خطبة المكر بأهل الشام ( تشابهت قلوبهم ) - للشيخ نايف الحربي

عزام عزام
1434/03/28 - 2013/02/09 18:07PM
خُطبَة.. المَكرُ بأهلِ الشَام (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)...
جامع العَزيّزية بالقيصومة 01/02/1434هـ

نايف بن حمد الحربي


الخطبة الأولى
الحَمدُ للهِ مِنهُ يُرجَى النَوَال, وبه تُعَلَقُ الآمَال, لا بكُفرٍ ولا آل, قد فَقِهَ هذا حَتى أهلُ الكُفرِ في حَالِ كُربَتِهِم, وهو دَيّدَنُ أهلِ الإيِّمانِ في كُلِ حَال, ومِن عَجَبٍ, أن تُبصِرَ مَن لا يَذكُر اللهَ في نِعمَةٍ, ولا يَستَدفِعُهُ في وبَال, فَلا يَشْرَكُ أهلَ الإسلامِ في حَالِ فَرحَتِهِم, وفي كُربَتِهِ مُتَعَلِقٌ مِن أهلِ الكُفرِ بأذيَّال, ألا فابعَدَ اللهُ مِنهَجَه, كم أدخَلَ على الأُمَّةِ مِن خَبَال, وأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَّهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ, صلى اللهُ وسَلَّمَ وباركَ عليه, وعلى آلهِ وصحبه, وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِيِّن..
أمَّا بعد.. فعليكم بتقوى اللهِ عبادَ الله, فإنِّمَا هي عَظَمَةُ الله, تَعظُمُ في قلبِ العَبد, تَستَحِثُهَ على الطاعاتِ وإن كانَ طَرَيِّداً شَرِيِّدا, وتَردَعُهُ عن المُخزِيَّاتِ وإن كانَ نَأيٍ بَعِيدا, فاتخِذوهَا لكُم صَاحِب, ولا تَجعَلوهَا تَبَعَاً للأهواءِ عِيِّدا..
معاشِرَ المسلمين.. ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
حَديِّثٌ, سَأُحَدِثُكُم إيَّاه, ليسَ بحَدِيثِ مَن أُولِعَ بفكرةِ المُؤامَرة, فهو يَعِيِّشُهَا هَاجِساً حَيَّاً في كُلِ لحَظَاتِه, تَتَرأى لهُ في كُل طَريق, وتَقِفُ لهُ عندَ كُلِ مُفتَرَق, قد قَيَّدت مِنهُ القَدَم, وغَلتْ لهُ اليَّد, فاستَكَانَ يَرقُبُ مَنِيَّتَه, لأنّ قِطَارَ الحَيَّاةِ لديهِ تَوقف, كلا, وإنَّمَا هو حَديِّثُ خَافِقٍ, يَعتَصِرُ ألَما, وكَبِدٍ, تَتَفَطَرُ كَمَدَا, وعَيِّنٍ, تَسِحُ دَمعَاً, كادَ أن يَكونَ دَمَا, على بَنِي الإسلامِ في وطَنٍ, أبَوا أن يُبقُوا فيه للذُّلِ عَلَمَا, وهذا مَدعَاةُ فَخرٍ, لا دَاعي نَدَمَا, فَمَا الخَطبُ إذاً..؟ الخَطبُ..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
الخَطبُ, لَيِّتَنَا إذْ لم نَنصُرهُم, لم نَنصُر عليِّهم ولو بِمَبسِمَا, الخَطبُ, أنَّا نرى آمَالَ أهَلِ الكُفرِ فِيهِم تَبلُغُ آمَادها, ولكن ليسَ بأيِّدهِم, وإنَّما بأيِّدي بَنِيِّ الإسلام, فالأَمَلُ, في فِقهٍ للواقعِ يُبطِلُ دَخَلا, ويُورِثُ بَنِيِّ الإسلامِ عَمَلا, رَجَاءَ أن نَتَمَثَلَ فيه قَولَ الحَقِّ تباركَ وتعَالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
