خطبة: برنامج العشر ويوم عرفة
عبد الرحيم المثيلي
الخطبة الأولى
الحمد لله، أعظَمَ للمتقين العاملين أجورَهم، وشرح للهدى والخيراتِ صدورَهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وفّق عبادَه للطاعات وأعان، وأشهد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسوله خير من علَّمَ أحكامَ الدِّين وأبان، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه أهلِ الهدى والإيمان، وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان، وسلّم تسليمًا مزيدا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون..
عباد الله: لو أن رجلاً قيل له إن هذا البنك قد أذن لكل من يدخله أن يأخذ من الأموال ما يشاء أو ما يستطيع حمله بيديه لمدة عشرة أيام.. فالناس كل يوم يغدون إلى هذا البنك ويأخذون من الأموال وهذا الرجل يكتفي بالنظر إليهم فقط !!! إذن لقال عنه كثير من الناس إنه محروم وأحمق.. أليس كذلك؟!
تالله يا عباد الله إن من يدرك هذه الأيام العشر من ذي الحجة ثم لم يتزود فيها من الأعمال الصالحة لهو أشد حمقاً وأعظم حرماناً .. إذ كيف يمد الله في عمره حتى يدرك هذه الأيام المباركات ثم لا يتزود فيها من الأعمال الصالحات التي تقربه من رب الأرض والسماوات ...
كم ضيعنا من الأوقات؟ .. وكم فاتنا من مواسم الخيرات؟.. كم من أعمالٍ صالحةٍ فرطنا فيه .. ماذا ننتظر؟!.. ماذا ننتظر؟!
أعمارنا تمضي فبالأمس كنا أبناء العشرين ثم صرنا في الثلاثين والأربعين ومنا من تجاوز الخمسين والستين .. ألا تسأل نفسك متى ستعمل لأخرتك؟!
أترضى أن تكون حالك كحال من قال الله عنه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99، 100]
لقد وعظنا الله في كتابه فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا – إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك - يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ – لماذا يريد التأخير؟ للتمتع بلذات الدنيا واقتطاف شهواتها؟ كلا - فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)- لكنه قد فات الآوان - وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 9 - 11]
يا عباد الله .. يا من خلقكم الله في هذه الدنيا لا لتنشغلوا بما فيها ولكن لتعملوا لحياتكم الأخرى ..
يا عباد الله ما هذه الغفلة التي يعيش بعضنا فيها؟
أما آن الآوان لنستيقظ من غفلتنا؟! ونصحو من رقدتنا؟!
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 1 - 3]
أيها المؤمنون: من أراد أن يغتنم هذه العشر المباركات فهذا برنامج يومي لعله أن يكون معيناً على ذلك ..
أولاً: صلاة الفجر في المسجد فلا بركةَ في يومٍ أوله تفريط في صلاة الفجر ثم المحافظة على أذكار ما بعد الصلاة.
ثانياً: المحافظة على جلسة الإشراق من بعد صلاة الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح أي: ما يقارب الخمسة عشر دقيقة بعد شروق الشمس ثم صلاة ركعتين بعدها فإنها تعدل حجة وعمرة تامة. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ صَلَّى الفجر في جماعة، ثم قَعَدَ يذكرُ الله، حتى تطلُع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: تامةٍ تامةٍ تامة» أخرجه الترمذي. وكان رسول الله r يجلس في مصلاه إذا صلى الفجر حتى ترتفع الشمس. رواه مسلم. فهي ثابتة من فعله وقوله r. فإن لم تستطع ذلك فلا تتركنَّ صلاة الضحى فتلك صلاة الأوابين.
ثالثاً: تلاوة جزء أو جزئين من القرآن الكريم مع المحافظة على أذكار الصباح قبل شروق الشمس.
رابعاً: المحافظة على الذكر العظيم الذي رواه البخاري ومسلم أَنَّ رسولَ اللهِ r قال: «مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ وهوَ على كلِّ شَيءٍ قَديرٌ في يومٍ مائة مرةٍ، كانت له عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مائةُ حسنةٍ، ومُحِيَتْ عنه مائة سَيِّئَةٍ، وكانت لَهُ حِرْزاً من الشيطانِ يومَهُ ذلكَ، حتى يُمسيَ، ولم يأتِ أحدٌ بِأفضلَ مما جاءَ بِهِ، إِلا رجلٌ عَمِلَ أكثر منه ». عمل يسير وأجر كبير لا يوفق له إلا من وفقه الله, ولا يحرم منه إلا محروم عياذاً بالله.
خامساً: المحافظة على صلاتي الظهر والعصر في المسجد مع تلاوة جزء أو نصف جزء من القرآن الكريم.
سادساً: المحافظة على أذكار المساء, مع الدعاء قبل الإفطار وبعده..
سابعاً: المحافظة على أداء صلاتي المغرب والعشاء في المسجد فلا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد كما قال علي رضي الله عنه, ولا صلاة لمن سمع النداء ولم يجب إلا من عذر كما قال رسول الله r .
ثامناً: تلاوة ما تيسر من القرآن ليلاً ليكون مجموع ما قرأت في هذه العشر ختمة أو ختمتين أو أكثر بقدر استطاعتك .. اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه.
أخي في الله: وصيتي لك لا ينقضي ليلك دون أن تقف بين يدي ربك ولو بثلاث ركعات, ولا ينقضي نهارك دون أن تتصدق ولو بشق تمرة.
وانوِ – صادقاً - فعل هذه الطاعات فقد تنالُ أجرَها ولو لم تفعلها.. فكلٌ ميسر لما خلق له, والموفق من وفقه الله ..فإن يسرها لك الله .. فقل الحمد لله .. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] فإن وفقك لشكره والاعتراف بفضله بعد أن وفقك لطاعته فأبشر بذلك النداء .. {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة..
الخطبة الثانية
عباد الله: أمامكم يوم عظيم من أعظم الأيام عند الله ألا إنه يوم عرفة.. فإن لم تستطع الصوم في أيام العشر فلا يفوتنك صيام يوم عرفة فإنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده كما صحَّ عن رسول الله r .. واجتهد فيه بما تيسر من الأعمال الصالحة من ذكر ودعاء وتلاوة للقرآن فكل ذلك مشروع في أيام العشر وفي يوم عرفة آكد وفيه يبدأ التكبير المقيد بأدبار الصلوات من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق مع الاستمرار في التكبير المطلق آناء الليل وأطراف النهار ..
أيها المؤمنون: المواسم العظيمة تمر أيامها سريعة فاغتنموها وبادروا بالأعمال الصالحة فما يدري الإنسان ماذا يعرض له. في الحديث عن أبي هريرة t أنَّ رسولَ الله r قال: «بادِرُوا بالأعمال سبعاً: هل تنْتظَرون إلا فَقْراً مُنْسياً، أو غِنى مُطغياً، أو مَرَضاً مُفسِداً، أو هَرَماً مُفنِداً، أو موتاً مُجْهِزاً، أو الدجالَ؟! والدَّجَّالُ شَرُّ غائبٍ يُنَتظَرُ، أو الساعةَ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ » رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن.
المرفقات
برنامج-العشر
برنامج-العشر
برنامج-العشر-2
برنامج-العشر-2