خطبة : ( بقية العشر ويوم النحر وأيام التشريق )

عبدالله البصري
1445/12/07 - 2024/06/13 13:22PM

بقية العشر ويوم النحر وأيام التشريق   8/ 12/ 1445

 

 

الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا زِلنَا في أَيَّامٍ هِيَ أَفضَلُ الأَيَّامِ ، وَالأَعمَالُ الصَّالِحَةُ فِيهَا أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنهَا في غَيرِهَا ، مِنَّا مَن صَامَ وَصَلَّى وَقَامَ ، وَمِنَّا مَن تَصَدَّقَ وَبَذَلَ وَأَنفَقَ ، وَمِنَّا مَن لَهَجَ لِسَانُهُ بِالذِّكرِ وَالدُّعَاءِ عَلَى كُلِّ أَحوَالِهِ ، وَمِنَّا مَنِ اشتَغَلَ بِالدَّعوَةِ إِلى اللهِ وَنَشرِ العِلمِ بِلِسَانِ حَالِهِ وَمَقَالِهِ ، وَمِنَّا مَن وَفَّقَهُ اللهُ فَخَرَجَ حَاجًّا بَيتَ اللهِ ، وَكُلُّ أُولَئِكُم قُرُبَاتٌ وَأَعمَالٌ صَالِحَاتٌ ، لا يُوَفَّقُ إِلَيهَا إِلاَّ مَن أَرَادَ وَجهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، وَاللهُ لا يُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً ، وَلا يُخَيِّبُ مَن عَظُمَ فِيهِ أَمَلُهُ وَامتَدَّ رَجَاؤُهُ ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " عَلَيكَ بكَثرَةِ السُّجُودِ للهِ ، فَإِنَّكَ لا تَسجُدُ للهِ سَجدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بها دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئَةً " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " أَحَبُّ الكَلامِ إِلى اللهِ أَربَعٌ : سُبحَانَ اللهِ ، وَالحَمدُ للهِ ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللهُ أَكبَرُ ، لا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأتَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَعَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ إِلاَّ بُشِّرَ ، وَلا كَبَّرَ مُكبِّرٌ قَطُّ إِلاَّ بُشِّرَ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بِالجَنَّةِ ؟! قَالَ : " نَعَمْ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ لِغَيرِهِ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن تَصَدَّقَ بِعَدلِ تَمرَةٍ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ ، وَلا يَقبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُم فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثلَ الجَبَلِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَعَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ ، مُرْني بِعَمَلٍ . قَالَ : " عَلَيكَ بِالصَّومِ فَإِنَّهُ لا عَدلَ لَهُ " قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ ، مُرْني بِعَمَلٍ . قَالَ : " عَلَيكَ بِالصَّومِ فَإِنَّهُ لا عَدلَ لَهُ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " مَن حَجَّ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، غَدًا يَومُ عَرَفَةَ ، وَمَا أَدرَاكُم مَا يَومُ عَرَفَةَ ، إِنَّهُ اليَومُ المَشهُودُ ، الَّذِي أَكمَلَ اللهُ فِيهِ الدِّينِ وَأَتَمَّ عَلَى عِبَادِهِ النِّعمَةَ ، يَومٌ يُبَاهِي اللهُ تَعَالى فِيهِ مَلائِكَتَهُ بِعِبَادِهِ في الأَرضِ ، وَيَغِيظُ أَكبَرَ أَعدَائِهِم وَأَعظَمَهُم شَرًّا وَهُوَ إِبلِيسُ ، بِمَا يُعتِقُهُ فِيهِ مِن رِقَابِهِم وَمَا يُقِيلُهَ مِن عَثَرَاتِهِم ، وَمَا يَغفِرُهُ مِن سَيِّئَاتِهِم وَيَمحُوهُ مِن زَلاَّتِهِم ، عَن عَائِشَةَ رضي اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِن يَومٍ أَكثَرُ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثم يُبَاهِي بهم المَلائِكَةَ فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ . إِنَّهُ يَومُ التَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : " خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ ، وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي : لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " رَواهُ التَّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الألبَانِيُّ . فَحَقٌّ عَلَى المُسلِمِينَ أَن يُعَظِّمُوا يَومَ عَرَفَةَ وَأَن يَصُومُوهُ ؛ لِيَسعَدُوا مِن رَبِّهِم بِتَكفِيرِ ذُنُوبِهِم سَنَتَينِ كَامِلَتَينِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ : " صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعدَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ، وَبَعدَ عَرَفَةَ تُختَمُ العَشرُ بِيَومٍ عَظِيمٍ هُوَ يَومُ النَّحرِ ، الَّذِي هُوَ أَحَدُ عِيدَينِ عَظِيمَينِ ، لَيسَ لِلمُسلِمِينَ عِيدٌ شَرعِيٌّ سِوَاهُمَا ، عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَلَهُم يَومَانِ يَلعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ : " مَا هَذَانِ اليَومَانِ ؟! " قَالُوا : كُنَّا نَلعَبُ فِيهِمَا في الجَاهِلِيَّةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " قَد أَبدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيرًا مِنهُمَا : يَومَ الأَضحَى وَيَومَ الفِطرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثم يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ الإِمامُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَيَومُ القَرِّ هُوَ الحَادِيَ عَشَرَ ، وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ التَّشرِيقِ الثَّلاثَةِ ، الَّتي قَالَ فِيهَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرِ اللهِ " رَوَاهُ مُسلمٌ . إِنَّهَا أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ ، وَمَوَاقِيتُ لِلطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ ، فَاحمَدُوا اللهَ تَعَالى عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيكُم وَاشكُرُوهُ ، وَاعمُرُوا أَوقَاتَكُم بِطَاعَتِهِ وَاذكُرُوهُ ، وَصُومُوا يَومَ عَرَفَةَ ، وَاشهَدُوا صَلاةَ العِيدِ ، وَضَحُّوا وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَأَكثِرُوا مِن ذِكرِ اللهِ وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ . لَكُم فِيهَا مَنَافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلى البَيتِ العَتِيقِ . وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنَا مَنسَكًا لِيَذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَإِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسلِمُوا وَبَشِّرِ المُخبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُم وَالمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ . وَالبُدنَ جَعَلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُم فِيهَا خَيرٌ فَاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَت جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا القَانِعَ وَالمُعتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرنَاهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَبَشِّرِ المُحسِنِينَ "

