خطبة بعنوان رمضان فرصة للتغيير مختصرة من كتاب د محمد الهبدان

عبدالرحمن اللهيبي
1433/09/15 - 2012/08/03 03:12AM
هذه خطبة متميزة بعنوان (رمضان فرصة للتغيير) مختصرة من رسالة للشيخ محمد الهبدان مع تصرف يسير

الحمد لله الذي هيأ لعباده أسباب الهداية ، ويسر لهم دروب الخير والاستقامة وفتح لهم أبواب رحمته ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وهداية للخلق أجمعين وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد :
أيها المسلمون: هاهو رمضان قد أقبل بنوره وعطره ، وجاء بخيره وطُهره ، جاء ليربي في الناس قوة الإرادةِ على الخير , والعزيمةَ على الرشد، والقدرةَ على كسر الشهوات ويربي فيهم ملكةَ الصبر ، ويعودُهم على احتمال الشدائد ، والوقوفِ أمام حدود الله .
فرمضان يا مسلمون مدرسة تربوية يتدرب فيها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في تعظيم الحرمات ، والتسليمِ لحكم رب الأرض والسموات ، محققا بذلك التقوى التي أرادها الله من صيام هذا الشهر ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))
نعم أيها الصائمون: إن شهر رمضان فرصة عظيمة ، للوقوف مع النفس ومحاسبتها لتصحيح ما فات ، واستدراك ما هو آت ، قبل أن تحُلَ الزفرات ، وتبدأَ الآهات ، وتشتدَ السكرات ,كيف لا وفي هذا الشهر تصفد الشياطين , وتفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران ويغفر الله الذنوب, ويعتق الله الرقاب من النار , فأسباب التغيير لأنفسنا في هذا الشهر مهيأة ، والأبواب مشرعة ,وما بقي وربي إلا العزيمةُ الصادقة ، والإرادة الجادة , والصحبة الصالحة , والاستعانة بالله .
أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مفرطاً في صلاته ، فلا يصليها مطلقاً ، أو يؤخرها عن وقتها , أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد .
ألا فليعلم المتهاون في صلاته ، أنه يرتكب خطأً عظيما ، وجرما كبيرا, وتصرفاً مهلكاً ، وإن لم يتدارك نفسه ، فيخشى عليه أن يؤول أمره إلى نهاية بائسة ، وليلٍ مظلم ، وعذابٍ مخيف ، جاء في الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي r في الرؤيا قال :" أما الذي يُثلغ رأسُه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة " رواه البخاري.
أيها الصائمون: إن التهاون بأمر الصلاة والاستخفاف بها ، خطأ فادح بكل المقاييس ، وجناية مخزية بكل المعايير . فقد لا ينفع معها ندم ولا اعتذار حينما تُسأل فردا بين يدي الواحد القهار .
فاستيقظ أيها الصائم من غفلتك ، وتنبه من رقدتك ، فالحياة قصيرة وإن طالت ، والفرحة ذاهبة وإن دامت ، واجعل من رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة ، فقد وفقك الله في هذا الشهر للصلاة مع الجماعة ، وإلف المساجد والإقبال على الطاعة , فاستعن بالله تعالى ، واعقد العزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بداية لإصلاح حالك مع الصلاة والمحافظة عليها مع الجماعة ، والتبكير إليها في أول ساعة يقول الله تعالى في وصــف المؤمنين: { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ } ويقول سبحانه : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ }
أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلي بتعاطي الحرام ، من المخدرات أو الدخان ، كيف وقد امتلك الصائم في رمضان تلك العزيمة التي جعلته يمسك طوال ساعات النهار فألله ألله أن يفعل بعد إفطاره ما يخرم هذه العزيمة القوية ، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره ويمسح ما كتب من حسناته.
أخي الصائم يا من ابتليت بالتدخين : إني أشجع فيك إيمانَك العظيم ، ويقينك بالله الكريم .
