خطبة: الوقاية في مجال بالصحة
عادل بن عبد العزيز الجهني
1446/04/14 - 2024/10/17 15:22PM
خطبة: الوقاية في مجال بالصحة.
الحمدُ للهِ أمرَ بالأخذِ بالأسبابِ، والعنايةِ بالصحةِ والآدابِ، وأشهدُ أن لا إله الله هدانا للدِّين القويم، والنهج السديد.
وأصلي وأسلم على من اعتنى بمعالي الأمورِ وصغائرِها، ودلّ أمتَه على ما يُفيدها وينفعها، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعدُ/
فأوصيكم ونفسي - أيّها النّاسُ- بتقوى الله، فهي العِزُّ للعباد، والزادُ ليومِ التناد.
عباد الله.
اعلموا -رحمني اللهُ وإيّاكم- إنّ الإسلامَ هو دينُ الكمالِ المطلقِ، فالذي شرّع أحكامَه هو اللهُ العليم الخبير، فلذا كانت العنايةُ بكل ما يحتاجه الخلقُ في خاصّة أنفسِهم، أو في الأحكامِ العامةِ ظاهرةً في تعليماته.
ومن الأمورِ العظيمةِ التي اعتنى بها هذا الدِّين، المحافظةُ على الأرواحِ والأنفسِ، وأخذُ الاحتياطات لحمايتها، يقول اللهُ-تعالى-: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ ويقول –سبحانه-: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾.
وجاءت الوقايةُ والاحتياطاتُ لحفظِ الأرواحِ في سُنّةِ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم ، يقولُ -عليه الصلاةُ والسلام-: "مَن باتَ فوقَ بيتٍ ليس حوله شيءٌ يرُدُّ رِجْلَه؛ فقد برئتْ منه الذِّمَّةُ، ومَن ركب البحرَ بعدما يَرْتَجُّ؛ فقد برئتْ منه الذِّمَّةُ" أخرجه أحمدُ، وهو في صحيح الترغيب.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: "إذا قامَ أحدُكم عن فراشِهِ، ثمَّ رجعَ إليه؛ فَلْيَنْفُضْهُ بِصِنْفةِ إزارِهِ ثلاثَ مراتٍ، فإنه لا يدري ما خَلَفه بعده" رواه البخاري ومسلم.
والأحاديثُ في هذا المعنى كثيرة.
ولعلنا أن نتناولَ اليومَ -أيّها المؤمنون- جانبَ الوقايةِ للصحة، التي راعتها الشريعةُ في جوانبَ كثيرة، فمن مبادئ الإسلامِ في هذا الباب، مشروعيةُ التداوي، والأخذُ بأسباب دفعِ المرض، والمحافظةُ على الصحة، فعن أسامَةَ بنِ شريكٍ قالَ: أتيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وأصحابُهُ كأنَّما علَى رؤوسِهِمُ الطَّيرُ فسلَّمتُ ثمَّ قعدتُ، فجاءَت الأعرابُ مِن ها هُنا وَها هُنا فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: "نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ". رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ولمّا سأله بعضُ أصحابِه عن الدواءِ: هل يَرُّدُّ قَدَرَ اللهِ؟ قال: "هو مِن قَدَرِ اللهِ" أخرجه أحمدُ والترمذي.
فالإسلامُ دينٌ مبنيٌ على الواقعِ، ولا يعيشُ في الخيال، فهو يراعي حالَ المريض والمُعافى، فيطلبُ من المريضِ أن يلتمسَ العلاجَ والشفاءَ والدواءَ، ويسلك سُبُله، ويطلبُ من المعافى أن يقيَ نفسَه مِن المرضِ بكل الطرقِ الممكنة.
أيّها المؤمنون/
إنّ مجالاتِ الوقايةِ الصحيةِ في الإسلام متعدِّدَةٌ ومتنوِّعة، فمن ذلك العنايةُ بالنظافةِ الشخصية، فالطهارةُ والنظافةُ هي السبيل للوقاية من الأوبئة، وهي الأصلُ في حياةِ المسلم، قال اللهُ تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
ومجالاتُ الطهارةِ متنوعةً، فمن ذلك غسلُ اليدينِ عند القيامِ من النوْم، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام : " إذا استيقظَ أحدُكُم من نومِهِ فلا يغمِسْ يدَهُ في الإناءِ حتَّى يغسلَها ثلاثًا فإنَّه لا يدري أين باتَتْ يدُهُ" أخرجه البُخاريُ ومسلمٌ.
