خطبة بعنوان "القلم" للشيخ ناصر الأحمد
وائل عبدالله باجروان
1430/10/18 - 2009/10/07 11:51AM
هذه خطبة الشيخ ناصر الأحمد حفظه الله بعنوان: القلم
http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=2440
أما بعد:
قال الله تعالى: إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((من أشراط الساعة ظهور القلم)).
القلم أداة الكتابة، بها يعبر الشخص عما في نفسه، وعن طريقها يُكتب العلم ويُنشر، ويقال للشخص صاحب الكتابات الرصينة النافعة، فلان صاحب قلم، ويقال لعكسه: ألا فليكسر القلم.
أيها المسلمون: والأقلام عديدةٌ ومتنوعة، وأيضاً متفاوتة في الرتب:
فالقلم الأول: وهذه أعلاها وأجلّها قدراً ألا وهو قلم القدر الذي كتب الله به مقادير الخلائق، كما في سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: يارب وما أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شيئ حتى تقوم الساعة)). فهذا القلم أول الأقلام وأفضلها وأجلها، وقد قال غير واحد من السلف أنه القلم الذي أقسم الله به في قوله جل شأنه: ن والقلم وما يسطرون .
عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَمَلُ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِي أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ؟ قَالَ: ((بَلْ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ)) رواه ابن ماجة. وعنده أيضاً قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِي ظُلْمَةٍ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ نُورِهِ مَا شَاءَ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَصَابَ النُّورُ مَنْ شَاءَ، أَنْ يُصِيبَهُ وَأَخْطَأَ مَنْ شَاءَ فَمَنْ أَصَابَهُ النُّورُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَ يَوْمَئِذٍ ضَلَّ، فَلِذَلِكَ قُلْتُ: جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ)).
القلم الثاني: قلم الوحي، وهو الذي يُكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله. وأصحاب هذا القلم هم الحكّام على العالم، والعالم خدم لهم، وإليهم الحل والعقد، والأقلام كلها خدم لأقلامهم، وقد رُفع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوحيه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبر بها العالم العلوي والسفلي.
القلم الثالث: قلم التكليف، وهو القلم الموضوع على العبد عند بلوغه، وهذا القلم بأيدي الكرام الكاتبين، وهم الملائكة الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم، ويرفع هذا القلم كما نعلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق. وبالمناسبة فلهذا الحديث قصة يحسن أن تذكر في هذا المقام رواها الإمام أحمد في مسنده، وهو أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا فَذَهَبُوا بِهَا لِيَرْجُمُوهَا فَلَقِيَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا هَذِهِ قَالُوا: زَنَتْ فَأَمَرَ عُمَرُ بِرَجْمِهَا فَانْتَزَعَهَا عَلِيٌّ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَرَدَّهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا رَدَّكُمْ قَالُوا: رَدَّنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا عَلِيٌّ إِلَّا لِشَيْءٍ قَدْ عَلِمَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ فَجَاءَ وَهُوَ شِبْهُ الْمُغْضَبِ فَقَالَ: مَا لَكَ رَدَدْتَ هَؤُلَاءِ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ)) قَالَ بَلَى: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنَّ هَذِهِ مُبْتَلَاةُ بَنِي فُلَانٍ، فَلَعَلَّهُ أَتَاهَا وَهُوَ بِهَا فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: وَأَنَا لَا أَدْرِي فَلَمْ يَرْجُمْهَا. رواه أحمد.
قال شيخ الاسلام: والمجنون إذا صال ولم يندفع صياله إلا بقتله قتل، بل البهيمة إذا صالت ولم يندفع صيالها إلا بقتلها قتلت، وإن كانت مملوكة لم يكن على قاتلها ضمان للمالك عند جمهور العلماء. وحديث رفع القلم عن ثلاثة إنما يدل على رفع الإثم ولا يدل على منع الحد إلا بمقدمة أخرى وهي أن يقال من لا قلم عليه لا حد عليه، وهذه المقدمة فيها خفاء فإن من لا قلم عليه قد يعاقب أحيانا ولا يعاقب أحيانا والفصل بينهما يحتاج إلى علم خفي، ولو استكره المجنون امرأة على نفسها ولم يندفع إلا بقتله فلها قتله، بل عليها ذلك بالسنة واتفاق أهل العلم. انتهى.
وهناك رفع مؤقت لهذا القلم رحمة من الله للعبد المذنب أن يرجع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن صاحب الشمال – يعني الملك الذي عن شمال العبد المختص بكتابة السيئات – ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسئ، فإن ندم واستغفر منها ألقاها، وإلا كتب واحدة)).
القلم الرابع: قلم التوقيع عن الله ورسوله، وهو قلم الفقهاء والمفتين، وهذا القلم أيضاً حاكم غير محكوم عليه، فإليه التحاكم في الدماء والأموال والفروج والحقوق، وأصحابه مخبرون عن الله بحكمه الذي حكم به بين عباده، وأصحابه حكام وملوك على أرباب الأقلام، وأقلام العالم خدم لهذا القلم. إن هذا القلم ينبغي له أن لايحابي أحداً، وأن لا يداهن، لأنه قلم التوقيع عن رب العالمين، وعن سيد الأولين والآخرين، فهو القلم الذي عن طريقه يعرف الناس الحلال من الحرام، وما يجب عليهم وما لا يجب، ولو قيّد حرية هذا القلم وأحيط بضغوط وقع الظلم والفوضى الذي لا أول له ولا آخر، وما عرف الناس مراد الله ورسوله في هذه القضية أوتلك المسألة. فيا من حملكم الله مسئولية وأمانة هذا القلم، وهو التوقيع عنه: اتقوا الله تعالى فإنه قلم لايُأخذ إلاّ بحقه، وحقُه ألاّ يخشى صاحبه في الله لومة لائم، وإلاّ فليدع القلم. قال الله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهولاً .
القلم الخامس: قلم التوقيع عن الملوك ونوابهم، وأصحاب هذه الأقلام لهم مكانة لأنهم المشاركون للملوك في تدبير الدول، فإن صلحت أقلامهم صلحت المملكة، وإن فسدت أقلامهم فسدت المملكة، وأقلامهم هي الواسطة بين الملوك ورعاياهم. أصحاب هذه الأقلام هم وزراء السلطان ونوابه، عن أقلامهم تصدر قرارات الدول، وعن طريقهم تنفذ أو تلغى، ولا يقل أهمية ومسؤلية أصحاب هذه الأقلام عن سابقهم، فأولئك يوقعون عن الله في أمور الشرع، وهؤلاء يوقعون عن السلطان في سياسة الدنيا بحسب ما أمر به الشرع، فهو قلم عظيم، ولا يعطى إلا صاحب دين متين وفقه بأحكام الشرع ليس باليسير. قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم .
القلم السادس: قلم الحساب، وهو القلم الذي تضبط به أموال الميزانيات، مستخرجها ومصاريفها ومقاديرها، وما دخل ومن أين؟ وما خرج وإلى أين؟ وهذا القلم مبناه على الصدق والعدل والأمانة، فإذا كذب هذا القلم وظلم، وأخفى ودلّس، فسد أمر الناس، وضاعت الحقوق، ولذا لايعطى هذا القلم إلا لضابط للحساب، ومستعدٌ ليوم الحساب.
القلم السابع: قلم الشهادة، وهو القلم الذي تحفظ به الحقوق، وتصان عن الإضاعة، وتحول بين الفاجر وإنكاره، هذا القلم، يُصدّق الصادق، ويُكذّب الكاذب، ويشهد للمحق بحقه، وعلى المبطل بباطله، وهو الأمين على الدماء والفروج والأموال والأنساب والحقوق، ومتى خان هذا القلم فسد العالم أعظم فساد، وباستقامته يستقيم أمر العالم، ومبناه على العلم وعدم الكتمان. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَبَائِرِ قَالَ: ((الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّور))ِ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَه)) رواهما البخاري.
القلم الثامن: وهو قلم التعبير، وهو كاتب وحي المنام وتفسيره وتعبيره وما أُريد منه، وهو قلم شريف جليل، مترجم للوحي المنامي، كاشف له، وهو من الأقلام التي تصلح للدين والدنيا، وهو يعتمد على طهارة صاحبه ونزاهته وأمانته، وتحريه للصدق، والطرائق الحميدة، والمناهج السديدة، مع علم راسخ، وصفاء باطن، وحس مؤيد بالنور الإلهي، ومعرفةً بأحوال الخلق وهيآتهم وسيرهم، وهو من ألطف الأقلام، وأعمها جولاناً، وأوسعها تصرفاً، وأشدها تشبثاً بسائر الموجودات، فتصرف هذا القلم في المنام، هو محل ولايته، وكرسي مملكته وسلطانه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة)). رواه البخاري. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يعبّر الرؤى لأصحابه، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْم)). رواه البخاري. وعنده أيضاً قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَدُهُمَا: الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالْآخَرُ: مُسَيْلِمَةُ)). وعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ)). رواه البخاري. وهناك باب كامل في صحيح البخاري عن الرؤى وتعبير النبي صلى الله عليه وسلم لها يمكن من أرادها أن يرجع إليها.
القلم التاسع: قلم التاريخ، يكتب تاريخ العالم ووقائعها، ميلادها ووفاتها وهو القلم الذي تضبط به الحوادث، وينتقل من أمة إلى أمة، ومن قرنٍ إلى قرن، لايدع شيئاً من تاريخ الدول إلا سجلها، ولا حدثاً إلا حفظها، فلا يمكن أن ينافق، ولا أن يُخفي، وما فاته قلم مؤرخ، سطره قلم آخر، إنه القلم الذي يحصر ما مضى من العالم وحوادثه في الخيال، وينقشه في النفس حتى كأن القارئ للتاريخ يرى ذلك ويشهده، إن هذا القلم قلم العجائب، لأنه يعيد لك العالم في صورة الخيال فتراه بقلبك، وتشاهده ببصيرتك، والسعيد من وعظ بغيره.
يا جامعي حطب التاريخ في قلم لا تحرقون سوى الأيدي بلا حذر
هلا وعيتم دروس الأمس دامية هلا استجبتم لضم القـوس للوتـر
فالقلب إن يعرف الايمان نبضته كان الجناحان ملئ السمع والبصر
القلم العاشر: قلم اللغة، وهذا القلم يشرح معاني ألفاظ اللغة وتصريفها، وأسرار تراكيبها، وما يتبع ذلك من أحوالها ووجوهها، وأنواع دلالاتها، وهو قلم التعبير عن المعاني باختيار أحسن الألفاظ، وأعذبها وأسهلها وأوضحها، وهذا القلم واسع جداً بحسب سعة الألفاظ وكثرة مجاريها وتنوعها، وبحسب صاحب القلم مما أعطاه الله من ملكة واستحضار.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه. . .
http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=2440
الخطبة الأولى
أما بعد:
قال الله تعالى: إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((من أشراط الساعة ظهور القلم)).
القلم أداة الكتابة، بها يعبر الشخص عما في نفسه، وعن طريقها يُكتب العلم ويُنشر، ويقال للشخص صاحب الكتابات الرصينة النافعة، فلان صاحب قلم، ويقال لعكسه: ألا فليكسر القلم.
أيها المسلمون: والأقلام عديدةٌ ومتنوعة، وأيضاً متفاوتة في الرتب:
فالقلم الأول: وهذه أعلاها وأجلّها قدراً ألا وهو قلم القدر الذي كتب الله به مقادير الخلائق، كما في سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: يارب وما أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شيئ حتى تقوم الساعة)). فهذا القلم أول الأقلام وأفضلها وأجلها، وقد قال غير واحد من السلف أنه القلم الذي أقسم الله به في قوله جل شأنه: ن والقلم وما يسطرون .
عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَمَلُ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِي أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ؟ قَالَ: ((بَلْ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ)) رواه ابن ماجة. وعنده أيضاً قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِي ظُلْمَةٍ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ نُورِهِ مَا شَاءَ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَصَابَ النُّورُ مَنْ شَاءَ، أَنْ يُصِيبَهُ وَأَخْطَأَ مَنْ شَاءَ فَمَنْ أَصَابَهُ النُّورُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَ يَوْمَئِذٍ ضَلَّ، فَلِذَلِكَ قُلْتُ: جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ)).
القلم الثاني: قلم الوحي، وهو الذي يُكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله. وأصحاب هذا القلم هم الحكّام على العالم، والعالم خدم لهم، وإليهم الحل والعقد، والأقلام كلها خدم لأقلامهم، وقد رُفع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوحيه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبر بها العالم العلوي والسفلي.
