خطبة المجاهرة بالمعاصي

باسم أحمد عامر
1438/06/17 - 2017/03/16 15:58PM
الخطبة الأولى:
وبعد،
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه(،
بين هذا الحديث النبوي الشريف حال الذين يرتكبون المعاصي، ثم يقومون بارتكاب معصية أشد وهي المجاهرة بها والإعلان عنها بين الناس، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن كل الأمة في عافية وتستحق عفو الله جل وعلا إلا هذا الصنف من الناس وهم المجاهرون بالمعاصي، الذين يتحدثون عن معاصيهم أمام الناس بلا مبالاة وبلا استحياء من الله تعالى،


*عباد الله، إن الجهر بالمعاصي استخفاف بمن عصي وهو الله تعالى، استخفاف بحقه جل وعلا، استخفاف بدين الله تعالى وشرعه، فأي تعظيم لله وأي تعظيم لشرع الله عندما يقوم هؤلاء بالمجاهرة بما نهى الله وزجر عنه،
عباد الله،
إن المجاهرة بالمعصية والتحدث عنها أصبحت سمة من سمات بعض الناس في هذا الزمان، فبدلاً من أن يتوب هذا الإنسان ويندم ويستر على نفسه، تجده يتفاخر بما ارتكب من المعاصي ويتباهى بها بين أصحابه ورفاقه،
إن هذا الأمر -عباد الله- الخطير يحمل الآخرين على تقليد هؤلاء المجاهرين والوقوع فيما وقعوا فيه، فإن الشريعة حريصة على تقليل المنكرات والمعاصي في المجتمع، وهؤلاء المجاهرون بمعاصيهم يسهمون في إشاعة المنكرات في المجتمع، لذا جاء التشديد عليهم برفع العافية عنهم،

*أيها المسلمون:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ)، فالله تعالى يحب الستر، فيجب على من ابتلي بمعصية أن يستتر، فإذا جاهر فقد هتك الستر الذي ستره الله به، وأحل للناس عرضه، أما الذي ستر على نفسه فيجب على الآخرين إذا علموا به أن لا يفضحوه، وأن يستروا عليه، وقد أجمع العلماء على أن من اطلع على معصية أو ذنب لمؤمن ممن لم يعرف بالشر والفساد، ولم يشتهر بالمجاهرة بالمعاصي، ولم يكن داعياً إليها، وإنما يفعله خائفاً متخفياً أنه لا يجوز فضحه، ولا كشفه للعامة ولا للخاصة، ولا يرفع أمره إلى القاضي، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حث على ستر عورة المسلم، وحذر من تتبع زلاته، فقال عليه الصلاة والسلام: (من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته)،
أما المجاهر بمعصيته فقد قال العلماء أنه لا يستحب أن يستر عليه، بل لا بد من إظهار حاله للناس حتى يجتنبوه، وينبغي رفع أمره للقاضي أو للجهات المسؤولة حتى تنظر في شأنه، لأن ستر أمثال هؤلاء يجعلهم يتمادون فيما هم فيه، لأنهم أمنوا العقوبة، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، وإذا كانت غيبة المسلمين حراماً، فإن هؤلاء قد أباحوا للناس أن يتكلموا فيهم، فأجاز العلماء غيبة المجاهر بفسقه أو بدعته، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: إذا كان الرجل معلناً بفسقه فليس له غيبة،
بل إن بعض العلماء قالوا ينبغي هجر هؤلاء المجاهرين إذا ماتوا بعدم الصلاة عليهم والمشي في جنازتهم، خصوصاً من قبل أهل العلم والفضل والخير، حتى يكونوا عبرة لغيرهم،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ينبغي لأهل الخير أن يهجروا المظهر للمنكر ميتاً، إذا كان فيه كف لأمثاله، فيتركون تشييع جنازته، فمن جاهر بشيء فمات مصراً مات مجاهراً يترك أهل الفضل والخير الصلاة عليه، ويصلي عليه عامة الناس ما دام مسلماً لم يخرج من الإسلام"،
*فلا بد عباد الله أن نطهر مجتمعنا عن مثل هذه الفئات، التي استهانت بحرمات الله جل وعلا،
أقول قولي هذا،،،


الخطبة الثانية:
وبعد،
واجب علينا إذا وجدنا فيمن حولنا من يجاهر بمعصيته ويتكلم عن ذنوبه، واجب علينا نصيحته، فالدين النصيحة، فلا يجوز السكوت عن مثل هذا المنكر العظيم، خشية أن يصبح ظاهرة في المجتمع، فنرى بعد ذلك الشباب والصغار يجاهرون بمعاصيهم من حيث لا يشعرون، خصوصاً مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح من السهولة أن يضع الإنسان ما يريد من خير أو شر في هذه الوسائل،
فلا بد عباد الله من الحذر من هذا الموضوع، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعدم السكوت عن المنكرات، فكيف بالمجاهرة بها، قال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)،
هذا وصلوا على الحبيب،،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أعلنا وما أسررنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت...
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح،
اللهم يا مقلب القلوب،
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا،
ربنا آتنا في الدنيا حسنة...
عباد الله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)






ملاحظة: الخطبة أعلاه مستفادة من خطب أخرى سابقة
المشاهدات 2285 | التعليقات 0