 

 

الخطبة الثانية :

أمَّا بعدُ ، فاتَّقوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ وَفَضلِهِ وَلا تَكفُرُوهُ " وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ ذَبحَ الأَضَاحي في يَومِ العِيدِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ ، إِنَّهُ لَمِن أَعظَمِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَأَجَلِّ القُرُبَاتِ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ " وَقَالَ تَعَالى : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " وَقَد قَالَ بِوُجُوبِ الأُضحِيَةِ عَلَى المُقتَدِرِ عَدَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ ؛ لِقَولِهَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلم يُضَحِّ فَلا يَقرَبَنَّ مُصَلاَّنَا " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الألبَانِيُّ . فَاحرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى الأُضحِيَةِ ، وَلا يَمنَعَنَّكُم مِنهَا أَن تَرتَفِعَ أَسعَارُهَا فَتَجعَلُوا ذَلِكَ مُسَوِّغًا لِتَركِهَا ، فَإِنَّنَا نَرَى في الوَاقِعِ أَموَالاً كَثِيرَةً تُنفَقُ وَتُهدَرُ لِتَحقِيقِ رَغَبَاتِ النُّفُوسِ وَتَحصِيلِ مُشتَهَيَاتِهَا ، وَالظُّهُورِ أَمَامَ النَّاسِ بِالمَظَاهِرِ الَّتي لا غَايَةَ لَهَا إِلاَّ استِجلابُ مَدحِهِم وَثَنَائِهِم ، في أَسَفارٍ أَو وَلائِمِ تَفَاخُرٍ وَتَكَاثُرٍ ، أَوِ استَجَابَةً لِنِدَاءِ القَبِيلَةِ أَو حَيَاءً مِنَ العَشِيرَةِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ، وَتَعَلَّمُوا أَحكَامَ الأُضحِيَةِ وَضَحُّوا وَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَأَهدُوا ، وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ وَأَلِينُوا الكَلامَ وَصِلُوا الأَرحَامَ ، وَاجعَلُوا مِن أَيَّامِ عِيدِكُم أَيَّامَ طَاعَةٍ وَتَوَاصُلٍ وَتَرَاحُمٍ وَتَزَاوُرٍ وَاجتِمَاعٍ عَلَى مَا يُرضِي اللهَ .

المرفقات

1718274112_بقية العشر ويوم النحر وأيام التشريق.docx

1718274112_بقية العشر ويوم النحر وأيام التشريق.pdf

المشاهدات 1340 | التعليقات 0