ومن ذلك الأمرُ بالطهارة لأداءِ الصلاة، وجعْلُها شرطًا من شروط صحتها
ومن ذلك نظافةُ الجسد بشكل عام، وله صور متعدّدة، منها: حلقُ شعر العانة ونتفُ شعر الإبط أو حلقه، وتقليم الأظافر وقص الشارب: فعن أنس رضي الله عنه قال: "وُقِّتَ لنا في قَصِّ الشَّارِبِ، وتَقْلِيمِ الأظْفارِ، ونَتْفِ الإبِطِ، وحَلْقِ العانَةِ، أنْ لا نَتْرُكَ أكْثَرَ مِن أرْبَعِينَ لَيْلَةً" رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يستنجي بالماء مبالغةً في النظافة، فعن أنس قال: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَدْخُلُ الخَلاءَ فأحْمِلُ أنا، وغُلامٌ نَحْوِي، إداوَةً مِن ماءٍ، وعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بالماءِ" رواه مسلم.
ومن ذلك حلق الرأس إذا كان به قمل أو ما شابه ذلك: فقد قال عليه الصلاة والسلام لكعب بن عجرة -رضي اللهُ عنه- وهو محرم عندما أُصيب رأسُه بالقمل فقال له: "أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَدَعَا الحَلَّاقَ فَحَلَقَهُ” الحديث، رواه البخاري.
وجاء الإرشادُ لجعل اليدِ اليمنى للمكارمِ، واليدِ اليُسرى لِما يُستقذر منه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانَت يدُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ اليُمنى لطُهورِهِ وطَعامِهِ، وَكانت يدُهُ اليُسرى لخلائِهِ، وما كانَ من أذًى" رواه أبو داود.
وهذا الفعل يضمن -بإذن الله- لصاحبه كمال نظافة اليد اليمنى، ولعل هذا من الحِكم في المنع مِنْ أن يأكل المرءُ باليد اليسرى، لكي تقل نسبةُ انتقال الجراثيم إلى الفم عن طريق اليد، ويا ليت مَنْ يتهاون فيأكلون بالشمال -والذي حرّمته الشريعة- أن يتأمّلوا في هذه التوجيهات التي جاءت بها الشريعة، ويوقنوا أنّها ما جاءت إلا لمصلحة الإنسان.
وكذلك جاء الأمرُ بتجنّب القذارة؛ لأنّ أكثر الأمراض تأتي، أو تتولَّد عن منها، فجاء المنعُ من التبوُّل في الأماكن التي يرتادها الناسُ؛ حيث قال رسول الله: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ في ظِلِّهِمْ" رواه مسلم، والتخلي هو التبولُ والتبرّز.
فلا إله إلا الله، كم في أحكامِ الشريعة مِنْ كمال ظاهر.
ومن طرق الوقاية والسلامة، والعناية بالصحة التوقي من الرذاذ الذي يُؤدّي إلى انتقال كثير من الأمراض المعدية كالأنفلونزا وغيرها من الأمراض الفيروسية؛ ولذا جاء النهي عن النفخ والتنفس في آنية الأكل والشرب، كما يُستحسن تغطية الوجهَ أثناءَ العطاسِ والتثاؤب، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنَفَّسَ في الإِنَاءِ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ” رواه الترمذي.
وعنه -رضي الله عنه- قال: نَهَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ النَّفخِ في الطعامِ والشَّرابِ. أخرجه ابنُ ماجه، وهو في صحيح الجامع.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول كان إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته. رواه الترمذي.
فهذه الآداب وغيرها جاءت للحفاظ على الصحة، وليترقى أفراد الأمّةِ في مدارج الكمال الإنساني
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ….
