خطبة بعنوان (أَدوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) مختصرة

سعيد الشهراني
1446/02/17 - 2024/08/21 10:31AM

الخطبة الأولى :

الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَحَ صَدْرَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْهِدَايَةِ بِرَحْمَتِه، وَأَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ مَنْ شَاءَ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِه ، وأَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ ،صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَيراً .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

أيها المسلمون: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، عَنْ جُوَيْرِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى -حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ-، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: (مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟)، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ).سبحانَ اللهِ .. ساعاتٌ مُباركاتٌ، من التَّهليلاتِ، والتَّسبيحاتِ، والتَّكبيراتِ، والتَّحميداتِ، استغفارٌ، وأذكارٌ، ومع ذلك تُعادلُها أو تفوقُ عليها، كلماتٌ معدوداتٌ، في ثوانٍ قَليلاتٍ.

إنها يا عبادَ اللهِ برَكَةُ اتِّباعِ سُنَّةِ النَّبيِّ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ، وأن العملَ فيها وإن كانَ قليلاً ينتقصُه الجاهلُ، ولكنه في الأجرِ كبيراً لا يتصوَّرُه العاقلُ، وأعظمُ ما فيه هو الامتثالُ لأمرِ اللهِ تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).

ولذلك لمَّا جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَلَمَّا أُخْبِروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، وَقَالُوا: أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، ثُمَّ قَالَ أحدُهُم: أمَّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبداً، وَقالَ الآخَرُ: وَأَنَا أصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ، وَقالَ الآخر: وَأَنا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أتَزَوَّجُ أبَداً، فجاءَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، فَقَالَ: (أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا واللهِ إنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي).

يا أهلَ الإيمانِ عليكم بما تُطيقونَ من صالحِ العملِ، والإخلاصِ للهِ عزَّ وجلَّ، من العباداتِ التي تنشرحُ لها الصُّدورُ، وتَعظمُ فيها الأجورُ، ويَحضرُ فيها القلبُ، ويُعظَّمُ فيها الرَّبُّ، فاللهَ يُحِبُّ مِن عَبدِهِ المُدَاوَمَةَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَحَبُّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ أَدوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ

فإيَّاكَ أيها المؤمنُ من تضييعِ الحقوقِ، وتحميلِ النَّفسِ ما لا تَفوقُ، فعِندما زارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرداءِ فَرَأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ: مَا شَأنُكِ؟ قَالَتْ: أخُوكَ أَبُو الدَّردَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ في الدُّنْيَا، فَجاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً، فَقَالَ لَهُ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أنا بِآكِلٍ حَتَّى تَأكُلَ فأكلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّردَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ: نَمْ، فنامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ من آخِر اللَّيلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُم الآن، فَصَلَّيَا جَمِيعاً، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً، فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَ سَلْمَانُ) ، (فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)، كلمةٌ أقرَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها سلمانَ، فينبغي أن تكونَ لنا في حياتِنا عنوانٌ. فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَنْفَعُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَكُونُ أَنِيسًا لَكُمْ فِي قُبُورِكُمْ، وَذُخْرًا لَكُمْ فِي آخِرَتِكُمْ ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا أَشَدُّ مَا نَكُونُ حَاجَةً فِي هَذَا الزَّمَنِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَكْثِيرِهِ وَتَنْوِيعِهِ وَالدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ؛ لِكَثْرَةِ الْفِتَنِ الْمُحِيطَةِ بِنَا، وَالْمِحَنِ الَّتِي تُطَوِّقُنَا، وَالْكُرُوبِ الَّتِي تَتَابَعُ عَلَيْنَا، وَفِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَنْجَاةٌ مِنَ الْفِتَنِ، وَثَبَاتٌ فِي الْمِحَنِ، وَمَخْرَجٌ مِنَ الْكُرُوبِ.
وَيَكْفِي الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَضْلًا، وَيَكْفِي أَهْلَهُ شَرَفًا أَنَّ اللهَ تَعَالَى زَكَّاهُم وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، فَيَا لَهُ مِنْ فَضْلٍ وَشَرَفٍ لِمَخْلُوقٍ يُزَكِّيهِ الْخَالِقُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ فَجَعَلَهُمْ سُبْحَانَهُ خَيْرَ الْخَلِيقَةِ.
أيها المسلمون: إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ لَا نَتْرُكَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ على الدوام؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعْبَدُ فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَقَصْرُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى زَمَنٍ دُونَ آخَرَ طَرِيقٌ إِلَى الْخُسْرَانِ، فعلى المسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا اجْتَهَدَ فِي إِثْبَاتِهِ وَالدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ، وَمَعَ تَتَابُعِ الأيام والسنوات يجد نفسه قد مَلَأَ وَقْتَهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الصَّلَاحِ، وَمِلْءِ الْوَقْتِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ. فنَسْأَلُ اللهَ َأَنْ َيُوَفِّقَنَا لِمَا يُرْضِيهِ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا سَيِّئَهَا.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد...

المرفقات

1724229231_خطبة بعنوان (أَدوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) مختصرة.docx

المشاهدات 1478 | التعليقات 0