خطبة بعنوان ( الأسرة بين الإستقرار والشتات )مختصرة .

سعيد الشهراني
1445/05/08 - 2023/11/22 09:06AM

الخطبة الأولى :

الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ بَيْنَ الأَزْوَاجِ وَرَغَّبَ فِي بِنَاءِ الأُسْرَةِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَة , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا إِلَى اللهِ بِالْحِكْمَةِ، وَكَانَ بِأَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ أَفْضَلَ قُدْوَةٍ ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسلم .

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهَ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ الظَّاهِرَة وَآلائِهِ الْبَاهِرَة , فَدِينُنَا خَيْرُ الأَدْيَانِ , وَأُمَّتُنَا خَيْرُ الأُمَمِ , وَنَبِيُّنَا أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُه , وَنَحْنُ بَيْنَ ذَلِكَ فِي صِحَّةٍ فِي الأَبْدَانِ وَأَمْنٍ فِي الأَوْطَانِ وَرَغَدٍ فِي الْعَيْشِ وَأَمَان .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : يَشْتَكِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ رِجَالاً وَنِسَاءً كِبَارَاً وَصِغَاراً مِنْ فَقْدِ الطُّمَأْنِينَةِ وَالرَّاحَةِ فِي الْبُيُوتِ , وَوُجُودِ مَشَاكِلَ تَكَادُ تَكُونُ دَائِمَةً وَمُزْمِنَةً بَيْنَ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ , حَتَّى نَتَجَتْ مُضَاعَفَاتٌ لِهَذِهِ الأَعْرَاضِ عَصَفَتْ بِالأُسْرَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ , وَشَتَّتَتِ كثير من الْبَيْوتَ, فَالزَّوْجَةُ مُطَلَّقَةٌ أَوْ تُعَامَلُ مُعَامَلَةً قَاسِيَةً , وَالأَبُ بَعِيدٌ عَنْ أُسْرَتِهِ , إِمَّا يَلْهَثُ وَرَاءَ سَرَابِ الدُّنْيَا الذِي لا يَنْقَطِعُ , أَوْ يَهْرُبُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مَعَ زُمَلاءِ الْعَمَلِ أَوْ أَصْدِقَائِهِ, بَيْنَمَا تَرَكَ زَوْجَتَهُ وَأَوْلادَهُ يُرَبِّيهِمُ الشَّارِعُ وَأَصْحَابُ السُّوء , أَوْ تُرَبِّيهِمْ وَسَائِلُ الإِعْلامِ الْمُغْرِضَةِ , وَالْمَوَاقِعِ الْهَابِطَةِ , وَهَذَا أَدَّى إِلَى ضَيَاع ِالأَوْلادِ وَجَعَلَهُمْ بَيْنَ هَارِبِينَ مِنَ الْمَنْزِلِ , أَوْ تَارِكِينَ لِلدِّرَاسَةِ , أَوْ سَاقِطِينَ فِي أَوْحَالِ الْمَعَاصِي وَبَيْنَ أَحْضَانِ أَصْحَابِ السُّوءِ وَصَاحِبَاتِ السُّوء .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ الإِسْلامَ أمر بِالْعِنَايَةِ بِالأُسْرَةِ مِنْ أَوَّلِ خُطُوَاتِ بِنَائِهَا , وَجَاءَ بِإِصْلاحِهِا فِي جَمِيعِ مَنَاحِي حَيَاتِهَا ! فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَنْ يَخْتَارَ ذَاتَ الدِّينِ , لِأَنَّهَا هِيَ الصَّالِحَةُ وَهِيَ الْمُصْلِحَةُ وَهِيَ نِعْمَ الرَّفِيقُ وَخَيْرُ الْعَوِينِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا , وَلِحَسَبِهَا , وَلِجَمَالِهَا , وَلِدِينِهَا , فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : إِنَّ مُعَامَلَةَ الزَّوْجَةِ الْمُعَامَلَةَ الطَّيَّبَةَ وَإِعْطَاءَهَا حَقَّهَا وَحُسْنَ مُعَاشَرَتِهَا مِمَّا يَجْعَلُ الأُسْرَةَ تَسْتَقِرُّ بِإِذْنِ اللهِ , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ , وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى رَفِيعِ مُعَامَلَةِ الزَّوْجَةِ خِلافاً لِأَهْلِ الْجَفَاءِ وَالْغِلْظَةِ , حَتَّى أَثَّرَتْ مُعَامَلَتُهُمُ الْقَاسِيَةُ عَلَى نَفْسِيَّاتِ أَوْلادِهِمْ , وَظَهَرَتِ النُّفْرَةُ مِنَ الأَبِ وَالْبَيْتِ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ سُوءِ مُعَامَلَةِ أَبِيهِمْ لِأُمِّهِمْ , وَهَذَا خِلافُ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ , فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ , وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ , فَقَالَ لِلنَّاسِ (تَقَدَّمُوا) فَتَقَدَّمُوا , ثُمَّ قَالَ (لِي تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ) فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ , فَسَكَتَ عَنِّي , حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ , خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ , فَقَالَ لِلنَّاسِ (تَقَدَّمُوا) فَتَقَدَّمُوا , ثُمَّ قَالَ (تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ) فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي , فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ (هَذِهِ بِتِلْكَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ , فَتَأَمَّلُوا _أَيُّهَا الإِخْوَةُ_ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ النَّبَوِّيَةَ وَهَذِهِ الأَخْلاقَ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَعَ الزَّوْجَةِ , فَهلْ نَحْنُ بِهِ مُقْتَدُونَ ؟ وَهَلْ نَحْنُ لَهُ مُتَّبِعُونَ ؟ أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ .

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ , وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ , وَاحْفَظُوا بُيُوتَكُمْ وَارْعَوْا أَوْلادَكُمْ وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ زَوْجَاتِكُمْ وَكُونُوا مُتَعَاوِنِينَ مَعْهُنَّ فِي إِصْلاحِ الأَوْلادِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ , فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ اسْتِقْرَارِ حَيَاتِكُمْ وَطُمَأْنِينَةِ قُلُوبِكُمْ , لِأَنَّ صَلاحَ الأَوْلادِ وَالزَّوْجَةِ أَوْلَى مَطَالِبِ الْعُقَلاءِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِيَن وَحَاكِيَاً دُعَاءَهَمْ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) .
أَيُّهَا الأَبُ الفَاضِل : إِنَّكَ لا تُطَالَبُ أَنْ تَبْقَى فِي الْمَنْزِلِ أَرْبَعَاً وَعِشْرِينَ سَاعَةً , ولكن َتُلَامُ عِنْدَمَا لا تُعْطِي زَوْجَتَكَ وَأَوْلادَكَ إِلَّا فَضْلَةَ وَقْتِك , وَلا تَرَاهُمْ إِلَّا فِي وَقْتِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ , أَوْ لا تَأَتِيهِمْ إِلَّا وَقْتَ النَّوْمِ !!! فَلا يَسْمَعُونَ مِنْكَ نُصْحَاً وَلا تَوْجِيهاً , وَلا يَأْنَسُونَ بُقُرْبِكَ مِنْهُمْ أَوَ مُمَازَحَتِكَ لَهُمْ , فَكَيْفَ يَتَرَبَّوْن ؟ بَلْ كَيْفَ يُحِبُّونَكَ وَهُمْ لا يَرَوْنَكَ إِلَّا وقت يسير .
إِنَّ زَوْجَتَكَ وَأَوْلادَكَ فِي حَاجَةِ حَنَانِكَ وَرِعَايَتِكَ وَتَوْجِيهِكَ وَنُصْحِكَ , إِنَّهُمْ فِي ضَرُورَةٍ لِأَنْ تَجْلِسَ مَعَهُمْ وَتَأْكُلَ مَعَهُمْ وَتُمَازِحَهُمْ وَتَلاعُبَهُمْ , إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْكَ أَمَامَهُمْ , وَيَسْمَعُونَ صَوْتَكَ وَيُحِسُّونَ بِرِعَايَتِكَ لَهُمْ !!! إِنَّكَ بِجُلُوسِكَ مَعَهُمْ تُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ وَالأُنْسَ , وَتَطْرُدُ عَنْهُمُ الْمَلَلَ وَتُبْعِدُ عَنْهُمُ السَآمَةَ !
أَيُّهَا الأَبُ الكَرِيم : إِنَّ نُصْحَكَ لِأَفْرَادِ أُسْرَتِكَ بِشَفَقَةٍ وَحُسْنِ أُسْلُوبٍ لَهُ أَثَرٌ فِي صَلاحِهِمْ , وَلَهُ قُوَّةٌ فِي هِدَايَتِهِمْ ! فَاسْتَعْمِلْ هَذَا وَاسْتَمِرَّ مَعَهُمْ وَأَبْشِر فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَكَ وَلَنْ يُخَيِّبَ سَعْيَك !فَاللَّهُمَّ أَصْلِحَ بُيُوتَنَا وَأحْفَظَ أَهَالِيَنا وأهْدِيَ أَوْلادَنَا لما تحب وترضى .

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ....

اللهم أصلح لنا نياتنا وذرياتنا ؛ اللهم وهَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا , اللَّهُمَّ احْمِهِمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَاحْفَظْهُمْ مِنْ كُلِّ سُوءٍ , وَاجْعَلْهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ،اللَّهُمَّ رُدَّ ضَالَ الْمُسْلِمِينَ , اللَّهُمَّ اجْعَلْ بُيُوتَنَا بُيُوتاً آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً , تُشِعُّ بِنُورِ الْقُرْآنِ وَتَتَمَتَّعُ بِطَاعَتِكَ يَا رَحْمَن.

عباد الله :

اذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون .

المرفقات

1700633191_خطبة بعنوان ( الأسرة بين الإستقرار والشتات )مختصرة.docx

المشاهدات 2319 | التعليقات 1

هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ محمد مبارك الشرافي جزاه الله خير.