القلم الثالث: قلم التكليف، وهو القلم الموضوع على العبد عند بلوغه، وهذا القلم بأيدي الكرام الكاتبين، وهم الملائكة الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم، ويرفع هذا القلم كما نعلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق. وبالمناسبة فلهذا الحديث قصة يحسن أن تذكر في هذا المقام رواها الإمام أحمد في مسنده، وهو أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا فَذَهَبُوا بِهَا لِيَرْجُمُوهَا فَلَقِيَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا هَذِهِ قَالُوا: زَنَتْ فَأَمَرَ عُمَرُ بِرَجْمِهَا فَانْتَزَعَهَا عَلِيٌّ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَرَدَّهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا رَدَّكُمْ قَالُوا: رَدَّنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا عَلِيٌّ إِلَّا لِشَيْءٍ قَدْ عَلِمَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ فَجَاءَ وَهُوَ شِبْهُ الْمُغْضَبِ فَقَالَ: مَا لَكَ رَدَدْتَ هَؤُلَاءِ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ)) قَالَ بَلَى: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنَّ هَذِهِ مُبْتَلَاةُ بَنِي فُلَانٍ، فَلَعَلَّهُ أَتَاهَا وَهُوَ بِهَا فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: وَأَنَا لَا أَدْرِي فَلَمْ يَرْجُمْهَا. رواه أحمد.
قال شيخ الاسلام: والمجنون إذا صال ولم يندفع صياله إلا بقتله قتل، بل البهيمة إذا صالت ولم يندفع صيالها إلا بقتلها قتلت، وإن كانت مملوكة لم يكن على قاتلها ضمان للمالك عند جمهور العلماء. وحديث رفع القلم عن ثلاثة إنما يدل على رفع الإثم ولا يدل على منع الحد إلا بمقدمة أخرى وهي أن يقال من لا قلم عليه لا حد عليه، وهذه المقدمة فيها خفاء فإن من لا قلم عليه قد يعاقب أحيانا ولا يعاقب أحيانا والفصل بينهما يحتاج إلى علم خفي، ولو استكره المجنون امرأة على نفسها ولم يندفع إلا بقتله فلها قتله، بل عليها ذلك بالسنة واتفاق أهل العلم. انتهى.
وهناك رفع مؤقت لهذا القلم رحمة من الله للعبد المذنب أن يرجع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن صاحب الشمال – يعني الملك الذي عن شمال العبد المختص بكتابة السيئات – ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسئ، فإن ندم واستغفر منها ألقاها، وإلا كتب واحدة)).
القلم الرابع: قلم التوقيع عن الله ورسوله، وهو قلم الفقهاء والمفتين، وهذا القلم أيضاً حاكم غير محكوم عليه، فإليه التحاكم في الدماء والأموال والفروج والحقوق، وأصحابه مخبرون عن الله بحكمه الذي حكم به بين عباده، وأصحابه حكام وملوك على أرباب الأقلام، وأقلام العالم خدم لهذا القلم. إن هذا القلم ينبغي له أن لايحابي أحداً، وأن لا يداهن، لأنه قلم التوقيع عن رب العالمين، وعن سيد الأولين والآخرين، فهو القلم الذي عن طريقه يعرف الناس الحلال من الحرام، وما يجب عليهم وما لا يجب، ولو قيّد حرية هذا القلم وأحيط بضغوط وقع الظلم والفوضى الذي لا أول له ولا آخر، وما عرف الناس مراد الله ورسوله في هذه القضية أوتلك المسألة. فيا من حملكم الله مسئولية وأمانة هذا القلم، وهو التوقيع عنه: اتقوا الله تعالى فإنه قلم لايُأخذ إلاّ بحقه، وحقُه ألاّ يخشى صاحبه في الله لومة لائم، وإلاّ فليدع القلم. قال الله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهولاً .
القلم الخامس: قلم التوقيع عن الملوك ونوابهم، وأصحاب هذه الأقلام لهم مكانة لأنهم المشاركون للملوك في تدبير الدول، فإن صلحت أقلامهم صلحت المملكة، وإن فسدت أقلامهم فسدت المملكة، وأقلامهم هي الواسطة بين الملوك ورعاياهم. أصحاب هذه الأقلام هم وزراء السلطان ونوابه، عن أقلامهم تصدر قرارات الدول، وعن طريقهم تنفذ أو تلغى، ولا يقل أهمية ومسؤلية أصحاب هذه الأقلام عن سابقهم، فأولئك يوقعون عن الله في أمور الشرع، وهؤلاء يوقعون عن السلطان في سياسة الدنيا بحسب ما أمر به الشرع، فهو قلم عظيم، ولا يعطى إلا صاحب دين متين وفقه بأحكام الشرع ليس باليسير. قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم .
القلم السادس: قلم الحساب، وهو القلم الذي تضبط به أموال الميزانيات، مستخرجها ومصاريفها ومقاديرها، وما دخل ومن أين؟ وما خرج وإلى أين؟ وهذا القلم مبناه على الصدق والعدل والأمانة، فإذا كذب هذا القلم وظلم، وأخفى ودلّس، فسد أمر الناس، وضاعت الحقوق، ولذا لايعطى هذا القلم إلا لضابط للحساب، ومستعدٌ ليوم الحساب.
القلم السابع: قلم الشهادة، وهو القلم الذي تحفظ به الحقوق، وتصان عن الإضاعة، وتحول بين الفاجر وإنكاره، هذا القلم، يُصدّق الصادق، ويُكذّب الكاذب، ويشهد للمحق بحقه، وعلى المبطل بباطله، وهو الأمين على الدماء والفروج والأموال والأنساب والحقوق، ومتى خان هذا القلم فسد العالم أعظم فساد، وباستقامته يستقيم أمر العالم، ومبناه على العلم وعدم الكتمان. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَبَائِرِ قَالَ: ((الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّور))ِ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَه)) رواهما البخاري.
