خطبة بعنوان ( الراحــــــــــــــــــــة في ثلاثٍ) مختصرة.

سعيد الشهراني
1446/01/25 - 2024/07/31 11:30AM

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَحَ صَدْرَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْهِدَايَةِ بِرَحْمَتِه، وَأَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ مَنْ شَاءَ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِه ، وأَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ ،صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَيراً .

أَمَّا بَعْدُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كُلٌّ يَنْشُدُ السَّكِينَةَ وَالارْتِيَاحَ ، وَرَاحَةَ الْبَالِ وَالِانْشِرَاحَ : بَلْ رُبَّمَا دَفَعَ الْإِنْسَانُ أَغْلَى مَا يَمْلِكُ لِتَحْصِيلِهَا وَتَكْمِيلِهَا ؛ وَقَدْ يَجِدُهَا أَوْ لَا يَجِدُهَا؛ وَقَدْ قِيلَ : الرَّاحَةُ كُلُّ الرَّاحَةِ فِي ثَلَاث فِي التَّسَامُحِ وَالتَّفَاؤُلِ وَالتَّغَافُلِ .

فَالتَّسَامُحُ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَقُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ كَرِيمَةٌ ؛ مَنْ وُفِّقَ لَهَا وُفِّقَ لِلْخَيْر؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ﴾،وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ فَالتَّسَامُحُ خُلُقٌ يَدُلُّ عَلَى رُوحِ الْحَيَاةِ فِي نَفْس صَاحِبِهَا ، بَلْ هُوَ عُنْوَانُ صَفَائِهَا ، وَبُرْهَانُ نَقَائِهَا .

 عباد الله: وَالنَّفْسُ الْمُتَسَامِحَةُ مِنْ أَصْفَى النُّفُوسِ وَأَسْعَدِهَا ، فَهِيَ تَحْمِلُ رُوحًا مُحَبَّةً لِلْخَيْرِ ، تَبْذُلُ الْإِحْسَانَ لِلنَّاسِ ، وَتَحْمِلُ قَلْبًا رَحِيمًا يُحِبُّ السَّعَادَةَ لِلْآخَرِينَ ، وَيَرْجُو اَلْخَيْرَ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ ؛ يَتَأَلِّمُ لِآلَامِهِمْ ، وَيَفْرَحُ لِفَرَحِهِمْ : وَقَدْ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ، قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : « هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثـْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ » صَحْحَهُ الْأَلْبَانِي.

أيها المسلمون: وَأَمَّا التَّفَاؤُلُ فَهُوَ خَصْلَةٌ حَمِيدَةُ ، وَخُلُقَ نَبِيلٌ يُعَبِّرُ عَنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَالثَّقَةِ بِهِ، وَيَجْلُبُ السَّعَادَةَ إِلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ ؛ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ .

وَقَدْ غَمَرَ التَّفَاؤُلُ حَيَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَرَبَّى عَلَيْهِ صَحَابَتَهُ الْكِرَامَ ، وَرَسَّخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ ، فَكَانَ إِذَا سَمِعَ اسْمًا حَسَنًا أَوْ كَلِمَةً طَيِّبَةً ، أَوْ مَرَّ بِمَكَانِ طَيِّبٍ انْشَرَحَ صَدْرُهُ ، وَاسْتَبْشَرَ بِمَا هُوَ عَازِمٌ عَلَيْهِ تَفَاؤُلاً وَأَمَلاً ! لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَالثَّقَةَ بِهِ سُبْحَانَهُ ، وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعَمَلِ ، بَلْ وَلِإِحْسَانِهِ وَإِتقَانِه، فَالْمُتَفَائِلُ ذَكِيُّ الْعَقْلِ ، وَافِرُ الْحَظِّ ، عَظِيمُ الرِّبْحِ ، وَاسِعُ الْفَرَحِ : يُحْسِنُ الظَّنَّ وَلَا يَتَشَاءَمُ ، ويَتَمَتَّعُ بِطَاعَةِ رَبِّهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ ، وَيَتَقَلِّبُ بَيْنَ شُكْرٍ وَصَبْرٍ فِي أَقْدَارِ اللَّهِ عَلَيْهِ .فاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنْ الْعَافِيَةِ أَكْمَلَهَا ، وَمِنْ الدُّنْيَا خَيْرَهَا ، وَمِنْ الْآخِرَةِ نَعِيمَهَا ، يَا رَبَّ الْعَالَمَيْنِ .

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة في الإيمان، وشرع لهم من الأسباب ما تقوم به تلك الأخوة، وتستمر على مدى الزمان، أحمده وأشكره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما .

أَمَّا بَعْدُ : أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ رَاحَةِ النَّفْسِ وَانْشِرَاحِهَا : خُلُقَ التَّغَافُلِ ، وَهُوَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيِمُ ، وَزَخَرَتْ بهَا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةٌ تَطبيقاً وَعَمَلاً ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ ، وَالتَّغَافُلُ خُلُقُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.

وَالتَّغَافُلُ دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى حُسْنِ خُلُقٍ صَاحِبِهِ، َقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - : مَا يَزَالُ التَّغَافُلُ عَنِ الزَّلْاتِ مِنْ أَرْقَى شِيَمِ الْكِرَامِ، فَإِنَّ النَّاسَ مَجْبُولُونَ عَلَى الزَّلْاتِ وَالْأَخْطَاءِ، فَإِنِ اهْتِمَّ الْمَرْءُ بِكُلِّ زَلَّةٍ وَخَطِيئَةٍ تَعِبَ وَأَتْعَبَ، وَالْعَاقِلُ الذَّكِيُّ مَنْ لا يُدَقِّقُ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ ، مَعَ أَهْلِهِ، وَأَحْبَابِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَجِيرَانِهِ، وَزُمَلائِهِ ، كَيْ تَحْلُو مُجَالَسَتُهُ، وَتَصْفُو عِشْرَتُهُ.

وَاعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ التَّغَافُلَ وَالْحَثَّ عَلَيْهِ لا يَعْنِي تَرْكَ النَّصِيحَةِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْكَارِهَا ! لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ لِمَنْ يَسْتَطِيعُهُ ؛ فَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ : « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فاللهم طيب ألسنتنا بالقول الحسن ؛ وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ محمد ...

المرفقات

1722416504_خطبة بعنوان (الراحــــــــــــــــــــة في ثلاثٍ) مختصرة.docx

المشاهدات 2923 | التعليقات 3

هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ  محمد سليمان المهوس جزاه الله خير


الله يجزاك خير  خطبة موفقة ومفيدة 


اللهم امين وإياك ياشيخ تركي وشكرا لمرورك العاطر