خطبة بعنوان ( انظروا هذين حتى يصطلحا ) مختصرة من خطبة الشيخ هلال الهاجري .

سعيد الشهراني
1445/03/20 - 2023/10/05 13:13PM

الخطبة الأولى :

الحمدُ للهِ الذي خلقنا من ذكرٍ وأُنثى، وجعلنا شعوباً وقبائلَ لنتعارفَ .. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأَشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وسَلِّم تسليمًا كثيرًا ..                                                                     

أما بعد : ( يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) .

أيها المسلمون: فإن من أعظم ما أمر الله تعالى به هو صلة الأرحام وذوي القربى؛ كما قال الله تعالى (َواعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) .

عباد الله : أقاربُ يجمعُهم الدَّمُ واللَّحمُ، تربَّوا في بيتٍ ومكان واحدٍ، عاشوا أياما جميلة ، حياتُهم مليئةٌ بالمحبة وصفاء القلوب، وكانَ الخِصامُ ينتهي بكلمةِ عتابٍ، ولكن عندما كَبَروا ، نفخَ الشَّيطانُ في القلوبِ الحبيبةِ، وجعلَ سوءَ الظَّنِّ يسودُ بينَ القَريبِ وقريبِه، وفي نهايةٍ غير مُتوقَّعةٍ، انتهتْ العلاقةُ، ونُسيتْ القَرابةُ، ومنذ ذلك الحينِ ،والعدوُ سعيدٌ والحبيبُ حزينٌ.

وفي الطرف الأخر: أصدقاءُ منذ سنوات طويلة، لهم كثيرٌ من الحِكاياتِ، وبينهم أسرارٌ وذِكرياتٌ، وفي موقفٍ حضرَ فيه الشَّيطانُ ، وضَعُفَ فيه وازعُ الإيمانِ، اختلفوا وتشاحنوا وتخاصموا، فتلاشتْ رابطةُ الحبُّ والوِئامِ ، وبدأتْ رِحلةُ الصُّدودِ والخِصامِ ،ومُنذُ شُهورٍ لا يُكلِّمُ بعضُهم بعضاً، ولا يسَلِّمُ أحدُهم على الآخرِ.وهكذا أحداثٌ متكرِّرةٌ كثيرةٌ ،ووقائعُ محزنةٌ مُثيرةٌ .

فيا أيَّها المؤمنونَ الذينَ هم لمغفرةِ ربِّهم راجون ،اسمعوا معي لهذا الحديثِ الخطيرِ .. وتأملوا ما فيه من الخُذلانِ الكبيرِ .. وماذا قالَ فيه اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ..عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) ، لا إله إلا اللهُ ،كم في هذا الأسبوعِ من عباداتٍ وصلواتٍ، كم فيه من صدقاتٍ وأذكارٍ، كم فيه من صيامٍ وبرٍّ للوالدينِ وصلةِ أرحامٍ .. ومع ذلكَ لا يُغفرُ لهذا العبدِ، بل ولا يُنظرُ في عملِه،فأيُّ خسارةٍ هذه ،وأيُّ مُصيبةٍ تلك.

واسمعوا معي لهذا الحديثِ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ)أخرجه أبو داود وأحمد، هل تسمعُ يا من هجرَ أخاهُ سنينَ،فهل ترضى أن تُحشرَ مع سافكي دماءِ المُسلمينَ؟.

عبادَ اللهِ: ألم يقلْ اللهُ تعالى في كتابِه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، فكيفَ تُخالفُ هذه الآيةَ وتجعلُ المؤمنَ من ذوي الأرحام أو الصديق عدوَّاً؟ إلى متى هذا الخِصامُ والهجرُ؟ . ألم يأتِك ما جاءَ في ذلكَ من الزَّجرِ؟ ..عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ).

فالأمرُ خطيرٌ ،ولا يحتملُ التَّأخيرَ، فكن خيرَ الرَّجلينِ عندَ اللهِ تعالى، فعَنْ أبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يحلُّ لمسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَياَلٍ يَلْتْقَيِاَنِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بالسَّلَامِ) ، فالتمس لأخيكَ عُذراً، فإن لم تجدْ فقلْ لعلَّ له عذراً لا أعرفُ ،وإيَّاكَ أن يُرفعَ عملُكَ إلى اللهُ تعالى .. ثُمَّ لا يُعرضُ لشحناءٍ بينَك وبينَ أحدٍ من المسلمينَ .. فيا خسارةَ من سعيا واجتهدا وعمِلا صالحاً .. ثُمَّ قالَ اللهُ تعالى فيهما: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيْمِ، وَنَفَعَنِي وَاِيِّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيْمِ، أقُوْلُ قَوْلِي هَذا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيْمَ لَيْ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صل الله عليه وعلى اله وصحبه وأعوانه  

أما بعدُ: أيُّها المؤمنُ :اسمع إلى قولِ خالقِنا ورازقِنا سبحانَه في كثيرٍ من أحاديثِ مجالسِنا: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).

فما أعظمَ الحديثِ في الإصلاحِ بينَ الإخوانِ ، فقد قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟)، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ) .. لذلك أُجيزَ الكَذبُ في الإصلاحِ بينَ المُتَخاصمينِ .. لما فيه من المصلحةِ الكُبرى للأفرادِ والمُجتمعاتِ .. عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ).

أيُّها الأحبَّةُ: بادروا بالصُّلحَ ، والتمسوا العذر للأقارب من الأرحام والأصدقاء ، وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً،وكن سابقاً مُعتذراً ، أو كن للعُذرِ قابلاً .فاللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ .

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبيكم محمد ....

المرفقات

1696501703_خطبة بعنوان ( انظروا هذين حتى يصطلحا ) مختصرة.docx

المشاهدات 1392 | التعليقات 0