قل لي بربك أليس الذي جعلك تمتنع عن تعاطي هذه السموم في وقت الصيام هو خوفُك من العظيم الجبار ، ومراقبتُك للواحد القهار . فشعورك بنظر الله إليك ، واطلاعِهِ عليك، صرفك عن تعاطي الحرام في وقت الصيام
وإني لأتساءل بصدق . . الإرادة التي استطاعت أن تصوم عن الطعام والشراب الذي لا غنية للجسد عنه لأكثر من اثنتي عشرة ساعة ، أتعجز عن مواصلة مسيرتها الإصلاحية في ترك ما لا فائدة للجسد فيه فضلا عن ما فيه من الضرر ؟!! عجبا لهذه العزيمة القوية التي صمدت عن تعاطي هذا البلاء ، لفترة طويلة أثناء النهار . . فما بالها تنهار في آخر لحظات الإسفار ، وإرخاء الليل الستار
أين الهمة التي لا تقف أمامها الجبالُ الشامخات ؟ وأين العزيمة التي لا تصدها العاتيات !! استعن بالله يا أُخي على ترك هذا البلاء ،يُسر بك والداك وزوجك وأولادك وكل محب لك , بل يفرح بك ربُك ومولاك, وتنعم أنت بمرضاته, فالنصر صبر ساعة ، والفرج قريب ، وإن الله مع الصابرين (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله بقسوة القلب ، فلا تدمع له عين ولا يخشع له قلب , أن ينتهز فرصة هذا الشهر الذي تكون للنفوس فيه صولة . . وللقلوب فيه جولة . . فيحرص على ترقيق قلبه ، ومن أعظم ما يحقق ذلك ترك الذنوب التي هي حاجبةُ القلوب عن علام الغيوب . قال عليه الصلاة والسلام : " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ " رواه مسلم .
أيها الصائمون :من أراد رقة القلب والسعادة فليلزم عتبة العبادة ، وليجتنب المعصية والإساءة .. يقول الحسن البصري رحمه الله : ( إذا لم تقدر على قيام الليل ، ولا صيام النهار ، فاعلم أنك محروم ، قد كبلتك الخطايا والذنوب ) وليكن لك ما بين فينة وأخرى زيارة للمقابر ، تتأمل في أحوال أصحابها ..فإن القوم فيها صرعى ، والدود في عيونهم يرعى , عن الحديث سكتوا ، وعن السلام صمتوا ، الظالم بجانب المظلوم ، والمنتصر بجانب المهزوم ، ذهب الحُسْن والجمال ، والجاه والمال ، وبقيت الأعمال ..أموات يتجاورون ولا يتزاورون .
فماذا أعددتم لهذا الموقف يا صائمون ؟ يقول الله تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}
أقول قولي هذا ............
أيها الصائمون : رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يأكل الحرام بأكله الربا أو الرشاوى أو التلاعب في البيع والشراء أو بيع المحرمات من دخان وشيش وجراك ومجلات فاسدة ، أو بيع العباءات المحرمة ، أو الملابس النسائية الفاضحة أو أشرطة غنائية أو أشرطة الفيديو الساقطة أو الأطباق السوداء ، أن يغير من حاله ، وأن يبدل من شأنه ، وأن يدع أكل الحرام . فإن الله تعالى يحاسب على النقير والقطـمير .فحـذار حذار من الله الواحد القهار!! يقول المصطفى المختار: " لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت ، النار أولى به "رواه ابنُ حبان وصححه.
هل يسرك يا من تغذى جسدُك بالحرام أن أهل الإيمان يرفعون أيديهم في صلاة التراويح والقيام يدعون الله تعالى ، ويستغيثون به ، ويسألونه من فضله ورحمته وجوده وبره فيستجاب لهم ..وأنت ترد عليك دعوتُك ؟!! عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ، يا رب ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ،فأنى يستجاب لذلك "
أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مذنباً ومسرفاً على نفسه بالخطايا والموبقات يشاهد القنوات بصورها الفاضحات, ويسمع الأغنيات والقينات، ويتابع المسلسلات ويسهر على الموبقات ، ويعاقر المنكرات ، أن يسارع إلى الإنابة ، ويبادر إلى الاستقامة قبل زوال النعم ،وحلـول النقم ، فهنالك لا تقـال العثرات ، ولا تستدرك الزلات .. {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ويكفي التائبين فخراً وعزاً ورفعة وشرفاً أن الله تعالى قال : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } فالتوبة ..التوبة ..يا صائمون فهي شعار المتقين ..ودأب الصالحين ..وحلية المؤمنين
فبادر يا رعاك الله بالتوبة النصوح في هذا الشهر المبارك ،وليكن رمضان هذا العام يختلف عن رمضان فيما مضى من الأعوام , اللهم اجعلنا ممن فاز بالرضا والرضوان والفوز بالجنان والنجاة من النيران
اللهم صلي على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
المشاهدات 6433 | التعليقات 0