خطبة .. ( الـتـوكــل ) للشيخ : نايف بن حمد الحربي

عزام عزام
1434/03/18 - 2013/01/30 17:33PM
[font="]خطبة التوكل.. جامع العزيزية بالقيصومة[/font]
[font="] 13/3/1434هـ[/font]


[font="]للشيخ : نايف بن حمد الحربي
[/font]



[font="]الخطبة الأولى[/font]
[font="]
[/font]
[font="]الحمدُ للهِ الخيرُ محضُ نعمته, والشدائدُ بالغُ حكمته, والهدايةُ سابغُ منّته, الكُلُ يدعوه عند اشتدادِ إحنته, لكنّما المسرفُ يستنكفُ عند انفراجِ كربته, وأمّا المؤمنُ, فيزدادُ تسليّماً, استشعاراً لواسعِ رحمته, فشتانَ ما بيّنَ خاضعٍ في شدةٍ ورخاء, وما بيّنَ متلونٍ تَبَعاً لحالته, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له, وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ, صلى اللهُ وسلّمَ وباركَ عليه, وعلى آلهِ وصحبه, وتابعيّهم بإحسانٍ إلى يوم الدين..[/font]
[font="]أما بعد:[/font][font="] فعليكم بتقوى اللهِ عبادَ الله, تجدونَهَا صديّقَ وُدٍ وافي, إلى المكرماتِ داعِ, وعن المخزياتِ مجافي..[/font]
[font="]معاشر المسلمين: [/font][font="]مَن خاف من شئٍ, فرَّ منه, ومَن اطمئن إلى شئٍ, سكن إليه, لكن, مَن خافَ اللهَ, مَن يؤمنه منه؟ سؤالٌ, توّجل منه القلوب, وتضطرب له الأركان, ويَقِفُ منه شعر الأبدان, والحقيقة التي تسلّم بها حتى العجماوات {[/font][font="]وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ[/font][font="]} فعنها الله قد أخبر {[/font][font="]وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ[/font][font="]} والرسولُ المُثُلَ بها قد ضرب, ففي مسلم " يدخل الجنة أقوامٌ أفئدتهم مثل أفئدة الطيّر " وعند الترمذي " لو أنكم توكلون على الله حق التوكل, لرزقكم كما يرزق الطيّر " فهي لربها منزّه, وفي جميع شؤونها على ربها متوكلة, حتى إذا ما مسها الألم, وأحست منه شدة السقم, رفعت إلى السماء رُؤوسَهَا, وفاضت من المحاجر دموعُهَا, مَن فطرها على هذا؟ أمّن هداها لهذا؟ انظر إلى حالها, وتبصّر في شأنها, ثم تفطّن, أنّ مَن توكلت عليه في إيجاد رزقها, هو مَن التجأت إليه لكشف ضرها, فهي متعلقةٌ بربها, في حال شدتها ورخائها, فيا سبحان الله, عجماواتٌ. أحصفُ من ذوي ألباب, وإن كانت هذه هي الحال في الأصل في ذويّ الألباب, إذْ أنّ الفقر في قلوبهم إلى الله, هو فقرٌ ذاتي, لا يستطيع أيٌّ منهم وإن كابر, إلا أن يقرَّ به مستكيّنا, وتأمل في حالهم, إذا ما نزلت بأحدهم مهمّة, أو حلّت بساحه مدلهمّة, وستجد قلبه يتوجه فطرةً نحو السماء, سائلاً مَن يجيب المضطر, ويكشف الضر, فيقطعُ التوكلُ على الله مِن قلبه, علائقَ التعلّقَ بغيره, فتأتي الاستجابة مِن الله, ولو كان الداعي كافرا {[/font][font="]أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ[/font][font="]} هذا شأنهم في حال الضرورة, أمّا في حال الرخاء, ففي شؤونهم فتأمل, فمنهم مَن قال: {[/font][font="]رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير[/font][font="]} وآخرين اللهُ عنهم أخبر: {[/font][font="]فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ[/font][font="]} وصنفٌ ثالث, يَعْرِضُ المرءُ لذكرهم على وجل, خشيّةَ أن يكون منهم { [/font][font="]وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ [/font][font="]ۚ[/font][font="] كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[/font][font="]} هذا هو واقع الحال, لكن لا يرضى بالدون إلا دنيّ, فأهل الإسلام, ومَن يرجون الله والدار الآخرة, ينبغي لهم أن يترقوا في درجات الكمال, وفي الأثر " هذه أمتك, ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنّة بلا حسابٍ ولا عذاب " جِمَاعُ أمرهم, أنّهم على ربهم يتوكلون, فالله قد جعل التوكل عليه, شرطاً للإيمان, وأخبر بمحبته لأهله, وكفايته لهم, ففي التنزيل {[/font][font="]وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[/font][font="]} وفي التنزيل {[/font][font="]إنًّ اللهَ يُحبُّ المتوكّلين[/font][font="]} وفي التنزيل {[/font][font="]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[/font][font="]} وهذا, لا يتأتى مِن فراغ, وإنّما هو نَتَاجُ صدقِ يقينٍ بعلم الله المطلق, الذي وسعَ كُلَ شئ, ومشيئتِه النافذة, التي لا يخرج عنها شئ, وأنّ خِيّرَتَهُ لعبده, خيّرٌ مِن خيّرة العبد لنفسه, ورجاء تحقيق هذا, أَعْمِلْ فكركَ معيّ في ثلاث إلّماحات..[/font]
[font="]الأولى: تدبّر {[/font][font="]وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ[/font][font="]} وتدبّر {[/font][font="]وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[/font][font="]}[/font][font="] وتدبّر ثالثة {[/font][font="]وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[/font][font="]} [/font]
[font="]بل, ليكن قلبُكَ بالله أكثرَ تَعَلُقَا, وعليه أعظمَ توكُلا, إذا ما عَلِمْت في الإلماحة الثانية: أنّ ما بِكَ من خيّرٍ فهو مِن الله, ومِن الله وحده, وما أصابك مِن ضُرٍّ, فمن الله أيضا, لا يكشف عنك هذا, أحدٌ إلا الله, ولا يقطع عنك ذاك, أحدٌ دون الله, فتأمل {[/font][font="]وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ[/font][font="]}[/font][font="] وتأمل ثانية {[/font][font="]إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ[/font][font="]} وثالثة تيّقض: "ياغلام إني أعلمك كلمات, احفظ الله يحفظ, احفظ الله تجده تجاهك, إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ, لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك, ولو اجتمعوا على أن يضروك بشئ, لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك, رُفِعَت الأقلامُ وجفت الصحف" فهل تعلم أمراً, يُورِثُكَ العزيّمةَ وراحةَ البال معاً, كما يُورِثُكَ إيّاهُمَا, تَعَلُقَكَ بالله؟[/font]
[font="]وليزداد يقينك بهذا, تأمل معيّ, في الإلماحة الثالثة: في غزوة بدر, تلتحم الصفوف, ويحمى الوطيس, ويرمي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالحصباء, وتتنزل الملائكةُ فتقاتل مع المؤمنين, ومع هذا كله, يُقَرِرُ الله, أنّ النصرَ لم يكن بقتال المؤمنين, ولا بحصباء النبيّ, ولا بنزول الملائكة وقتالهم, وإنّما النصرُ مِنَّةٌ مِن الله عليهم, وإن كانوا هم مِن أسبابه, فتدبّر {[/font][font="]فَلَمْتَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ[/font][font="]} وتدبّر ثانية { [/font][font="]وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى[/font][font="]} وعن أثر الملائكة في المعركةِ تدبّر ثالثة {[/font][font="]وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ[/font][font="]} وتبقى الحقيقة {[/font][font="]وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[/font][font="]} وليس في هذا تعطيلٌ للأسباب, وإنّما هو زيّادةُ جرأةٍ في الأخذ بها, إذا ما تهيّبَ مِن عواقبها المرجفون, ليقيننا بأنّ النتائج موكولةٌ إلى الله, وأمّا هي فأسباب حسيّة, أُمِرنا بالأخذ بها, تمشيّاً مع سنن الله الكونيّة, فالتوكل طمأنينة القلب, وإن تحركت الجوارح.[/font]
[font="]أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ..[/font]






