خطبة: بدع آخر العام

عبد الرحيم المثيلي
1443/12/30 - 2022/07/29 07:54AM

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

الحَمْدُ للهِ بِرَحمتِهِ اهتَدَى المُهتَدُونَ، وبِعَدلِهِ وحِكمَتِهِ ضَلَّ الضَّالونَ، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، وأَشهدُ أنَّ محمَّداً عَبْدُ اللهِ ورسولُه، ترَكَنَا عَلَى مَحَجَّةٍ بَيضَاءَ لَا يَزِيْغُ عَنهَا إلاَّ أَهْلُ الأَهْوَاء ِوَالظُّنُونِ، صَلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ وأتباعِهِبِإحسانٍ إلى يَومٍ لَا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلاَّ مَنْ أتى اللهَ بِقلبٍ سَلِيمٍ

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ الله - ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[ [الحشر: 18].

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ: مَعَ نِهَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيّ,وَبِدَايَةِ عَامٍ جَدِيد تَنْتَشِرُ بَيْنَ اَلنَّاسِ بَعْضُاَلْبِدَعِ وَالْمُخَالَفَاتِ, وَيَتَبَادَلُونَ اَلرَّسَائِلَ وَالْمُكَاتَبَاتِ تَذْكِيرًا بِهَذِهِ اَلْمُحْدَثَاتِ رَغْبَةً فِي اَلْأَجْرِ, وَكَسْبِ اَلْحَسَنَاتِ. وَلَكِنَّ اَلْعِبَادَاتِ لَهَا شَرْطَانِ مُتَلَازِمَانِ إِذَا فَقَدَ أَحَدُهُمَا كَانَتْ بِدْعَةٌ مُحْدِثَةٌ وَهَذَا اَلشَّرْطَانِ هُمْ اَلْإِخْلَاصُ وَالِاتِّبَاعُ . قَالَ اَللَّهُ: ]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اَللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ حُنَفَاء[[اَلْبَيِّنَة: 5], وَدَلِيلُ اَلِاتِّبَاعِ مَا ثَبَتَ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ عَائِشَة - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ اَلنَّبِيَّ r قَالَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ», وَلِمُسْلِمٍ: «مَنْ عَمَلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أَيْ: عَمَلُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ اَللَّهُ, وَثَبَتَ عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ t أَنَّهُ قَالَ: (اِتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كَفَيْتُمْ), وَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا - ( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رَآهَااَلنَّاسُ حَسَنَةً)، وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ - رَحِمَهُ اَللَّهُ -: (مَا اِبْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِم إِلَّا نَزَعَ اَللَّهُ عَنْهُم مِن سُنَّتِهِم مِثْلَهَا ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا إِلَيْهِم إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ), وَقَالَ اَلْإِمَامُمَالِك- رَحِمَهُ اَللَّهُ -: (مَنْ أَحْدَثَ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ اَلْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهَا؛ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ r خَانَ اَلرِّسَالَةَ؛ لِأَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُاَلْإِسْلَامَ دِينا[ [ اَلْمَائِدَةِ: 3]، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ دِينًا لَا يَكُونُ اَلْيَوْمَ دِينًا).

عِبَادَ اللَّه: مِنْ هَذِهِ اَلنُّقُولِ, وَغَيْرِهَا تَتَّضِحُلَنَا خُطُورَةُ اَلْبِدَعِ، لَاسِيَّمَا وَأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءِ مِنْ اَلْخَيْرِ فِي ظَاهِرِهَا، لِذَا يُسَارِعُ قَلِيلُو اَلْعَلَمِ إِلَيْهَا, وَيَسْهُلُ اِنْتِشَارُهَا بَيْنَهُمْ, وَصَدَقَ اَلْإِمَامُ أَبُو زَرْعَةَاَلرَّازِيُّ - رَحِمَهُ اَللَّهُ - حِينَ قَالَ: (مَا أَسْرَعَ اَلنَّاس إِلَى اَلْبِدَعِ) .

وَالْقَاعِدَةُ اَلشَّرْعِيَّةُ: أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَتَقَرَّبُ بِهِ اَلْمُسْلِمُ إِلَى رَبِّهِ, وَيَرْجُو مِنْهُ أَجْرًا وَثَوَابًا لَمْ يَفْعَلْهُ اَلنَّبِيُّ r وَلَا أَصْحَابُهُ y مَعَ إِمْكَانِهِمْ فِعْلُهُ, وَعَدَمُ وُجُودِ مَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ؛ فَهُوَ مِنَاَلْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ.