ولَن نَرجُمَ بالغَيِّب, ولن نَسلُكَ سَبِيِّلَ أهلِ التَخَرُّص, وإنَّمَا مِن الواقِعِ سَنستَشهِد, وعلى قِدَمِ مَكرِ القومِ مِن الكتَابِ سَنُدَلِل, إذْ الكُفرُ مِلَّةٌ واحِدَة {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} والوَاقِعُ خَيرُ شَاهِد, والتَارِيِّخُ لا يَكذِب, ولا يُنَازِعُ في المحسُوِّسِ إلا مَمسُوّس, ومَن لم تُعَلمهُ اللَيَّالي, فهو كحَامِلِ الأسفَار..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
فَهَل غَابَ عَنَّا الوَاقِعُ؟ أم غُيِّبنَا عنَه؟ وهَل عُمِيَّ عَليَّنَا؟ أم تَعَامَيِّنَا عنه؟ ألم يَكِيِّدُوا لقَضِيَّةِ فِلسطِين, حتى في فِئَةٍ قَلِيلَةٍ اختَزَلُوها؟ وكَادُوا لمنطِقَةِ الخَليجِ, حتى بجُيوشِهِم نَزَلوها, وكَادُوا للعِرَاق, حتى أَوهَنُّوهَا, ومِن ثَمَّ احتَلُوهَا, وفي الثَالثُةِ للمَجوسِ اسلَمُوهَا, وكَادوا للإمَّارةِ الإسلامِيَّةِ في بِلادِ الأفغان, حتى اسقَطُوها, وكَادُوا لدَولَةِ الشِيِّشَان, حتى عن الواقِعِ غَيَّبُوهَا, في سِلسِلَةٍ بَدَأت بقَسَمِ إلَهِهِم {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} وتَتَوالى حَلَقَاتُهَا, حتى يَصدُقُ فِيِّهم خَبَرُ الصَادِقِ المَصدُوقِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّم: "لا تَقومُ السَاعةُ إلا على شِرَارِ النَّاس"..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
وفي حَلَقَةٍ, لوصلِ ما مَضى مِن كَيِّدِ القَومِ بِمَا يَستَقبِلُون, كانت, قَضِيَّةُ الثَورَةِ السُوريَّة, فالخَاسِرُ فيها بإذنِ الله, لم يَخدِمْهُم أحَدٌ كَخِدمَتِه, فقد وَرِثَّ العَمَالَةَ لهُم, نَسَبَاً ومَذهَبَا, والبَدِيِّلُ لهُ لم يُوجِدوه, لأنَّ الشعبَ قد نَبَذَ الأذنَابَ مِن بَنِيِّه, فكَانَ ولا بُد, مِن إطَالَةِ أمَدِ الثَورة, وإطلاقِ يَدِ النِظَامِ بشَتَى أنواعِ القتل, والتَعَامِّي عَمَّا يَفعَل, لعلَهُ أن يَكفِيّهِم مَا أهَمَهُم, لكنَّ الذي يَظهَرُ والعِلمُ عندَ الله, أنَّهُ قد تَحَقَقَ فِيّهم قولُ القائل:
مَا كُلُ مَا يَتَمنى المرءُ يُدرِكُهُ & تَجري الريَاحُ بِمَا لا تَشتَهي السُفُنُ
فالثورةُ قَويَّ عُودُهَا, ومِن بَنِيِّ الإسلامِ الخَيِّرُ في كُل مَجَالٍ يَعُودُهَا, فهذا بنفسِه, وذَاكَ بمَاله, وثّالِثُ برَأيِّه, فكَانَ ولا بُدَ مِن إجهَاضِهَا قبلَ فَواتِ الأوان, فَسَيَّسُوا التَبَرُعَات, وأومَأُوا للسِيَاسِيين, إمِّا الجَزَرَةَ, وإمِّا العَصَا, ومِـن قَبـلُ قَالَ سَلَفُهُـم: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} فهيَ وسِيِّلَةٌ, يَتَجَلى فيها خُبثِ الطبع, ولُؤمُ النَحِيِّزَة, إذْ تَشِيِّ بخُطَةِ التَجويع, وتَجفِيِّفِ المَنَابِع, التي تَواصى بهَا خُصُومُ أهلِ الحَق, على اختِلافِ الزَمَانِ والمكَان, في حَربِهِم للعَقِيِّدَة, وكَيِّدِهِم لشِرعَةِ الرحمَن, فمَن قَبلُ قُرَيشٍ, مع بَنِي هَاشمٍ فعَلُوهَا, والمنَافِقُونَ تَواصَوا بها, والشِيِّوعِيونَ طَبقوها, وأهلُ الكُفرِ اليوم, على بَنِي الإسلامِ فَرَضُوهَا, لأنَّهُم لِخِسَةِ طِبَاعِهِم, يَجِدُونَ في حِسِهِم, أنَّ لُقمَةَ العَيِّش, هي كُلُ شئٍ في الحَيَّاة, فيَجهَدونَ لمُحَاربَةِ أهلِ الإيمَانِ بهَا, فَتَوافَى على هذهِ الوسِيِّلَةِ الخَسِيِّسة, كُلُ خُصِومِ أهلِ الإيمَان, نَاسِيِّنَ أو مُتَناسِيِّنَ حَقِيِّقَةً بَسِيِّطَة, مُفَادُهَا: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} ومِن خَزائنِ الله, يَرتَزِقُ هؤلاءِ الذينَ يُحَاولُونَ أن يَتَحَكمُوا في أرزاقِ النَّاس, وليِّسُوا هُم مَن يَخلُقُ رِزقَ أنفُسِهِم, فَمَا أضَّلَ سَعيَّهُم, كيفَ يُحَاولُونَ قَطعَ الرِزقِ عن غَيِّرِهِم..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
وصَنَّفُوا الثُوَارَ إلى جَمَاعَات, ووصَمُوهُم بالشَنَاعَات, لعَلَهُم أن يَبلُغُوا مِنهُم الغَايَّات, ومِن قَبلُ حَكى اللهُ عن سَلَفِهِم: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} فهيَّ حِيِّلَةٌ واحِدة, تَجمَعُ أعدَاءَ الحَق, أتَواصَوا بها؟ كَلا, لكنَّمَا هيَ طَبِيِّعَةُ الطُغيَّان, وبُغضُ الحَق, تُلحِقُ الغَابِرِيِّنَ مِنهُم بالسَابِقِين, وصَدَقَ الله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
ومِن عَجَبٍ, أن يَنطِقَ رُويِّبِضَتُهُم, مُزايِّداً بخَوفهِ على الأرضِ وَوِحدةِ الصف, ولو عَلِمَ مَن سَبَقَهُ إلى هذا, لَمَا نَطَقَ به, فَفِرعَونُ يُحَذِرُ مِن موسى قَائلا: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} ويُبَرِرُ إرَادَتَهُ قَتَلَهُ مُتَظَاهِراً بالشَفَقَةِ عَليِّهِم: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} ألا أخزَاكَ اللهُ, كيفَ يَتَظَاهَرُ بهَذا, مَن استَبَاحَ الحُرَم, ولم يَرعَ الذِمَم, وعَبَّدَ الخَلقَ لغَيِّرِ مُوليِّ النِعَم؟! أليسَتَ هيَ بعَيِّنِهَا, كَلِمَةُ كُلِ خَدَّاعٍ خَبِيِّث, لإثَارةِ الخَوَاطر, في وجهِ الإيِّمَانِ الصَادق, في كُلِ زَمَانٍ ومَكَان..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
وقد يَكُونُ آخِرُ ما في جُعبَتِهِم مِن مَكَائد, استِخدَامُ القُوة, إمَّا بالمباشَرةِ أو بالنِيَّابَة, لإجَهَاضِ الثَورة, أو للتَنفِيِّرِ عنها, إذْ أنَّ عَجزَ الغَشُوّمِ عن المُحَاجَة, يَحمِلُهُ حُمقَاً على اللجُوءِ لاستِخدَامِ قُوَتِهِ, ثَأراً لِجُرحِ كَرَامَتِهِ المَزعُوم, ومِن قَبلُ قالَ فرعونُ لموسى ليَثنِه: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} وقالَ لاتباعِهِ ليُنَفِرَهُم عنه: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ} فَمَا أشبَهَ الليِّلَةَ بالبَارِحة, وكأنَّمَا القُرآنُ إنَّمَا تَنَزَلَ السَّاعَة, لِيَجُلُوَ لبَصَائِرنَا حَقِيِّقَةَ المُؤامَرة, فَمع أيِّ الفَريقيِّنِ سَنَكُون..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم...



الخطبة الثانية
الحَمدُ للهِ باللطَائفِ يَبتَديِّ, وبِهَا وبالبَلايَّا يَختَبِر {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} فَيَتَمَايَزُ الخَبِيِّثُ مِن الطَيِّب, والقِطْرُ مِن الوَابِلِ الصَيِّب, وصلى اللهُ وسَلَّمَ وبَاركَ على عبدهِ ورسولِهِ محمد, وعلى آلهِ وصحبهِ والتَابِعين, مَا اقتَحَمَ مِقدَامٌ, وما نَكَصَ مُتَهَيِّب..
أمَّا بعد..فمع كُلِ هذا المَكرِ الكُبَار, لإجهَاضِ الثورةِ السوريَّة, يَتَحَتَمُ على بَنِي الإسلامِ جَمِيعَا, واجِبُ النُصرَة, وحتى لا يُختَزَل في جَانِبٍ مُعَيَّن, أو يُعَرَى مِن وصفِ الشَرعِيَّة, لا بُدَ وأن يُبنَى على مُقَدِمَات..
الأولى.. أنَّهُ إذا لم نَنصُرهُم, فلا يَجُوزُ لَنَا بحَالٍ أن نَنصُرَ عليِّهِم, ولو بشَطرِ كَلِمَة, ومَن فَعل, فقد أتى نَاقِضَاً مِن نَواقِضَ الإسلام, ألا فليَتَقِي اللهَ كُلُ أحَدٍ فيِّمَا يَقول "فإنَّ الرَجُلَ ليَتَكَلَمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللهِ لا يُلقِي لها بَالا, تَهويِّ به في النارِ سبعيِّنَ خَرِيِّفَا" فكيفَ والمُرادُ الآن, إبَادةُ شَعبٍ مُسلِم, والثَأرُ مِنه, لأنَّهُ عَفَّرَ جَبِيِّنَ المَجوسِيِّة, وأرهَبَ اليَهُودَ ومَن ورَائَهُم, ثُمَّ يَتَحَدَثُ مِن يَتَحَدث, في الصُحُفِ والقَنَوات, وفَوقَ المَنَابِرِ وفي اللقَاءات, واصِمِيِّنَ المُجَاهِدِيَّنَ بالإرهَاب, مُتَذَرِعِيِّنَ بذَلكَ لإبطَالِه, وقّد غَفَلُوا أو تَغَافَلُوا, عن كَونِ إرهَابِ أعدَاءِ الله, مَطلَبٌ في كِتَابِ الله {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُممِّنقُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِتُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} وأنَّ النَصرَ بالرُعب, مِن خَصَائصِ هذا النَبِيِّ الكَريم صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وأُمَّتِهِ مِن بَعدِه {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ} وليَعلَم كُلُ مَن أدَانَ أو جَرَّمَ المُجَاهِدِيِّن, أنَّ لازِمَ هذا, إجَازَةُ الانتِقَامُ مِنهُم, وهو ما لا يُرِيدُ أهلُ الكُفرِ مِن المسلِميِّنَ سِواه, ومِن ثَمَّ هُم, مِن سَيُحَدِدُ كيِّفِيَةَ الانتِقَام, فهل نَعِيِّ مَا نَقول؟..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