[font="]الخطبة الثانية[/font]


[font="]
[/font]

[font="]الحمدُ لله أعظمُ مَن يُرجى, والحمدُ لله أحقُ مَن يخشى, والحمدُ لله مِنه المبتدأ, وإلى ربيَّ الرجعى, مَن استغنى به أدرك الغِنَا, ومَن التجأ إليه اعتضد بالجانب الأقوى, ومَن استهداه سلك به سبيّل أهل الهدى, نسألُهُ خشيته, ونعوذُ به غلباتِ الهوى, وصلى الله وسلم على عبد ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه, ومَن سار على النهج واقتفى..[/font]
[font="]أمّا بعد:[/font][font="]أهل الإسلام, التوكل في قلوب العباد, يتفاوت بتفاوت متعلقاته في نفوسهم, فمتوكلٌ لحفظ دينه في ذاته, ومتوكلٌ لحفظ ولده وماله, وثالثُ متوكلٌ لنيل مطلوبه والنجاء من مرهوبه, لكنّما أعظمهم مُتَعَلقَا, مَن توكل على الله لإقامة شرعه في الناس, إذْ أنه توكل الأنبياء, وبه يُقطَعُ زائِغُ الأهواء, فتتحركُ لمناكفته حفائض الأعداء, وفي الأثر "ما جاء أحدٌ بمثل ما جئت به إلا عوّدي" فمَن سلك سبيلهم ناله ممّا نالهم, فلربما أوثقوك, ولربما عن بلدك أجلوك, ولربما سوّلت لهم أنفسُهُم فقتلوك { [/font][font="]وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ[/font][font="]} هذا ما يدركون, أمّا مالا يدركون {[/font][font="]وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[/font][font="]} وفي الأثر " آمَنَّا برب الغلام " وفي التنزيل {[/font][font="]إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا[/font][font="]} ولربما بما لديّهم أغروك, أو مِن ضيق المعيّشة خوفوك, فليكن رادعك عن الأولى {[/font][font="]وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ[/font][font="]} {[/font][font="]وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى[/font][font="]} وعونك على الثانية {[/font][font="]مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}[/font][font="] {[/font][font="]هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ[/font][font="]} {[/font][font="]ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا[/font][font="]} ودُبُرَ كُلِ صلاة " لا مانع لمّا أعطيت, ولا معطيَّ لِمَا منعت, ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجدُّ " وفي كل صباحٍ ومساء " ما بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريّك لك " فقم بأمر الله, كما أمرك الله, ولا تُلبَسَ الخورَ لباسَ التعقُل, فلا بد وأن يتمايزان, والفيّصلُ بينهما العمل..[/font]
[font="]حتى إذا ما حرّقتكَ الشجون, وسآت منك الظنون, فردد {[/font][font="]أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ[/font][font="]} فماذا عسى أن يبلُغَ منك من هو في الدون, إذا كان تعلُقَكَ بربه, وكن على بصيّرة, بأنّ مَن قاموا لثنيّك, قد أخافهم الشيطان, فهُرِعُوا لإخافتك {[/font][font="]إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[/font][font="]} ومِن خبر أبي بكر " أجبارٌ في الجاهليّة, خوارٌ في الإسلام؟ " ولا تتوانَ, فالنتيجة محسومة {[/font][font="]وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُواأَمْثَالَكُمْ[/font][font="]} وإنّما اجهد لنصرة دينك, والتمس الإعذار إلى ربك, وليكن حاديّك {[/font][font="]وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ[/font][font="]}[/font]
[font="]سددَ اللهُ المساعي, وأعاذنا مِن شرِ كُلِ مَن كان بالشرِ ساعي, وأصلحَ أعمالنا, وأجارنا مِن بوارِالمتاعي..[/font]
[font="]اللهم أعز الإسلام والمسلمين, .. [/font]
المشاهدات 3656 | التعليقات 2

وأنعم بالله وأكرم به؛ ما أجملها من آية وما أعضم مضمونها "أليس الله بكاف عبده" بلى. وكفى به وكيلا وكفيلا وحسبنا به وليا ونصيرا.

نفع الله بكم


بارك الله فيكم أخي زياد .