خطبة المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده للشيخ سعد الشهاوى ‏

الدكتورسعد الشهاوى
1436/10/13 - 2015/07/29 17:37PM
[FONT="]خطبة المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده للشيخ سعد الشهاوى ‏[/FONT][FONT="][/FONT]
الحمدُ لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه عالم ما يُسِرُّه العبد وما يخفيه أحصى عليه خطرات فكره وكلمات فيه من توكل عليه كفاه ووجد كفايته خيرا من توقيه ومن تواضع له رفعه وزاد بقدر تواضعه في ترقيه أحمده سبحانه وأتوب إليه وأستغفره وأستهديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق كل شيء وهاديه
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله معلم الإيمان وداعيه يا سيدي
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الكرماء
وإذا عفوت فقادراً ومقـــــــدراً لا يستهين بعفوك الجهـــلاء
وإذا رحمت فأنـــــت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبـــــة للحق لا ضغن ولا بغضــــاء
وإذا رضيت فذاك في مرضاتـــه ورضى الكثير تحلم وريــاء
وإذا خطبت فللمنابر هــــــــزة ترعو النديَّ وللقلوب بكاء
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن حمدت في الإسلام سيرته ومساعيه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى والتمسوا من العمل ما يحبه ويرضيه وسارعوا إلى مغفرته وجنته فالمؤمن مَنْ يرجو الله ويتقيه ولا تتبعوا خُطُواتِ الشيطان فإنه يضل من اتبعه ويغويه ويأمره بالفحشاء والمنكر وإلى طريق الجحيم يهديه
عناصر الخطبة
1/ من هو المسلم
2/ حرمة المسلم وتحريم أذيته
3/ حرمةً المسلم عند الله
4 / اهتمام الكتاب والسنة ببيان خطر اللسان
5/ كيفية النجاة من أخطار اللسان
6/ نماذج رائعة في حفظ السلف لألسنتهم
7 / كتابة الملكين لكلام العباد
8 /من صور إيذاء المسلمين
9/ ماذا يجب على من ابتلى بأذى
10 / فضل الذَّبِّ عن أعراض المسلمين
11 / ثواب من كفَّ الأذى عن المسلمين
1/ من هو المسلم عباد الله من هو المسلم قَالَ النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]« الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ » صحيح البخارى
ولمَّا سُئل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أيُّ المسلمين خيرٌ؟" ماذا قال هل قال أكثرهم صلاة أو صياما أو حجا أو000 أو000 أو000 الخ لا إنما قال كما قال عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو،يَقُولُ:إِنَّ رَجُلاً،قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ ؟ قَالَ:مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ. صحيح ابن حبان وعَنْ جَابِرٍ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]:يَقُولُ:" أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَامًا مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" معجم ابْنِ الْمُقْرِئِ (723 )صحيح وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]:"أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُسْلِمُ؟"قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،قَالَ:"مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"،قَالُوا: فَمَنِ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ:"مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ"،قَالُوا: فَمَنِ الْمُهَاجِرُ؟ قَالَ:"مَنْ هَجَرَ السَّوْءَ فَاجْتَنَبَهُ". المعجم الأوسط للطبراني حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]،قَالَ:الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. صحيح ابن حبان - (1 / 406)(180) صحيح
قال الإمام ابنُ حجر - رحمه الله -: "فيقتضي حَصْر المسلم فيمن سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام الواجب؛ إذْ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبةٌ، وأذى المسلم حرامٌ باللِّسان واليد، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ،قَالَ:" قَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا الْإِسْلَامُ ؟ قَالَ:أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ،وَيَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ " مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ لِلْخَرَائِطِيِّ (366 ) صحيح فمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فإنه ينتفي عنه كمال الإسلام الواجب
والمتدبر فى السنة النبوية يرى موقف الإسلام ممن لا يمنع الناس بوائقه وأذاه وشروره فقد نفى النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] عنهم الإيمان فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قَالَ : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " البخارى.
2/ حرمة المسلم وتحريم أذيته
أيها المسلمون: إن إيذاء المسلم ومكايدته وإلحاق الشر به واتهامه بالباطل ورميه بالزور والبهتان، وتحقيره وتصغيره وتعييره وتنقصه واستباحة عرضه وغيبته وسبه وشتمه وطعنه ولعنه وتهديده وترويعه، وابتزازه وتتبع عورته ونشر هفوته وإرادة إسقاطه، وفضيحته وتكفيره وتبديعه وتفسيقه، وقتاله وحمل السلاح عليه وسلبه ونهبه وسرقته وغشه وخداعه والمكر به، ومماطلته في حقه وإيصال الأذى إليه بأي وجه أو طريق ظلم وجرم وعدوان.. لا يفعله إلا دنيء مهين لئيم وضيع ذميم.. قد شحن جوفه بالضغناء والبغضاء وأفعم صدره بالكراهية والعداء؛ دأبه أن يحزن أخاه ويؤذيه وهمه أن يهلكه ويرديه.. وكفى بذلك إثماً وحوباً وفسوقاً
ولقد جاءت الشريعةُ بالآداب والتَّوجيهات والأحكام والحدود التي تعظِّم الحرمات، وتحمي المسلم أن يُمَسَّ بأدنى أذًى حتَّى ولو كان في مشاعره وأحاسيسه، والأخوَّة في الإسلام تستوجب الإحسان، وتنفي الأذى مهما كانت صوره وأشكاله؛ قال تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قَالَ:"لَا تَحَاسَدُوا،وَلَا تَبَاغَضُوا،وَلَا تَنَاجَشُوا،وَلَا تَدَابَرُوا،وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ،وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا،الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ،وَلَا يَخْذُلُهُ،وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى ههُنَا يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ،كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ"رَوَاهُ مُسْلِم وفى رواية أبي سَعِيدٍ،مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ،قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]:"الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ لَا تَحَاسَدُوا،وَلَا تَدَابَرُوا،وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا،كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ،لَا يَخْطُبِ امْرَؤٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ،وَلَا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ،وَإِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ،التَّقْوَى ههُنَا،وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ " مسلم فاحتقار المسلم، وانتهاك حرماته، والتعدي على حقوقه وممتلكاته، من علامات الشر في العبد.بل أكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمر هام، وله شأن عظيم في تقوية أواصر المحبة بين المسلمين، فقال: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
وحذَّرَ الله -جل وعلا- من إيذاءِ المؤمنين، فقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58]، وهذا يشمل الإيذاءَ الحسي والمعنوي، بالقول أو بالفعل، كالاعتداء على الأموال والممتلكات والحُرُمات، أو السبِّ والشتم، أو الاتهامات الكاذبة، أو الشائعات المغرضة وصح أن ابن مسعود رضي الله عنه كان على شجرة فهبت الريح فكشفت ساقيه فضحك الصحابة من دقتهما, أي من نحالتهما, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يُضْحِكُكُمْ " ؟ قَالُوا : دِقَّةُ سَاقَيْهِ . قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ؛ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مُنْ أُحُدٍ ".
ولقد حرَّمت الشريعةُ ما يؤدِّي إلى مضايقة المسلم في مشاعره وذلك لشدة الحرص على عدم إدخال الشكوك بين المسلمين، وعدم فتح الباب للشيطان للإفساد بينهم، قال رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الآخَرِ حتى تَخْتَلِطوا بِالنَّاسِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ".)) وفي رواية عند الترمذي: "فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ أَذَى الْمُؤْمِنِ"؛ فأذيّة المؤمنين والإضرارُ بهم ذنب عظيم، وجرم كبير، وسببٌ لسخطِ الله -جل وعلا- وغضبِه.
والأذى المعنوي وقد يكون أشد وطأة على النفس، وأبقى أثرا في الناس؛ لما فيه من تلويث السمعة، ونشر السوء، ولا سيما إن كان كذبا وبهتانا، وفيه يقول الله تعالى ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء:112] وفي آية أخرى ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ ﴾ [الأعراف:152] وعن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من رمى مسلم بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " أخرجه أبو داود..
وقد أوجب النبى صلى الله عليه وسلم اللعنة للذى يؤذى المسلمين فعن حُذَيْفَةَ بن أُسَيْدٍ أَنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من آذَى الْمُسْلِمِينَ في طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عليه لَعْنَتُهُمْ)) الطبراني في الكبير وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " ((اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ))، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ))؛ رواه مسلم. ومعناه : اتقوا الأمرين الجالبين للعن، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم. فمن فعل ذلك استحق اللعنة، وباء بالخسارة والخيبة.وهذا الحديث كالقاعدة للإنسان في عدم إيذاء الغير والمارة.
ومن حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على حفظ حقوق المسلمين وعدم إيذائهم، ما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ!" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ"، قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ" متفق عليه. فأمَرَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإعطاء المسلم حقَّهُ، ومن حقِّهِ كفُّ الأذى بجميع أنواعه وصنوفه ودرجاته.
عباد الله: إن شر الناس من يحلل ما يصنع من باطل باسم الدين، وشر الناس من يخوض في لحوم إخوانهم باسم الدين.والدين أصله أنيؤلف القلوب لا يفرق، أن يهدي لا أن يضل، الدين ما جاء إلا ليوحد الصف وما جاء الدين ليفرق الصف، لهذا كل دعوة باسم الدين تطالب بالتفرقة، ونبذ القلوب؛ أبشركم ليست من الدين. فالدين ماجاء إلا ليوحد الصف، ويجمع القلوب عليه، لهذا حينما يأتي أناس يستبيحون أعراض إخوانهم باسم أنهم عصوا الله، وكلنا نقص، وكل رجل فينا يعلم أن فيه نقص يعتريه، وباطل وقع فيه، ولكن ستر الله -عز شأنه- جميل، ستر الله علي وعليكم، ولو رفع ستره لما جاورت حتى ابنك. لهذا قال الله -عز وجل-: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[القيامة: 14- 15].أي لو اعتذرت، لو أبقيت كل عذر أمام رب العالمين أنت تعلم في قرارة نفسك أنك وقعت في باطل، وقعت في معصية، وأخوك كذلك، الذي تجرأت عليه هو أيضا كذلك. فاتق الله فيه، الذي هداك رب العباد، والذي سيهديه -بإذن الله- رب العباد، ما طالبنا الله قط بمحاسبة العباد، ولكنه طالبنا بأن نحاسب أنفسنا، لهذا: قفوا على أنفسكم، وحاسبوا أنفسكم، وانظروا لكل نقص فيكم، ومن اكتفى بعيبه ترك عيوب الناس.
والله يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] أنا أخوك وأنت أخي، وإن أخطأت تبقى أخي. وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان " أخرجه الطبراني في الكبير، وقال الهيثمي: إسناده جيد.
أبو ذر يمر على رجل يضرب من قبل الصحابة، قال لهم: ما تصنعون؟ قالوا: لقد عصى الله، وكم من رجل يستبيح عرض أخيه من أجل أنه عصى الله، ولا يعلم:أنه قد عصى الله قبله (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ) [النساء: 94] فقالوا: يا أبا ذر لقد عصى الله، فقال أبو ذر: أتعينون الشيطان عليه؟ فقالوا: ألا تكرهه، وهذه علة القوم اليوم إذا رأوا عاصي إن لم تتكلم عنه فأنت توافقه في المعصية، فقالوا لأبي ذر: ألا تكرهه؟ قال: بل أكره صنيعه وهو أخي.
لهذا لما أتت امرأة زانية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتطهر نفسها، فيمسك خالد أو عمر-رضي الله تعالى عنهما- حجرا فيضربها على رأسها فينثر الدم على ثوبه، فقال: لعنك الله، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تلعنها لقد تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم". وما يدريك، ربما عاصي لكن قلبه سليم: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 89].لكن للأسف ميزاننا فيه خلل، أصبحنا نحكم على المظهر قبل الجوهر، نحكم على فصاحة اللسان قبل نقاء العقول والوجدان، هكذا أصبحنا لا تغتر إذا خدعت الأمة. لهذا اجعلت القلوب لرب القلوب
وليس معنى ذلك أن الإسلام حرم الأذية بغير حق للمسلم وأباحها لغير المسلمين ،كلا ، فقد قال تعالى (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)و قال - صلَّى الله عليه وسلَّم: " مَنْ ظلمَ معاهَدًا أو انتقصَه أو كلَّفهُ فوقَ طاقتِه أو أخذَ منه شيئا بغير طيب نفسه فَأنا حجِيجُهُ يومَ القيامة " رواه أبو داود بإسناد صحيح .فإذا كان هذا ظلم المعاهدين، فكيف بمن ظلمَ إخوانه المؤمنين؟! فيا أيها المؤذي المعتدى العيَّاب المغتاب، يامن ديدنه الهمز واللمز والنبز والغمز والتجسس والتحسس والتلصص: كُفَّ أذاك عن المسلمين واشتغل بعيبك عن عيوب الآخرين، وتذكر يوماً تقف فيه بين يدي رب العالمين..يقول يحيى بن معاذ: " ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه "، وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: " اجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا، فأي أولئك تحب أن تسيء إليه ؟ "
ومن أشد أنواع الإيذاء إيذاء الجار فالجار له حق عظيم على جاره، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه". وفي حديث أبي شُرَيْحٍ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والله لَا يُؤْمِنُ والله لَا يُؤْمِنُ والله لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: الذي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائقه)) رواه البخاري. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ". علق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على هذا الحديث فقال: ((فإذا كان هذا بمجرد الخوف من بوائقه فكيف بمن فعل البوائق مع عدم أمن جاره منه)) . وفي الحديث المتفق عليه: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي النَّارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ-أي بقطع من الأقط-، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ)) رواه أحمد مسند أحمد:9673قال الشيخ الأرناؤوط : إسناده حسن
ومن أشد أنواع الإيذاء إيذاء الوالدين عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]، قَالَ:إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ،قَالَ:وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ:يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ،وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ. صحيح مسلم فسَبُّ الْمُسْلِمِ مَعْصِيَةٌ،وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ . قَال النَّوَوِيُّ:يَحْرُمُ سَبُّ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ يُجَوِّزُ ذَلِكَ . وَإِذَا سَبَّ الْمُسْلِمَ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ،وَحَكَى بَعْضُهُمُ الاِتِّفَاقَ عَلَيْهِ .قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ:وَالتَّعْرِيضُ كَالسَّبِّ، فتح القدير 4 / 213 ، تبصرة ابن فرحون 2 / 310 ، أسهل المدارك 3 / 192 ، فتح العلي المالك 2 / 347 ، إعانة الطالبين 4 / 283 - 284 ، المغني لابن قدامة 8 / 11 ، 220 ، شرح منتهى الإرادات 3 / 547 ، 361 ، 385 ، التحفة مع حاشيتي الشرواني وابن قاسم 9 / 177 ، الطحطاوي على الدر 2 / 415 ،الموسوعة الفقهية الكويتية - (24 / 141) فما بالك بسب الوالدين أعاذنا الله من ذلك
3/ حرمةً المسلم عند الله
واعلموا أن للمسلم عند الله حرمةً وقدرًا عن عبدالله بن عَمْرٍو عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَزوال الدُّنيا أهوَنُ عند الله مِن قتل رجلٍ مسلمٍ)) أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه والبيهقي وعن ابن عمر قال: صعد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا المنبر، فنادى بصوتٍ رفيعٍ، وقال: ((يا معشر مَن أسلم بلسانه، ولَم يدخل الإيمانُ قلبَه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تُعيِّروهم، ولا تطلبوا عثراتِهم؛ فإنَّه من يطلب عورةَ المسلم، يطلب الله عورتَه، ومن يطلب الله عورتَه يفضَحْه ولو في جوف بيتِه))، ونظر ابنُ عمر يومًا إلى البيت، فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، ولَلمؤمِنُ أعظمُ عند الله حرمةً منك" ابن حبان وعن عبداللهِ بن عمرٍو - رضي الله عنهما - قال: رأيتُ رسولَ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يطوف بالكعبة ويقول: ((ما أطيَبَكِ وأطيبَ ريحَك! ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمَتَك! والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لَحُرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك؛ ماله ودمه، وأن نظنَّ به إلاَّ خيرًا)) ابن ماجه و كانت حجَّة الوداع إعلانًا لحقوق المسلم، وإشهارًا لمبدأ كرامته، وتعظيم حرمته وقدره عند الله، وتحريم أذيَّتِه بأيِّ وجهٍ من الوجوه في ميثاقٍ تاريخي نُودِيَ به في أعظم محفل.
ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بيَّن هذا الأمر تبييناً جلياً؛ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ، قَالَ : أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ:أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ ؟ قُلْنَا:بَلَى،قَالَ:فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ فَسَكَتْنَا،حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بغير اسْمِهِ،فَقَالَ:أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ ؟ قُلْنَا:بَلَى،قَالَ:فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بغير اسْمِهِ،فَقَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ ؟ قُلْنَا:بَلَى،قَالَ:فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ،وَأَمْوَالَكُمْ،وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ، قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " . البخارى ومسلم
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالُوا:هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ،قَالَ:أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا:بَلَدٌ حَرَامٌ،قَالَ:فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قَالُوا:شَهْرٌ حَرَامٌ،قَالَ:إِنَّ أَمْوَالَكُمْ،وَدِمَاءَكُمْ،وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ثُمَّ أَعَادَهَا مِرَارًا،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ مِرَارًا، :يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ:وَاللَّهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّةٌ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ،ثُمَّ قَالَ:أَلاَ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ،لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ مسند أحمد صحيح
4 / اهتمام الكتاب والسنة ببيان خطر اللسان
ولهذا معاشرَ المسلمين: اهتم الكتاب والسنة ببيان عظيم خطر اللسان فالأدْوَاءُ وَالعِلَلُ المَعْنَوِيَّةُ التِي تُصِيبُنَا كَثِيرةٌ ، فَلَا نَعْبَأُ بِهَا، وَلَا نَلْتَفِتُ إِلَيهَا، بَلْ وَلَا نَسْعَى لِعِلَاجِهَا، وَالتَّخَلُّصِ مِنهَا، وَقَدْ تَذْهَبُ بِكَثِيرٍ مِنْ دِيْنِنَا وَأُجُورِنَا.فِي حِينِ أَنَّنَا لَا يَقِرُّ لَنَا قَرَارٌ، وَلَا يَهْدَأُ لَنَا بَالٌ إِذَا عَرَضَتْ لَنَا بَعْضُ الأَمْرَاضِ الحِسِّيَّةِ الجَسَدِيَّةِ التِي تُضِرُّ بِدُنْيَانَا. وَإِنَّ مِنَ الآفَاتِ الدَوَاهِي؛ آفَةً لَهِيَ أَشَدُّ خَطَرًا مِن أَمْرَاضِ البَدَنِ مهما عَظُمَت، وَأَعْظَمُ فَتْكًا لِدِينِ المَرْءِ، وَأَكْثَرُ فَسَادًا لِآخِرَتِهِ.لَا تَرَى مَنْ يُحَاذِرُهَا إِلَّا قِلّةً قَلِيلَةً مِنَ العُقَلَاءِ، الذِينَ وَفَّقَهُم اللهُ وَهَدَاهُم، وَنَجَّاهُم مِن اتَّبَاعِ هَوَاهُم، تِلْكُم الآفَةُ –يا عباد الله- هي: كَثْرَةُ الكَّلَامِ، وَإِطْلَاقُ اللِّسَانِ بِلَا زِمَام ولَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ التَّهَاوُنِ فِي الكَلَامِ مِنْ غَيرِ تَثَبُّتٍ وَلَا رَوِيَّةٍ، وَمِنْ دُونِ مُرَاعَاةٍ لِخَيرِهِ مِنْ شَرِّهِ؛ عباد الله: كم من شخص تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته وهو لا يشعر، فقد ينطق العبد بكلمة دون تفكير ولا إمعان نظر فتكون سببًا للخسران والبوار،فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ". وفي لفظ لمسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ". والتبين -أيها المؤمنون- هو التأمل والتفكر، فكم من كلمة فُهْتَ بها من غير تأمل ولا تفكر، وكما أن الكلمة قد تكون سببًا لسخط الله، فإنها قد تكون سببًا لرضوانه، أخرج البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات". فالعاقل اللبيب -معاشر المؤمنين- هو من جعل على لسانه حارسًا يحرسه مما لا يليق، هذا الحارس هو تقوى الله ومراقبته، قبل كل شيء.
إنَّ أذية المؤمن ظلمٌ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وإن من الأذى ما لا تُكفِّره الصَّلاة، ولا الصدقة، ولا الصوم، بل لا يُغفَر للظالِم حتى يَغفر له المظلوم، وهيهات أن يعفو المظلومُ يوم تتطاير الصُّحف وتعزُّ الحسنات فكم من عابد لله تعالى يصوم النهار ويقوم الليل وينفق القليل والكثير إلا انه يؤذى الناس بقوله أو فعله ، فحبط عمله وضاع أجره فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ » (رواه مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيام، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء".فاحفظ حسناتك؛ فأنت أحوج لها! واسمع لفقه الحسن البصري -رحمه الله- يوم أن جاءه رجل فقال له: إنك تغتابني. فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي؟.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ هِيَ فِي النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ هِيَ فِي الْجَنَّةِ )مسند أحمد:9673قال الشيخ الأرناؤوط : إسناده حسن
قال الفضيل بن عياض: سمعت الثوريّ يقول: لو رميت رجلا بسهم كان أحبّ إليّ من أن أرميه بلساني، لأنّ رمي اللّسان لا يكاد يخطىء)* « انظر المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (1/ 442).».
أحبتي في الله: إن الكلمة بنوعيها تخرج من عضو واحد وهو اللسان؛ ويصبح اللسان طيبا أو خبيثا تبعا لما يخرج منه من كلام!! لأن اللسان آلة تستخدم في الخير والشر؛ وأن استعماله في الخير شكرٌ للنعمة؛ واستعماله في الشر كفرٌ بالنعمة.
قال جعفر : وكان يقرأ الكتب:" أن لقمان كان عبدا حبشيا نجارا ، وأن سيده قال له : اذبح لي شاة ، قال : فذبح له شاة فقال : ائتني بأطيبها مضغتين ، فأتاه باللسان والقلب ، قال : فقال : ما كان فيها شيء أطيب من هذين ؟ قال : لا ، فسكت عنه ما سكت ، ثم قال : اذبح لي شاة ، فذبح له شاة قال : ألق أخبثها مضغتين ، فألقى اللسان والقلب ، فقال له : قلت لك ائتني بأطيبها ، فأتيتني باللسان والقلب ، ثم قلت لك : ألق أخبثها مضغتين ، فألقيت اللسان والقلب ، قال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا ." ( مصنف ابن أبي شيبة )
فبكلمة من اللسان تُشْعَل نار الفتن والحروب! وبكلمة سُطِّرت في تقريرٍ أسود مِن رجل لا يتقي الله ولا يعبد إلا كرسياً زائلاً ولا يعبد إلا منصباً فانياً خُرِّبت البيوت، وجُرِّحت القلوب، وبكت العيون، وتألمت النفوس! وبكلمة فُرِّق بين زوجين، وبكلمة فُرِّق بين الأخ وأخيه، وبين الوالد وولده، وبين الولد ووالده! كل ذلك بسبب كلمة أيها الأحباب.
ولذلك شدد صلى الله عليه وسلم على الاهتمام باللسان الذي هو مصدر الكلام لأن صلاح اللسان صلاح لأعضاء الجسد كلها؛ وفساده فساد لأعضاء الجسد كلها؛ولم لا وجوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج، فان ابن ادم حين يصبح تناشد الأعضاء كلها اللسان بالاستقامة فإذا صلح لسان العبد صلحت سائر جوارحه.وهل اللسان إلا ناطق لما تمليه عليه الجوارح، وبما يمليه عليه الجنان؟وفِي سنن التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- مَرْفُوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا". حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي"قال الإمام النووي -رحمه الله-: "معنى "تكفّر اللسان"، أي: تذل له وتخضع وتلح على اللسان فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ(أي: نجاتنا بك)ومن ثم من أراد النجاة والصلاح والفلاح امسك عليه لسانه وقال عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه-: «اللّسان قوام البدن، فإذا استقام اللّسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللّسان لم تقم له جارحة») « انظر الصمت لابن أبي الدنيا (249).».
عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا خَزَنَ المَرْءُ لِسَانَهُ، وَحَفِظَ عَنِ اللَّغْوِ زَمَانَه، فَقَدْ مَلَكَ زِمَامَ الخَيرِ وَنَاصِيَتَهُ، وَاسْتَجْلَبَ رَاحَتَهُ وَعَافِيَتَهُ؛ وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَخْزِنَ مِنْ لِسَانِهِ".
أيُّهَا المَرْءُ لَا تَقُولَنَّ قَولًا *** لَسْتَ تَدْرِي مَاذَا يَجِيئُكَ مِنْهُ
وَاخْزِنِ القَولَ إِنَّ فِي الصَّمْتِ حُكْمًا *** وِإذَا أَنْتَ قُلْتَ قَوْلًا فَزِنْهُ
وَإِذَا النَّاسُ أَكْثَرُوا فِي حَدِيثٍ *** لَيسَ مَمَّا يَزِينُهُم فَالْهُ عَنْهُ
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ بن جبل بوصيته الخالدة أخرج الترمذي عَنْ مُعَاذٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْلَمُونَ)[السجدة: 16].ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ". الترمذي واللفظ له وقال: حسن صحيح وأحمد وابن ماجة وقال الألباني في صحيح الجامع صحيح الإسناد.».
وعن سفيان ابن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، حدِّثْني بامر أعتصم به، قال: "قل ربي الله ثم استقم"، قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هذا".« الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجه.». وعن الحارث بن هشام- رضي اللّه عنه- أنّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «املك هذا»، وأشار إلى لسانه)* « المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 527) وقال: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد.». خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَة مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذِكْرُ اللَّهِ -عز وجل-".وحفظ اللسان أمر صعب جدا قال محمّد بن واسع لمالك بن دينار:«يا أبا يحيى حفظ اللّسان أشدّ على النّاس من حفظ الدّينار والدّرهم») « إحياء علوم الدين (3/ 120).».
وإذا أردت أن تقيّم شخصاً انظر ما الذي يخرج من فيه، فإذا سمعت الكلم الطيب يخرج من فمه فاعلم أنه على خير، وإن رأيته ثرثاراً طعاناً فاعلم أنه على سوء وشر -والعياذ بالله-.واعلم كذلك أن في إيمانه نظراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالذيء )، وقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).وقال سبحانه لنا بما يفيد هذا الأصل -وهو أن الكلمات شعار لقائلها- فقال: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118] أي: إن كنتم من أهل الفهم فنحن بينا لكم الآيات من الكلمات التي تخرج من أفواه أعدائكم.وقال سبحانه: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد:30]
تستطيع أن تقيم من أمامك بشيء من الهدوء، تنظر في كلماته التي تخرج منه، وتنظر في حركاته وفي مدلولات الكلمات، وتعطيه حكماً بعد ذلك يناسبه أو يناسبك في التعامل معه كذلك.إذا رأيته ثرثاراً كثير الكلام فاعلم أن هذه الثرثرة تجره ولابد إلى اغتياب المسلمين والمسلمات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون) والثرثار كما قال الترمذي رحمه الله تعالى: هو كثير الكلام.
5/ كيفية النجاة من أخطار اللسان
عباد الله: كم تجدنا في مجالسنا قد أكثرنا فيها الكلام الباطل الذي لا خير فيه، أوكلاماً لا فائدة منه وإن كان مباحاً، مع أنّ خطر اللّسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلّا بالصّمت، ولو أننا صمتنا لكان الصمت خيراً لنا، ولكن الصمت عبادة لا يُلقاها إلا القليل من عباد الله الصالحين، وجاءت نصوص الكتاب والسنة تحثنا على قلة الكلام وعدم الإكثار منه، ومن المعلوم أن الإنسان كثير الكلام؛ وكلما كثر كلامه كثر لغطه قال تعالى:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]. أى لا خير في أكثر الكلام الذي يتكلم به الناس إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وانظر في نجوانا في مجالسنا يكاد الشيطان أن يرفع رايته البيضاء يلقي بيننا وبينه الصلح؛ لأننا لا نجد ولا نترك مسلما إلا نهشنا لحمه، وكسرنا عظمه؛ كأن بيننا وبين المسلمين عداوة، ولذلك قال عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه-:«من كثر كلامه كثر سقطه»)* « انظر الصمت لابن أبي الدنيا (241).». ولذلك قال عبد اللّه بن طاوس- رحمه اللّه-:«كان طاوس بن كيسان - رحمه اللّه- يتعذّر من طول السّكوت ويقول: «إنّي جرّبت لساني فوجدته لئيما»)« الصمت لابن أبي الدنيا (248).».وقال طاوس- رحمه اللّه-: «لساني سبع إن أرسلته أكلني»)« إحياء علوم الدين (3/ 120).».
