(خطبة) الوفاء بالعهود والمواثيق

خالد الشايع
1444/01/20 - 2022/08/18 20:17PM

الخطبة الأولى ( الوفاء بالعهود والمواثيق )     21/1/1444

أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله جل وعلا ، والزموا أمره ، واجتنبوا نهيه ، فإنما أنتم خلق من خلقه ، خلقكم فأمركم ونهاكم ، فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار ، جعل هذه الدار دار ابتلاء وعمل ، وجعل الآخرة دار جزاء وثواب ، ومن رحمته أن جعل دار العمل قصيرة بالنسبة لدار الجزاء ، وضاعف فيها الأجور ، فما أكرمه من رب غفور رحيم كريم .

عباد الله : إن مما أمرنا الله جل وعلا به الوفاء بالعقود والمواثيق ، فقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )

وقال ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) وقال ( الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) وقال ( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) وقال (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ)  وقال ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)

والآيات كثيرة في ذلك .

قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتَمَّ قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئًا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم، والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: ﴿ { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ﴾ بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع، فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها.
 عباد الله : البعض يتساهل بأمر العهد ، فتجده يتساهل في تنفيذ الشروط التي أبرمت في العقود ، والبعض يتحايل عليها ليسقطها ، وما علم أن ذلك من علامات النفاق العملي ، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم ( ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )   وفيهما من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

 ) أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ(

عباد الله : إن بين العبد وربه عهودا ومواثيق يجب عليه أن يفي بها ، وبينه وبين الناس عهودا ومواثيق أوجبها على نفسه ، يجب عليه الوفاء بها ، وهي من عهود الله ، وإن عدم الوفاء بها يعد خيانة ، والله يقول ( إن الله لا يحب الخائنين ) ، وكان صلى الله عليه  وسلم يوصي المقاتلين  في سبيل الله بعدم الخيانة والغدر ، بل إن الله جل وعلا أمر نبيه إذا كان بينه وبين الكفار أمان وعهد ، وأحس منهم خيانة ، فلا يسابقهم بالخيانة  والغدر ، بل يرسل إليهم أنه لا عهد بيننا أولا ثم يفعل ما يشاء ، قال سبحانه ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين )

ومن أمثلة ذلك فيما بين العبد وربه ، تلك العهود والمواثيق التي أخذها الله على الناس ، بالقيام بتوحيده سبحانه ، وعبادته دون ما سواه ، وطاعة رسله فيما يبلغوه عنه ، والقيام بشرع الله على أتم وجه ، ولقد امتدح الله أقواما قاموا بذلك على وجهه فقال سبحانه ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) .

اللهم أعنا على الوفاء بعهدك ، والتزام شرعك يارب العالمين

أقول قولي هذا ...............

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : لا يزال المؤمن يوصف بالصدق والوفاء ، والمنافق يوصف بالكذب والغدر ، وإن مما دعا كثيرا من الكفار للدخول في دين الله ، ما شاهدوه واقعيا في أخلاق المؤمنين ، من الصدق والوفاء ، وطيب الأخلاق ، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم ، صادقا مع نفسه وربه ومجتمعه ، يسير على منهج النبوة ولا يحيد عنه ، وإن من صفاء هذا الدين وعدله ، أن أوجب على المسلم الوفاء بالعقود والمواثيق حتى مع الكفار الذين يعيشون بيننا ، وذلك بعقد من ولي الأمر فهم مستأمنون ، ومعاهدون ، يجب حفظ العهد وعدم أذيتهم في أنفسهم أو أموالهم ، ويجب دعوتهم إلى دين الله بالتعامل الإسلامي ، والنقول الشرعية ، كما كان سلفنا يفعلون .

فقد زجر الإسلام عن أذية المعاهد والمستأمن ، وغلظ العقوبة عليه في الآخرة ، وعد ذلك من كبائر الذنوب ، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبْدِاللَّهِ بْنِ عمر رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا.

عباد الله : إن مما ابتلي به الناس في هذه الأزمان قلة العلم ، والانقياد للعواطف ، وعدم الرجوع لأهل العلم الذين أمرنا بسؤالهم ، حتى صارت تصرفات بعض من يحسب على الإسلام ، تسيء للإسلام ، وتنفر منه ، حيث يستخفون بذمم المسلمين ، وينتهكون عهودهم ، فيغدرون ويخونون باسم الدين ، والدين منهم بريء ، فالكافر نكرهه لكفره ، ولكن لا يحملنا ذلك على عدم العدل معه ، أو إعطائه حقوقه ، فضلا عن الاعتداء على ماله أو نفسه ، فإنه بإعطائه الأمان قد عصم ماله ودمه ، فلا يجوز الاعتداء عليه ، بل الواجب الحرص على دعوته للدخول في الإسلام .

أيها الناس : كم في البيوت من مستأمنين ومعاهدين ، من سائق وخادمة ونحوهما ، أعطوا الأمان ليدخلوا بلاد المسلمين ، فجاءوا وجلسوا عندنا السنين الطويلة ، ثم رجعوا إلى بلادهم ، ولم يتركوا كفرهم ، وذلك لتقصيرنا في دعوتهم إلى الإسلام ، بل البعض لا يهتم بذلك ولا يحرص عليه ، وأسوأ منه من يقول دعه على ملته ، فلو أسلم لم يعمل كعمل الكافر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ومكاتب الدعوة موجودة وترحب بدعوتهم ، وما عليك إلا الذهاب بهم لمكتب الدعوة وهم يتولونهم ، فلو أسلم نلت أجره ، وأجر من أسلم عن طريقه ، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب لما بعثه إلى اليمن ، كما أخرج الشيخان من حديث   سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم خيبر: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم»

اللهم فقهنا في الدين ، وارزقنا العمل بالتنزيل ..
 

 

المرفقات

1660843027_خطبة عن الوفاء العهود والمواثيق.docx

المشاهدات 1402 | التعليقات 0