوَزَ ، فَلَن تَبقَى لِلقَوَانِينِ وَالأَنظِمَةِ فَضلاً عَنِ الحُدُودِ وَالتَّعزِيرَاتِ فَائِدَةٌ !!
إِنَّ ثَمَّةَ مَن قَد لا تَنفَعُ فِيهِ مَوَاعِظُ القُرآنِ وَتَوجِيهَاتُهُ ، وَلا تُحَرِّكُ مَوَاعِظُ السُّنَّةِ في قَلبِهِ سَاكِنًا ، إِنَّهُم أُولَئِكَ الَّذِينَ قَسَتْ قُلُوبُهُم وَتَجَمَّدَ شُعُورُهُم ، وَخَرَجُوا عَن عُبُودِيَّةِ رَبِّهِم بَل عَن إِنسَانِيَّتِهِم ، فَعَادُوا إِلى سِيَاطِ الشَّرِيعَةِ وَالنِّظَامِ أَحوَجَ مِنهُم لِرَصفِ الكَلامِ ؛ لِيَستَيقِظُوا مِن سُبَاتِهِم وَيَنتَبِهُوا مِن غَفَلاتِهِم ، أَو لِيَرتَدِعَ غَيرُهُم وَيَأخُذَ مِنهُمُ العِبرَةَ وَالعِظَةَ .
فَنَسأَلُ اللهَ أَن يُوَفِّقَ وُلاتِنَا لإِقَامَةِ حُدُودِ اللهِ عَلَى المُرتَدِّينَ وَالمُستَهزِئِينَ بِالدِّينَ ، وَأَن يَكفِيَ بِلادَنَا شَرَّ كُلِّ مُلحِدٍ وَمُفسِدٍ ، مِنَ المُتَلاعِبِينَ بِعُقُولِ النَّاسِ وَأَموَالِهِم وَأَخلاقِهِم وَأَعرَاضِهِم .
المشاهدات 6333 | التعليقات 12
وإن شاء الله تكون نفس الخطبة التي كنت أبحث عنها
من العنوان أحس أنها هي
تبقى يا شيخ عبدالله علامة فارقة في المنتدى
الله لايحرمك الأجر شيخنا الفاضل
على خطبك التي تحاكي الواقع فتعالج الخلل
فماتكتب سيكون على أكثر من منبر فكم من الأجر سيأتيك ؟
في انتظارها كتب الله لك عظيم الأجر
:d:d:d
قد يكون من ذلك شيء يسير ـ أخي الشيخ ماجد ـ وقد يكون سؤال الإخوة هو الذي دفعني للإعلان ليهدؤوا قليلاً ويطمئنوا ، فشكر الله لهم إحسان ظنهم بأخيهم المقصر ، وجعلنا وإياهم جميعًا خيرًا مما يظن بنا ، وغفر لنا ما لا يعلمه عنا غيره ، وأدام علينا ستره في الدنيا والآخرة .
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/بين%20مواعظ%20القرآن%20وسياط%20السلطان.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/بين%20مواعظ%20القرآن%20وسياط%20السلطان.doc
جزاك الله خير وبارك فيك شيخنا
والله يكتب أجرك
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا شيخ عبدالله
عوض القحطاني
سددك الله وفتح عليك ونفع بك ياشيخ
في انظارك على احر من الجمر
تعديل التعليق