الخطبة الثانية
فِمّما يُذكرُ ويُشكرُ لهذه البلاد -حفظها الله- حرصُها على مصالحِ النّاسِ، والعنايةُ بما ينفعهم من أمر دينهم ودنياهم، وشواهدُ هذا لا عدَّ له، ومجالات لا حصر لها، وممّا جاء التوجيهُ به هذه الأيّام أخذُ لُقاحِ الأُنفلونزا الموسميةِ للوقايةِ من الإصابةِ بها، حيث إنّه قد ثبت عِلميًا أنّ هذه اللقاحاتِ واقيةٌ –بإذن الله- منها، وتُخفّف حِدّةَ المرضِ لدى جميعِ فئاتِ المجتمعِ كافّةً –وخاصّةً الفئاتِ الأشدِّ عُرضةً للخطر، حيث تُشيرُ الدراساتُ الحديثةُ أنّ كبار السِنّ أكثر عُرضة لمضاعفات الأُنفلونزا الموسمية، وأنّ تلقّي اللقاح يُساهم –بإذن الله- في الحدّ من خطرِها، ومضاعفاتها بنسبة كبيرة، والإسلام –كما تقدّم، وهو معلوم- جاء لحفظ أرواح النّاس ومصالحهم، ومن أولويّات هذه المصالح، حفظُ الصحة، ودفعُ كلِّ شر وأذى عنها، وهي مصالحٌ شرعيةٌ معتبرةٌ يجبُ العنايةَ بها، والحذرُ من التهاون التساهل فيها.
والمجتمعُ مُطالبٌ بكل فئاته بالتعاونِ مع هذهِ الحملةِ، والتوعيةِ بها، ويعظمُ الأجرُ بالعنايةِ بما سبقَ بأن ينويَ الإنسانُ بها حفظَ النفسِ، والحرصَ على حفظِ من حولَه، وبذلَ الأسبابِ لطولِ العُمرِ للإنسان، واستمرارَ الصحة، وكلُّها مطالبٌ شرعية لِما فيها من مصالحِ كسبِ الأجورِ، والتقربِ لله بأنواعِ القُرباتِ، وعمارةِ الأرضِ بالطاعة.
صلّوا –عباد الله- على من أمركم اللهُ بالصلاة والسلام، فقال سبحانه: }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعزّ الإسلام، وانصر المسلمين.
اللهم ادفع الضرَّ والبلاء عن عبادك المستضعفين.
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين، وأمده بالصحة والعافية، اللهم واحفظ ولي عهده وسدّد مساعيه في خدمة الإسلام والمسلمين.
الحمدُ للهِ أمرَ بالأخذِ بالأسبابِ، والعنايةِ بالصحةِ والآدابِ، وأشهدُ أن لا إله الله هدانا للدِّين القويم، والنهج السديد.
وأصلي وأسلم على من اعتنى بمعالي الأمورِ وصغائرِها، ودلّ أمتَه على ما يُفيدها وينفعها، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعدُ/
فأوصيكم ونفسي - أيّها النّاسُ- بتقوى الله، فهي العِزُّ للعباد، والزادُ ليومِ التناد.
عباد الله.
اعلموا -رحمني اللهُ وإيّاكم- إنّ الإسلامَ هو دينُ الكمالِ المطلقِ، فالذي شرّع أحكامَه هو اللهُ العليم الخبير، فلذا كانت العنايةُ بكل ما يحتاجه الخلقُ في خاصّة أنفسِهم، أو في الأحكامِ العامةِ ظاهرةً في تعليماته.
ومن الأمورِ العظيمةِ التي اعتنى بها هذا الدِّين، المحافظةُ على الأرواحِ والأنفسِ، وأخذُ الاحتياطات لحمايتها، يقول اللهُ-تعالى-: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ ويقول –سبحانه-: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾.
وجاءت الوقايةُ والاحتياطاتُ لحفظِ الأرواحِ في سُنّةِ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم ، يقولُ -عليه الصلاةُ والسلام-: "مَن باتَ فوقَ بيتٍ ليس حوله شيءٌ يرُدُّ رِجْلَه؛ فقد برئتْ منه الذِّمَّةُ، ومَن ركب البحرَ بعدما يَرْتَجُّ؛ فقد برئتْ منه الذِّمَّةُ" أخرجه أحمدُ، وهو في صحيح الترغيب.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: "إذا قامَ أحدُكم عن فراشِهِ، ثمَّ رجعَ إليه؛ فَلْيَنْفُضْهُ بِصِنْفةِ إزارِهِ ثلاثَ مراتٍ، فإنه لا يدري ما خَلَفه بعده" رواه البخاري ومسلم.
والأحاديثُ في هذا المعنى كثيرة.
ولعلنا أن نتناولَ اليومَ -أيّها المؤمنون- جانبَ الوقايةِ للصحة، التي راعتها الشريعةُ في جوانبَ كثيرة، فمن مبادئ الإسلامِ في هذا الباب، مشروعيةُ التداوي، والأخذُ بأسباب دفعِ المرض، والمحافظةُ على الصحة، فعن أسامَةَ بنِ شريكٍ قالَ: أتيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وأصحابُهُ كأنَّما علَى رؤوسِهِمُ الطَّيرُ فسلَّمتُ ثمَّ قعدتُ، فجاءَت الأعرابُ مِن ها هُنا وَها هُنا فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: "نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ". رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ولمّا سأله بعضُ أصحابِه عن الدواءِ: هل يَرُّدُّ قَدَرَ اللهِ؟ قال: "هو مِن قَدَرِ اللهِ" أخرجه أحمدُ والترمذي.
فالإسلامُ دينٌ مبنيٌ على الواقعِ، ولا يعيشُ في الخيال، فهو يراعي حالَ المريض والمُعافى، فيطلبُ من المريضِ أن يلتمسَ العلاجَ والشفاءَ والدواءَ، ويسلك سُبُله، ويطلبُ من المعافى أن يقيَ نفسَه مِن المرضِ بكل الطرقِ الممكنة.
أيّها المؤمنون/
إنّ مجالاتِ الوقايةِ الصحيةِ في الإسلام متعدِّدَةٌ ومتنوِّعة، فمن ذلك العنايةُ بالنظافةِ الشخصية، فالطهارةُ والنظافةُ هي السبيل للوقاية من الأوبئة، وهي الأصلُ في حياةِ المسلم، قال اللهُ تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
ومجالاتُ الطهارةِ متنوعةً، فمن ذلك غسلُ اليدينِ عند القيامِ من النوْم، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام : " إذا استيقظَ أحدُكُم من نومِهِ فلا يغمِسْ يدَهُ في الإناءِ حتَّى يغسلَها ثلاثًا فإنَّه لا يدري أين باتَتْ يدُهُ" أخرجه البُخاريُ ومسلمٌ.
ومن ذلك الأمرُ بالطهارة لأداءِ الصلاة، وجعْلُها شرطًا من شروط صحتها
ومن ذلك نظافةُ الجسد بشكل عام، وله صور متعدّدة، منها: حلقُ شعر العانة ونتفُ شعر الإبط أو حلقه، وتقليم الأظافر وقص الشارب: فعن أنس رضي الله عنه قال: "وُقِّتَ لنا في قَصِّ الشَّارِبِ، وتَقْلِيمِ الأظْفارِ، ونَتْفِ الإبِطِ، وحَلْقِ العانَةِ، أنْ لا نَتْرُكَ أكْثَرَ مِن أرْبَعِينَ لَيْلَةً" رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يستنجي بالماء مبالغةً في النظافة، فعن أنس قال: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَدْخُلُ الخَلاءَ فأحْمِلُ أنا، وغُلامٌ نَحْوِي، إداوَةً مِن ماءٍ، وعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بالماءِ" رواه مسلم.
ومن ذلك حلق الرأس إذا كان به قمل أو ما شابه ذلك: فقد قال عليه الصلاة والسلام لكعب بن عجرة -رضي اللهُ عنه- وهو محرم عندما أُصيب رأسُه بالقمل فقال له: "أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَدَعَا الحَلَّاقَ فَحَلَقَهُ” الحديث، رواه البخاري.
وجاء الإرشادُ لجعل اليدِ اليمنى للمكارمِ، واليدِ اليُسرى لِما يُستقذر منه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانَت يدُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ اليُمنى لطُهورِهِ وطَعامِهِ، وَكانت يدُهُ اليُسرى لخلائِهِ، وما كانَ من أذًى" رواه أبو داود.
