خطبة بعنوان ( الوجازة في استغلال أسبوع الإجازة) مختصرة .

سعيد الشهراني
1445/05/01 - 2023/11/15 09:46AM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَجَعَلَ هَذِهِ الْحَيَاةَ مَجَالاً لِطَاعَتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

  وَأَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِأَجْزَاءٍ مِنْ أَوْقَاتِ هَذِهِ الْحَيَاةِ فِي سُوَرٍ عَدِيدَةٍ، فَأَقْسَمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْفَجْرِ وَالضُّحَى، فَقَالَ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ ، وَقَالَ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ ، وَقَالَ: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ ، وَأَقْسَمَ بِالزَّمَنِ كُلِّهِ ، فَقَالَ: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ ، وَاللهُ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَالْخَلْقُ لاَ يُقْسِمُونَ إِلاَّ بِهِ سُبْحَانَهُ ؛ وَمَا أَقْسَمَ اللهُ بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى شَرَفِ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ وَأَهَمِّيَّتِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَلِذَلِكَ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» [رواه البخاري] لِيُؤَكِّدَ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْوَقْتِ وَقِيمَةِ الزَّمَنِ، وَأَنَّ الإِنْسَانَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَإِذَا اجْتَمَعَ لَهُ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ وَلَمْ يَغْتَنِمْهُمَا فِيمَا يَنْفَعُهُ فِي الآخِرَةِ فَهُوَ الْمَغْبُونُ الْخَاسِرُ فِي أَعْمَالِهِ، وَلِذَلِكَ سَمَّى اللهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيَوْمِ التَّغَابُنِ، فَقَالَ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ أَيْ: يَظْهَرُ فِيهِ الْغَبْنُ وَالْخُسْرَانُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «لا تَزُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ» [حديث صحيح].

وَمَنْ تَتَبَّعَ أَخْبَارَ النَّاسِ، وَتَأَمَّلَ أَحْوَالَهُمْ، وَعَرَفَ كَيْفَ يَقْضُونَ أَوْقَاتَهُمْ، وَكَيْفَ يُمْضُونَ أَعْمَارَهُمْ؛ عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ مُضَيِّعُونَ لأَوْقَاتِهِمْ، مَحْرُومُونَ مِنْ نِعْمَةِ اسْتِغْلاَلِ الْعُمْرِ وَاغْتِنَامِ الْوَقْتِ، وَلِذَلِكَ تَرَى الْهَدْرَ فِي هَذِهِ النِّعْمَةِ الْكَبِيرَةِ؛ وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَنْقَضِي مِنْ فَرَحِ هَؤُلاَءِ بِمُرُورِ الأَيَّامِ وَانْقِضَائِهَا، نَاسِينَ أَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى الْمَوْتِ.

وَالْمُسْلِمُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ يُدْرِكُ أَنَّ أَوْقَاتَ دُنْيَاهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ زَادًا لآخِرَتِهِ، فَهَذِهِ الدُّنْيَا لَيْسَ فِيهَا رَاحَةٌ؛ وَإِنَّمَا تَكُونُ الرَّاحَةُ لأَحَدِنَا حِينَمَا يَطَأُ بِقَدَمَيْهِ الْجَنَّةَ، أَمَّا مَا دَامَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَهُوَ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ وَالْعَمَلِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ .

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ؛ نَقَصَ فِيهِ أَجَلِي؛ وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي». فاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا اغْتِنَامَ الأَوْقَاتِ بِمَا يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ الْمَمَاتِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نَسْتَقْبِلُ مِنْ أَيَّامِنَا إِجَازَةً قَصِيرَةً لأَبْنَائِنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا فَتْرَةٌ قَصِيرَةٌ، وَاسْتِرَاحَةٌ يَسِيرَةٌ بَعْدَ ضَغْطِ الاِمْتِحَانَاتِ، وَكَثْرَةِ الاِنْشِغَالاَتِ؛ وَقَدْ  يَكْثُرُ فِيهَا الْفَرَاغُ؛ وَرُبَّمَا ضَاعَتِ الأَوْقَاتُ لَدَى كَثِيرٍ مِنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى الْفَرَاغِ عَلَى أَنَّهُ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْنَا اسْتِغْلاَلُهَا بِمَا يُقَرِّبُنَا إِلَى اللهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ؛ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ مَفْتُوحَةٌ مُشْرَعَةٌ لِمَنْ أَرَادَ اسْتِغْلاَلَهَا بِالْخَيْرِ، فَمَا أَجْمَلَ اصْطِحَابَ الأَبْنَاءِ لِلصَّلاَةِ فِي هَذِهِ الإِجَازَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الأَوْقَاتِ، وَتَخْصِيصَ وَقْتٍ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَمُرَاجَعَتِهِ وَمُدَارَسَتِهِ مَعَ الأَبْنَاءِ، أَوِ السَّفَرِ بِهِمْ فِي رِحْلَةٍ لأَدَاءِ عُمْرَةٍ، أَوْ زِيَارَةِ أَقَارِبَ، أَوْ تَعَلُّمِ عُلُومٍ نَافِعَةٍ، وَبَرَامِجَ مَاتِعَةٍ! وَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ قَضَاءِ هَذِهِ الإِجَازَةِ وَغَيْرِهَا فِي الإِنْتَرْنِتْ وَبَرَامِجِهِ وَتَطْبِيقَاتِهِ الْهَابِطَةِ، وَأَلْعَابِهِ الْمُضِرَّةِ السَّاقِطَةِ ؛ فَنَحْنُ فِي زَمَنِ تِقَنِيَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ مُخِيفَةٍ؛ لاَ بُدَّ مِنْ مُضَاعَفَةِ الْجُهْدِ وَاحْتِسَابِ الأَجْرِ فِي الْمُتَابَعَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالتَّوْجِيهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ .

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم محمد ...

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ, اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِيْنَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِيْنَ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ بِتَوْفِيقِكَ وَأَيِّدْهُمَا بِتَأْيِيدِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .

اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا طَبَقَاً سَحَّاً مُجَلِّلاً، عَامَّاً نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجَلاً غَيْرَ آجِلٍ، تُحْيِي بِهِ الْبِلَادَ، وَتُغِيثُ بِهِ الْعِبَادُ، وتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ،

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولمن له حق علينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين .

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1700045786_خطبة بعنوان ( الوجازة في استغلال أسبوع الإجازة) مختصرة.docx

المشاهدات 1397 | التعليقات 1

 هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ محمد مبارك الشرافي جزاه الله خير.