خطبة بعنوان( قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ ) مختصرة
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى :
الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطرِ السماواتِ، وبارئِ النَّسَمَاتِ، تَفَضَّلَ على عِبَادِهِ بِجَزِيلِ الْهِبَاتِ وشَرَعَ لَهْمِ أَنْوَاعَ الطَّاعَاتِ، وَأَشْهَدُ أن لّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: خطبتنا اليوم عن قصة عجيبة حَصَلَتْ فِي عهد النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلاثَةٍ أُصِيبَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِعَاهَةٍ فِي الْجِسْمِ وَفَقْرٍ مِنَ الْمَالِ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَخْتِبَرَهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلِيْهِمْ مَلَكًا مِنَ الْمَلائِكَةِ يختبرهم عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ فَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ فلنستمع لهذه القصة العجيبة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ (إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الْأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ ... فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا، قَالَ: فَأَتَى الْأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا، قَالَ: فَأَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا, قَالَ: فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ، وَالْمَالَ بَعِيرًا، أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ؟ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللهُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ، قَالَ: وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ، قَالَ: وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ، شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ) انْتَهَى الْحَدِيثُ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَفِي الْخُطْبَة ِالثَّانِيَةِ نَقِفُ مَعَ بَعْضِ الْعِبَرِ فِي الْحَدِيثِ بِإِذْنِ اللهِ.
أَقُولَ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ يَتُبْ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوُ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
الْخُطَبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى رَسِولِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْحَدِيثَ الذِي سَمِعْنَا فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى فِيهِ عِبَرٌ وَعِظَاتٌ يَنْبَغِي أَنْ نَقِفَ عِنْدَهَا وَنَعْتَبِرَ بِهَا، فَإِنَّ هَذَا مِنْ فَوَائِدِ الْقِصَصِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
فَمِنَ الْعِبَرِ : أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْتَلِيَ عِبَادَهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ تِجَاهَ السَّرَّاءِ الشَّكْرُ وَتِجَاهِ الضَّرَّاءِ الصَّبْرُ، عَنْ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رَوَاهُ مُسْلِم.
وَمِنَ الْعِبَرِ: بَيَانَ قُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِبْرَاءِ الْأَبْرَصَ وَالْأَقْرَعَ وَالْأَعْمَى مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ التِي فِيهِمْ, بِمُجَرَّدِ مَسْحِ الْمَلَكِ لَهُمْ .وَمِنْهَا: أَنَّ بَرَكَةَ اللهِ فَي الرِّزْقِ لا نِهَايَةَ لَهَا، وَلِهَذَا كَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ.
وَمِنْهَا: بَيَانُ أَنَّ شُكْرَ كُلِّ نِعْمَةٍ بِحَسَبِهَا؛ فَشُكْرُ نِعْمَةِ الْمَالِ أَنْ يُبْذَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَشُكْرُ نِعْمَةِ الْعِلْمِ أَنْ يُبْذَلَ لِمَنْ سَأَلَهُ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوِ الْمَقَالِ، وَالشُّكْرُ الْأَعَمُّ أَنْ نَقُومَ بِطَاعَةِ الْمُنْعِمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَمِنَ الْعِبَرِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ: فَضِيلَةُ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَجُرُّ صَاحِبَهُ إِلَى مَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى كَانَ زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا؛ فَكَانَ شَاكِرًا لِنِعْمَةِ اللهِ, وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا مَعَ النِّعَمِ : أَنْ نُقِرَّ للهِ بِهَا بِقُلَوبِنَا وَنَشْكُرِ اللهَ بِأَلْسِنَتِنَا وَنَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ آوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ. فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد...
المرفقات
1723016595_خطبة بعنوان( قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ ) مختصرة.docx
سعيد الشهراني
هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ محمد مبارك الشرافي جزاه الله خير
تعديل التعليق