خطبة بمناسبة اختطاف موظف السفارة في اليمن 6/6/1433هـ

1433/06/05 - 2012/04/26 09:04AM
خطبة بمناسبة اختطاف موظف السفارة في اليمن 6/6/1433هـ
للشيخ محد الشرافي
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ , الْحَمْدُ للهِ الذِي يَرْفَعُ بِهَذَا الدِّينِ أَقْوَامَاً وَيَضَعُ بِهِ آخَرِين ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ الذَّاكِرِين . وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وليُّ الصَّالِحِين ، قَضَى بِسُنَّتِهِ أَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلَّمُتَّقِين ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ إِلَى الْعَالَمِين ، لَمْ يَكُنْ فَظَّاً وَلا غَلِيظَ الْقَلْبِ بَلْ كَانَ رَؤُوفَاً رَحِيمَاً بِالْمُؤْمِنِين ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ جَاهَدَ وَصَابَرَ وَرَابَطَ وَعَاقَبَ الْخَائِنِين ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللهِ : أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ ، وَالثِّقَةِ بِهِ جَلَّ وَعَلا ، وَبِصِدْقِ وَعْدِهِ ، فَإنَّهُ سُبْحَانَهُ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِ ، وَتَوَعَّدَ الْمُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ بِعَذَابِ السَّعِير.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ [في َحَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنَى] , فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟) قَالُوا : يَوْمٌ حَرَامٌ ! قَالَ (فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟) قَالُوا : بَلَدٌ حَرَامٌ ! قَالَ (فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟) قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ ! قَالَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ , كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ) فَأَعَادَهَا مِرَارًا , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ , فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)
فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُبَيِّنُ عَظِيمَ حُرْمَةِ الْمُؤْمِنِ , فَلا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَرَّضَ لَهُ بِسُوءٍ إِلَّا بِحَقَّهِ , وَذَلِكَ أَنَّ الإسْلامَ يَعْصِمُ الْمُسْلِمَ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ , لِكَرَامَتِهِ عَلَى اللهِ !
وَاسْتَمِعُوا إِلَى هَذِه الْقِصَّةِ التِي تُبَيِّنُ هَذَا الأَمْرَ جَلِيَّاً : فَعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَإِنَّهُمْ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ , وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ – قَالَ : وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ! فَقَتَلَهُ ! فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ , حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ ! فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ (لِمَ قَتَلْتَهُ ؟ ) قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ , وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا , وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَقَتَلْتَهُ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ! قَالَ (فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي ! قَالَ (وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ ) قَالَ : فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ (كَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ[قبيلة من جهينة] , فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ , وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ! فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ , فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ , فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ؟) قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ !
فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الْحَادِثَةَ فِي رَجُلٍ كَانَ مُشْرِكَاً , بَلْ قَدْ أَسْرَفَ وَكَثُرَ أَذَاهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ عَدَدَاً مِنْهُمْ , لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ , ارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ , وَعَصَمَ نَفْسَهُ وَدَمَه ! فَكَيْفَ يَتَجَرَّأُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى انْتِهَاكِ الأرْوَاحِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِين ؟ كَيْفَ يَتَجَرَّؤُونَ عَلَى قَتْلِ أُنَاسٍ أَمْضَوْا عُقُودَاً مِنْ أَعْمَارِهِمْ فِي الإِسْلامِ , يَرْكَعُونَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْجُدُونَ ؟ هَلْ هَذَا إِلَّا مِنَ الْجَهْلِ الْمُطْبَقِ وَمِنَ الْعَمَى فِي وَضحِ النَّهَارِ !
إِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ , وَمُوبِقَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ , وَمُهْلِكَةٌ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ , وَالسِّحْرُ , وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ , وَأَكْلُ الرِّبَا , وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ , وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ , وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه
إِنَّ مَنْ تَجَرَّأَ عَلَى إِزْهَاقِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ أَوْ إِيذَائِهِ فَقَدْ أَعْلَنَ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّمَارِ , وَهَيَّأَهَا لِعِقَابِ اللهِ الدُّنْيَوِيِّ وَالأُخْرَوِيِّ , فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ أَيُّ ذَنْبٍ وَقَعَ مِنْهُ كَانَ لَهُ فِي الدِّينِ وَالشَّرْعِ مَخْرَجٌ إِلَّا الْقَتْلَ , فَإِنَّ أَمْرَهُ صَعْبٌ !
وَيُوضِحُ هَذَا مَا فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ : إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمُورِ الَّتِى لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا : سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ . [وَالوَرْطَةُ هِيَ كُلُّ بَلاءٍ لا يَكَادُ صَاحِبُهُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ !]
فَأَيْنَ أُولَئِكَ الذِينَ يَتَجَرَّؤُونَ عَلَى حَمْلِ السِّلاحِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ , وَتَرْوِيعِ الآمِنِينَ , وَقَتْلِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ أَيْنَ هَؤُلاءِ مِنَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَمَا يَأْتِي الْمَقْتُولُ بِرَأْسِهِ بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُطَالِبَ بِدَمِه ؟
فَعَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (يَجِيءُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ يَقُولُ : رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي ؟ ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الذِي يُرِيدُ النَّجَاةَ , اتَّقِ اللَّهَ , وَاحْذَرِ الدِّمَاءَ , وَاحْذَرْ مِنْ إِغْرَاءِ السُّفَهَاءِ لَكَ بِأَنَّ هَذِهُ رُجُولَةٌ أَوْ شَجَاعَةٌ , وَكُنْ فِي سَلامَةٍ وَاسْأَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ , وَتَجَنَّبِ الفِتَنَ وَمَوَاطِنَهَا !
عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ وَوَقَانَا شَرَّ أَنْفُسِنَا وَالشَّيْطَانِ , أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ , وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ !
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللهَ قَضَى بِحِكْمَتِهِ أَنَّ النَّاسِ لا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ , وَأَنَّ الْحَقَّ يَلْتَبِسُ بِالْبَاطِلِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَيَظُنُّونَ الْبَاطِلَ حَقَّاً وَالْخَطَأَ صَوَابَاً , وَرُبَّمَا اسْتَدَلُّوا بِبَعْضِ نُصُوصِ الْوَحْيِ عَلَى مَا يَفْعَلُون !
وَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ : مَسْأَلَةَ الْجِهَادِ , وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ , وَإِنَّهُ مِمَّا لا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ ذَرْوَةُ سَنَامِ الإسْلامِ , وَهُوَ كَسْرٌ للأَعْدَاءِ و وَحمِايَةٌ لِلدِّينِ وَعِزَّةٌ لِلْمُسْلِمينَ !
وَمِثْلُهُ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ , فَهُوَ شِعَارُ الأُمَّةِ وَمِيزَتُهَا بَيْنَ الأُمَمِ , وَهُوَ صِمَامُ الأَمَانِ بِإِذْنِ اللهِ لِهَذَا الدِّينِ , وَسِيَاجٌ لِحُرُمَاتِ اللهِ أَنْ تُنْتَهَكَ , وَسُورٌ لِوَاجِبَاتِهِ أَنْ تُتْرَكَ !
