خطبة بعنوان ( الزلازل عبرة وادكار ) مختصرة..

سعيد الشهراني
1445/02/28 - 2023/09/13 10:16AM

الخُطْبَةُ الأُولَى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

عباد الله :اتقُوا اللهَ تعالى واعلموا أن ما حدث في الأيام القليلة الماضية من هزات أرضية على إخواننا المسلمين في المغرب والفياضانات على أشقائنا في ليبيا والتي حصدت أرواح الالاف من البشر والكثير من الجرحى ؛ غفر الله موتاهم وشفى الله مرضاهم ؛ ماهو إلا عبرة تَسْتَحِقُّ أَنْ نَقِفَ مَعَهَا وَقْفَات تَأَمُّلٍ وَادِّكَارٍ ،وكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ أَنْ نَقِفَ مَعَ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ وَقْفَةً إِيمَانِيَّةً وتدبرية .

يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: الزَّلْزَلَةُ وَالزِّلْزَالُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَقَدَرٌ مِنْ أَقْدَارِ اللَّهِ فِي مُلْكِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ لِحِكْمَةٍ، وَيَصْرِفُهَا عَمَّنْ يَشَاءُ: ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ )

هَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ قَرَارًا، فِي مِثْلِ طَرْفَةِ الْعَيْنِ وَانْتِبَاهَتِهَا، يُغَيِّرُ اللَّهُ حَالَهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ فِي دُنْيَاهُمْ غَافِلُونَ، أَوْ فِي لَهْوِهِمْ سَادِرُونَ، إِذْ أَذِنَ اللَّهُ لِجُنْدٍ مِنْ جُنْدِهِ أَنْ يَتَحَرَّكَ، أَذِنَ لِلْأَرْضِ الصُّلْبَةِ السَّاكِنَةِ أَنْ تَضْطَرِبَ، فَإِذَا السُّقُوفُ تَجْثُو، وَالْبِنَايَاتُ تَتَمَايَلُ، وَالْحِيطَانُ تَتَنَاثَرُ؛ إِنَّهَا صَدْمَةٌ سَرِيعَةٌ خَاطِفَةٌ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهَا اللِّسَانُ، أَوْ يُصَوِّرَهَا الْبَنَانُ!

 فَكَمْ فِي آيَةِ الزَّلْزَلَةِ مِنْ عِبْرَةٍ وَعِظَةٍ نَحْنُ عَنْهَا غَافِلُونَ! كَمْ فِي ظَاهِرَةِ الزَّلَازِلِ مِنْ رَسَائِلَ لِبَنِي الْبَشَرِ، تُخَاطِبُهُمْ بِلِسَانِ الْحَالِ لَا الْمَقَالِ!

 أُولَى الوَقْفَات : مَا أَعْظَمَ قُدْرَةَ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ! وَمَا أَشَدَّ بَطْشَهُ! تَعَالَتْ عَظَمَتُهُ، وَجَلَّتْ قُدْرَتُهُ، إِذَا أَرَادَ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَالٍ، لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ الْمَكْرُوهِ، وَلَا مَحِيدَ عَنْ أَمْرِهِ النَّافِذِ، إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ؛ خَرَّتْ لِعَظَمَةِ اللَّهِ الْجِبَالُ الرَّاسِيَاتُ، وَتَشَقَّقَتْ مِنْ خَشْيَتِهِ الصُّخُورُ الْقَاسِيَاتُ ، فَكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا وَتَعْظِيمَنَا لِمَقَامِ رَبِّنَا، وَخُضُوعَنَا لَهُ، وَإِجْلَالَنَا، مَعَ هَذِهِ التَّغَيُّرَاتِ الْمَهُولَةِ! وكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نَسْتَشْعِرَ عَظَمَةَ اللَّهِ، وَقَدْ أُمْطِرْنَا بِالشَّهَوَاتِ، وَالْتَفَّتْ حَوْلَنَا الشُّبُهَاتُ، وَتَعَلَّقْنَا بِالْمَادِّيَّاتِ، وَتَنَافَسْنَا فِي الْمَظْهَرِيَّاتِ.