القلم الثامن: وهو قلم التعبير، وهو كاتب وحي المنام وتفسيره وتعبيره وما أُريد منه، وهو قلم شريف جليل، مترجم للوحي المنامي، كاشف له، وهو من الأقلام التي تصلح للدين والدنيا، وهو يعتمد على طهارة صاحبه ونزاهته وأمانته، وتحريه للصدق، والطرائق الحميدة، والمناهج السديدة، مع علم راسخ، وصفاء باطن، وحس مؤيد بالنور الإلهي، ومعرفةً بأحوال الخلق وهيآتهم وسيرهم، وهو من ألطف الأقلام، وأعمها جولاناً، وأوسعها تصرفاً، وأشدها تشبثاً بسائر الموجودات، فتصرف هذا القلم في المنام، هو محل ولايته، وكرسي مملكته وسلطانه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة)). رواه البخاري. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يعبّر الرؤى لأصحابه، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْم)). رواه البخاري. وعنده أيضاً قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَدُهُمَا: الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالْآخَرُ: مُسَيْلِمَةُ)). وعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ)). رواه البخاري. وهناك باب كامل في صحيح البخاري عن الرؤى وتعبير النبي صلى الله عليه وسلم لها يمكن من أرادها أن يرجع إليها.
القلم التاسع: قلم التاريخ، يكتب تاريخ العالم ووقائعها، ميلادها ووفاتها وهو القلم الذي تضبط به الحوادث، وينتقل من أمة إلى أمة، ومن قرنٍ إلى قرن، لايدع شيئاً من تاريخ الدول إلا سجلها، ولا حدثاً إلا حفظها، فلا يمكن أن ينافق، ولا أن يُخفي، وما فاته قلم مؤرخ، سطره قلم آخر، إنه القلم الذي يحصر ما مضى من العالم وحوادثه في الخيال، وينقشه في النفس حتى كأن القارئ للتاريخ يرى ذلك ويشهده، إن هذا القلم قلم العجائب، لأنه يعيد لك العالم في صورة الخيال فتراه بقلبك، وتشاهده ببصيرتك، والسعيد من وعظ بغيره.
يا جامعي حطب التاريخ في قلم لا تحرقون سوى الأيدي بلا حذر
هلا وعيتم دروس الأمس دامية هلا استجبتم لضم القـوس للوتـر
فالقلب إن يعرف الايمان نبضته كان الجناحان ملئ السمع والبصر
القلم العاشر: قلم اللغة، وهذا القلم يشرح معاني ألفاظ اللغة وتصريفها، وأسرار تراكيبها، وما يتبع ذلك من أحوالها ووجوهها، وأنواع دلالاتها، وهو قلم التعبير عن المعاني باختيار أحسن الألفاظ، وأعذبها وأسهلها وأوضحها، وهذا القلم واسع جداً بحسب سعة الألفاظ وكثرة مجاريها وتنوعها، وبحسب صاحب القلم مما أعطاه الله من ملكة واستحضار.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه. . .
الخطبة الثانية
أما بعد:
القلم الحادي عشر: وكم نحن بحاجة إلى هذا القلم، إنه قلم الرد على المبطلين، ورفع سنة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين، من الفسقة والشهوانيين، وأصحاب التوجهات التحررية من الحداثيين والعلمانيين، مهمة هذا القلم كشف عوارهم على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم وتهافتهم، على تعدد ألوانها وأشكالها، وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم، إنه قلم الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، إنه قلم المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال، وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف، فهم في شأن، وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن آخر، ولكل وجهة هو موليها. إن عدد هذا القلم ما يزال في الأمة قليل، والقليل حبره ضعيف، ولا يزال الواقع يحتاج إلى أعداد من هذه الأقلام، فبعضه يكتب في توضيح دين الله بأسلوب سهل ميسر للعامة، وبعضه يكتب في الرد على المخالفين، والبعض يقوم بفضح مؤامرات المجرمين، ولا بد من تخصيص بعض الأقلام للكتابة في شئون المرأة، وأخرى يكون مناسباً للصغار والناشئة وغيره يخصص لمخاطبة غير المسلمين وغير العرب، بلغات العالم. نسأل الله تعالى أن يعجل بفرج أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
القلم الثاني عشر: وهي الأقلام الموبوءة، التي تكتب بلغتنا، وتنطق بلساننا وتحارب ديننا، أقلام أصحاب القلوب المريضة، والضمائر المستأجرة، والأفكار العفنة، أقلام تعلمت في مدارس الشرق والغرب، شربت ماء فكره، وتغذت بعفن طعامه، وهي الآن تحاول أن تصوغ عقائد وسلوكيات وأخلاق الأرض المباركة على نحو ما عُلّمت ووُجهت، هذه الأقلام صُنعت بأيد ملتوية، ونوايا سيئة، وأفكار منحرفة، وهي تحاول أن تلبس لباس الدين، لكي تضفي على نفسها الصبغة الشرعية، ويقبلها أبناء المسلمين، لأنها تكتب في أرضه، وتستعمل حبره وورقه، ويخرج نتاجها في صحيفته ومجلته، والذي لايمكنه أن يسطر بقلمه ما يريد مباشرة، فإنه يلتحق بالأقلام المهاجرة، ويخرج إفرازات سمه وخبثه في أحضان أسياده في الغرب، ثم يصدر ذلك بشكل مقالات أو أطروحات، تدخل من أبواب خفية، وتنشر على مرأى ومسمع، وفي وضح النهار، تدعو لتحرير المرأة، وتنادي بقيادتها للسيارة، وتحثها على أن تعمل في كل مجال، وأن تزاحم الرجال، وتطرح هذه الأقلام أيضاً أطروحات غريبةً على مجتمعنا، تحاول أن تقنع الناس بأن ما كنتم عليه طيلة السنوات الماضية فإنه التخلف، وأن التحضر هو أن نقبل كل ما تلقي به رياح الغرب وأمواج الشرق، ويركز أصحاب هذه الأقلام أيضاً على قضية الجهاد، محاولين تمييعه، ويصفون كل جهاد يقام في الأرض ضد أعداء الله أنه إرهاب، وقد تجرأت هذه الأقلام أحياناً فصارت تكتب كتابات تمس العقيدة، وتسخر بشئ من الدين، ويشم منها رائحة الكفر أحياناً. إن هذه الأقلام إن لم يؤخذ على يدها وتوقف، فإن شرها عظيم، لأنه سينشأ جيل جديد تربى على قراءة هذه التوافه، فإذا صاحب ذلك ضعف علمي ديني كما هو الحال الآن عند أغلب ناشئة اليوم، فماذا تتوقع منه أن يقدمه لأمته، وقد أدرك أعداء الملة وخصوم الشريعة وعرفوا كيف يقوضون أركان القوة، من غير استخدام السلاح، ومن غير إثارة القلاقل، لكن غير طريق القلم، تسخر أقلام وتستأجر أخرى ويحدد لها الهدف ثم تدعم، وتبدأ تنخر في جسم الأمة، ويكون مفعولها أقوى من رمي القنابل، وضرب المدافع، لأن الجميع مخدّر، ولا يشعر أنه مستهدف. لذا ينبغي التكاتف جميعاً في إيقاف هذه الأقلام أو على الأقل التقليل من شرها، وذلك بفضح أصحابها، وتسخير قلم الدعوة في الاجتهاد في طرح البدائل الصافية، ومقاطعة المجلات التي تنشر سموم أصحاب هذه الأقلام، ومناصحة بعضنا بعضاً ليلاً ونهارا، سراً وجهارا، والتشديد على الناشئة وعدم السماح لهم بقراءة كل ما وقع تحت أيديهم، وهذه مسؤلية أولياء الأمور أن يشددوا في ما يدخل البيت وما يرد إليه، خصوصاً الجرائد والمجلات التي تصدرمن الخارج، فهذه أخبث من أختها.
نسأل الله السلامة والعافية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ)) رواه ابن ماجة وسنده صحيح.
اللهم رحمة اهد بها قلوبنا، واجمع . . .
القلم الحادي عشر: وكم نحن بحاجة إلى هذا القلم، إنه قلم الرد على المبطلين، ورفع سنة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين، من الفسقة والشهوانيين، وأصحاب التوجهات التحررية من الحداثيين والعلمانيين، مهمة هذا القلم كشف عوارهم على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم وتهافتهم، على تعدد ألوانها وأشكالها، وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم، إنه قلم الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، إنه قلم المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال، وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف، فهم في شأن، وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن آخر، ولكل وجهة هو موليها. إن عدد هذا القلم ما يزال في الأمة قليل، والقليل حبره ضعيف، ولا يزال الواقع يحتاج إلى أعداد من هذه الأقلام، فبعضه يكتب في توضيح دين الله بأسلوب سهل ميسر للعامة، وبعضه يكتب في الرد على المخالفين، والبعض يقوم بفضح مؤامرات المجرمين، ولا بد من تخصيص بعض الأقلام للكتابة في شئون المرأة، وأخرى يكون مناسباً للصغار والناشئة وغيره يخصص لمخاطبة غير المسلمين وغير العرب، بلغات العالم. نسأل الله تعالى أن يعجل بفرج أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
القلم الثاني عشر: وهي الأقلام الموبوءة، التي تكتب بلغتنا، وتنطق بلساننا وتحارب ديننا، أقلام أصحاب القلوب المريضة، والضمائر المستأجرة، والأفكار العفنة، أقلام تعلمت في مدارس الشرق والغرب، شربت ماء فكره، وتغذت بعفن طعامه، وهي الآن تحاول أن تصوغ عقائد وسلوكيات وأخلاق الأرض المباركة على نحو ما عُلّمت ووُجهت، هذه الأقلام صُنعت بأيد ملتوية، ونوايا سيئة، وأفكار منحرفة، وهي تحاول أن تلبس لباس الدين، لكي تضفي على نفسها الصبغة الشرعية، ويقبلها أبناء المسلمين، لأنها تكتب في أرضه، وتستعمل حبره وورقه، ويخرج نتاجها في صحيفته ومجلته، والذي لايمكنه أن يسطر بقلمه ما يريد مباشرة، فإنه يلتحق بالأقلام المهاجرة، ويخرج إفرازات سمه وخبثه في أحضان أسياده في الغرب، ثم يصدر ذلك بشكل مقالات أو أطروحات، تدخل من أبواب خفية، وتنشر على مرأى ومسمع، وفي وضح النهار، تدعو لتحرير المرأة، وتنادي بقيادتها للسيارة، وتحثها على أن تعمل في كل مجال، وأن تزاحم الرجال، وتطرح هذه الأقلام أيضاً أطروحات غريبةً على مجتمعنا، تحاول أن تقنع الناس بأن ما كنتم عليه طيلة السنوات الماضية فإنه التخلف، وأن التحضر هو أن نقبل كل ما تلقي به رياح الغرب وأمواج الشرق، ويركز أصحاب هذه الأقلام أيضاً على قضية الجهاد، محاولين تمييعه، ويصفون كل جهاد يقام في الأرض ضد أعداء الله أنه إرهاب، وقد تجرأت هذه الأقلام أحياناً فصارت تكتب كتابات تمس العقيدة، وتسخر بشئ من الدين، ويشم منها رائحة الكفر أحياناً. إن هذه الأقلام إن لم يؤخذ على يدها وتوقف، فإن شرها عظيم، لأنه سينشأ جيل جديد تربى على قراءة هذه التوافه، فإذا صاحب ذلك ضعف علمي ديني كما هو الحال الآن عند أغلب ناشئة اليوم، فماذا تتوقع منه أن يقدمه لأمته، وقد أدرك أعداء الملة وخصوم الشريعة وعرفوا كيف يقوضون أركان القوة، من غير استخدام السلاح، ومن غير إثارة القلاقل، لكن غير طريق القلم، تسخر أقلام وتستأجر أخرى ويحدد لها الهدف ثم تدعم، وتبدأ تنخر في جسم الأمة، ويكون مفعولها أقوى من رمي القنابل، وضرب المدافع، لأن الجميع مخدّر، ولا يشعر أنه مستهدف. لذا ينبغي التكاتف جميعاً في إيقاف هذه الأقلام أو على الأقل التقليل من شرها، وذلك بفضح أصحابها، وتسخير قلم الدعوة في الاجتهاد في طرح البدائل الصافية، ومقاطعة المجلات التي تنشر سموم أصحاب هذه الأقلام، ومناصحة بعضنا بعضاً ليلاً ونهارا، سراً وجهارا، والتشديد على الناشئة وعدم السماح لهم بقراءة كل ما وقع تحت أيديهم، وهذه مسؤلية أولياء الأمور أن يشددوا في ما يدخل البيت وما يرد إليه، خصوصاً الجرائد والمجلات التي تصدرمن الخارج، فهذه أخبث من أختها.
نسأل الله السلامة والعافية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ)) رواه ابن ماجة وسنده صحيح.
اللهم رحمة اهد بها قلوبنا، واجمع . . .
المشاهدات 6947 | التعليقات 3
لعل هذه الخطبة تناسب مرادكم فقد كتبتها قبل سنوات...
القلم الطيب والقلم الخبيث
881427
الحمد لله ( علم القرآن ، خلق الإنسان ، علمه البيان ) أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ تفرد بالخلق والملك والشرع ، فلا يقع شيء إلا بأمره ، ولا شرع يوصل إلى رضاه إلا شرعه( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله ؛ أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل ، ففتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، من أطاعه نجي من النار ، وأدخل الجنة برحمة الله تعالى له ، ومن عصاه فإنه يضر نفسه ولا يضر الله تعالى شيئا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين0
أما بعد : فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإنكم في زمن كثرت فيه فتن السراء والضراء ، وغرق في لججها من غرق ، وعصم الله تعالى من عصم ، ولا نجاة إلا بلزوم التقوى ( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولاهم يحزنون )0
أيها الناس: كانت البعثة النبوية ميلادا جديدا لأمة جديدة أراد الله تعالى لها الخيرية على كل الأمم التي قبلها ، واختصها بأحسن كتبه ، وامتن عليها بخاتم رسله ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آيـاته ويزكيهم ويعلمهم الكتـاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلـل مبين ) نعم والله كانوا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم في ضلال الشرك والجهل الذي أورثهم الذل والضعف والتفرق، وسوغ لهم أنواعا من الإثم والظلم والفساد0
إنها أمة أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة ولا الحساب إلا نُزَّاع منهم كانوا يقرأون لهم ويكتبون ويحسبون ، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)متفق عليه0
وأول ما نزل على رسولها صلى الله عليه وسلم الأمر بالقراءة، و جاء ذكر القلم في أول الآيات المنزلة ؛ مما يشي بأهمية القلم وشرفه ومكانته ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم ) إن الله تعالى قادر على أن يعلم البشر دون الحاجة إلى القلم ، ولكنه سبحانه أراد أن يكون القلم وسيلة التعليم ( الذي علم بالقلم ) وزاد من شرفه وعلوه إقسام الله تعالى به على الوحي المكتوب ( ن ، والقلم وما يسطرون ، ما أنت بنعمة ربك بمجنون )0
والقلم أول مخلوق ليكتب به القدر ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ) رواه أبو داود0
وكما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن القلم خلق أولا لكتابة المقادير فقد بين عليه الصلاة والسلام تاريخ القلم في البشر ، وذكر أول من كتب به من الناس فقال عليه الصلاة والسلام عن إدريس عليه السلام (وهو أول من خط بالقلم )0
وبالقلم تكتب مقادير العام في ليلة القدر( فيها يفرق كل أمر حكيم )
وبالقلم يكتب مصير الأجنة في بطون أمهاتهم ؛ كما روى مسلم من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:( يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول: يا رب أشقي أو سعيد ؟ فَيُكْتبان، فيقول: أي رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص )0
وبالقلم يكتب الملائكة أقوال المكلفين وأفعالهم ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) أي بكتابة ما يصدر عنه كما في قوله سبحانه :( وإن عليكم لحافظين ، كراما كـاتبين ، يعلمون ما تفعلون )0
وبالقلم يكتب الناس ما يحتاجون إلى كتابته مما تنتظم به مصالح دينهم ودنياهم ، وأعلى ذلك وأشرفه كلام الله تعالى ، وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يكتبون الوحي ، وقصرهم على ذلك في أول الإسلام فقال عليه الصلاة والسلام ( لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه )رواه مسلم0
ثم رخص لهم في كتابة كل ما يصدر عنه من قول أو فعل ، كما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: (كنت أكتب كل شيء اسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش عن ذلك ، وقالوا: تكتب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرضا ؟ فأمسكت حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق) رواه أحمد0
وربما قدم عليه وفد من الوفود فعلمهم سنة من السنن ، وبلغهم شيئا من العلم فيطلب بعضهم أن يكتب له ذلك فيقول عليه الصلاة والسلام ( اكتبوا لأبي فلان)0
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن مما يجري أجره للمسلم بعد موته علما ينتفع به ، وأعظم وسيلة لحفظ هذا العلم المنتفع به : كتابته ، وانظروا إلى كثرة ما خطته أقلام أسلافكم من أنواع العلوم والمعارف حتى وصل إليكم تدركوا قيمة القلم والكتابة0
وبالقلم تكتب تواريخ الأمم وأيامهم ، وتدون أقوال العلماء والحكماء وأخبارهم ، وتحفظ تجاربهم وأعمالهم ، وما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه في هذا العصر من تنوع العلوم والمعارف ، وتقدم العمران والصناعات إلا بما دون من تجارب السابقين وأبحاثهم وخبراتهم ، ولا يمكن أن يتخيل حال البشر في هذا العصر بلا قلم وعلم وكتابة إلا كحال الحيوان الذي لا يعقل شيئا0
وبالقلم تكتب عقود الناس وشروطهم في السلم والحرب ، وفي التجارة والبيع ، وفي القرض والرهن والدين وغير ذلك ( يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)وفي صلح الحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه :( اكتب الشرط بيننا) (هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا) ، ودعا عليه الصلاة والسلام ملوك العالم إلى الإسلام بكتب كتبها وأرسلها إليهم0
وبلغ من عنايته صلى الله عليه وسلم بالقلم أنه جعل فداء من لم يستطع فداء نفسه بالمال من أسرى المشركين في بدر أن يعلم الواحد منهم عشرة من غلمان المدينة الكتابة ، فكثرت الكتابة في المدينة بعد ذلك0 وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه:(علمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقرآن)رواه أبو داود0
ورخص عليه الصلاة والسلام للنساء في تعلم الكتابة ؛ كما في حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها قالت:( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: ( ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة ) رواه أحمد0
والكلمة المنطوقة والمكتوبة إما أن تكون مما ينفع الناس في معاشهم أو معادهم ، وتلك هي الكلمة الطيبة ، وإما أن تكون مما يضر الناس وهي الكلمة الخبيثة0
والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة ، كما أن الكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة ، وهذا التقسيم ضربه الله تعالى مثلا في القرآن ؛ ليسارع الناس إلى طيب الكلم ، ويجانبوا خبيثه ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار )0
وإنما يعرف الكلام الطيب من الخبيث منطوقا كان أم مكتوبا بعرضه على الكتاب والسنة دون اعتبار لقائله ومصدره ، فما كان موافقا للكتاب والسنة فهو الكلام الطيب الذي يرفع إلى الله تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وما كان معارضا لهما فهو الكلام الخبيث ، ولا يصدر الكلام الطيب إلا من طيب وطيبة ، كما أن مصدر الكلام الخبيث كل خبيث وخبيثة ( الخبيثـات للخبيثين والخبيثون للخبيثـات والطيبـات للطيبين والطيبون للطيبـات ) قال جمهور السلف: الكلمات الخبيثة للخبيثين، ومن كلام بعضهم: الأقوال والأفعال الخبيثة للخبيثين0
والكذب من أخبث الكلام ؛ لما فيه من تزوير الحقائق ، وترويج الباطل ، وغش الناس ، فإذا كان هذا الكذب يبلغ الآفاق عبر صحيفة مكتوبة ، أو قناة معروضة ، أو إذاعة مسموعة ازداد خبثا إلى خبثه ، ولما كان كثير من القائمين على وسائل الإعلام في هذا العصر من أصناف الخبيثين والخبيثات فإنهم يروجون لكل فكر ومنهج وسلوك خبيث ، ويمتهنون الكذب المفضوح في ذلك ، ولا يحترمون عقول المتلقين عنهم ، ولا يخجلون من كذبهم ، وقد دأب عوام الناس على وصف ما يشككون في صحته بأنه كلام جرائد ، أو كلام إعلام 0
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من خطورة هذا المسلك الخبيث ، وبين ( أن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزلّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) متفق عليه0
ورأى عليه الصلاة والسلام من أصناف المعذبين كذابا يبلغ كذبه الآفاق فسأل جبريل عنه فقال عليه السلام:( أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة ) رواه البخاري0
والمسلم كما هو مأمور بمجانبة كل خبيث وخبيثة من الناس، فهو كذلك مأمور بمجانبة الخبيث من الكلام سماعا من قناة أو إذاعة ، أو قراءة من صحيفة أو مجلة أو رواية أو كتاب أو غير ذلك ؛ لأن الكلام الخبيث يفسد قلبه ، ويصرفه عن طيب الكلام0
وإذا كان المسلم مأمورا باجتناب اللغو منطوقا كان أم مكتوبا وهو في الشر والإفساد أخف من الخبيث ، فكيف إذا بخبيث المنطوق والمكتوب0ومن صفات عباد الرحمن ( وإذا مروا باللغو مروا كراما ) ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمـالنا ولكم أعمـالكم سلام عليكم لا نبتغى الجـاهلين ) والإعراض عن اللغو يكون بالإعراض عن مصادره ووسائله التي ابتلي الناس بها في هذا الزمان أشد ابتلاء0
وجاء النهي عن حضور المجالس التي يخاض فيها بدين الله تعالى جهلا أو استكبارا ، وجعل الله تعالى أهلها ظالمين :(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )
بل جاء أن من جالس المستهزئين بآيات الله تعالى فهو منهم ولو لم يكتب أو يقل شيئا ( وقد نزل عليكم في الكتـاب أن إذا سمعتم آيـات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنـافقين والكـافرين في جهنم جميعا )0
فكم من المسلمين من يقتني من وسائل الإعلام من صحف ومجلات وفضائيات قد كرست مهمتها للاستهزاء بدين الله تعالى ، والتلاعب بشريعته ، وإخضاعها لإراء البشر وتخبطاتهم، ولا يحرك ذلك ساكنا عند من يقتنيها ، بل يضحك ملء فيه ، وينام ملء جفنه، وكأن دين الله تعالى لا يعنيه ، ولسان حاله أن للبيت ربا يحميه ، وقد أسلم نفسه وأهله وولده لما يكتب وينطق من خبيث الكلام ورديئه ،وهو يعلم أنه سيحاسب عن ذلك كله ، فنعوذ بالله تعالى من استحكام الغفلة ، وتمكن الهوى ، وذهاب الغيرة على حرمات الله تعالى ، ونسأل الله تعالى أن يخفف عنا وعن المسلمين 0
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم000
الخطبة الثانية
الحمد لله ؛ أنار الطريق للسائرين ، وجعل من عباده هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، أحمده حمد الشاكرين ، وأستغفره استغفار المذنبين ، وأشهد ألا إله ألا الله وحده لا شريك له ، رب العالمين ، وإله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، إمام المرسلين ، وخاتم النبيين ، وسيد ولد آدم أجمعين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين0
أما بعد : فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ، واحذروا الذنوب فإنها رافعة النعم ، جالبة النقم ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد )0
أيها الناس: الكتابة نعمة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده ، ولا خير في قلم لا ينفع صاحبه عند الله تعالى ، فإذا كان قلمه مصدر ضرر عليه في دينه فبئس القلم وبئس صاحبه ، وكسره خير من بقائه0
إن الكتابة أضحت حرفة في هذا الزمن ، وكل صاحب فكر ومبدأ ينافح عن فكره ومبدئه بقلمه0ومن الكتاب من يتأكل بكتابته فينتقل من أقصى الشمال إلى أقصى اليمين ، ويثني اليوم على ما كان يشتم بالأمس ؛ لأنه يكتب لمن يدفع أكثر ، أو يدور مع القوي حيث كان ، وكثير من كتاب الصحف والمجلات كانوا أيام الماركسية من أشد أعداء الليبرالية الإمبريالية ، وبعد أفول الشيوعية انتقلوا بكل صفاقة ووضاعة إلى الليبرالية يتسولون على أبوابها ، ويخطبون ودَّ أصحابها ، حتى صاروا أشد إمبريالية من أهلها0
ومن أصحاب الأقلام من يتأكل بالشهوات والغرائز ، فيتقيأ انحرافاته وشذوذاته الجنسية على أوراقه ؛ ليشكل منها رواية تغوي القارئين والقارئات ، وتستهوي المراهقين والمراهقات ، وإذا ما أراد شهرة واسعة ، ورواجا لروايته ، وحماية له ولها في الدوائر الصهيونية والصليبية والعلمانية فما عليه إلا أن يضمن روايته سخرية بالله تعالى وبملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر ؛ وعلى قدر سخريته بمقدسات المسلمين ينال نصيبه من الحماية والرعاية ، ويحصد الجوائز والهبات والأوسمة، ولربما بلغ بذلك جائزة نوبل للأدب، كما حازها الكاتب الهالك نجيب محفوظ على روايته التي سخر فيها بكل مقدسات المسلمين ، وأعلن في نهايتها موت الإله لصالح المادية ، في رمزية جبانة ، وإلحاد صارخ ، وزندقة ظاهرة ، تعالى الله عن إلحاده علوا ظاهرا0
إن هذا الكاتب الهالك الذي امتلأت الصحف بالكتابة عنه ، وأفردت لسيرته وغوايته صفحات كاملة لا تفرد لموت العلماء بل ولا للزعماء ما هو في واقع الأمر إلا خبيث يحمل قلما خبيثا ، سطر به فكره الخبيث0فهو حامل همِّ إحياء الفكر الفرعوني ، وهو الداعي إلى الفكر الاشتراكي ، ويكفيه سبقا في الإلحاد والزندقة أنه التلميذ الوفي للنصراني القبطي سلامة موسى الحاقد على كل شعيرة من شعائر المسلمين ، الذي كان يتطلع إلى نقل مصر من إسلامها إلى الفرعونية0
إن هذا الروائي الهالك لم يخرج في جُلِّ رواياته عن أصلين عاش حياته من أجلهما ، وكرَّس قلمه في خدمتهما : وهما الدعوة إلى الإلحاد باسم العلم في مقابل الدين ، ونشر الإباحية والشذوذ في أوساط المسلمين ، قابله أحد المعجبين به فقال له ( من الواضح أنك أصبحت تميل إلى الفكر الماركسي، فالماركسيون في رواياتك هم الأبطال الشهداء ، وحاملوا الزهور الحمراء ، وهم الذين يضيئون الحياة بنور الأمل في الظلمات... فرد عليه الروائي الهالك : لقد شخصتني فأجدت التشخيص ) وقام أحد مريديه والمعجبين به وبرواياته بقرأتها وسبر موادها ، فعرف القاسم المشترك بينها ، وأعلن نتيجة ذلك فقال: حفلت رواياته بحشد هائل من البغايا والراقصات والقوادين والديوثيين واللصوص والنشالين والفتوات وصانعي العاهات والمرتشين والملحدين0
وفي مقام آخر يزعم أن الغربيين حلوا المشكلة الجنسية بنشر الإباحية ، وأن هذا الحل في نظره ناجع في بلاد المسلمين ، فيقول: أما عن حل المشكلة الجنسية في مجتمعنا فأنا لا أستطيع أن أقوله ، ولا أنت تكتبه ! ولكنني أستطيع أن أقول:( أوروبا تمكنت من حل المشكلة الجنسية بطريقتها الخاصة، تجد أن البنت عمرها خمسة عشر عاما تلتقي في حرية تامة مع أي شاب ، لا مشكلة جنسية ، ولا مشكلة عفاف ولا بكارة ، وحتى إذا أثمرت العلاقة طفلاً ، فالطفل يذهب إلى الدولة كي تربيه إذا كانت أمه لا تريد ) هكذا يريد لبنات المسلمين أن يكن بغايا وفاسقات كما كان نساء الغرب0
لقد مضى هذا الهالك إلى رب عدل سيحاسبه على ما خط بقلمه ولا يظلمه شيئا ، ولكن الجريمة كل الجريمة ، والتزوير كل التزوير ما يمارسه كثير من الإعلاميين والصحفيين من تضليل العقول ، وممارسة الكذب على المكشوف بالإشادة بهذا الهالك مع إخفاء حقيقة فكره وانحرافه عن الناس ، بل والاستماتة في الدفاع عنه ، والنيل ممن يفضحونه ، وسيلتهم في ذلك :الكذب والتزوير0فأين احترام العقول ؟! بل أين احترام زبائنهم من قراء صحفهم ؟! أفلا كان عندهم من الشجاعة أن يظهروا حقيقة فكره لقرائهم ، ثم يختار القراء بين دينهم وبين روائيهم الهالك ؟!
لقد كذبوا ثم كذبوا ، ودافعوا عن إلحاده وزندقته ، ووصفوه بالراحل الكبير ، وبالقامة الشامخة في بلاد المسلمين ، ونقلوا كما كبيرا من أقوال زملائه وتلامذته ومريديه ، ولم ينقلوا شيئا من أقوال من أبانوا حقيقة فكره ، بل هاجموهم ووصفوهم بأبشع الأوصاف ، فأين هي الموضوعية التي يتشدقون بها ، وأين هي دعوتهم إلى قبول الآخر واحترام الآراء الأخرى ؟ وإن تعجب فعجب من وصف بعض الصحف لروائيهم بأنه متدين ، فيا لضحالة عقولهم ، ويا لسخافة أقلامهم ، ولو خرج صاحبهم من قبره لوبخهم أشد التوبيخ ؛ لأنه كان يفاخر بحربه للدين ، فكيف يصفونه بالمتدين، نعوذ بالله من الهوى والردى ، ونسأله الهدى والتقى اللهم يا حي يا قيوم إن هذا الروائي قد تطاول على ربوبيتك وعلى ملائكتك وكتبك ورسلك ، وسخر بشعائر دينك ، اللهم فعامله بما يستحق فأنت الحكم العدل ، اللهم من أثنى عليه وهو يعلم حاله فاحشره معه ، ومن أثنى عليه وهو لا يعلم حاله فتب عليه من زلته ، وأنر بصيرته ، وخذ بيده للبر والتقوى0اللهم واهد ضال المسلمين ، وأصلح أحوالهم ، وأمنهم في أوطانهم ، واكفهم شر الأشرار وكيد الفجار ، والحمد لله رب العالمين 0
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد0000
ولكن هذا الموضوع يخص القلم وليس القراءة ..
أقترح أن يكون بيان العناية بالقراءة وأهميتها ومهالم في القراءة وتحذيرات ثم كيفية الافادة من المعارض ..
والله أعلم
أبو عبد الرحمن
تعديل التعليق