خطبة بعنوان : قصة جريد العابد دروس وفوائد

خطبة جمعة بعنوان : فوائد من قصة جريج العابد .

كتبها : خالد خضران الدلبحي العتيبي

الجمش _ الدوادمي
 

الخطبة الأولى :

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

فإن أفضل القصص قصص القرآن والسنة النبوية الصحيحة وفيها من الفوائد الشيء الكثير سواءً كانت هذه الفوائد في العقيدة أو الأحكام أو الآداب أو تقويةِ الإيمان.

فدعونا نتأمل عبادَ الله قصة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ونتأمل ما فيها من الفوائد العظيمة هذه القصة التي سنقف معها هي قصة جريج العابد جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :  لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ  وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ

وجاء عند البخاري – فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام .

من فوائد هذه القصة العظيمة :

التحذير من العقوق وأن الولد يجب عليه أن يبر والديه وتأملوا مع أن جريج  كان في عبادة ويناجي ربه كان الواجب عليه أن يجيب أمه لأن صلاته نافلة وطاعة الأمة واجبة والواجب مُقدم على النفل فكيف بمن كان في غير طاعة كحال بعض الأبناء والبنات ربما يتصل عليه والديه وهو يلعب وربما كان في أمر منكر ولا يرد عليهم وقد أمر الله سبحانه وتعالى ببر الوالدين وقرن برهما بتوحيده فقال تعالى  ( واعبدوا اللهَ ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدينِ إحسانا )

ومن فوائد هذه القصة : التحذير من دعاء الوالدين على ولدهما  في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة السلام :  لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ»

فأم جريج دعت على ولدها فتعرض لهذه الفتنة العظيمة ولو دعت عليه أن يفتن لفُتن العياذ بالله .

ومن فوائد هذه القصة : الفزع إلى الصلاة عند حدوث المكروه  فإن جريجاً لما ضربوه وسبوه وشتموه واتهموه بأنه هو الذي زنى بالمرأة قال: (دعوني أصلي) فصلى حتى تقوى الصلة بالله قوية، ويكون الدعاء أحرى بالإجابة، ثم دعا الله فالفزع إلى الصلاة عند الملمات من الأمور المهمة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة : 153 ) قال ابن كثير رحمه الله تعالى الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر .

ومن فوائد هذه القصة :  إثبات كرامات الأولياء والصالحين والكرامة : أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد ولي تأيداً له أو إعانة  أو تثبيتاً أو نصراً للدين  ففي قصة جريج العابد إثبات كرامات الأولياء حيث تكلم الصغير وهو في المهد قال تعالى [ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( 62 ) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ]( 63 )   وننبه على أن ما يكون على أيدي السحرة من الخوارق فهذه لا تسمى كرامات بل هي من عمل الشياطين فكرامات الأولياء سببها التقوى والعمل الصالح وأعمال المشعوذين سببها الكفر والفسق والفجور ولذلك ما يفعله بعضهم من أنه يدخل في داخل النار أو يمشي على المسامير أو يأكل الزجاج هذه أمور خارقة للعادة ولكنها من فعل الشياطين والسحرة ولذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بأن هذا من عمل السحرة والشياطين ويجب إنكارها ولا يجوز متابعتها وحضورها .

أسال الله أن يحفظنا بحفظه وأن لا يزيغ قلوبنا أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم .
 
 الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

ومن فوائد هذه القصة : خطورة فتنة النساء وأن فتنة النساء من أعظم الفتن ولذلك أغلقت الشريعة جميع الأبواب التي تؤدي إلى الوقوع في الفتنة بهن ومن ذلك : الأمر بغض البصر وكان الصالحون  يعدون النظر إلى النساء عقوبةٌ عظيمة من الله عز وجل ولذلك أم جريج دعت على ولدها بهذه الدعوة فكم هم الناس اليوم المعاقبون من الله عز وجل وهم لا يشعرون يجلسون الساعات الطوال أمام القنوات أو الجوالات ينظرون إلى النساء !!  وغض البصر عما حرم الله يا عباد الله يورث القلب طمأنينة وأنساً وجمعية على الله عز وجل وعلى الأعمال الصالحة كما قال تعالى ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ) (النور : 30 ) يعني أطيب لهم وأطهر لهم كما أن إطلاق البصر فيما حرم الله يفرق القلب ويشتته قال ابن القيم رحمه الله [ وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه ]
ومن فوائد القصة : قدرة الله عز وجل على إنطاق مالم يكن ينطق فالله عز وجل أنطق هذا الصغير الذي في المهد والله على كل شيء قدير ولهذا ينطق الله عز وجل جوارح الإنسان فتشهد عليه بما عمل يقول تعالى ( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ( 19 ) حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 20 ) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 21 ) بل هذه الأرض تشهد بما عمل عليها من خير أو شر قال تعالى ((يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) (الزلزلة : 4 )  ) .

ومن فوائد هذه القصة :  أن فيها دليلاً على خفة كثير من الناس وأنهم يصدقون الخبر الذي أتى إليهم بدون تثبت فتأملوا عبادَ الله هذه امرأةٌ معروفة بالزنى  تُصدق في رجل معروف بالصلاح .

فالواجب على المسلم التثبت في نقل الإشاعات وفي تصديقها والله عز وجل أدبنا في كتابه فقال  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات : 6 )

ومن فوائد القصة : في هذه القصة فضل العلم وأنه يصحح عبادة الإنسان فجريج كان عابداً ولم يكن عالماً ولو كان عالماً لأجاب أمه لأن إجابة الأم أمر واجب بينما نافلة الصلاة مستحبة فيقدم الواجب على المستحب .

ومن فوائد القصة : خطر الغلو في الصالحين حيث أنهم لما شاهدوا هذه الكرامة والطفل الصغير يتكلم في مهاده قاموا يتبركون بجريج ويتمسحون به وقالوا نبني صومعتك من الذهب !!

وهذه الفتنة وهي الغلو في الصالحين هي بسببها وقع أول شركٍ في بني آدم في قوم نوحٍ حيث غلوا في الصالحين فوضعوا صورهم وتماثيلهم ومع مرور الوقت عبدوهم من دون الله .

والحق في ذلك أن الصالحين لا نرفعهم فوق المنزلة التي أنزلها الله ونغلوا فيهم وكذلك لا نجفوهم ونكرههم ونعاديهم كحال بعض الناس بل الواجب محبتهم لصلاحهم وعدم الغلو فيهم ولا الجفاء .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا بحفظه وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1724328963_خطبة فوائد من قصة جريج العابد.docx

المشاهدات 556 | التعليقات 0