وثاني الوَقْفَات : أَنَّ الزَّلَازِلِ يَوْمَ تَرْجُفُ رَجْفَتَهَا كَأَنَّمَا تُخَاطِبُ أَهْلَ الْأَرْضِ بِعَجْزِ الْمَخْلُوقِ، وَضَعْفِهِ، وَفَقْرِهِ، وَقِلَّةِ حِيلَتِهِ، وَأَنَّه مَهْمَا طَغَى وَبَغَى، وَمَهْمَا تَجَبَّرَ وَتَكَبَّرَ، وَمَهْمَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ وَتَقَدُّمٍ - فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ، يَبْقَى هَذَا الْإِنْسَانُ مَهْمَا بَلَغَ وَكَانَ فَقِيرًا ذَلِيلًا، مَا لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ؛ يَبْقَى هَذَا الْإِنْسَانُ وَإِنِ اكْتَشَفَ الذَّرَّةَ، وَصَعِدَ الْفَضَاءَ، وَصَنَعَ الصَّوَارِيخَ الْعَابِرَةَ لِلْقَارَّاتِ، وَرَصَدَ أَمَاكِنَ الزَّلَازِلِ وَدَرَجَاتِهَا، يَبْقَى ضَعِيفًا حَائِرًا أَمَامَ هَذَا الْجُنْدِيِّ الْإِلَهِيِّ، فَلَا قُوَّةَ عَسْكَرِيَّةً، وَلَا تَرْسَانَةَ حَرْبِيَّةً، وَلَا أَجْهِزَةَ تَقَدُّمِيَّةً تُقَلِّلُ مِنْ حَجْمِ هَذِهِ الْخَسَائِرِ الْمَادِّيَّةِ، فَضْلًا أَنْ تَدْفَعَهَا أَوْ تُؤَخِّرَهَا.

وثالث الوَقْفَات : رِسَالَةٌ أُخْرَى تَعِظُنَا بِهَا هَذِهِ الزَّلَازِلُ: فَمَا نَرَاهُ الْيَوْمَ مِنْ دَمَارٍ مَهُولٍ، وَمَشَاهِدَ مُفْجِعَةٍ مَا هُوَ إِلَّا جُزْءٌ يَسِيرٌ، وَمَشْهَدٌ قَصِيرٌ مِنْ زِلْزَالِ يَوْمٍ عَظِيمٍ.

إِذَا كَانَ أَهْلُ الْأَرْضِ فَجَعَتْهُمْ حَرَكَةٌ قَلِيلَةٌ، وَهِزَّاتٌ يَسِيرَةٌ، فِي ثَوَانٍ مَعْدُودَةٍ، وَفِي بُقْعَةٍ مَحْدُودَةٍ؛ فَكَيْفَ بِنَا -يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ- إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا؟! وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا؟! كَيْفَ حَالُنَا إِذَا حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً؟!

إِنَّهُ زِلْزَالٌ وَصَفَهُ اللَّهُ الْعَظِيمُ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ ، تَذْهَلُ مِنْ هَوْلِهِ وَشِدَّتِهِ الْمَرَاضِعُ، وَتَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) ؛ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَّعِظُ بِالأيات، وَأَنْ يَهْدِيَنَا سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَأَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ وَفَوَاجِعِ الزَّمَانِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ .

أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ) رواه البخاري ، فَحَقٌّ عَلَى مَنْ عَقَلَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ، وَسَمِعَ وَشَاهَدَ مِثْلَ هَذِهِ الزَّلَازِلِ أَنْ يَسْعَى لِلْآخِرَةِ حَقَّ سَعْيِهَا، وَأَنْ يُسَابِقَ عُمُرَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُقَرِّبُهُ عِنْدَ رَبِّهِ زُلْفَى ، وقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَالِحِي سَلَفِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقْبِلُونَ عَلَى رَبِّهِمْ مَعَ إِقْبَالِهِمْ ، إِذَا رَأَوْا مِثْلَ هَذِهِ الْكَوَارِثِ.

ختاماً عباد الله : إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ، أَنَّ مَعَ كُلِّ كَارِثَةٍ نَرَاهَا وَنُتَابِعُ أَحْدَاثَهَا ، نَرَى أَنَّ الصَّوْتَ الْأَعْلَى هُوَ التَّحْلِيلُ الْمَادِّيُّ، فَالْأَعَاصِيرُ هِيَ بِسَبَبِ تَيَّارٍ هَوَائِيٍّ، وَالْغُبَارُ بِسَبَبِ مُنْخَفَضٍ جَوِّيٍّ، وَالطُّوفَانُ سَبَبُهُ زِيَادَةُ مَنْسُوبِ الْمَاءِ، وَالزَّلَازِلُ بِسَبَبِ تَشَقُّقٍ وَتَكَسُّرٍ فِي قِشْرَةِ الْأَرْضِ. وَهَكَذَا، كُلُّ ظَاهِرَةٍ تُفَسَّرُ تَفْسِيرًا مَادِّيًّا صِرْفًا  .. ونسوا أو تناسوا أن الله هو خالقها ومدبرها ومصرفها كيف يشاء سبحانه جل شأنه قال تعالى : (( ومانرسل بالأيات إلا تخويفا )) ..فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ...

هذا وصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ.....

المرفقات

1694594333_خطبة ( الزلازل عبرة وادكار ) مختصرة.docx

المشاهدات 1395 | التعليقات 0