أمَّا الثَانِيَّة.. فإنَّهُ وبَعدَ أفُولِ سُلطَانِ الخِلافَةِ الإسلامِيِّة, أضحَت دَولةُ الإسلامِ دُولا, لكُلٍ مِنها ذِمَةٌ مُستَقِلة, فَقَد تُحَارِبُ مِن أهلِ الكُفرِ مَن صَالحَ غَيرُهَا, والعَكسُ, وليسَ عَهدُ كُلِ دَولَةٍ بِمُلّزِمٍ للدَولةِ الأخرى, لكن, ليسَ لأيِّ دَولَةٍ مِن دُولِ الإسلام, أن تُعِيَّنَ أهلَ الكُفرِ على دَولَةٍ مُسلِمةٍ أيّاً كانت, وإلا فهو الخُرُوجُ مِن المِلَّة, وعلى هذا, فالمجَاهِدونَ في الدَولَةِ المُحَاربَة, ليسَ لأيِّ دَولَةٍ مِن دُولِ الصُلحِ أن تَتَعَقَبَهُم, أو تُلحِقَ الضَرَرَ بهِم, بزَعمِ أنَّهُم يُخَالِفُون عَهدَهَا, فلا عَهدَ لَهَا علَيِّهِم, وقد خَرَجَوا مِن حُدُودِ سُلطَانِهَا, وبهذا شَهِدَت سُنَّةُ المصطَفى صلى اللهُ عليهِ وسَلَّم (فبَعدَ عَقدِ صُلحِ الحُدَيِّبِيَة, قَدِمَ رَجُلٌ مِن المسلِمِيِّنَ إلى المَدِيِّنَة, يُقَالُ لَهُ أبو بَصِيِّر, فأرسَلتْ قُرَيِّشُ في طَلَبِهِ رَجُلَيِّن, فرَدَّهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ مَعَهُمَا, فَقَفَلُوا به عَائدِيِّن, فَلَمَّا بَلغُوا ذا الحُلَيِّفَة, نَزَلُوا يَأكلونَ مِن تَمرٍ لهُم, فَقَالَ أبو بَصِيِّر لأحَدِهِمَا: إنِّي لأرَى سَيِّفَكَ هذا يَا فُلانُ جَيِّدا, فاستَلَهُ صَاحِبُهُ وقَالَ: نَعَم, لقَد جَرَبتُ به وجَرَبت, فقَالَ أبو بَصِيِّرٍ: أرِنِيِّ انظُر إليه, فلَمَّا أمكَنَهُ مِنه, ضَرَبَهُ به حتى بَرَد, وفَرَّ الآخَرُ حتى دَخَلَ المَسجِدَ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسَلَّم, فَلَّمَا رَأهُ قال: "لقد رأى هذا ذُعرَا" فمَا هيَ إلا هُنَيِّة, حتى دَخَلَ أبو بَصِيِّرٍ, والسَيِّفُ بيَدِه صَلتَا, فقالَ: يا رسولَ اللهِ, قد أَوفى اللهُ لَكَ ذِمَتَكَ, وأنجَانِّي مِنهُم, فقالَ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "ويَلٌ لأُمِّه مِسْعَرُ حَربٍ لو كانَ مَعَهُ رِجَال" فَعَلِمَ أنَّهُ سَيَرُدُهُ إليهِم, فخَرَجَ إلى سِيِّفِ البَحر, ولَحِقَ بهِ مَن فَرَّ مِن المسلِمِيِّنَ مِن قُرَيِّش, فَشَكَلُوا كَتِيِّبَةً, لم تَدَع لقُرَيِّشٍ قَافِلَةَ تِجَارَةٍ إلى الشَامِ إلا أخَذَتهَا, حتى أرغَمُوا قُرَيِّشاً على التَنَازُلِ عن شَرطِ رَدِّ المسلِمِيِّنَ الجُدَدِ إليهَا) فهذا النَبِيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ, لَمَّا خَرَجُوا عن حُدُودِ سُلطَانِه, لم يَتَتَبَعْهُم, ولم يَمنَعْهُم مِن قِتَالِ المُشرِكيِّن, بل حَرَّضَ الصَحَابَةَ على اللَحَاقِ بهِم بقَوله: "ويَلٌ لأمِّهِ مِسعَرُ حَربٍ لو كانَ مَعَهُ رِجَال" وعلى هذا, اتَفَقت كَلِمَةُ عُلَمَاءِ الإسلام, بل إنَّهُ حتى الغَربُ الكَافرُ يُؤمِنُ بهذا المبدَأ, لَكنَّ العَجَب, مِن أُنَاسٍ مِن بَنِيِّ جِلدَتِنَا, يُضجِعُونَ الضَحِيَّةَ للذَبح, ويُحَرِّمُونَ عليهَا الاضطِرَاب..
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
والنَتِيِّجَةُ مِّمَا تَقَدم.. أنَّهُ مع طُولِ أَمَدِ الثورَة, واتِسَاعِ رِقعَتِهَا, دَبَتْ السَآمَةُ إلى النُفُوس, وتَسَرَبَ إليِّهَا المَلَل, فلَم يَعُد الهَمُّ كَمَا كانَ مُتَقِدا, ولا البَذلُ كَمَا كانَ سَابِقَا, مع أنَّ الحَاجَةَ قد زادَت, والضَرُورَةُ قد ألَحَت..
ولِمُتَسَألٍ عن طُرقِ لنُصرَتِهِم مَوثُوقَة, فإنَّ دَولَةَ الكُويت, قد حَازَت قَصَبَ السَبقِ في هذا, عُلَمَاءَ ودُعَاة, جَمَاعاتٍ وأفرَاد, بل إنَّ مِنهُم, مَن يَتَولى تَوزيعَ الصَدَقَاتِ بنَفسِه, رافِضاً أن يُعطِيِّهَا لأيِّ أحَدٍ كَائناً مَن كان, ويُوَثِّقُ هذا كُلَهُ بالتَقَاريِّرِ والصُور, وإن شَاءَ المُتَصَدِّقُ أن يَصحَبَهُ إلى حَيثُ المَأسَاة, فلا مُمَانَعَةَ لديِّه, فجَدِدُوا هَمَّ النُصرَةِ في نُفُوسِكُم, وابذُلوا مِن أموالِكُم, مَا يَكونُ رِفعَةً لدَرَجَاتِكُم, ونُصرَةً لإخِوانِكُم, ودَفعاً للأكَلَةِ عن قَصعَتِكُم, ولا تَبخَلوا خَشيَّةَ الفاقَة, فإنَّ اللهَ قد سَمَّى تَركَ الجِهَادِ هَلَكة, فأنَّزَلَ في حَقِّ صَحَابةِ نَبِيِّهِ لَمَّا أَرَادوا تَركَ الجِهَاد, والتَفَرُغَ لإصلاحِ الأموال {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فجَعَلَ الهَلَكَةَ في قُعُودِهِم "والمسلمُ للمسلمِ كالبُنيَّانِ يَشُدُّ بعضُهَ بَعضَا" "ومَثَلُ المؤمنينَ في تَوادِهم وتَراحُمِهم وتَعَاطُفِهم, مَثَلُ الجَسَد, إذا اشتَكى مِنهُ عُضوٌ, تَداعى لَهُ سَائرُ الجَسَدِ بالسَهَرِ والحُمَى" "والمسلمُ أخو المُسلم, لا يَظلِمَهُ ولا يُسّلِمُه, ومَن كانَ في حَاجَةِ أخيِّهِ كانَ اللهُ في حَاجَتِه, ومَن فَرَّجَ عن مُسلِمٍ كُربَةً, فَرَّجَ اللهُ عنهُ بها كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَّامة"
ولا شَرَفٌ يُبِيّحُ الظُلمَ يَومَا & وبعضُ الحَيِّفِ للحَسَنَاتِ مَحّقُ
سددَ اللهُ المساعي, وأعاذنا مِن شرِ كُلِ مَن كان بالشرِ ساعي, وأصلحَ أعمالنا, وأجارنا مِن بوارِ المتاعي..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, ..


المشاهدات 2626 | التعليقات 1

بارك الله في الناشر الأخ عزام وفي الشيخ نايف
خطبة مميزة