إحْــفَظْ لِسَانــــَكَ أيُّها الإِنْسـانُ*** لا يَلْدَغَنّـكَ إِنَّـهُ ثُعْبــــــَـانُ
كَمْ في الْمقَابرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ*** كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَه الشُّجعَانُ.
وقال علي -رضي الله عنه- يقول: "بكثرة الصمت تكون المهابة"، وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "تعلموا الصمت كما تعلمون الكلام".وهذا أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: "الصمت هو أول العبادة".
و لَا اسْتِقَامَةَ لإِيْمَانِ العَبْدِ، وَلَا هِدَايَةَ لِقَلْبِهِ إِذَا كَانَ يُطْلِقُ لِسَانَهُ، وَلَا يَصْمُتُ عَمَّا إِذَا قَالَهُ شَانَه؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه وسلم قال: "لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ"[أخرجه الإمام أحمد والبيهقي].ولذلك كانت كلماته عليه الصلاة والسلام قليلة معدودة، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم كلاماً لو عده العاد لأحصاه, لم يكن يسرد الحديث سرداً كسردكم). وقال سيدنا سليمان بن داود- عليهما السّلام-:«إن كان الكلام من فضّة فالسّكوت من ذهب») « إحياء علوم الدين (3/ 120).»
إِنَّ الصَّمْتَ عَمَّا لَا يُفِيد، وَكَفَّ اللِّسَانِ عَن الكَلَامِ أَنْ يَزِيد، لَدَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الإِيْمَانِ، وَكَمَالِ الإِسْلَامِ، ولهذا ربط النبي -صلى الله عليه وسلم- الصمت بالإيمان بالله واليوم الآخر فقال كما عند البخارى ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رضي اللّه عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ"[متفق عليه البخاري ومسلم واللفظ له.
يقول الإمام النووي -رحمه الله-: "اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَمًا ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ" فإن استوى عندك الوجهان في الكلام ولم تدرِ أفي الكلام خيرٌ أم لا؟ فأمسك عن الكلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صمت نجا) وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: "أنذرتكم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته" [الصمت لابن أبي الدنيا (239-240 )] وقال مالك بن دينار -رحمه الله-: "لو كُلف الناس الصحف لأقلوا المنطق وفي ( حلية الأولياء ) :" أن الإنسان ينبغي له أن لا يخرج من كلامه إلا ما يحتاج إليه ، كما أنه لا ينفق من كسبه إلا ما يحتاج إليه وقال : لو كنتم تشترون الكاغد ( الورق الذي يُكتَبُ فيه) للحفظة لسكتم عن كثير من الكلام ."وعن إبراهيم بن عبد العزيز التّيميّ قال: «المؤمن إذا أراد أن يتكلّم نظر، فإن كان كلامه له تكلّم، وإن كان عليه أمسك عنه، والفاجر إنّما لسانه رسلا رسلا « رسلا: ليّنا مسترخيا لا تؤدة فيه.»») « الصمت لابن أبي الدنيا(247).».
يقول أبو حاتم: "لسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلا فلا، والجاهل قلبه في طرف لسانه ما أتى على لسانه تكلم به، وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه".
وزنِ الكلامَ إذا نطقتَ ولا تكنْ *** ثرثارةً في كلِّ نادٍ تخطُبُ
أَقْلِلْ كلامكَ واستَعِذْ من شرِّهِ *** إنَّ البلاءَ ببعضِهِ مقرونُ
واحفَظْ لسانَكَ واحتَفِظْ من غَيِّهِ *** حتى يكونَ كأنَّهُ مسجونُ
وكِلْ فؤادَكَ باللسانِ وقُلْ لَهُ *** إنَّ الكلامَ عليكما موزونُ
فَزِنَاهُ وليَكُ مُحْكَمًا ذا قِلَّةٍ *** إنَّ البلاغةَ في القليلِ تكونُ
المرفقات

خطبة المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده للشيخ سعد الشهاوى.doc

خطبة المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده للشيخ سعد الشهاوى.doc

المشاهدات 11691 | التعليقات 0