وهذا الفعل يضمن -بإذن الله- لصاحبه كمال نظافة اليد اليمنى، ولعل هذا من الحِكم في المنع مِنْ أن يأكل المرءُ باليد اليسرى، لكي تقل نسبةُ انتقال الجراثيم إلى الفم عن طريق اليد، ويا ليت مَنْ يتهاون فيأكلون بالشمال -والذي حرّمته الشريعة- أن يتأمّلوا في هذه التوجيهات التي جاءت بها الشريعة، ويوقنوا أنّها ما جاءت إلا لمصلحة الإنسان.
وكذلك جاء الأمرُ بتجنّب القذارة؛ لأنّ أكثر الأمراض تأتي، أو تتولَّد عن منها، فجاء المنعُ من التبوُّل في الأماكن التي يرتادها الناسُ؛ حيث قال رسول الله: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ في ظِلِّهِمْ" رواه مسلم، والتخلي هو التبولُ والتبرّز.
فلا إله إلا الله، كم في أحكامِ الشريعة مِنْ كمال ظاهر.
ومن طرق الوقاية والسلامة، والعناية بالصحة التوقي من الرذاذ الذي يُؤدّي إلى انتقال كثير من الأمراض المعدية كالأنفلونزا وغيرها من الأمراض الفيروسية؛ ولذا جاء النهي عن النفخ والتنفس في آنية الأكل والشرب، كما يُستحسن تغطية الوجهَ أثناءَ العطاسِ والتثاؤب، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنَفَّسَ في الإِنَاءِ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ” رواه الترمذي.
وعنه -رضي الله عنه- قال: نَهَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ النَّفخِ في الطعامِ والشَّرابِ. أخرجه ابنُ ماجه، وهو في صحيح الجامع.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول كان إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته. رواه الترمذي.
فهذه الآداب وغيرها جاءت للحفاظ على الصحة، وليترقى أفراد الأمّةِ في مدارج الكمال الإنساني
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ….
الخطبة الثانية
فِمّما يُذكرُ ويُشكرُ لهذه البلاد -حفظها الله- حرصُها على مصالحِ النّاسِ، والعنايةُ بما ينفعهم من أمر دينهم ودنياهم، وشواهدُ هذا لا عدَّ له، ومجالات لا حصر لها، وممّا جاء التوجيهُ به هذه الأيّام أخذُ لُقاحِ الأُنفلونزا الموسميةِ للوقايةِ من الإصابةِ بها، حيث إنّه قد ثبت عِلميًا أنّ هذه اللقاحاتِ واقيةٌ –بإذن الله- منها، وتُخفّف حِدّةَ المرضِ لدى جميعِ فئاتِ المجتمعِ كافّةً –وخاصّةً الفئاتِ الأشدِّ عُرضةً للخطر، حيث تُشيرُ الدراساتُ الحديثةُ أنّ كبار السِنّ أكثر عُرضة لمضاعفات الأُنفلونزا الموسمية، وأنّ تلقّي اللقاح يُساهم –بإذن الله- في الحدّ من خطرِها، ومضاعفاتها بنسبة كبيرة، والإسلام –كما تقدّم، وهو معلوم- جاء لحفظ أرواح النّاس ومصالحهم، ومن أولويّات هذه المصالح، حفظُ الصحة، ودفعُ كلِّ شر وأذى عنها، وهي مصالحٌ شرعيةٌ معتبرةٌ يجبُ العنايةَ بها، والحذرُ من التهاون التساهل فيها.
والمجتمعُ مُطالبٌ بكل فئاته بالتعاونِ مع هذهِ الحملةِ، والتوعيةِ بها، ويعظمُ الأجرُ بالعنايةِ بما سبقَ بأن ينويَ الإنسانُ بها حفظَ النفسِ، والحرصَ على حفظِ من حولَه، وبذلَ الأسبابِ لطولِ العُمرِ للإنسان، واستمرارَ الصحة، وكلُّها مطالبٌ شرعية لِما فيها من مصالحِ كسبِ الأجورِ، والتقربِ لله بأنواعِ القُرباتِ، وعمارةِ الأرضِ بالطاعة.
صلّوا –عباد الله- على من أمركم اللهُ بالصلاة والسلام، فقال سبحانه: }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعزّ الإسلام، وانصر المسلمين.
اللهم ادفع الضرَّ والبلاء عن عبادك المستضعفين.
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين، وأمده بالصحة والعافية، اللهم واحفظ ولي عهده وسدّد مساعيه في خدمة الإسلام والمسلمين.
المرفقات