عِبَادَ اَللَّه: وَمِن اَلْبِدَعِ اَلَّتِي اِنْتَشَرَتْ فِي هَذِهِ اَلْأَزْمَانِ اَلْمُتَأَخِّرَةِ تَقَصُّدُ بَعْضِاَلنَّاسِ وَتَخْصِيصُهُمْ آخَر كُلّ عَامٍ هِجْرِيٍّ بِأَدَاءِ بَعْضِ اَلْعِبَادَاتِ كَالصِّيَامِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَيُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِذَلِكَ فِي اَلْمَجَالِسِ, أَوْ عَنْ طَرِيقِ رَسَائِلِ اَلْجَوَّالِ,وَوَسَائِلِ اَلِاتِّصَالِ اَلْحَدِيثَةِ, أَوْ عَنْ طَرِيقِ بَعْضِ اَلْوُعَّاظِ اَلْجَاهِلِينَ بِالدِّينِ، وَدَافِعُهُمْ في ذَلِكَ اِعْتِقَادُهُمْ أَنَّ صَحَائِفَ أَعْمَالِ كُلِّ سَنَةٍ تُطْوَى فِي آخِرِهَا فَيُحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ خَاتِمَةُ صَحَائِفِهِمْ خَيْرًا، وَهَذَا اَلْعَمَلُ مِنْهُمْ - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ خَيْرًا -؛ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ اَلْأَعْمَالِ اَلْمُحْدَثَةِ اَلْمُبْتَدَعَةِ اَلْمُخَالِفَةِ لِلسَّنَةِ لِأَسْبَابٍ كَثِيْرَةٍ .. مِنْهَا:

أَوّلاً: أَنَّ اَلْعِبَادَةَ إِذَا وَرَدَ اَلْأَمْرُ بِهَا مُطْلَقًا دُونَ تَحْدِيدٍ لِوَقْتِهَا، فَإِنَّ تَخْصِيصَ وَقْتٍلَهَا بِلَا دَلِيلٍ يُعْتَبَرُ مِن اَلْبِدَعِ. وَهَذَا هُوَاَلْحَاصِلُ تَمَامًا فِي خَتْمِ آخَرِ اَلسَّنَةِ بِتِلْكَ اَلْعِبَادَاتِ، فَمًا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ تَخْصِيصِهَا فِي هَذَا اَلْوَقْتِ؟ لَيْسَ هُنَاكَ دَلِيلٌ.

ثانيًا: أَنَّ هَذَا اَلْفِعْلَ لَمْ يَرِدْ عَن اَلنَّبِيِّ r,وَلَا عَن أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ اَلْإِسْلَامِ فَهَلْ نَحْنُ أَحْرَصُ مِنْهُمْ عَلَى اَلْخَيْرِ؟!!

ثَالثًا: اَلْقَوْلُ بِأَنَّ صَحَائِفَ اَلْعَامِ تُطْوَى فِي آخِرِهِ، دَعْوَى تَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ وَبُرْهَانٍإِذْ هُوَ أَمْرٌ غَيْبِيٌّ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلِ. وَأَنَّى لِمُدَّعِيهِ اَلدَّلِيل؟؟

رَابِعاً: لَوْ ثَبَتَ أَنَّ اَلصَّحَائِفَ تُطْوَى آخِر اَلسَّنَةِ؛ فَهَذَا لَا يُجِيزُ بِحَالٍ تَقَصُّدُخَتْمِهَا بِعَمَلٍ صَالِحٍ؛ إِذْ لَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقَنَا إِلَيْهِ رَسُولُ اَللَّهِ r, وَأَصْحَابُهُ y؛فَكَيْفَ وَهُوَ لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَصِح؟!  

خَامِسًا: مِن اَلْمُتَقَرّرِ عِنْدَ أَهْلِ اَلْعِلْمِ أَنَّ صَحَائِفَ اَلْأَعْمَالِ إِنَّمَا تُطْوَى بِالْمَوْتِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ جَمْعٌ مِن اَلْمُفَسِّرِينَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ]وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ[ [اَلتَّكْوِيرَ: 10].

سَادِساً: مِنْ اَلْمَعْلُومِ أَنَّ اَلتَّارِيخَ اَلْهِجْرِيَّ لَمْ يُوضَعْ إِلَّا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ t,وَاتَّفَقَ مَعَ اَلصَّحَابَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ شَهْرَ مُحَرَّمٍ, وَآخِرُهُ شَهْرَ ذِي اَلْحِجَّةِ, فَيَا تَرَى مَتَى كَانَتْ تُطْوَى صَحَائِفُ اَلْأَعْمَالِ قَبْلَ وَضْعِ اَلتَّارِيخِ اَلْهِجْرِيِّ ؟؟!!

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ: وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّتَقَصُّدَ اَلْمُسْلِمِ خَتَمَ اَلْعَامِ اَلْهِجْرِيّ بِعِبَادَةٍ مِن صِيَامٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ اِسْتِغْفَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ هُوَ مِن اَلْأُمُورِ اَلْمُنْكَرَةِ وَالْبِدَعِ اَلْمُحْدَثَةِ؛ فَمِنْ صَامَ آخِرَ خَمِيسٍ أَوْ آخَرَ اِثْنَيْن فِي اَلْعَامِ بِنِيَّةِ خَتْمِ اَلْعَامِ، أَوْ خَتَمِ آخِرِ يَوْمٍ فِي اَلْعَامِ بِصِيَامٍ أَوْ اِسْتِغْفَارٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ فَقَد اِبْتَدَعَ فِي دِينِ اَللَّهِ، وَأَمَّا مَنْ صَامَ ذَلِكَ؛لِأَنَّهَا عَادَةٌ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنَ يَصُومُ يَوْمًا, وَيُفْطِرُ يَوْمًا, أَوْ يَصُومُ اَلْاثْنَيْنَ وَالْخَمِيسَ؛ فَوَافَقَ آخِرَ يَوْمٍ أَوْ أَوَّلَ يَوْمٍ فِي اَلْعَامِ؛ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.

عِبَادَ اَللَّه: وَمِنْ مُخَالَفَاتِ نِهَايَةِ اَلْعَامِ: إِقَامَةُ اَلِاحْتِفَالَاتِ بِالْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ اَلْجَدِيدِ,أَوْ ذِكْرَى اَلْهِجْرَةِ النَّبَويَّةِ كَمَا يُسَمُّونَهَا. قَالَ اَلشَّيْخُ اِبْنُ عُثَيْمِينَ - رَحِمَهُ اَللَّهُ -: (وَأَمَّا إِقَامَةُ اَلِاحْتِفَالَاتِ بِمُنَاسَبَةِ بَدْءِ اَلْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ؛ فَهُوَ مُحَرَّمٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ اَلتَّشَبُّهِ). وَمِنْ اَلْمَعْلُومِ أَنَّ اَلْهِجْرَةَ كَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍاَلْأَوَّل, وليستْ في مُحَرّم. ثُمَّ لَوْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ r فِي مُحَرَّمٍ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ هَذَا اَلْوَقْتِ بِالْحَدِيثِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ اَلنَّبِيَّ r لَمْ يَحْتَفِلْ بِالْهِجْرَةِ وَلَمْ يَحْتَفِلْ بِهَا أَصْحَابُهُ y وَلَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ. فَالِاحْتِفَالُ بِالسَّنَةِ اَلْهِجْرِيَّةِ اَلْجَدِيدَةِ, أَوْ ذِكْرَى اَلْهِجْرَةِ أَمْرٌمُبَتَدعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِن كِتَابٍ وَلَا سُنَّة, وَلِمَا فِيهِ مِن اَلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ مِنْ اَلِاحْتِفَالِ بِرَأْسِ اَلسَّنَةِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ وَقَدْ أُمِرنَا بِمُخَالَفَتِهِمْ,وَنُهِينَا عَنْ اَلتَّشَبُّهِ بِهِمْ. قَالَ اَللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: ]ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِن اَللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ اَلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاَللَّهُ وَلِيُّ اَلْمُتَّقِين[[اَلْجَاثِيَة: 18 ، 19], وَفِي اَلْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ؛ فَهُوَ مِنْهُمْ»رَواهُ أَبُو دَاوُد.

وَمِن اَلْأُمُورِ اَلَّتِي تَنْتَشِرُ فِي آخِرِاَلْعَامِ: طَلَبُ اَلْمُسَامَحَةِ وَالْعَفْوِ مِنْ اَلْآخَرِينَ,وَهُوَ أَمْرٌ طَيِّبٌ فِي أَصْلِهِ وَمَحْمُود, وَلَكِنْتَخْصِيصُهُ بِنِهَايَةِ اَلْعَامِ هُوَ اَلَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ بَل اَلْمُسْلِمُ إِذَا أَخْطَأَ فِي حَقِّ أَخِيهِ اَلْمُسْلِمِ؛ فَإِنَّهُ يُبَادِرُ بِطَلَبِ اَلْمُسَامَحَةِ، وَلَا يُخَصِّصُ آخِرَ اَلْعَامِ بِذَلِكَ.

وَمِن اَلْأُمُورِ اَلَّتِي تَنْتَشِرُ نِهَايَةَ اَلْعَامِ: اَلتَّذْكِيرُ بِمُحَاسَبَةِ اَلنَّفْسِ عَلَى تَقْصِيرِهَا.وَالْمُحَاسَبَةُ فِي أَصْلِهَا مَشْرُوعَةٌ وَمَطْلُوبَةٌقَالَ اَللَّهُ: ]يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقَوْا اَللَّهَوَلِتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقَوْا اَللَّهَ إِنَّ اَللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[ [اَلْحَشْرُ: 18], وَقَالَعُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ t: (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا), وَلَكِنَّ اَلْمُحَاسَبَةَ تَكُونُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا تُخَصَّصُ بِنِهَايَةِ عَامٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ.

وَمِنْ اَلْأُمُورِ اَلَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا كَثِيرًا: اَلتَّهْنِئَةُ بِالْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ اَلْجَدِيدِ: فَقَدْ نَهَى عَنْهُ بَعْضُ اَلْعُلَمَاءِ, وَأَجَازَهُ آخَرُونَ, وَقَالُوا:إِنَّ اَلتَّهْنِئَةَ مِن أُمُورِ اَلْعَادَاتِ, وَلَيْسَتْ مِناَلْعِبَادَاتِ. قَالَ اَلشَّيْخُ اِبْنُ عُثَيْمِين: (إِنْهَنَّأكَ أَحَدٌ فَرُدَّ عَلَيْهِ، وَلَا تَبْتَدِئْ أَحَدًا بِالتَّهْنِئَةِ). وَالْأَولَى تَرْكُ اَلتَّهْنِئَةِ خُرُوجًا مِنْ اَلْخِلَافِ, وَاحْتِيَاطًا مِنْ اَلْوُقُوعِ فِي اَلْإِثْم.

أَقولُ قَولي هَذا, وَأَسْتَغفرُ اللهَ لي ولكُم مِن كُلّ ذَنبٍ فاَستغفِرُوهُ إنَّهُ كَانَ غفَّارا...

اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ: اِحْذَرُوا صِغَارَ اَلْمُحْدَثَاتِ مِن اَلْأُمُورِ فَإِنَّ صَغِيرَ اَلْبِدَعِ يَعُودُ حَتَّى يَصِيرَ كَبِيرًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ بِدْعَةٍ أُحْدِثَتْ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ كَانَ أَوَّلُ أَمرِهَا صَغِيرًا يُشْبِهُ اَلْحَقُّ فَاغْتَرَّ بِذَلِكَ مَنْ دَخَلَ فِيهَا, ثَمَّ لَمْ يَسْتَطِعْ اَلْخُرُوجَ مِنْهَا فَعَظُمَتْ وَصَارَتْ دِيناً يُدَانُ بِهِ فَخَالَفَ اَلصِّرَاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ؛ وقد يَتَدرَّجُ بِه الأَمرُ حتَّى يَخْرُجَ مِن اَلْإِسْلَامِ. قَالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ – رحمَهُ اللهُ -: (اَلْبِدَعُ تَكُونُ فِي أَوَّلِهَا شِبْرًا, ثُمَّ تَكْثُرُ فِي اَلْأَتْبَاعِ حَتَّى تَصِيرَ أَذْرُعًا وَأَمْيَالاً وَفَرَاسِخ), وَقَالَ: (إِنَّمَا يَظْهَرُ مِن اَلْبِدَعِ أَوَّلاً مَا كَانَ أَخْفّ, وَكُلَّمَا ضَعُفَ مَنْ يَقُومُ بِنُورِ اَلنُّبُوَّةِ قَوِيَتْ اَلْبِدْعَةُ), وَقَالَ اِبْنُ اَلْقَيِّمِ –رحمَهُ الله -: (اَلْبِدَعُ تُسْتَدْرَجُ بِصَغِيرِهَا إِلَى كَبِيرِهَا حَتَّى يَنْسَلِخَ صَاحِبُهَا مِن اَلدِّينِ كَمَا تَنْسَلُّ اَلشَّعْرَةُ مِن اَلْعَجِينِ).

وَمِن هُنَا تَعْلَمْ - أَيُّهَا اَلْمُوَحِّدُ - أَنَّ عِبَادَةَ اَللَّهِ أَمْرٌ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِمَا شَرَعَهُ اَللَّهُ لَكَ, أَوْ شَرَعَهُ لَكَ رَسُولُهُ r، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اَللَّهِ, وَيَنَالَ ثَوَابَهُ وَحُبَّهُ وَرِضَاهُ بِغَيْرِذَلِكَ؛ فَسَوْفَ يَحْصُلُ لَهُ عَكْسُ مَقْصُودِهِ,وَخِلَافُ مُرَادِهِ، فَإِنَّ اَللَّهَ لَا يَرْضَى إِلَّا بِمَا شَرَعَهُ مِن اَلْعِبَادَاتِ. وَلَقَدْ ذَمَّ اَللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ اَلْعَرَبَ اَلْجَاهِلِيِّينَ عِنْدَمَا تَدَخَّلُوا فِي شَرْعِ اَللَّهِ, وَأَخَذُوا يُحْرّمُونَ وَيُحَلِّلُونَ وَيَسْتَحِبُّونَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اَللَّهُ؛ فقَالَ الله:]أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِن اَلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اَللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ اَلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ اَلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [ اَلشُّورَى: 21].

عِبَادَ اَللَّه: إِنَّ تِلْكَ اَلْبِدَعَ إذَا ظَهَرتْ, ولَمْيُبَادِرْ أَهْلُ العِلمِ لِإِنْكَارِهَا, وَبَيَانِ مَفَاسِدِهَا,وَالتَّحْذِيرِ مِنْ شَرِّهَا، يَأْلَفُهَا اَلنَّاسُ,وَيُدْمِنُوا عَلَيْهَا حتَّى يُصْبِحَ مُنْكِرُهَا هُوَ اَلْمُخَالِفُ اَلْمَنْبُوذُ، وَلِهَذَا جَاءَتِ اَلنُّصُوصُ اَلصَّرِيحَةُ وَالصَّحِيحَةُ بِالْأَمْرِ بِبَيَانِ اَلْحَقِّ وَإِنْكَارِ اَلْمُنْكَرِ، قَالَ تَعَالَى: ]وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ[ [ آل عِمْرَان: 187]، وَقَالَ تَعَالَى: ]إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَنَا مِن اَلْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَاهُ لِلنَّاسِ فِي اَلْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُم اَللَّهُ وَيَلْعَنُهُماَللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا اَلَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِم وَأَنَا اَلتَّوَّابُاَلرَّحِيم[ [اَلْبَقَرَةِ: 159، 160]، وَقَالَتَعَالَى: ]لُعِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى اِبْنِمَرْيَم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[ [اَلْمَائِدَةُ: 78، 79], وَقَالَ اَلرَّسُولُ r: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ اَلْإِيمَان».

ألا فاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ – ومُرُوا بِالمَعروفِ, وانهَوا عَنِ المُنْكرِ, واتَّبِعُوا ولا تَبْتدِعُوا, ثُمَّ صَلُوا وَسَلَّمُوا عَلَى مَن أَمَرَكُمُ اللهُ بالصَّلاةِ والسَّلامِ عليهِ, حَيثُ قَالَ جَلَّ في عُلاه ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ [الأحزاب: 56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

المشاهدات 419 | التعليقات 0