وَلَكِنْ : لِكُلٍّ مِنْ هَاتَينِ الشَّعِيرَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ ضَوَابِطُ وَشُرُوطُ ذَكَرَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَدَوَّنُوهُا فِي كُتُبِهِم , أَخَذُوهَا مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ! وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّهُ بِسَبَبِ جَهْلِ بَعْضِ الْمُتَحَمِّسِينَ لِنُصْرَةِ الدِّينِ اسْتَخْدَمُوا هَاتَيْنِ الشَّعِيرَتَيْنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمَا , وَأَسَاؤُوا التَّصَرُّفَ فِيهِمَا , حَتَّى اسْتَغَلَّ ذَلِكَ أَعْدَاءُ الإسْلامِ وَلا سِيَّمَا الْمُنَافِقِينَ مِنَ اللِّيبِرَالِيِّين وَالْعَلْمَانِيِّينَ فَأَجْلَبُوا بِخَيْلِهِمْ وَرَجِلِهِمْ , وَقَالُوا هَذَا هُوَ الإسْلامُ ! مِمَّا أَحْدَثَ خَلْخَلَةً فِي صُفُوفِ أَهْلِ الإِيمَانِ بِسَبَبِ هَذَا الإِرْجَافِ الذِي مَصْدَرُهُ فِي الوَاقِعِ هُوَ أَهْلُ الْجَهْلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَإِنَّنَا قَدْ فُوجِئْنَا مُؤَخَّرَاً بِعَمَلٍ إِجْرَامِيٍّ حَدَثَ لِأَحَدِ الْمَسْؤُولِينَ فِي السِّفَارَةِ السُّعُودِيِّةِ فِي بِلادِ الْيَمَنِ الشَّقِيقَةِ , حَيْثُ قَامَتْ زُمْرَةٌ بِاخْتِطَافِهِ ثُمَّ بِالْمُسَاوَمَةِ عَلَيْهِ بِمَطَالِبَ ظَاهُرُهَا الصَّلاحُ وَبَاطِنُهَا السُّمُّ الزُّعَافُ ! ثُمَّ التَّهْدِيدُ بِقَتْلِهِ وَالتَّوَعُّدُ بِتَفْجِيرِ السِّفَارَةِ السُّعُودِيُّةِ هُنَاكَ !!! فَيَا أَسَفَاهُ أَنْ تَقَعَ هَذِهِ الأَفْعَالُ مِنْ أُنَاسِ يُمَثِّلُونَ الإْسْلامَ بِهَيْئَاتِهِمْ وَبِأَقْوَالِهِمْ , ثُمَّ إِنَّ أَفْعَالَهُمْ تُخَالِفُ الدِّينَ , وَيَنْصَبُّ جُهْدُهُمْ فِي مُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ , وَلا نَقُولُ إِلَّا : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
وَأَمَّا مُطَالَبَاتُهِمْ التِي يَسْتَعْطِفُونَ بِهِ الْجَمَاهِيرَ وَيُهْيِجُونَ بِهَا ضِعَافَ النُّفُوسِ , فَجُلُّهَا أُمُورٌ إِعْلامِيَّةٌ , وَحَرَكَاتٌ دِعَائِيَّةٌ !
وَمَا يَزْعُمُونَهُ مِنْ وُجُودِ مَظْلُومِينَ فِي سُجُونِ الدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّةِ فَهَذَا أَمْرٌ عَارٍ مِنَ الصِّحَّةِ , فَالدَّوْلَةُ لا تَتَعَرَّضُ إِلَّا لِمَنْ عَمِلَ مَا يَسْتَحِقُّ الْمُحَاسَبَةِ , وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هُنَاكَ بَعْضَ مَنْ ظُلِمَ أَوْ أُسِيئَ فَهْمُ تَصَرُّفِهِ , فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رِفْعَةً فِي دَرَجَاتِهِ وَتَكْفِيرَاً لِسَيِّئَاتِهِ ! ثُمَّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ يُطَالِبُ بِرَفْعِ الظُّلْمِ , بَلْ لِلْمُطَالَبَةِ طُرُقُهَا وَلِرَفْعِ الظُّلْمِ سَبِيلُهُ ! ثُمَّ مَا ذَنْبُ هَذَا الْمُوَظَّفِ ؟ هَلْ هُوَ الذِي سَجَنَ مَنْ يَدَّعُونَ ظُلْمَهُمْ , أَوْ الذِي أَمَرَ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَفُكَّ أَسْرَهُ , وَأَنْ يَحْفَظَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ , وَأَنْ يَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ سَالِمَاً , وَأَنْ يَكْفِيَ الْمُسْلِمينَ شَرَّ هَذِهِ الْفِئَةِ الْمُعْتَدِيَةِ وَأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى رُشْدَهُمْ , وَأَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ , وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ !
المشاهدات 1635 | التعليقات 0