(خطبة) القرار في البيوت

خالد الشايع
1446/03/09 - 2024/09/12 18:40PM

الخطبة الأولى ( فضل القرار في البيوت في هذا الزمن )   10/3/1446

أما بعد فيا أيها الناس : نحن في زمن كثرت فتنه ، انتشرت شهواته ، فما يخرج أحد من بيته سواء لعمل أو لنزهة ، إلا وتصيبه بعض فتن وشهوات هذا الزمن ، سواء الناس في ذلك الرجل والنساء والأطفال ، فكان لزاما على كل عاقل ألا يخرج من بيته إلا لحاجة أو ضرورة ، وما عداها فالسلامة هي مكثه في بيته ، واشتغاله بما ينفعه ، ومخالطة الأهل والأولاد وتربيتهم على النهج القويم والخلق السليم ، فالعالم خارج البيت مكتظ بالبلاء ، من حوادث ومشاكل وجهل وجهال ، حتى إن الخارج من البيت يخشى عليه حتى يعود ، فإذا عاد سالما عُّد ذا في حقه نعمة عظيمة ، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على لزوم البيت وبين أنه النجاة  حتى في زمنه الجميل ، فقد أخرج أحمد في مسنده من حديث عقبة ابن عامر قال: قلت:[ يا رسول الله، ما النجاة؟. قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك].

معاشر المسلمين : كم في القرار في البيت سواء للرجل أو المرأة من الخير العميم للمجتمع بأسره ، أقول هذا لما رأيت الناس يتهافتون للخروج من المنزل بلا حاجة ، فقط للتسكع في الطرقات ، ومزاحمة الناس ، والذهاب للأسواق بلا حاجة ، والمطاعم والكفيات ، وبهذا انتشرت الفتن ، والهرج والمرج .

وقرار المرأة في بيتها ، أعظم فائدة ومنفعة ، وقد فطرت على هذا ، وإن قرار المرأة في بيتها عزيمة شرعية، وخروجها منه رخصة تُقَدَّر بقدرها. فالأصل لزوم النساء البيوت، لقول الله تعالى: {وَقَرْ‌نَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]. فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة. ولهذا جاء بعدها: {وَلَا تَبَرَّ‌جْنَ تَبَرُّ‌جَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية. والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالـجُدر والـخُدُور عن البروز أمام الأجانب، وعن الاختلاط، فإذا برزن أمام الأجانب، وجب عليهن الحجاب باشتمال اللباس الساتر لجميع البدن، والزينة المكتسبة. ومَن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة -والله أعلم- مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك. قال الله تعالى : {وَقَرْ‌نَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، وقال سبحانه: {وَاذْكُرْ‌نَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34]، وقال عز شأنه: {لَا تُخْرِ‌جُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1]. وبحفظ هذا الأصل تتحقق المقاصد الشرعية الآتية: [1]- مراعاة ما قضت به الفطرة، وحال الوجود الإنساني، وشرعة رب العالمين، من القسمة العادلة بين عباده من أن عمل المرأة داخل البيت، وعمل الرجل خارجه. [2]- مراعاة ما قضت به الشريعة من أن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي -أي غير مختلط- فللمرأة مجتمعها الخاص بها، وهو داخل البيت، وللرجل مجتمعه الخاص به، وهو خارج البيت. [3]- قرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية -البيت- يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت: زوجة، وأمـَّا، وراعية لبيت زوجها، ووفاء بحقوقه من سكن إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومربية جيل.  وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»  [4]- قرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضات وغيرها، ولهذا فليس على المرأة واجب خارج بيتها، فأسقط عنها التكليف بحضور الجمعة والجماعة في الصلوات، وصار فرض الحج عليها مشروطًا بوجود محرم لها. وقد أخرج أحمد وأبو داود من حديث أبي ابن واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجته: «هذه ثم ظهور الحصر» . قال ابن كثير رحمه الله تعالى في التفسير: "يعني: ثم الْزَمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت" انتهى. وقال الشيخ أحْمد شاكر رحمه الله تعالى معلقًا على هذا الحديث في (عمدة التفسير: [3/11]): "فإذا كان هذا في النهي عن الحج بعد حجة الفريضة -على أن الحج من أعلى القربات عند الله- فما بالك بما يصنع النساء المنتسبات للإسلام في هذا العصر من التنقل في البلاد، حتى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات إلى بلاد الكفر، وحدهن دون محرم، أو مع زوج أو محرم كأنه لا وجود له، فأين الرجال؟! أين الرجال؟!!" انتهى.

اللهم استر على نساءنا من التبرج والسفور ، أقول قولي هذا ....

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : الجهاد في سبيل الله فريضة عظيمة وشعيرة مقدسة وقد أسقط الله عن المرأة فريضة الجهاد، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتدبت امرأة لقتال ولا لمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمة واختلال تصوراتها.   وأخرج الإمام احمد في مسنده من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: "يا رسول الله! تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟ فأنزل الله: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّـهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء:32]" 

ولقد نهجت نساء السلف منهج الاستجابة التامة لهذه الآية . قال القرطبي في تفسيره أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها !
وذكر أن سودة قيل لها : لمَ لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ؟ فقالت قد حججت واعتمرت ، وأمرني الله أن أقر في بيتي . قال الراوي فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها رضوان الله عليها .
قال ابن مسعود ما تقربت امرأة إلى الله بأعظم من قعودها في بيتها .
قال ابن العربي لقد دخلت نيفاً على ألف قرية فما رأيت نساء أصون عيالا ولا أعف نساء من نساء نابلس التي رمي بها الخليل، فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهارًا إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى، ولقد رأيت في المسجد في الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه .ا.هـ [من تفسير القرطبي ] .

عباد الله : رجالا ونساء شيبا وشبابا ، جربوا القرار في البيوت وستجدون الراحة والطمأنينة والسكينة والعافية في الدين والدنيا ، ليكن بيت أحدنا هو راحته ومستقره وملجؤه .

اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك ...

المرفقات

1726155626_فضل القرار في المنزل في آخر الزمان.docx

المشاهدات 1034 | التعليقات 0