خطبة: الفرحُ بالشّتاءِ بينَ الخلفِ والسّلف
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: الفرحُ بالشّتاءِ بينَ الخلفِ والسّلف
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ تَعاقبَ الليالي والأيّام، وتَقَلُّبَ الفصولِ والأعوام، آيةٌ مِن آياتِ اللهِ الباهرات، التي تَحملُ في طَيّاتِها العِبَرَ والعِظَات، وها نحنُ في مَطلعِ فَصلِ الشّتاء، الذي يَفرحُ النّاسُ بِقدومِه لأجوائِه المَطَرِيِّة، ورِحْلاتِهِ البَرِيَّة، وأَكْلاتِهِ الشِّتْوِيَّة، وقد كانَ السّلفُ رحمَهم اللهُ كذلكَ يَفْرَحُونَ بقدومِ الشّتاء، كانَ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه إذا دَخلَ الشّتاءُ يَقول: مَرحبًا بالشّتاء؛ تَتَنَزَّلُ فيه البَرَكَة، ويَطُولُ فيه اللّيلُ للقيام، ويَقْصُرُ فيه النّهارُ للصّيام. وقالَ عمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ اللهُ عنه: الشّتاءُ غَنيمةُ العابدين. وقالَ الحسنُ رحمَه الله: نِعْمَ زَمانُ المؤمنِ الشّتاءُ، ليلُه طَويلٌ يَقومُه، ونَهارُه قَصيرٌ يَصومُه. هذا فَرَحُهم وذاك فَرَحُنا، لا تَعْرِضَنَّ بِذِكْرِنَا في ذِكْرِهِمْ* ليسَ الصّحيحُ إذا مَشَى كالمُقْعَدِ. فالشّتاءُ عندَهم رَبيعُ المؤمن، يَرْتَعُ فيه في بَساتينِ الطّاعاتِ والعبادات، فَيَتَلَذَّذُونَ بعمارةِ أوقاتِه، ويَتَحَسَّرُونَ لانقضائِه وفَوَاتِه، بَكى مُعاذُ بنُ جبلٍ رضيَ اللهُ عنه عندَ وفاتِه وقال: إنّما أَبكي على ظَمَأِ الهواجرِ، وقِيامِ ليلِ الشّتاء، ومُزاحمةِ العلماءِ بالرُّكبِ عندَ حِلَقِ الذِّكْر. فما أجملَ أنْ يَسْتَمْتِعَ المؤمنُ بما أَحَلَّ اللهُ له في الشّتاء، والأجملُ أنْ لا يَنْسَى نَصيبَه فيه مِن الآخرة، فيُجاهدُ نفسَه فيه على الصّيامِ والقيامِ وصِلةِ الأرحامِ وشُهودِ الجماعات، ومُساعدةِ الفقراءِ والمساكينِ بما تَجُودُ به نفسُه مِن الصّدقات، وعندَ اشْتدادِ البَرْدِ يَتَذَكّرُ ويَتَفَكَّرُ في زَمهريرِ جهنّم، فإنّ شِدَّةَ البَرْدِ مِن زَمهريرِ جهنّم، فيُكثرُ مَن التّعَوُّذِ باللهِ منها، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: وأَشدُّ ما تَجدونَ مِن البَرْدِ مِن زَمهريرِ جهنّم. نَسألُ اللهَ أنْ يُجيرَنا منها ووالدِينا والمسلمين، وأنْ يَرزقَنا الجَنّةَ (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا) فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وجاهدوا أنفسَكم في أيّامِ وليالي الشّتاءِ الباردةِ على المسارعةِ إلى الخيرات، وإسباغِ الوضوءِ على المَكارهِ والصّبرِ على الطّاعات، ومُساعدةِ الضُّعفاءِ والمساكينِ فإنّها مِن أعظمِ القُرُباتِ. اللهمّ وَفّقْنا لعمارةِ أوقاتِنا بطاعتِك، وأَعِنّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسْنِ عبادتِك، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشّركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأَنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في غزّةَ وفلسطينَ، وفي كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ عليك باليهودِ الغاصبين، والصهاينة المعتدين، اللهم عليك بهم فإنّهم لا يُعجزونَك، اللهمّ أَنزلْ بهم بأسَك الذي لا يُرَدُّ عن القومِ المجرمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصّالحةَ النّاصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رَشَدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدّعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
دعاء الاستسقاء،،،
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَن صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 2/ 6/ 1445هـ