خطبة : ( القرض الحسن )

عبدالله البصري
1440/02/03 - 2018/10/12 09:03AM
القرض الحسن        3 / 2 / 1440
 
الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، فَمَن لم يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " وَأَحسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَبوَابُ الخَيرِ كَثِيرَةٌ ، وَسُبُلُ البِرِّ مُتَعَدِّدَةٌ ، وَأَسبَابُ رِضَا اللهِ عَنِ العَبدِ وَدُخُولِهِ في رَحمَتِهِ أَجَلُّ مِن أَن تُحصَى ، وَإِنَّ فِيهَا مِمَّا يَخطُرُ عَلَى البَالِ وَمَا لا يَخطُرُ عَلَيهِ شَيئًا كَثِيرًا وَقَدرًا كَبِيرًا ، وَمِن رَحمَتِهِ – تَعَالى - لَمَّا فَاوَتَ بَينَ العِبَادِ في الأَعمَالِ وَالأَرزَاقِ وَالعَزَائِمِ وَالقُدُرَاتِ وَالرَّغَبَاتِ ، أَن نَوَّعَ لَهُمُ الأَعمَالَ الَّتي يَدخُلُونَ بِهَا الجَنَّاتِ ، وَيَنَالُونَ بِهَا رِضَاهُ عَنهُم وَرَفِيعَ الدَّرَجَاتِ ، كُلاًّ بِمَا يُسِّرَ لَهُ وَفُتِحَ لَهُ فِيهِ ، فَمَن لم تَرتَفِعْ دَرَجَتُهُ بِالصَّلاةِ ، فَرُبَّمَا كَانَت رِفعَتُهُ بِالصِّيَامِ ، وَمَن لم يَكُنْ كَثِيرَ تَنَفُّلٍ في هَذَينِ ، فَقَد يُرزَقُ مَالاً حَلالاً مُبَارَكًا ، تَكُونُ بِهِ نَجَاتُهُ وَرِفعَةُ دَرَجَاتِهِ ، وَقَد لا يُوَفَّقُ مُسلِمٌ في العِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ البَارِزَةِ ، فَيَكُونُ لَهُ حَظٌّ مِنَ العِبَادَاتِ الخَفِيَّةِ المُخَبَّأَةِ ، وَفَضلُ اللهِ عَظِيمٌ لا يَحُدُّهُ حَدٌّ ، وَرَحمَتُهُ وَاسِعَةٌ لا يُحَاطُ بِهَا وَلا تَنفَدُ ، وَمَا عَلَى العَبدِ إِلاَّ التَّعَرُّضُ لِرَحمَةِ اللهِ ، وَالثَّبَاتُ فِيمَا وُفِّقَ إِلَيهِ وَفُتِحَ لَهُ فِيهِ ، فَمَن حُبِّبَت إِلَيهِ الصَّلاةُ فَلْيَلْزَمْهَا ، وَمَن كَانَ مِن أَهلِ الصِّيَامِ فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ ، وَمَن بُورِكَ لَهُ في مَالٍ فَلْيُرَ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيهِ في إِنفَاقِهِ وَعَطَائِهِ ، وَفي قَضَائِهِ حَاجَةَ المُحتَاجِ وَتَفرِيجِهِ كُربَةَ المَكرُوبِ .
وَإِنَّ ثَمَّةَ عَمَلاً صَالِحًا مَبرُورًا ، وَإِحسَانًا مَذكُورًا مَشكُورًا ، كَادَ يَختَفِي مِنَ المُجتَمَعِ المُسلِمِ بَينَ شُحِّ الشَّحِيحِ وَخِيَانَةِ الخَائِنِ ، وَعَجَلَةِ الحَرِيصِ وَعَجزِ المُفَرِّطِ ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الأَجرِ العَظِيمِ وَالثَّوَابِ الجَزِيلِ ، وَالأَثَرِ المُبَارَكِ عَلَى المُجتَمَعِ في العَاجِلِ وَالآجِلِ ، وَغَرسِ المَحَبَّةِ في القُلُوبِ وَتَحبِيبِ بَعضِ النَّاسِ إِلى بَعضٍ ... أَتَدرُونَ مَا ذَاكُمُ العَمَلُ ؟! إِنَّهُ القَرضُ الحَسَنُ ، أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّهُ القَرضُ الحَسَنُ ، الَّذِي لا يُرِيدُ بَاذِلُهُ مِن وَرَائِهِ إِلاَّ مَا عِندَ الرَّحِيمِ الرَّحمَنِ ، وَلا يَنتَظِرُ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِلاَّ مِنَ الكَرِيمِ المَنَّانِ . وَاللهُ – تَعَالى – هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ، يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقدِرُ ، وَيُوَسِّعُ لِهَذَا وَيُضَيِّقُ عَلَى ذَاكَ ، وَيَجعَلُ المَالَ الكَثِيرَ عِندَ امرِئٍ بِحِكمَتِهِ ، وَيَحُولُ بَينَ آخَرَ وَبَينَهُ حَتَّى لا يَكَادَ يَجتَمِعُ لَدَيهِ مِنهُ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ ، وَلَو شَاءَ – جَلَّ وَعَلا – لَسَاوَى بَينَ النَّاسِ في مِقدَارِ أَرزَاقِهِم وَجَعَلَهُم كُلَّهُم أَغنِيَاءَ ، وَلَيسَ ذَلِكَ بِنَاقِصٍ مِمَّا في خَزَائِنِهِ شَيئًا ، وَلا غَائِضًا مِن فَائِضِهَا ، فَفِي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - : " يَا عِبَادِي ، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم ، وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي ، فَأَعطَيتُ كُلَّ إِنسَانٍ مِنهُم مَسأَلَتَهُ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِندِي إِلاَّ كَمَا يَنقُصُ المِخيَطُ إِذَا أُدخِلَ البَحرُ" أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ تَبَايُنَ النَّاسِ في الرِّزقِ ، وَاختِلافَ مَا تَملِكُهُ أَيدِيهِم مِنَ المَالِ ، إِنَّ ذَلِكَ لَمِمَّا جَعَلَهُ اللهُ فِيهِم لِحِكمَةٍ بَل لِحِكَمٍ كَثِيرَةٍ ، مِنهَا أَن يُسَخِّرَ بَعضُهُم بَعضًا في الأَعمَالِ وَالحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ ، وَلَو تَسَاوَوا في الغِنى وَلم يَحتَجْ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ ، لَتَعَطَّلَت كَثِيرٌ مِن مَصَالِحِهِم وَمَنَافِعِهِم ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " وَمِنَ الحِكَمِ في تَبَايُنِ النَّاسِ في أَرزَاقِهِم أَن يُبتَلَى بَعضُهُم بِبَعضٍ ؛ فَيَعلَمَ اللهُ مَن يَشكُرُ مِمَّن يَكفُرُ ، وَمَن يُعطِي مِمَّن يَمنَعُ ، وَمَن يَجُودُ مِمَّن يَبخَلُ ، وَمَن تَمتَدُّ يَدُهُ لِرِقَّةِ قَلبِهِ ، وَمَن يَكُفُّ كَفَّهُ لِشُحِّ نَفسِهِ ، وَالجَمِيعُ بَعدَ ذَلِكَ إِلى اللهِ عَائِدُونَ ، وَلِمَا في أَيدِيهِم قَلَّ أَو كَثُرَ تَارِكُونَ ، وَعِندَ رَبِّهِم مُحَاسَبُونَ ، وَإِلى مَا قَدَّمُوا قَادِمُونَ ، وَعَلَى مَا قَصَّرُوا فِيهِ نَادِمُونَ . أَمَّا العُقَلاءُ النُّبَلاءُ ، فَقَد عَلِمُوا أَنَّ الدُّنيَا ظِلٌّ زَائِلٌ ، وَهُم فِيهَا ضُيُوفٌ مُرتَحِلُونَ ، وَأَنَّ المَالَ في أَيدِيهِم عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ وَوَدِيعَةٌ مُستَرَدَّةٌ ، وَأَنَّ فِيهِ للهِ حُقُوقًا ، وَأَنَّهُ لا يَنقُصُ بِإِنفَاقٍ مِنهُ في سَبِيلِ اللهِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد جَعَلُوا أَنفُسَهُم في أَعلَى مَنَازِلِ أَهلِ الأَموَالِ ، فَوَصَلُوا بِهِ أَرحَامَهُم ، وَأَكرَمُوا ضُيُوفَهُم ، وَأَعطَوا مِنهُ وَتَصَدَّقُوا ، وَبَذَلُوا وَأَجزَلُوا ، وَأَقرَضُوا وَصَبَرُوا ، وَوَسَّعُوا عَلَى المُعسِرِينَ ، وَفَرَّجُوا عَنِ المَكرُوبِينَ ، وَقَضَوا حَاجَاتِ المُحتَاجِينَ ، وَأَدخَلُوا السُّرُورَ عَلَى المَحزُونِينَ ، فَنَالُوا بِذَلِكَ في دُنيَاهُم عَاجِلَ البُشرَى ، وَكَسِبُوا حَسَنَ الصِّيتِ وَجَمِيلَ الذِّكرِ ، وَحَازُوا حَمِيدَ السُّمعَةِ وَطَيِّبَ الثَّنَاءِ ، وَلَهَجَتِ الأَلسِنَةُ لَهُم بِالمَدحِ وَالشُّكرِ وَالدُّعَاءِ ، مَعَ مَا يَنتَظِرُهُم إِن خَلَصَتِ النِّيَّةُ مِن حَسَنَاتٍ كَالجِبَالِ . وَأَمَّا أَهلُ الهَلَعِ وَالجَزَعِ ، فَقَدِ اشتَغَلُوا بِالجَمعِ وَالمَنعِ ، فَلَم تَنْدَ أَيمَانُهُم بِخَيرٍ وَلا بَذلِ مَعرُوفٍ ، وَلم تَهتَزَّ نُفُوسُهُم لإِسعَافِ ذِي حَاجَةٍ مَلهُوفٍ ، فَقَلَّ حَامِدُهُم ، وَكَثُرَ حَاسِدُهُم ، وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنهُم وَالقُلُوبُ مِنهُ نَافِرَةٌ ، بَل وَصَارَ أَفرَحَ النَّاسِ بِمَوتِهِ أَهلُهُ وَأَقَارِبُهُ . وَالمُوفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ ، وَالمَخذُولُ مَن تَخَلَّى عَنهُ رَبُّهُ ، وَوَكَلَهُ إِلى نَفسِهِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد وَرَدَت في فَضلِ قَضَاءِ حَاجَاتِ المُحتَاجِينَ وَالتَّيسِيرِ عَلَى المُعسِرِينَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَأُخرَى حَسَنَةٌ ، لا يَسمَعُ بِهَا مُؤمِنٌ مُصَدِّقٌ بِمَا فِيهَا مِن وَعدٍ ، إِلاَّ تَمَنَّى لَو قَسَّمَ مَالَهُ كُلَّهُ عَلَى المُحتَاجِينَ وَالمُقِلِّينَ ، وَخَاصَّةً أَهلَ الدِّينِ وَالمُرُوءَةِ وَالصِّدقِ ، الَّذِينَ ضَاقَت بِهِمُ السُّبُلُ ، وَأَرهَقَتهُمُ الحَاجَاتُ وَأَعيَتهُمُ الحِيَلُ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَو وَرِقٍ ، أَو هَدَى زُقَاقًا ، كَانَ لَهُ مِثلُ عِتقِ رَقَبَةٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - " مَن أَقرَضَ وَرِقًا مَرَّتَينِ ، كَانَ كَعَدلِ صَدَقَةٍ مَرَّةً " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَالوَرِقُ هُوَ المَالُ مِنَ الفِضَّةِ ، فَمَن أَقرَضَ مِنهُ شَيئًا مَرَّتَينِ ، كَانَ كَمَا لَو تَصَدَّقَ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً ، فَأَيُّ فَضلٍ مِثلُ هَذَا الفَضلِ ؟! يُقرِضُ المَرءُ مَبلَغًا مِنَ المَالِ مَرَّتَينِ ، فَيَعُودُ إِلَيهِ مَالُهُ كَامِلاً ، وَيَبقَى عِندَ اللهِ أَجرُهُ مُوَفَّرًا . وَحَتَّى وَإِن كَانَ المُقتَرِضُ قَدِ استَفَادَ مِنَ القَرضِ وَانتَفَعَ بِهِ ، إِلاَّ أَن صَاحِبَ المَالِ كَاسِبٌ مِن وَجهَينِ ، وَمُنتَفِعٌ في الدَّارَينِ ، إِذْ بَقِيَ مَالُهُ عِندَهُ ، وَتَقَدَّمَ أَجرُهُ أَمَامَهُ ، فَمَن يَزهَدُ في مِثلِ هَذَا إِلاَّ شَحِيحٌ لَئِيمٌ ؟! وَإِنَّهُ وَإنْ تَكُنِ الصَّدَقَةُ في الأَصلِ أَفضَلَ مِنَ الإِقرَاضِ ؛ مِن جِهَةِ أَنَّ المُتَصَدِّقَ يَهَبُ المَالَ وَيَسمَحُ بِهِ وَلا يُلحِقُهُ نَفسَهُ ، إِلاَّ أَنَّ مَن يُقرِضُ المُحتَاجَ وَيُوَسِّعُ صَدرَهُ وَيَطُولُ صَبرُهُ عَلَيهِ ، لَهُ فَضِيلَةٌ أُخرَى وَمَزِيَّةٌ عُظمَى ، يَنَالُهَا مِن رَبِّهِ جَزَاءً عَلَى إِحسَانِهِ إِلى خَلقِهِ بِإِنظَارِهِم وَالتَّيسِيرِ عَلَيهِم ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن يَسَّرَ عَلَى مُعسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَعَن حُذَيفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " تَلَقَّتِ المَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّن كَانَ قَبلَكُم ، فَقَالُوا : عَمِلتَ مِنَ الخَيرِ شَيئًا ؟! قَالَ : لا . قَالُوا : تَذَكَّرْ . قَالَ : كُنتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتيَانِي أَن يُنظِرُوا المُعسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ المُوسِرِ . قَالَ : قَالَ اللهُ : تَجَاوَزُوا عَنهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَعَن بُرَيدَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " مَن أَنظَرَ مُعسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلُهُ صَدَقَةً " ثم سَمِعتُهُ يَقُولُ : " مَن أَنظَرَ مُعسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلَيهِ صَدَقَةً " فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، سَمِعتُكَ تَقُولُ : " مَن أَنظَرَ مُعسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلُهُ صَدَقَةً " ثم سَمِعتُكَ تَقُولُ : " مَن أَنظَرَ مُعسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلَيهِ صَدَقَةً " قَالَ : " لَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلُهُ صَدَقَةً قَبلَ أَن يَحِلَّ الدَّينُ ، فَإِذَا حَلَّ فَأَنظَرَهُ ، فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ مِثلَيهِ صَدَقَةً " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن أَنظَرَ مُعسِرًا أَو وَضَعَ لَهُ ، أَظَلَّهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ تَحتَ ظِلِّ عَرشِهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنُنفِقْ مِمَّا آتَانَا اللهُ ابتِغَاءَ وَجهِهِ ، وَلْنَحذَرِ الطَّمَعَ وَالجَشَعَ ، وَخَاصَّةً مَا كَانَ مِنهُ دَاعِيًا إِلى أَكلِ الحَرَامِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُم مُؤمِنِينَ . فَإِنْ لم تَفعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَربٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبتُم فَلَكُم رُءُوسُ أَموَالِكُم لا تَظلِمُونَ وَلا تُظلَمُونَ . وَإِنْ كَانَ ذُو عُسرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيرٌ لَكُم إِنْ كُنتُم تَعلَمُونَ . وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ "
 
 
الخطبة الثانية :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن إِتمَامِ المَعرُوفِ في القَرضِ الحَسَنِ ، أَلاَّ يُلحِقَهُ صَاحِبُهُ بِمَنٍّ وَلا أَذًى ، وَلا إِلحَافٍ في المُطَالَبَةِ بِالوَفَاءِ وَهُوَ يَعلَمُ حَاجَةَ صَاحِبِهِ وَضِيقَ حَالِهِ ، وَأَن يَكُونَ سَمحًا في طَلَبِهِ وَاستِيفَائِهِ ، فَهُوَ في الأَصلِ إِنَّمَا بَدَأَ بِهِ طَلَبًا لِمَا عِندَ اللهِ مِن عَظِيمِ الأَجرِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ ، وَأَجرُهُ مَا يَزَالُ جَارِيًا بِقَدرِ إِنظَارِهِ صَاحِبَهُ المُعسِرَ ، وَمَا عِندَ اللهِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا ، وَالعِبرَةُ بِبَرَكَةِ المَالِ وَالانتِفَاعِ بِهِ وَنَفعِ النَّاسِ ، لا بِكَثرَتِهِ وَإِحكَامِ حِفظِهِ ، وَالتَّمَتُّعِ بِمَا في الخَزَائِنِ أَوِ الحَسَابَاتِ مِنهُ مِن أَرقَامٍ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " مَن طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطلُبْهُ في عَفَافٍ ، وَافٍ أَو غَيرُ وَافٍ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشتَرَى وَإِذَا اقتَضَى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَمَعَ هَذَا ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالاً ، وَحَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ الوَفَاءُ لَهُ أَسرَعَ مَا يُمكِنُهُ وَأَوفَاهُ وَأَكمَلَهُ ، وَأَلاَّ يُلجِئَهُ إِلى مَا لا يُحمَدُ بِسُوءِ القَضَاءِ أَوِ المُمَاطَلَةِ ، وَإِذَا طَلَبَ صَاحِبُ الحَقِّ حَقَّهُ وَرَغِبَ في استِيفَائِهِ ، وَكَانَ الغَرِيمُ مَلِيئًا غَنِيًّا ، وَمَطَلَهُ وَسَوَّفَ بِهِ ، فَهُوَ وَالحَالَةُ هَذِهِ ظَالِمٌ لَهُ ، وَالظُّلمُ مُحَرَّمٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " مَطلُ الغَنيِّ ظُلمٌ ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُم عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَنهُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَجُلاً أَتى النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَتَقَاضَاهُ فَأَغلَظَ لَهُ ، فَهَمَّ بِهِ أَصحَابُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " دَعُوهُ ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مقالاً " ثم قَالَ : " أَعطُوهُ سِنًّا مِثلَ سِنِّهِ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لا نَجِدُ إِلاَّ أَمثَلَ مِن سِنِّهِ . قَالَ : " أَعطُوهُ ؛ فَإِنَّ خَيرَكُم أَحسَنُكُم قَضَاءً " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَعَن أَبي رَافِعٍ مَولَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : استَسلَفَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَكْرًا ، فَجَاءَتهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ : فَأَمَرَني رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَن أَقضِيَ الرَّجُلَ بَكرَهُ ، فَقُلتُ : لا أَجِدُ في الإِبِلِ إِلاَّ جَمَلاً خِيَارًا رَبَاعِيًّا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَعطِهِ إِيَّاهُ ؛ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحسَنُهُم قَضَاءً " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَعَن عَبدِاللهِ بنِ رَبِيعَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - استَسلَفَ مِنهُ حِينَ غَزَا حُنَينًا ثَلاثَينَ أَو أَربَعِينَ أَلفًا ، قَضَاهَا إِيَّاهُ ثم قَالَ لَهُ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " بَارَكَ اللهُ لَكَ في أَهلِكَ وَمَالِكَ ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الوَفَاءُ وَالحَمدُ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
المرفقات

الحسن-2

الحسن-2

الحسن-3

الحسن-3

المشاهدات 2123 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا