خطبة : ( اللهم اجعلنا من الصالحين )

عبدالله البصري
1441/04/22 - 2019/12/19 22:07PM
اللهم اجعلنا من الصالحين     23 / 4 / 1441
 
 
 
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ عَلَى عَبدِهِ المُسلِمِ ، أَنِ اختَارَهُ لِيَكُونَ مُسلِمًا وَهَدَاهُ لِلإِيمَانِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " يَمُنُّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسلامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَن هَدَاكُم لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُم صَادِقِينَ "
إِنَّهَا لَنِعمَةٌ وَأَيُّ نِعمَةٍ ، أَن هَدَاكَ اللهُ - تَعَالى - وَاجتَبَاكَ وَجَعَلَكَ مِنَ المُسلِمِينَ ، فَكَم في هَذَا العَالَمِ مِمَّن هُم أَحَدُّ مِنكَ ذَكَاءً وَأَدَقُّ فَهمًا ، لَكِنَّهُم صُرِفُوا عَنِ الحَقِّ وَلم يُوَفَّقُوا إِلَيهِ ، وَبَقُوا كُفَّارًا مُلحِدِينَ ، لا هَمَّ لأَحَدِهِم إِلاَّ أَكلُهُ وَشُربُهُ وَلَهوُهُ وَلَعِبُهُ ، وَإِمتَاعُ نَفسِهِ وَتَحصِيلُ شَهَوَاتِهَا وَتَحقِيقُ وَرَغَبَاتِهَا ، يَعِيشُ كَالبَهِيمَةِ بَل هُوَ مِنهَا أَضَلُّ ، ثم يَمُوتُ غَدًا وَيُلقَى في حُفرَتِهِ كَمَا تُلقَى الجِيفَةُ في المَزبَلَةِ ، وَلَو كَانَ القَبرُ هُوَ المَثوَى الأَخِيرَ وَالمَوتُ هُوَ النِّهَايَةَ ، لَهَانَ كُلُّ شَيءٍ وَسَهُلَ ، وَلَكِنَّ المَوتَ انتِقَالٌ إِلى رَوضَةٍ مِن رِيَاضِ الجَنَّةِ أَو إِلى حُفرَةٍ مِن حُفَرِ النَّارِ ، ثم يَأتي بَعدَهُ البَعثُ وَالنُّشُورُ وَالحَشرُ وَالحِسَابُ ، ثم خُلُودٌ في جَنَّةٍ وَنَعِيمٍ مُقِيمٍ ، أَو في نَارٍ أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ ، فَالحَمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنَا مُسلِمِينَ ، وَهَدَانَا وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدَانَا اللهُ ، فَيَا أَيُّهَا المُسلِمُ ، كَفَاكَ شَرَفًا وَمَدَحًا أَن تَكُونَ مُسلِمًا مَهدِيًّا ، فَالهِدَايَةُ شَرَفٌ عَظِيمٌ ، مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى أَنبِيَائِهِ وَأَصفِيَائِهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَتِلكَ حُجَّتُنَا آتَينَاهَا إِبرَاهِيمَ عَلَى قَومِهِ نَرفَعُ دَرَجَاتٍ مَن نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ . وَوَهَبنَا لَهُ إِسحَاقَ وَيَعقُوبَ كُلاًّ هَدَينَا وَنُوحًا هَدَينَا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحيَى وَعِيسَى وَإِليَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَإِسمَاعِيلَ وَاليَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلنَا عَلَى العَالَمِينَ . وَمِن آبَائِهِم وَذُرِّيَّاتِهِم وَإِخوَانِهِم وَاجتَبَينَاهُم وَهَدَينَاهُم إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ " وَبِالهِدَايَةِ امتَنَّ - تَعَالى - عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فَقَالَ : " وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى "
وَإِنَّ مِن لَوَازِمِ الهِدَايَةِ أَن يَحرِصَ المُسلِمُ عَلَى أَن يَكُونَ عَبدًا صَالِحًا ، لِيَلحَقَ بِالصَّالِحِينَ وَيَنَالَ رَحمَةَ رَبِّ العَالَمِينَ ، قَالَ - تَعَالى - عَن إِبرَاهِيمَ - عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَلَقَدِ اصطَفَينَاهُ في الدُّنيَا وَإِنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " وَقَالَ عَن إِسحَاقَ - عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَبَشَّرنَاهُ بِإِسحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ " وَقَالَ عَن نَبِيِّه لُوطٍ - عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَأَدخَلنَاهُ في رَحمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ " وَقَالَ عَن عِيسى - عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَيُكَلِّمُ النَّاسَ في المَهدِ وَكَهلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ " وَقَالَ عَن عَدَدٍ مِن أَنبِيَائِهِ – عَلَيهِمُ السَّلامُ - : " وَزَكَرِيَّا وَيَحيَى وَعِيسَى وَإِليَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ " وَقَالَ : " وَإِسمَاعِيلَ وَإِدرِيسَ وَذَا الكِفلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ . وَأَدخَلنَاهُم في رَحمَتِنَا إِنَّهُم مِنَ الصَّالِحِينَ " وَقَالَ عَن يُونُسَ - عَلَيهِ السَّلامُ - : " فَاجتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ "
وَلأَهمِيَّةِ الصَّلاحِ وَعِظَمِ أَمرِهِ ، فَقَد دَعَا الأَنبِيَاءُ بِهِ لأَبنَائِهِم قَبلَ وُجُودِهِم ، وَدَعَوا بِهِ لأَنفُسِهِم وَحَرِصُوا عَلَى أَن يُختَمَ لَهُم بِهِ ، فَهَذَا إِبرَاهِيمُ - عَلَيهِ السَّلامُ – يَدعُو رَبَّهُ قَائِلاً : " رَبِّ هَبْ لي مِنَ الصَّالِحِينَ " وَيَقُولُ : " رَبِّ هَبْ لي حُكمًا وَأَلحِقْني بِالصَّالِحِينَ " وَهَذَا يُوسُفُ - عَلَيهِ السَّلامُ – يَدعُو رَبَّهُ قَائِلاً : " تَوَفَّني مُسلِمًا وَأَلحِقْني بِالصَّالِحِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ لِلصَّلاحِ فَضلاً عَلَى أَهلِهِ وَثِمَارًا يَجنُونَهَا في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَإِنَّ لأَهلِهِ عِندَ رَبِّهِم مَنزِلَةً عَظِيمَةً وَمَكَانَةً عَالِيَةً ، فَالصَّالِحُونَ مَوعُودُونَ بِوَلايَةِ اللهِ لَهُم ، وَمَن تَوَلاَّهُ اللهُ فَمَا أَعظَمَ حَظَّهُ ! قَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ " وَلِلصَّالِحِينَ بِشَارَاتٌ وَكَرَامَاتٌ تَطمِئَنُّ بِهَا نُفُوسُهُم ، وَتُثَبَّتُ بِهَا قُلُوبُهُم ، وَذَلِكَ بِمَا يُكرَمُونَ بِهِ مِنَ الرُّؤَى الصَّالِحَةِ الصَّادِقَةِ ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " الرُّؤيَا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزءٌ مِن سِتَّةٍ وَأَربَعِينَ جُزءًا مِنَ النُّبُوَّةِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
وَالصَّالِحُونَ هُمُ المُستَحِقُّونَ لِلتَّمكِينِ في الأَرضِ ، وَذَلِكَ وَعدُ اللهِ الَّذِي لا يُخلِفُ المِيعَادَ ، قَالَ - تَعَالى - : " وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم في الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم " وِمنهُ عَلَى قَولِ بَعضِ المُفسِّرِينَ قَولَهُ – تَعَالى - : " وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " وَأَكثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ المُرَادَ أَرضُ الجَنَّةِ ، وَهَذَا وَاللهِ أَعظَمُ وَأَكمَلُ ، وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : أَعدَدتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَينٌ رَأَت ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَت ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ ، وَاقرَؤُوا إِن شِئتُم : " فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ " وَالصَّلاحُ - أَيَّهُا المُسلِمُونَ - بَرَكَةٌ تَنتَقِلُ مِنَ الآبَاءِ إِلى الأَبنَاءِ ، وَحَسَنَاتٌ مِنَ الأَبنَاءِ إِلى الآبَاءِ ، قَالَ - تَعَالى - عَنِ الغُلامَينِ اللَّذَينِ بَنَى الخَضِرُ – عَلَيهِ السَّلامُ -جِدَارَهُمَا : " وَأَمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَينِ يَتِيمَينِ في المَدِينَةِ وَكَانَ تَحتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَستَخرِجَا كَنزَهُمَا رَحمَةً مِن رَبِّكَ " وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثَةٍ : إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُو لَهُ  "
وَمِن ثِمَارِ صَلاحِ العَبدِ أَنَّهُ يُدخِلُ صَاحِبَهُ فِيمَن يُسَلِّمُ عَلَيهِم المُصَلُّونَ في كُلِّ صَلاةٍ ، فَعَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : كُنَّا إِذَا صَلَّينَا مَعَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قُلنَا : السَّلامُ عَلَى اللهِ قَبلَ عِبَادِهِ ، السَّلامُ عَلَى جِبرِيلَ ، السَّلامُ عَلَى مِيكَائِيلَ ، السَّلامُ عَلَى فُلانٍ ، فَلَمَّا انصَرَفَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَقبَلَ عَلَينَا بِوَجهِهِ فَقَالَ : " إِنَّ اللهَ هَوَ السَّلامُ ، فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُم في الصَّلاةِ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبيُّ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ؛ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَصَابَ كُلَّ عَبدٍ صَالِحٍ في السَّمَاءِ والأَرضِ " الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَآخِرُ مَا يَنَالُهُ العَبدُ الصَّالِحُ في الدُّنيَا جَزَاءَ صَلاحِهِ ، أَنَّهُ يُبَشَّرُ عِندَمَا يُوضَعُ عَلَى قَبرِهِ فَيَستَعجِلُ الدَّفنَ لِذَلِكَ ، فَعِندَ النَّسَائيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " إِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ : قَدِّمُوني قَدِّمُوني ، وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السُّوءُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ : يَا وَيلَهُ ، أَينَ تَذهَبُونَ بي ؟! "
أَيُّهَا الأَخُ المُسلِمُ ، إِنَّكَ أَن تَكُونَ صَالِحًا صَلاحًا حَقِيقِيًّا ، فَأَنتَ حِينَئِذٍ دَاعِيَةُ خَيرٍ وَإِن كُنتَ صَامِتًا ، يَتَعَلَّمُ مِنكَ أَبنَاؤُكَ وَيَكُونُ لَهُم فِيكَ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ ، وَيَقتَدِي بِكَ طُلاَّبُكَ إِن كُنتَ مُعَلِّمًا وَيَسِيرُونَ عَلَى نَهجِكَ ، وَيَرَى فِيكَ جِيرَانُكَ مِثَالاً لِلأَخلاقِ الصَّالِحَةِ فَيُحِبُّونَهَا ، وَيَجِدُ زُمَلاؤُكَ وَأَصدِقَاؤُكَ في شَخصِكَ مِثَالاً حَيًّا لِلأَدَبِ العَالي وَالذَّوقِ الرَّفِيعِ فَيَألَفُونَ ذَلِكَ ، وَيَرتَاحُ لَكَ الجَمِيعُ لأَنَّكَ صَادِقٌ في حَدِيثِكَ فَلا يَسمَعُونَ مِنكَ إِلاَّ حَقًّا ، طَاهِرُ اللِّسَانِ فَلا تَقُولُ فُحشًا ، مُتَوَاضِعٌ فَلا تَستَهزِئُ وَلا تَسخَرُ ، رَحِيمٌ رَفِيقٌ فَلا تَسُبُّ وَلا تَلعَنُ ، حَافِظٌ أَعرَاضَ إِخوَانِكَ فَلا تَغتَابُ وَلا تَشتَغِلُ بِنَمِيمَةٍ ، وَاضِحٌ في تَعَامُلِكَ فَلا يُرَى مِنكَ خِدَاعٌ وَلا غِشٌّ ، وَفِيٌّ بِعَهدِكَ وَوَعدِكَ فَلا تَغدِرُ وَلا تُمَاطِلُ ، تَحفَظُ الجَمِيلَ وَلا تَنسَى الفَضلَ ، وَتَرُدُّ المَعرُوفَ بِمِثلِهِ أَو بِأَحسَنَ مِنهُ ، وَتَغفِرُ الزَّلَّةَ وَتَرعَى حَقَّ الجِوَارِ وَالصُّحبَةِ ، سَمحٌ في بَيعِكَ سَمحٌ في شِرَائِكَ ، لَيِّنٌ في أَخذِكَ لَيِّنٌ في عَطَائِكَ ، تُحِبُّ لإِخوَانِكَ مِنَ الخَيرِ مَا تُحِبُّهُ لِنَفسِكَ ، وَلا تَحسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيرٍ أَعطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ ، وَلا تَحقِدُ عَلَى مُسلِمٍ أَو تَحمِلُ في نَفسِكَ لِمَوقِفٍ حَصَلَ بَينَكَ وَبَينَهُ ، تَعدِلُ في حُكمِكَ وَتُنصِفُ مِن نَفسِكَ ، وَتُعطِي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَتَمشِي عَلَى الأَرضِ هَونًا وَلا تُصَعِّرُ خَدَّكَ وَلا تَتَكَبَّرُ ، عَارِفٌ قَدرَ نَفسِكَ وَقِيمَتَهَا فَلا تَفخَرُ ، إِنَّكَ بِهَذَا قُرآنٌ يَمشِي عَلَى وَجهِ الأَرضِ ، وَسُنَّةٌ حَيَّةٌ تَبعَثُ في النَّاسِ الحَيَاةَ ، وَدَاعٍ إِلى الخَيرِ دَعوَةً عَمَلِيَّةً وَمُحَبِّبٌ لِلنَّاسِ فِيهِ ، وَدَالٌّ عَلَى الهُدَى وَمُرَغِّبٌ لَهُم في الاستِقَامَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن فَضلِ اللهِ عَلَيكَ أَن تَتَضَاعَفَ بِذَلِكَ حَسَنَاتُكَ ، فَتَنَالَهَا عَلَى أَعمَالِكَ الَّتي عَمِلتَهَا ، وَتَنَالُ مِثلَهَا بِكُلِّ مَن رَآكَ فَاقتَدَى بِكَ وَعَمِلَ مِثلَ مَا عَمِلتَ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَكُنْ صَالِحِينَ حَقًّا وَصِدقًا ، صَلاحًا نُحَقِّقُ فِيهِ الإِخلاصَ لِرَبِّنَا ، وَنَتَّبِعُ فِيهِ سُنَّةَ نَبِيِّنَا في كُلِّ شُؤونِنَا ، فَقَد قَالَ رَبُّنَا – سُبحَانَهُ - : " فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا "
 
 
الخطبة الثانية :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو جَاهَدَ كُلٌّ مِنَّا نَفسَهُ عَلَى تَقوَى اللهِ وَمُرَاقَبَتِهِ وَالخَوفِ مِنهُ حَيثُمَا كَانَ ، وَأَتبَعَ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ وَلم يُصِرَّ عَلَى خَطَئِهِ ، وَخَالَقَ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ، لَكَانَ بِهَذَا صَالِحًا صَلاحًا حَقِيقِيًّا يَنفَعُهُ اللهُ بِهِ ، وَيَنفَعُ بِهِ مَن حَولَهُ ، فَكَيفَ لَو أَضَافَ إِلى ذَلِكَ الدَّعوَةَ إِلى سَبِيلِ اللهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، وَأَمَرَ بِالمَعرُوفِ وَنَهَى عَنِ المُنكَرِ بِحَسَبِ مَا يَستَطِيعُ ، وَبَذَلَ مِن مَالِهِ وَوَقتِهِ وَجُهدِهِ في خِدمَةِ إِخوَانِهِ المُسلِمِينَ ؟! إِنَّهُ بِذَلِكَ يَكُونُ عَبدًا رَبَّانِيًّا سَابِقًا بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللهِ ، وَبِذَلِكَ يُخرِجُ نَفسَهُ مِن حِزبِ الخَاسِرِينَ ، قَالَ – سُبحَانَه - : " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا عَلَى عِلمٍ بِكَثِيرٍ مِنَ الحَلالِ المُرَخَّصُ فِيهِ ، وَلا يَخفَى عَلَينَا في الغَالِبِ الحَرَامُ المَمنُوعُ ، وَقَلَّ مِنَّا مَن يَجهَلُ مَا يَسُوغُ وَمَا لا يَسُوغُ ، وَلَكِنَّنَا بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ مَاسَّةٍ ، إِلى صَلاحٍ عَمَلِيٍّ في وَاقِعِنَا ، يَرَاهُ الصَّغِيرُ مِنَّا في الكَبِيرِ ، وَيَأخُذُهُ الابنُ عَنِ الأَبِ وَالطَّالِبُ عَنِ المُعلِمِ ، وَيَثبُتُ بِهِ لِلنَّاسِ عِظَمُ هَذَا الدِّينِ وَأَثَرُ التِزَامِ أَحكَامِهِ وَأَخلاقِهِ في صَلاحِ حَيَاتِهِم وَسَعَادَةِ قُلُوبِهِم وَرَاحَةِ نُفُوسِهِم ، نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - نَحنُ بِحَاجَةٍ إِلى صَالِحِينَ مُستَقِيمِينَ عَلَى الأَمرِ وَالنَّهيِ ، مُتَّبِعِينَ لِلسُّنَّةِ في كُلِّ شَأنٍ مِن شُؤُونِهِم ، في المَسجِدِ وَفي السُّوقِ وَفي البَيتِ ، وَفي العِبَادَةِ وَالمُعَامَلَةِ وَالأَخلاقِ ، وَفي القَولِ وَالعَمَلِ وَالحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ، وَفي العُسرِ وَاليُسرِ وَالمَنشَطِ وَالمَكرَهِ ، وَفِيمَا أَحَبُّوا وَفِيمَا كَرِهُوا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا في السِّلمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ "
المرفقات

اجعلنا-من-الصالحين

اجعلنا-من-الصالحين

اجعلنا-من-الصالحين-2

اجعلنا-من-الصالحين-2

المشاهدات 3647 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا